أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - آليات الهيمنة الأيديولوجية: دور الوثنية السياسية والطاعة المطلقة في إدامة النيوكولونيالية















المزيد.....

آليات الهيمنة الأيديولوجية: دور الوثنية السياسية والطاعة المطلقة في إدامة النيوكولونيالية


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 17:53
المحور: المجتمع المدني
    


البيئة الحاضنة للوثنية السياسية
إنّ الوثنية السياسية لا تنشأ أو تزدهر في المجتمعات التي تتبنى آليات ديمقراطية تسمح بتداول السلطة. ففي تلك المجتمعات، يُنظر إلى الحاكم على أنه مجرد مُنفِّذ للسياسات، يُختار وفق نظام موضوع سلفاً، ويمكن استبداله دون تردد إذا انحرف عن المسار أو أخفق.
كما تغيب هذه الظاهرة في المجتمعات المتقدمة علمياً والمتمتعة بوعي نقدي، حيث يدرك الشعب حقوقه وواجباته، ويعي أن الحاكم مسؤول أمام المجتمع عن السهر على مصالحه ورعاية شؤونه. فهذه الشعوب تنصرف إلى متطلبات التقدم العلمي عوضاً عن تقديس أي شخص كان. وفي المقابل، لا يمكن أن تنتشر الوثنية السياسية في المجتمعات التي تُحكم بشريعة الله، لأن الشريعة تشدد على نبذ الوثنية باعتبارها المدخل الصحيح للتوحيد.

نقد مفهوم الاستكانة (صناعة الطاعة المطلقة)
تُعدّ صناعة الطاعة المطلقة ركيزة مكمّلة وضرورية للوثنية السياسية. فالهدف من هذه الصناعة هو إزالة أي إمكانية للمراجعة أو المساءلة، وضمان الإذعان غير المشروط.
إن فرض الطاعة المطلقة يُنشئ "ثقافة الامتثال" بدلاً من "التفكير النقدي"، الأمر الذي يفضي إلى السلطوية الفكرية وقمع النقد. والأهم من ذلك، أن الطاعة المطلقة تمثل جسراً هيكلياً بين الهيمنة الأيديولوجية والاستغلال الاقتصادي؛ فالقوى الاستعمارية الجديدة لا تحتاج فقط إلى حاكم عميل، بل تحتاج إلى مجتمع خاضع لا يثور. الطاعة المطلقة تلغي مبدأ المقاومة (سنة المدافعة)، مما يضمن الاستقرار الداخلي الذي يسمح باستدامة عملية استنزاف الفائض الاقتصادي التي تتحدث عنها نظرية التبعية.

الإطار النظري للسيطرة غير المباشرة (النيوكولونيالية)
تشير النيوكولونيالية إلى ممارسة السيطرة الاقتصادية والسياسية غير المباشرة على الدول التي نالت استقلالها الشكلي بعد الحرب العالمية الثانية. جوهر هذا المفهوم هو أن الدولة التابعة تكون "مستقلة نظرياً ولها جميع مظاهر السيادة الدولية"، لكن في الواقع، يبقى نظامها الاقتصادي، وما يتبعه من تشكيل للوثنية السياسية والاستبداد، شرطاً هيكلياً مسبقاً لاستدامة التبعية للمستعمر. لكي تتمكن قوى النيوكولونيالية من استنزاف الفائض الاقتصادي، فإنها تحتاج إلى نظام داخلي يضمن عدم المقاومة الشعبية لهذا الاستنزاف. لهذا السبب، يُنظر إلى الأنظمة الاستبدادية، التي تعتمد على الوثنية السياسية والطاعة المطلقة لـ “تحصين" نفسها ضد الثورة والمدافعة، كشريك مثالي. فالاستبداد الداخلي هو الضامن الهيكلي للاستقرار السياسي الذي تتطلبه الهيمنة الخارجية.

تكريس التبعية المالية والسلطوية
تمثل المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أدوات رئيسية في إدامة أنظمة التبعية. تأسست هذه المؤسسات لتعزيز التعاون والتنمية، حيث يركز البنك على التنمية طويلة الأجل، بينما يركز الصندوق على استقرار الاقتصاد الكلي. ومع ذلك، من منظور النقد النيوكولونيالي والتبعية، تُتهم هذه المؤسسات بفرض شروط وسياسات اقتصادية (غالباً ما تكون مؤلمة شعبياً) تخدم في المقام الأول مصالح المراكز الرأسمالية، مما يفاقم التبعية. وهنا يبرز الارتباط الوظيفي بين هذه المؤسسات والأنظمة الاستبدادية.
فالأنظمة المعتمدة على الطاعة المطلقة تكون أكثر قدرة واستعداداً لتطبيق الإصلاحات المؤلمة التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، وذلك بسبب غياب المساءلة الديمقراطية. إن الدعم المالي والاعتراف الدولي الذي تحصل عليه هذه الأنظمة السلطوية يمثل مكافأة على تكريسها للوثنية السياسية. وعندما يقدم الغرب هذا الدعم للأنظمة التي تكرس تقديس الحاكم، فإنه يوفر لها أدوات البقاء، سواء كان ذلك عبر الدعم الاقتصادي، أو عبر التكنولوجيا اللازمة للتعبئة السياسية والرقابة، مما يعزز الاستبداد والوثنية السياسية داخلياً. هذا الدعم يلغي أي ضغط شعبي قد يدفع الحاكم إلى المراجعة، لذا يُحوَّل الدعم الاقتصادي إلى أداة لترسيخ الاستبداد الذي يضمن الوصول السهل إلى الموارد.

هندسة الوعي الجمعي وتجنيد النخب
إن الاستعمار الجديد (النيوكولونيالية) لا يعتمد على العنف المباشر فحسب، بل يرتكز بشكل أساسي على استتباع النخب المحلية. هذه النخب، التي يتم توظيفها برضا منها، تمثل "المفاتيح الطبيعية لأي مجتمع"، وتتميز بنقاط ضعف متعددة مثل الحاجات والرغبات والمطامع.
وظيفة هذه النخب مزدوجة: فهي تخدم المصالح الخارجية، وفي الوقت ذاته، تعزز استدامة الأنظمة الاستبدادية الداخلية التي تتبنى الوثنية السياسية. تُعد النخبة التابعة ضرورية لأنها تمتلك المشروعية والسلطة الثقافية اللازمة لإضفاء الشرعية على الهيمنة الخارجية. تتولى هذه النخب (الأكاديمية، والصحفية، والمشرّعنة) تقديم قراءات تعسفية أو توفير الدعم الشرعي لمشاريع الهيمنة.
كما تقوم النخبة بوظيفة حيوية تتمثل في التخفيف من عبء الهيمنة المباشرة و"امتصاص ردود فعل الجمهور الغاضب من خسارة السيادة والموارد". هذا التوظيف للنخب يمثل الطريق الأقصر للهيمنة، والأقل تكلفة مقارنةً بالتعامل العادل مع الشعوب. غالباً ما تكون العلاقة بين النخب التابعة والقوى الخارجية ليس مجرد ولاء، بل يتم فرضه عبر "إكراه ملطف ومتفق عليه"، حيث يتم ابتزاز النخب من خلال ربطها بالبنى التحتية المالية والاقتصادية والمعلوماتية الخارجية، مما يضمن طاعتهم للنظام الخارجي وإدامتهم للوثنية السياسية محلياً.

النتائج الاستراتيجية
إن صناعة الوثنية السياسية والطاعة المطلقة هي الآلية الأيديولوجية المركزية التي تسمح "بالهيمنة الأكثر فعالية" للنيوكولونيالية. هذه الآليات لا تمثل مجرد ظواهر داخلية، بل هي ترجمة للمصالح الاقتصادية الخارجية في شكل نظام سياسي داخلي مستقر وغير قابل للمساءلة. تتجسد هذه العلاقة في حلقة مفرغة.
فالنيوكولونيالية تحتاج إلى استقرار سلطوي لضمان سحب الفائض الاقتصادي (التبعية). هذا الاستقرار يُصنع عبر الوثنية السياسية (تقديس الحاكم وتأليهه). ويتم تنفيذ وتبرير هذه الوثنية بواسطة النخب التابعة التي توفر الشرعية وامتصاص الغضب، وبواسطة إعلام السلطة الذي يهندس الوعي الجمعي ويُشكِّل مجتمعاً ممتثلاً.

الاستنتاجات والتوصيات الإستراتيجية
تعزيز الاستقلال الفكري والسياسي: يجب إعادة تأطير مفهوم "طاعة الحاكم" ضمن الفكر السياسي والاجتماعي ليصبح طاعة وظيفية ومشروطة بالصالح العام والشريعة، وإلغاء فكرة الطاعة المطلقة أو الاستكانة التي روجت لها أدبيات الاستبداد.
بناء الوعي النقدي والمدافعة: يجب استثمار استراتيجي في إصلاح التعليم والإعلام البديل لتشجيع التفكير النقدي، وترسيخ ثقافة المدافعة ومقاومة الظلم كحق دستوري وشرعي، مما يرفع تكلفة الاستبداد الداخلي ويجبر الحاكم على تلبية مصالح شعبه.
تحدي الهيمنة الاقتصادية عبر التنمية الذاتية: يجب العمل على استراتيجيات تنموية قائمة على التعاون الإقليمي ومواجهة الهيمنة الرأسمالية، وربط المساعدات الدولية (مثل تلك التي يقدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) بشروط الشفافية والحوكمة الديمقراطية، بدلاً من دعم الاستقرار القمعي.
فضح آليات تجنيد النخب: يجب الكشف عن آليات الابتزاز التي تستخدمها القوى الخارجية والأنظمة الاستبدادية لتدجين النخب، والعمل على بناء نخب وطنية مستقلة قادرة على القيادة والتنمية الذاتية بدلاً من أن تكون جسراً للسيطرة الخارجية.
-------------------------
المراجع
Political Idolatry - Shepherd of Hope
الوثنية السياسية وعبادة القصور - رابطة أدباء الشام (odabasham.net)
سجاد مصطفى حمود: تأثير البيئة الثقافية على تشكيل الوعي الجمعي (صحيفة المثقف، almothaqaf.com). (“صحيفة المثقف
... (كونغرا ستار، kongra-star.org)
Neocolonialism | Research Starters (EBSCO)
النيوكولونيالية والتبعية Neocolonialism (Wikipedia)
نظريـة التبعيـة وقضايا البيئة والتنميـة (mail.almerja.com)
آليات الاستبداد الداخلي آليات الاستبداد وإعادة إنتاجه في الواقع العربي - https://koha.birzeit.edu/cgi-bin/koha/opac-ISBDdetail.pl?biblionumber=274944



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكومنتاريا والهيمنة الإمبريالية التكنولوجية
- جاسم عاصي: الناقد الروائي وبناء سردية الهامش العراقي
- النشاط الأنطوإبستيمولوجي الكلي
- الديمقراطية كإشكالية فلسفية
- التحالف الاستراتيجي بين الرأسمالية الريعية والثيوقراطية
- التباين الإبستمولوجي بين العلموية والماهيات الوجودية في الفل ...
- مغالطة الاحتكام إلى التقليد في العقلانية المعاصرة
- ومغالطة الاحتكام إلى التقليد العقلانية المعاصرة
- العقلنة، البيروقراطية، والاستلاب الجديد
- الفصل الثالث والثلاثون من كتاب العدم السريالي
- العلاقة بين أفول القارئ وتراجع سلطة المثقف
- الفصل الثالث عشر: من كتاب العد م السريالي-عظام الوجود ومِطرق ...
- كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ
- إله سبينوزا والإله الوجودي: الجوهر المحايث ونسق الوجود
- الرأسمالية وخلق النخب الموالية
- العلاقة الجدلية بين الفن والثيوقراطية: دراسة فلسفية
- جدلية الفن والواقع: بين المحاكاة والإبداع
- النزعة البدائية والانا المثالية في تشكيل الهوية: مقاربة فلسف ...
- التضارب الأخلاقي في عصر التكنولوجيا: مقاربة فلسفية
- الكسل الفلسفي معضلة وجودية


المزيد.....




- الأمم المتحدة: أكثر من 86 اعتداءً للمستوطنين بالتزامن مع موس ...
- إعدام 400 ألف طائر.. انتشار عدوى انفلونزا الطيور في ألمانيا ...
- الأمم المتحدة: جنين الأكثر تأثرا من اقتحام الاحتلال الإسرائي ...
- الأمم المتحدة: جنين الأكثر تأثرا من اقتحام الاحتلال الإسرائي ...
- أبرز بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الجريمة السيبرانية
- أحدهم حاول الهروب للجزائر.. فرنسا تعلن اعتقال مشتبه بهم بسرق ...
- الجامعة العربية تشارك في مراسم توقيع اتفاقية الأمم المتحدة ل ...
- الأونروا: تضرر نحو 700 منزل في الضفة الغربية منذ يناير جراء ...
- قضية سرقة اللوفر ـ اعتقالات تُقرب العدالة الفرنسية من حل الل ...
- رايتس ووتش تحذر الاتحاد الأوروبي من التراجع عن معاقبة إسرائي ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - غالب المسعودي - آليات الهيمنة الأيديولوجية: دور الوثنية السياسية والطاعة المطلقة في إدامة النيوكولونيالية