أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأوسط















المزيد.....

من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأوسط


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 20:13
المحور: قضايا ثقافية
    


ارتبطت مفاهيم الحكم في الشرق الأوسط بشكل وثيق بالدين، حيث اعتبر الحاكم "ظل الله على الأرض" أو "الخليفة" الذي يمثل إرادة إلهية. هذا المفهوم الديني منح السلطة المطلقة شرعية مقدسة، وجعل أي معارضة للحاكم بمثابة معارضة للإرادة الإلهية، وهو ما يحد من تطور فكرة المواطنة أو الحقوق الفردية .بشكل متناقض تأثرت الحضارة الإسلامية المبكرة بفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو، لكن غالبًا ما تم تبني أفكارهم بما يخدم السلطة القائمة، على سبيل المثال، تم استخدام مفهوم أفلاطون عن "المدينة الفاضلة" لتبرير الحكم في ظل الحاكم الفيلسوف لكن هذا المفهوم وخاصة كما طرحه الفيلسوف الفارابي، يشير إلى المجتمع المثالي الذي يسعى إلى تحقيق السعادة والعدالة من خلال توجيه الأفراد نحو المعرفة، و تم تجاهل فكرة العدالة والفضيلة. كما تأثر مفهوم الحكم بالعقلية الرعوية التي كانت تؤثر على فهم معنى السلطة، اذ كان ينظر إلى الحاكم على أنه "راعي" الشعب، والشعب هو "قطيعه". هذه العلاقة الأبوية تلغي فكرة الشراكة أو التعاقد الاجتماعي، وتؤسس لعلاقة قائمة على الولاء المطلق والتبعية. الحاكم هنا يمنح العطايا ويحمي الرعية، وفي المقابل، يمتنع الرعية عن المساءلة أو المطالبة بالحقوق. هذه العقلية تشكلت وتغذت من اقتصاديات الريع التي لا تحتاج إلى مساهمة فعلية من الشعب في الانتاج. مع دخول مفاهيم الحداثة إلى منطقة الشرق الاوسط، مثل الدولة القومية والديمقراطية، لم تتغلغل مفاهيم الدولة بشكل عميق في النسيج الفكري والثقافي لأسس بناء الدولة. غالبًا ما تم استيراد شكل الدولة الحديثة دون مضمونها الفلسفي، وتحولت الدولة الحديثة إلى أداة قوية بيد الأنظمة المستبدة لفرض سيطرتها، مستفيدة من التكنولوجيا ووسائل الإعلام لتكريس الهيمنة الفكرية والسياسية.
الاستبداد في الشرق الاوسط
المقاربة الفلسفية تكشف أن الاستبداد في الشرق الأوسط ليس مجرد ظاهرة سياسية عابرة، بل هو نتيجة لتراكم مفاهيم فلسفية وفكرية عميقة الجذور. هذه الظاهرة تتطلب تغيير عقلية الهيمنة من منظور فلسفي... هذا يتطلب منهجًا فكريًا جذريًا ومنظمًا. حيث لا يمكن أن يتم هذا التغيير عبر حلول سطحية، بل يجب أن يرتكز على إعادة بناء المفاهيم الأساسية التي تشكل الوعي الفلسفي، ويُنظر إلى العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أنها شراكة وليست علاقة أبوية أو رعوية. يحتاج هذا الى نشر الوعي بأن السلطة السياسية ليست هبة إلهية أو حقًا وراثيًا، بل هي تفويض من الشعب قائم على المسؤولية والمساءلة، كذلك التغيير الفلسفي يتطلب بناء مفهوم المواطن الذي يتمتع بحقوق وواجبات متساوية، يشمل هذا التأسيس لفلسفة العدالة التي تُطبق على الجميع دون تمييز، وفلسفة الحرية الفردية التي تحمي حق الفرد في التفكير والتعبير والمشاركة. تتطلب العودة إلى مبادئ الأخلاقيات الأساسية في الأديان، مثل العدل والرحمة والكرامة الإنسانية يجب تفريقها عن التفسيرات السياسية التي تستخدمها السلطة، يمكن أن يكون هذا عبر تطوير فلسفة أخلاقية ترتكز على مبادئ إنسانية عالمية.
دور الفلاسفة والمثقفين
الفلاسفة هم من يمتلكون الأدوات المنهجية لـ تحليل ونقد المفاهيم الراسخة. هم من يطرحون الأسئلة الصعبة حول شرعية السلطة، ومفهوم العدالة، ومعنى الحرية، والمواطنة. اما دور المثقفون الرسميون هؤلاء غالبًا ما يكونون جزءًا من آلة السلطة، وظيفتهم هي تبرير الوضع القائم، وتزيين خطاب الاستبداد، وتكريس عقلية الهيمنة بدلاً من نقدها. يخدمون النظام القائم للحصول على مكاسب مادية أو مناصب، ويشكلون عائقًا أمام أي تغيير فكري حقيقي. السلطات بطبيعتها، تقاوم التغيير الفلسفي لأنه يهدد وجودها وتسعى دائمًا إلى الحفاظ على الوضع الراهن وتكريس أدوات الهيمنة. رغم ذلك في بعض الحالات، قد تضطر السلطة إلى إجراء إصلاحات سطحية استجابة لضغوط داخلية أو خارجية، وغالبًا ما تحاول تفريغ هذه الإصلاحات من مضمونها الفلسفي العميق. التغيير الفلسفي هو عملية من أسفل إلى أعلى، تبدأ من الأفراد والمثقفين النقديين الذين يزرعون البذور الفكرية في المجتمع. إذا وجدت هذه البذور أرضًا خصبة، وتجاوزت حاجز "القطيع"، يمكن أن تشكل قوة ضغط على السلطة، وتجبرها على التغيير أو على الأقل التعامل مع المطالب الجديدة، المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الفلاسفة والمثقفين المستقلين، فهم من يمتلكون القدرة على إحداث هذا التحول الجذري في الوعي، وهو الذي سيؤدي في النهاية إلى تغييرات في بنية المجتمع والسلطة.
تحديات التغيير
في ظل الاستقطاب الحاد، يفقد الفرد هويته المستقلة ليصبح جزءًا من مجموعة منحازة أيديولوجيا. الفلسفة يجب عليها ان تُقدم أدوات لفهم الذات والهوية، وتُشجع على التفكير النقدي بدلًا من التبعية. هذا يساهم في بناء أفراد قادرين على التمييز بين آرائهم الخاصة وبين الأيديولوجيات السائدة، الفلسفة ليست مجرد تفكير فردي، بل أداة لبناء وعي جمعي قادر على مواجهة الأكاذيب والاستقطاب، كذلك هذا يتطلب إعادة تعريف دور المثقف من مجرد ناقل للمعرفة إلى محفز للحوار ومنظم للفعاليات الفكرية، واستبدال ثقافة الجدال والصراع بثقافة الحوار القائم على الاستماع والفهم من خلال البحث عن أرضية مشتركة تساهم في تجاوز الانقسامات الأيديولوجية وتمكن الأفراد من التعاون لحل المشاكل المشتركة.
التراث الفلسفي بعيون النقد
إعادة قراءة التراث بعيون نقدية ومعاصرة يمكن أن تُقدم أدوات فلسفية قوية لمواجهة تحديات الحاضر، كما تُساعد في بناء وعي جديد يتجاوز ثقافة الاستهلاك والاستقطاب. التراث الفلسفي العالمي، بالرغم من أنه قدم أُطُرًا قوية لكنه لم يجد أرضًا خصبة للتطبيق العملي في الشرق الاوسط، اذ كان الواقع السياسي السائد هو حكم السلاطين المُطلق، وهو ما كان يتعارض مع المُثل الفلسفية للعدالة، والعقلانية، والمدينة الفاضلة. كان هدف الحكام في ذلك الوقت هو الحفاظ على السلطة، وليس تطبيق مبادئ مثالية أو ديمقراطية، ولم يكن عامة الناس جزءًا من هذا الخطاب. هكذا خلقت فجوة بين الطبقة المثقفة والجماهير، مما منع أي حراك اجتماعي واسع من أجل التغيير، كما قوبلت العديد من الأفكار الفلسفية، خاصة تلك التي أكدت على العقل، بمقاومة قوية من علماء الدين التقليديين. هذا الرفض غالبًا ما أدى إلى تهميش أو حتى اضطهاد الفلاسفة، مما قلل من تأثيرهم. مصير أعمال ابن رشد، التي تم حظرها وحرقها في بعض الأماكن، هو مثال صارخ على ذلك. إنها تمثل رواية مضادة ونقدية للخطاب السياسي السائد في عصره. إنها سجل لوقت كان فيه المفكرون في المنطقة يتصارعون مع أسئلة جوهرية حول السلطة، والعدالة، والمجتمع المثالي. في بداية القرن العشرين برز مصطلح الهيمنة الثقافية الذي صاغه الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي* مصطلح "الهيمنة الثقافية "الذي يشير إلى الطريقة التي تحافظ بها الطبقة الحاكمة على سيطرتها، ليس فقط من خلال الوسائل السياسية أو الاقتصادية والقمعية، ولكن أيضًا من خلال السيطرة على الثقافة والمفاهيم الفكرية السائدة في المجتمع. وبعبارة أخرى، هيمنة ثقافة معينة على ثقافة أخرى في جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. يرى غرامشي أن السيطرة لا تتحقق بالقوة والإكراه فقط، بل أيضًا من خلال قدرة الطبقة الحاكمة على فرض أفكارها وقيمها على المجتمع ككل، بحيث تبدو هذه الأفكار "طبيعية" و"بديهية" بالنسبة للجماهير. كما ان غياب ثقافة سياسية مدنية قوية، وافتقار الشعب إلى الوعي الفلسفي والسياسي الضروري للمطالبة بالحقوق والحريات جعل الناس يتجنبون التعبير عن آرائهم. مما أدى إلى قمع المعارضة وغياب الديمقراطية.
*أنطونيو غرامشي (1891-1937) مفكرًا سياسيًا، ومؤلفًا إيطاليًا. ويُعد من أبرز الفلاسفة السياسيين في القرن العشرين. وُلد في 22 يناير 1891 في مدينة أليس في سردينيا بإيطاليا لعائلة متواضعة. (“أنطونيو غرامشي: مفكر السجون ومفكك هيمنة السلطة - سياسور”) عاش طفولة صعبة بسبب الفقر والمرض، حيث أُصيب بمرض في عموده الفقري أدى إلى تشوه جسده وجعله يعاني من قصر القامة وآلام مزمنة طوال حياته. وعلى الرغم من هذه التحديات الصحية، كان غرامشي طالبًا متميزًا، واستطاع الالتحاق بي كلية الآداب بجامعة تورينو، حيث درس الفلسفة والتاريخ. وعمل ناقدًا مسرحيًا في عام 1916م.



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقراط... الفيلسوف الذي لم يكتب كلمة
- أفكار أنكساغوراس* عن العقل والاخلاق
- الفَلْسَفَةُ حُبٌّ يُقَيِّد، وَطُموحٌ يَلْتَهِمِ القَلْب
- الفلسفة بين ثقافة القهوة وقهوة الثقافة
- العقلانية والوعي المفرط... مقبرة السعادة
- ديوجينس* المعاصر
- العقل المسيطر* والعقل المحض
- الموت والحضور الباهت
- اخلاقيات الكذب استثمار في السياسة
- ملامح الحقبة الامبريالية في الشرق الأوسط
- عدم الكمال الفلسفي* والتشتت الأيديولوجي في الشرق الأوسط
- الوجودية الرقمية والتشظي الفلسفي
- مفارقات فلسفية :مفارقة البغل ام مفارقة الحمار *
- الإعلام والتاريخ المعاصر: امتزاج السفلي والاسفل
- (الزوفوبيا) السياسية و(الزوتوبيا)*
- تأمل الجوعى وهم يموتون تسلية استعمارية
- قتامة الظل والقناع الأسود
- شعوب يصنعها الخوف
- النشوة بديلا عن مفهوم اللذة والسعادة
- سرديات السلام بالقوة والأخلاق النيتشوية


المزيد.....




- ميكروفون مفتوح يلتقط حوارا بين بوتين وشي عن الخلود وطول العم ...
- ترامب لـ-حماس-: أفرجوا عن الرهائن الـ20 وستنتهي الحرب
- من بيت لحم إلى إسنا، مشاريع معمارية عربية تتألق على الساحة ا ...
- صور أقمار صناعية تكشف أعمال بناء مكثفة في منشأة نووية إسرائي ...
- حزب الله: -برّاك أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لفعل ما تشاء-.. و ...
- عبر طائرات مسيرة مفخخة.. الشاباك يحبط مخططاً لحماس لاغتيال ب ...
- بعد عرضه خطة لضم 82% من الضفة.. الأردن تصف تصريحات سموتريتش ...
- عبر ميكرفون مفتوح.. تسرب حوار بين بوتين وشي عن إطالة العمر و ...
- قوات الاحتلال تحتجز محافظ رام الله والبيرة وتصادر مزيدا الأر ...
- بوتين ومودي يتقاربان مع الصين.. تغييرات كبيرة قادمة في العال ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - غالب المسعودي - من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأوسط