أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - معضلة الشر والحرب فلسفيا















المزيد.....

معضلة الشر والحرب فلسفيا


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8462 - 2025 / 9 / 11 - 14:01
المحور: قضايا ثقافية
    


تُعد "مشكلة الشر" من أبرز المعضلات الفلسفية التي أثارت جدلاً واسعًا عبر العصور. يتناول هذا الموضوع السؤال المحوري حول كيفية وجود الشر في عالم يُفترض أنه خُلق بواسطة قوة عليا خيِّرة. قدمت المدارس الفلسفية تفسيرات متنوعة لهذه الظاهرة، بدءًا من الفلسفة اليونانية وصولاً إلى الفلسفة التوحيدية، كما أن ارتباطه بظاهرة الحرب يعكس تعقيدا وتجليا مريرا في الواقع الإنساني. يعتقد أوغسطينوس أن الشر ليس كيانًا مستقلًا، بل هو مجرد غياب للخير. بعبارة أخرى، يظهر الشر عندما يغيب الخير. الا ان بعض الفلاسفة يرى أن الشر ينشأ من حرية الإرادة البشرية، حيث يمتلك الإنسان خيارا، واختياره للشر هو ما يؤدي إلى وجوده في العالم. يُطرح هذا المفهوم في إطار "مشكلة الشر"، وهو جدل مستدام حول كيفية وجود الشر في عالم خلقه إله خيّر.
الشر في الفلسفة اليونانية
تناول الفلاسفة اليونانيون موضوع الشر بطرق متنوعة، مع التركيز على مفاهيم الخير والعدالة والمعرفة. اعتبر هيراقليطس أن الصراع بين الأضداد جزء من الطبيعة، وأن الشر يكون نتيجة لتوازن القوى المتضادة. على النقيض من ذلك، عارض بارمنيدس فكرة التغيير ورأى أن الشر ناتج عن الوهم والجهل.
في "الجمهورية"، ناقش أفلاطون الخير والشر، واعتبر أن الخير هو المثل الأعلى، وأن الشر ينشأ من الجهل. قدّم أفلاطون فكرة "الكهف" التي يمثل فيها السجناء الذين لا يرون سوى الظلال، مما يرمز للجهل الذي يولد الشر. أما أرسطو، فقد نظر للشر من منظور أخلاقي، واعتبره انحرافًا عن الفضيلة، التي رأى أنها تقع في الوسط بين رذيلتين. كما ميّز بين الشر الطوعي، الذي نختاره، وغير الطوعي، الناتج عن الجهل. كما اعتبرت الرواقية أن الشر نتيجة للانفعالات السلبية، كما رأت أن الشر ليس شيئًا حقيقيًا، بل هو نقص في الفضيلة. أما الأبيقورية، اعتقدت أن الشر ينشأ من الخوف، (خاصة من الموت)، وأن السعي وراء اللذة وتجنب الألم هو ما يقود الإنسان نحو الخير.
الشر في سياق الفلسفة التوحيدية
يُعتبر وجود الشر في الفلسفة اليونانية متوافقًا مع مفاهيم التوحيد، مثل فكرة أفلاطون بأن الشر هو غياب للخير، مما ينسجم مع فكرة الإله كمصدر للخير المطلق. "مشكلة الشر" في سياق التوحيد تأتي على شكل سؤال، كيف يمكن أن يوجد الشر في عالم خلقه إله كلي القدرة والخير؟ يجادل البعض بأن الشر نتيجة لحرية الإرادة التي منحها الإله للبشر، بينما يرى آخرون أن الشر قد يكون جزءًا من خطة أكبر لتحقيق الخير. بالمقابل، ترى بعض التقاليد الدينية، مثل الزرادشتية والمانوية، أن الشر كيان مستقل يتعارض مع الخير.
دور الإرادة في خلق الشر
إذا اعتبرنا أن الشر هو نقص في الخير، فإن الإرادة الحرة تلعب دورًا أساسيًا في ظهوره. فالأفراد قد يختارون أفعالًا غير أخلاقية، مما يؤدي إلى وجود الشر. أحيانًا، يرتكب الأفراد أفعالًا شريرة بسبب الجهل أو نقص المعرفة. لذا، يمكن القول إن الإرادة التكوينية مرتبطة بنقص المعرفة، مما يجعل الأفراد يميلون إلى الاختيار الخاطئ. حيث يعتمد الاختيار على الظن، التجربة، الحدس، والإرادة الحرة. هذا يشير إلى أن الإنسان يمتلك القدرة على الاختيار حتى في غياب المعرفة الكاملة، ولكنه يترتب على ذلك أخطارا ونتائج غير متوقعة، والاختيار يتعلق بالأفعال والقرارات التي يتخذها الأفراد، وليس باختيار الشر كوجود مستقل. كما ان الشر يُفهم في سياق الخيارات المتاحة والنتائج المترتبة عليها، مما يجعل الاختيار عملية معقدة. لذا فان الشر ليس شيئًا مخلوقًا بذاته، بل هو حالة تنشأ نتيجة للاختيارات الخاطئة.
القصور الإنساني والتطور
القصور في الفهم يُعتبر جزءًا من طبيعة الإنسان، ويفتح الباب امام التعلم والنمو. رغم أن النقص يمكن أن يكون عائقًا، إلا أنه أيضًا يمكن ان يكون دافعًا للتعلم من الأخطاء والتكيف مع الظروف. في المقابل، إذا كان الفرد يفتقر إلى العناصر الأساسية للتطور، أو إذا كانت الظروف غير مواتية، يكون من الصعب عليه تحقيق تقدم. إن فهم الشر كحالة تنشأ من غياب الخير هو تحليل معقد يتطلب تفكيرًا عميقًا في طبيعة الوجود والإرادة. في بعض الأحيان، الظروف الخارجية يمكن أن تساهم في خلق بيئات تؤدي إلى الشر. على سبيل المثال، الفقر، الظلم، أو النزاعات يمكن أن تخلق سياقات تجعل من السهل اختيار الشر وهنا يمكن أن يكون الشر موجودًا في الخارج حيث إنه يظهر في الظروف والأفعال السيئة، ولكن لا يزال يعتمد على حرية الاختيار لدى الأفراد. في هذا السياق، يمكن فهم الشر على أنه نتيجة لتفاعلات معقدة بين الإرادة الحرة، الظروف الخارجية، ونقص المعرفة.
الحرب كمظهر من مظاهر الشر
الحرب تُعتبر من أبرز مظاهر الشر في العالم، حيث تخلق الفوضى والمعاناة. تُظهر الحرب كيف يمكن للشر أن يتجسد في الأفعال البشرية .من ناحية وجودية تلعب غريزة البقاء دورا مهما(الخوف من الموت والسعي الى الخلود) ، هذه الغريزة تدفع الأفراد إلى اتخاذ قرارات تهدف إلى الحفاظ على الحياة، مما يؤدي إلى أفعال ضارة أو شريرة في سياقات معينة، مثلا الشعور بالتهديد يؤدي إلى سلوكيات عدوانية كوسيلة للدفاع عن النفس .كما ان غريزة البقاء تؤدي إلى تنافس البشر على الموارد المحدودة، مما يولد صراعات ونزعات ، الذي يسهم في استمرار الشر في سياقات اجتماعية متعددة، مثل تشكيل تحالفات أو جماعات، تتضمن أحيانًا تصرفات غير أخلاقية تجاه الخارجين عن المجموعة .هذا الشعور بالانتماء إلى مجموعة معينة يبرر أفعال الشر تجاه المجموعات الأخرى ، تتفاعل هذه الاليات مع العوامل الثقافية والاجتماعية، مما يؤدي إلى جعل الأفعال الشريرة كجزء من ديناميات البقاء. تاريخ الإنسانية مليء بالصراعات والحروب، اغلبها كانت مدفوعة بغريزة البقاء والنجاة، لا تزال هذه النزعة العدوانية البدائية موجودة في الإنسان المعاصر، حيث يمكن أن تظهر في سلوكيات العنف المستمرة حاليا. إن استمرار الشر والحروب رغم التجارب التاريخية التي ساعدت في تشكيل قيم جديدة، يشير الى ان الغريزة البدائية تبقى عاملاً مسيطرًا في معظم السياقات.
غريزة البقاء وسلوك الانسان
تؤثر الغرائز البدائية بشكل عميق على سلوك الإنسان، لكنها تبقى حبيسة تكوينها البدئي وان تأثيرها كان عميقا في التاريخ الانطولوجي للإنسان. مما أدى الى التنافس على الموارد الطبيعية مثل الماء، الغذاء، والأراضي ونشوب اشكال متعددة من الحروب والصراعات، التي دفعت المجتمعات إلى الحفاظ على مكتسباتها أو الاستيلاء على موارد الآخرين، عندما كانت المجتمعات تواجه تهديدات من جماعات أو قبائل أخرى تؤدي بالمجتمعات الى تشكيل تحالفات داخلية وخارجية، في بعض الأحيان، هذه التحالفات تتداخل مع الإيديولوجيات، مما يجعل الجماعات تقاتل تحت شعار حماية معتقداتها، الذي أدى إلى نشوء الحروب المقدسة. العديد من الحروب الاستعمارية كانت مدفوعة برغبة الدول الصناعية في السيطرة على أراض جديدة وموارد، هذه الصراعات غالبًا ما تكون عنيفة ومدمرة. مما دفع الجيوش إلى تطوير أساليب وأدوات جديدة للحرب، زاد من كفاءتها وزاد من حدة الصراعات، وكان الشر عاملاً محوريًا في تشكيل مسارها عبر التاريخ. فهم الشر والحرب فلسفياً يتطلب تحليل العوامل الجينية والاجتماعية والسياسية التي تؤدي إلى الصراع. بالتالي هناك ديناميكيات متناقضة الى اليوم في فهم الشر فلسفيا.



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صولون: فيلسوف، وسياسي، وشاعر يوناني قديم
- جمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة عند الفارابي
- من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأ ...
- سقراط... الفيلسوف الذي لم يكتب كلمة
- أفكار أنكساغوراس* عن العقل والاخلاق
- الفَلْسَفَةُ حُبٌّ يُقَيِّد، وَطُموحٌ يَلْتَهِمِ القَلْب
- الفلسفة بين ثقافة القهوة وقهوة الثقافة
- العقلانية والوعي المفرط... مقبرة السعادة
- ديوجينس* المعاصر
- العقل المسيطر* والعقل المحض
- الموت والحضور الباهت
- اخلاقيات الكذب استثمار في السياسة
- ملامح الحقبة الامبريالية في الشرق الأوسط
- عدم الكمال الفلسفي* والتشتت الأيديولوجي في الشرق الأوسط
- الوجودية الرقمية والتشظي الفلسفي
- مفارقات فلسفية :مفارقة البغل ام مفارقة الحمار *
- الإعلام والتاريخ المعاصر: امتزاج السفلي والاسفل
- (الزوفوبيا) السياسية و(الزوتوبيا)*
- تأمل الجوعى وهم يموتون تسلية استعمارية
- قتامة الظل والقناع الأسود


المزيد.....




- من البيت إلى المجلة.. كيف تحوّلت المساحة الخاصة إلى خلفية لل ...
- فيديو متداول لـ-تصدي دفاعات حوثية لطائرات إسرائيلية-.. هذه ح ...
- اتصال -الغضب- بين ترامب ونتنياهو.. هل تتحول الدوحة إلى عنوان ...
- قطر تشيّع ضحايا الهجوم الإسرائيلي اليوم وتبلغ واشنطن بإعادة ...
- مصادر تكشف: حماس تتجه لاستئناف المفاوضات رغم الضربة الإسرائي ...
- موظفه متهم بالتجسس للصين.. رفع الحصانة عن نائب ألماني متهم ب ...
- مواصفات وتصميم -غالاكسي إس 26 برو- يظهران في تسريب جديد
- صحف عالمية: الهجوم الإسرائيلي على الدوحة يهمش دور أميركا في ...
- وسط دعوات لاعتقاله.. هكذا استقبل البريطانيون زيارة الرئيس ال ...
- تصعيد دبلوماسي بين إثيوبيا ومصر عقب افتتاح سد النهضة


المزيد.....

- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - معضلة الشر والحرب فلسفيا