أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - ومغالطة الاحتكام إلى التقليد العقلانية المعاصرة















المزيد.....

ومغالطة الاحتكام إلى التقليد العقلانية المعاصرة


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 22:13
المحور: قضايا ثقافية
    


إشكالية التسمية والتعريف
تُعرف مغالطة الاحتكام إلى التقليد، أو مغالطة الاحتكام إلى القِدم، بأنها ادعاء يُعتبر فيه الأطروحة صحيحة أو ذات قيمة استنادًا إلى ارتباطها بتقليد سابق أو ممارسة مستمرة عبر الزمن. الصيغة المعيارية لهذه المغالطة تتلخص في القول: "هذا صحيح لأننا دائمًا ما فعلناه بهذه الطريقة". يكمن جوهر الخطأ المنطقي هنا في معاملة القِدم أو التقليد كدليل كافٍ ووحيد على جدارة الفكرة أو السلوك، دون تقديم أي دليل موضوعي أو استدلال تحليلي يدعم الادعاء.
الاحتكام إلى التقليد مقابل استدرار العطف
تظهر هذه المغالطة في أمثلة واضحة، مثل محاولة طالب تبرير أحقيته في الحصول على درجة ممتازة بحالة جدته المريضة، مدعيًا أنها قد تموت بنوبة قلبية في حال رسوبه. أو محاولة تبرير قبول رسالة دكتوراه بالمدة الزمنية الطويلة التي قُضيّت عليها (سبع سنوات متواصلة)، بدلاً من جودتها العلمية. في جميع هذه الحالات، يتم استبدال المعيار الموضوعي (الجودة العلمية، النتيجة الفعلية) بعامل عاطفي غير ملائم للحكم على صحة القضية الأساسية.
ومع ذلك، لا تكون الحجة مغالطة إذا استخدمت الظروف العاطفية أو المأساوية كسبب ملائم ضمن إطار قانوني أو معياري يمنح حقاً معيناً. على سبيل المثال، إذا أصيب طالب بالبرد ليلة الامتحان وكان يحق له قانوناً امتحان بديل بناءً على هذا الظرف الصحي، فإن المطالبة بالحق ليست مغالطة؛ لأنه لم يستدل على حقه باستدرار العطف، بل بالاستشهاد بحق مكفول في نظام معين. إن الفصل بين المغالطتين ضروري، حيث تتعلق مغالطة الاحتكام إلى التقليد بالزمن والقِدم، بينما تتعلق مغالطة استدرار العطف بالحالة العاطفية والمشاعر. لا يُعد الاحتكام إلى التقليد مجرد خطأ في الاستدلال، بل هو نتاج لافتراضات إبستمولوجية غير معلنة تمنح الماضي سلطة مطلقة، مما يستوجب تحليل هذه الافتراضات الداخلية ومقارنتها بالمغالطات النقيضة.
مغالطات الزمان المتضادة
من الأهمية بمكان وضع مغالطة الاحتكام إلى التقليد في مواجهة نقيضها المباشر، وهو مغالطة الاحتكام إلى الحداثة هذه المغالطة الأخيرة تدعي أن فكرة ما متفوقة لمجرد أنها جديدة، أو أن التقاليد القديمة خاطئة لمجرد. كلا المغالطتين خطيرتان لأنهما ترتكزان على معيار زمني غير ملائم (سواء كان طول المدة أو قصرها) كدليل بديل عن الدليل الموضوعي والحكم العقلاني. إن مغالطة الاحتكام إلى التقليد تكمن في الخلط بين التقليد كعامل تاريخي يجب أخذه في الاعتبار، وبين التقليد كإثبات كافٍ للصحة. فالحجة يمكن أن تكون سليمة إذا ذكر المتحدث أن العرف هو عامل ملائم، ثم قدم حقائق وأدلة داعمة تفسر لماذا هذا التقليد مفيد أو ضروري. لكنه يصبح مغالطة إذا كان التقليد هو المبرر الوحيد للاستمرار أو الصحة، متجاهلاً السياقات المعاصرة والأدلة الحديثة.
العقل التنويري ومناهضة سلطة الجمود
يُعد العصر التنويري مشروعاً فلسفياً يهدف بالدرجة الأولى إلى ترجيح قابلية التقدم الاجتهادي على "واقعية التقليد المذهبي". كان التنوير دعوة للتحرر من الأوهام والسلطات التقليدية التي لا تستند إلى المعقولية. تبنت مدرسة فرانكفورت هذا النقد في النظرية النقدية، حيث عملت على تبديد أوهام السلطة التقليدية وجعلت قلق التفكير يتحمل عناء الحياة. تم توجيه سلاح المعقولية ضد اللاعقلانيات الضاغطة، وطرحت المدرسة مفهوم "العقل التواصلي" ليحل محل "العقل الأداتي"، مؤكدة على ضرورة إرجاع النقد إلى حصنه المنيع ليصبح نقداً للنقد. هذا المسار النقدي يرى أن الاستناد الأعمى للتقليد هو شكل من أشكال التسلط الناعم والخبيث الذي يختفي أحياناً وراء اللغة أو يفصح عن نفسه من خلال الدعاية.
الجذور النقدية للتقليد في الفكر ما قبل الحديث
إن النزعة النقدية للتقليد الأعمى ليست محصورة في التجربة الغربية الحديثة، بل لها جذور عميقة في الفلسفات القديمة وفي الفكر الأصولي. في الفلسفة اليونانية، قام سقراط وأفلاطون بمقاومة النزعات الأخلاقية التي تحتكم إلى العرف والسوابق غير المبررة. فمثلاً، مقاومة أفلاطون وأرسطو لمذهب أرسطبس القوريني الذي رأى أن اللذة هي الخير الأسمى، كانت دفاعًا عن التفكير العقلي في تحديد الخير بدلاً من التسليم بأبسط صور اللذة أو العادة. كما أن استخدام أرسطو للمنطق الصوري كان تطويرًا للمبادئ الأفلاطونية والسقراطية التي أكدت على أهمية التعريف وتحديد المفاهيم، مما يعني رفض التسليم المعرفي غير الدقيق. أما في الفكر الأصولي الإسلامي، فقد كان هناك نقد مبكر وصارم لظاهرة التقليد الأعمى. أكد الإمام الغزالي على أن من شروط المقلد "ألا يعلم أنه مقلد، فإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده". نقد الغزالي للتقليد الفلسفي والديني كان مبنياً على ضرورة إزالة الهوى والتعصب العقائدي والبحث عن اليقين، مشيراً إلى أن التقليد يمكن أن يكون شكلاً من أشكال الخداع الذاتي. كما استدل علماء آخرون، مثل القرطبي، من النصوص القرآنية على ضرورة استعمال "حجج العقول وإبطال التقليد". إن وجود هذا النقد في سياقات إبستمولوجية متنوعة (يونانية، إسلامية، تنويرية) يثبت أن الدافع إلى تجاوز التقليد الأعمى هو خطوة تطورية ضرورية في أي مسار معرفي، تمثل الانتقال من القبول السلبي إلى الإيمان المُبرَّر بالدليل.
الماضوية كإيديولوجيا ثقافية
عندما تتحول مغالطة الاحتكام إلى التقليد من مجرد خطأ منطقي إلى ظاهرة اجتماعية وسياسية، فإنها تتخذ شكل "الماضوية" أو "الرجعية". تُوصف الماضوية بأنها نزعة ثقافية معاصرة تجعل الرجعية موضة العصر وشكلاً من أشكال إثبات الذات في مواجهة الأغيار أو الأعداء. في سياق النظرية التأويلية (الهرمينوطيقا)، أكد هانز جورج غادامير على القيمة الإبستمولوجية للتقليد. يرى غادامير أن الفهم لا يبدأ من فراغ، بل يتطلب دائمًا وعيًا تاريخيًا مسبقًا، أو ما يُعرف بـ "الأفق المسبق". هذا الأفق، المتأصل في تقليدنا، هو الذي يتيح لنا التفسير والتواصل مع الأفكار والنصوص القديمة. بالتالي، لا يعتبر غادامير التقليد عقبة أمام المعرفة، بل هو جزء أساسي من عملية المعرفة نفسها. ففهم نص قديم أو ممارسة تاريخية يستلزم الانخراط في تقليدها لاستيعاب دلالاتها، لكن هذا لا يعني التسليم بصدقها دون فحص نقدي.
الارتباطات بمغالطات السلطة والأيديولوجيا
يرتبط الاحتكام إلى التقليد بمغالطة الاحتكام إلى السلطة في كلتا الحالتين حيث يتم رفض الدليل المباشر لصالح مصدر خارجي. في حالة مغالطة التقليد، يُعامل الماضي نفسه كـ "سلطة غائبة ومثالية" لا يمكن استجوابها، يُعتبر طول المدة دليلا على صدق القائلين، كما أن التمسك بالتقاليد، خاصة خصوصا في المجال الاقتصادي والسياسي يمكن أن يتحول إلى "أيديولوجيا مسلطة". على سبيل المثال، القبول بثقافة اقتصاد السوق كأمر واقع لا راد له، أو القبول بـ "الماضوية"، قد يكون شكلاً من أشكال السلطة الناعمة والخبيثة التي تختفي وراء لغة التبرير أو الدعاية. هنا، يتم تبرير الجمود الفكري أو الاقتصادي ليس بالمنطق، بل بحتمية الاستمرار التاريخي.
=================
المراجع
en.wikipedia.org
Appeal to tradition - Wikipedia
quillbot.com
Appeal to Tradition Fallacy | Definition & Examples - QuillBot
learn.academy4sc.org
Appeal to Tradition: We ve Always Used Catchy Slogans - Academy 4SC Learning Hub
iep.utm.edu
Fallacies | Internet Encyclopedia of Philosophy
الاحتكام إلى القديم (الاحتكام إلى التقاليد) | المغالطات المنطقية: فصول في المنطق غير الصوري | مؤسسة هنداوي
جنايات أرسطو في حق العقل والعلم!!! - منتديات حراس العقيدة
يفتح الرابط في نافذة جديدة
فلسفة الغزالي في نقد التقليد (2-2) - صحيفة المثقف
ecommons.udayton.edu
"Tradition-based Rationality" by Brad Kallenberg - eCommons
ndpr.nd.edu
Gadamer s Century: Essays in Honor of Hans-Georg Gadamer - Notre Dame Philosophical Reviews
journals.uchicago.edu
Alasdair MacIntyre s "Rationality of Traditions" and Tradition-Transcendental Standards of Justification - The University of Chicago Press: Journals



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقلنة، البيروقراطية، والاستلاب الجديد
- الفصل الثالث والثلاثون من كتاب العدم السريالي
- العلاقة بين أفول القارئ وتراجع سلطة المثقف
- الفصل الثالث عشر: من كتاب العد م السريالي-عظام الوجود ومِطرق ...
- كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ
- إله سبينوزا والإله الوجودي: الجوهر المحايث ونسق الوجود
- الرأسمالية وخلق النخب الموالية
- العلاقة الجدلية بين الفن والثيوقراطية: دراسة فلسفية
- جدلية الفن والواقع: بين المحاكاة والإبداع
- النزعة البدائية والانا المثالية في تشكيل الهوية: مقاربة فلسف ...
- التضارب الأخلاقي في عصر التكنولوجيا: مقاربة فلسفية
- الكسل الفلسفي معضلة وجودية
- المسألة الهومرية: من الذاكرة الحية إلى سلطة النص
- معضلة الشر والحرب فلسفيا
- صولون: فيلسوف، وسياسي، وشاعر يوناني قديم
- جمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة عند الفارابي
- من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأ ...
- سقراط... الفيلسوف الذي لم يكتب كلمة
- أفكار أنكساغوراس* عن العقل والاخلاق
- الفَلْسَفَةُ حُبٌّ يُقَيِّد، وَطُموحٌ يَلْتَهِمِ القَلْب


المزيد.....




- ميلانيا ترامب: تربطني بالرئيس بوتين قناة اتصال مفتوحة للمّ ش ...
- السعودية: إحباط تهريب 8.6 كيلوغرام من مخدر -الشبو- عبر منفذ ...
- قوات أمريكية تصل إلى إسرائيل.. ومصدر يوضح مهمتها
- مَن هي الفنزويلية التي فازت من مخبئها بجائزة نوبل للسلام، وه ...
- ماكرون يعيد تعيين سيباستيان لوكورنو رئيسا للوزراء
- بعد ترامب .. السيسي يدعو ميرتس للاحتفال في مصر بوقف حرب غزة ...
- تونس: احتجاجات في قابس تطالب بتفكيك مجمع للفوسفات بعد تسجيل ...
- ما الأبعاد الإستراتيجية العسكرية لوقف إطلاق النار في قطاع غز ...
- مظاهرات في دول عربية احتفالا بوقف الحرب بغزة
- واشنطن تقيم مركز تنسيق في إسرائيل لمراقبة تطبيق اتفاق غزة


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - ومغالطة الاحتكام إلى التقليد العقلانية المعاصرة