أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غالب المسعودي - كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ















المزيد.....

كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ


غالب المسعودي
(Galb Masudi)


الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 20:41
المحور: الادب والفن
    


بِشَارَاتِ اَلْمَتَاهَةِ
هُوَ كِتَابٌ جَامِعٌ، وَالْمَتْنُ اَلْوُجُودِيُّ اَلشَّامِلُ. لَقَدْ تَمَّ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْهُ نَجْمٌ فِي سَمَاءِ اَلسُّكُونِ، اَلْقَطِيعُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى قَيْدٍ. إِنَّهُ يَسِيرُ بِإِرَادَتِهِ إِلَى اَلْعَدَمِ بِحُبُورٍ، الكل يَظُنُّ أَنَّهُ سَيَعِيشُ...!
التفاهة هي ديانة بلا كتاب. كل جسد مذبحٌ صغير، وكل يوم قدّاس للمكرّر.
الغريب كان خطأً مطبعيا العبث، ابتسامة خرجت من فمٍ لا يعرف لماذا وُجد
البرج الزجاجي...! وهمٌ شفاف. الحرية دائمًا تُلمَع كالطُعم، وحين تقترب ينكسر الضوء في ألف شظية تجرح يديك.
لا شيء تكرهه الجماعة أكثر من المختلف. ليس لأن المختلف قوي، بل لأنه يذكّرهم بضعفهم.
الوحش الذي ابتلع الغريب لم يصنعه القطيع؛ صنعه خوفهم من السؤال. القطيع لا يقتل، إنه يمسح. يزيل الأثر كما تُزال بقعة ماء عن زجاج.
كان يمكن للغريب أن يصعد. لكنه لم يفعل. الخيانة الحقيقية ليست حين يسحقك الآخرون، بل حين تخونك قدماك وأنت واقف تحت البرج.
انهيار البرج هو طريقة الوجود في السخرية من محاولاتنا. كأن الوجود يهمس: لم تكن جادًّا بما يكفي… ولذلك تستحق الغرق.
البقعة السوداء في الأرض هي المَعلم الوحيد. لكن لا أحد يراها؛ القطيع لا يرى إلا ما يكرّره. العدم بريء منهم أكثر مما هم أبرياء من أنفسهم.
نحن جميعًا ذلك الغريب. نبتسم مرة، نرتجف أمام المعنى، ثم نُبتلع ببطءٍ حنون، كما لو كنا نطلب من الوحش أن يخلّصنا من إرهاق الفكر.
القطيع يمشي ببطء، وكأن الزمن نفسه قد صار مرضًا معديًا. لا يحتاجون إلى قيود؛ أعناقهم معلقة بخيط من الضجر.
التفاهة ليست عادة… بل عطر يُسكَب فوق الجثث كي تتظاهر بأنها أحياء.
الغريب كان شرارةً يتيمة. والشرارات لا تُنجب نارًا وسط بحر من الماء الفاسد. ابتسامته جُرحت قبل أن تُولد...!
البرج الزجاجي لم يكن برجًا، بل جرحا في السماء. من يحاول التقدّم نحوه، يكتشف أن الجرح يبتعد كلما اقترب.
حين اتحد القطيع في جسد واحد، لم يكن صوتُه صراخًا… بل موسيقى مقابر، إيقاعٌ بطيء يلتهم القلب قبل أن يلتهم اللحم.
لم يمت الغريب حين ابتلعوه. الموت نهاية كريمة. ما حدث كان أخطر، ذوبانٌ داخل العدم، كما يذوب السكر في كأسٍ من المرارة الأبديّة.
البرج حين سقط لم يُحدث دويًّا. الشظايا تحولت إلى غبار متلألئ كأقمار ميتة. الجمال أحيانًا أقسى من الخراب، لأنه يلمع لحظة قبل اختفائه.
البقعة السوداء التي تركها الغريب على الأرض لم تكن أثرًا… بل نافذة مغلقة، كُسر مقبضها. تنظر إليها السماء وتضحك.
القطيع استأنف مسيره، بطمأنينة من يعرف أن العدم رحيم أكثر من المعنى. فالمعنى يُحرق، أما اللا معنى فيُخدّر.
نحن جميعًا ذلك الغريب، لحظة نبتسم في وجه العدم، ثم نلين، نُستسلم، ونسمح للكسل أن يطبطب علينا حتى يبتلعنا كاملين.
الوادي المكرر
التكرار ليس عادةً، بل قَدَرٌ يتربّص بنا، كما يتربص الليل بالمدينة التي تنطفئ أنوارها واحدًا وراء الآخر.
في الوادي، كانت الأرض تُعيد نفسها كل صباح. لم يكن هنالك زمن؛ بل نسخة واحدة لا تعرف الفناء، ولا تعرف النمو. كل شيء يُعاد كأنه لم يحدث، الضحكات الباردة، الخطوات الثقيلة، صوت الأجساد وهي تصطدم بالأرض.
القطيع
يمشي بلا هدف، بلا ندم، بلا توقّف. مئات، آلاف، أو ربما بلا عدد. لا أحد يعرف العدد، لأن العدد نفسه يبدو رفاهية غير ضرورية.
شعيرة
من لا يفكّر، ينسجم. ومن ينسجم، يحيا وهم الخلود.
التكرار طقس مقدّس، الضحك يُقال ولا يمارس. الطعام يُلوك كما كلمات الاشعار. حتى الاستراحة تُمارَس بنفس الخطى، بنفس الجلوس، بنفس البُكم.
الجماعة لم تكن سلطة سياسيّة. لم تكن نظامًا يقمع. كانت مرضًا يتنفس داخل الأجساد، يسرق منها الوعي ويمنحها راحةً قاتلة.
مولد الغريب
الاختلاف خطأ مطبعي في نص مطبوع منذ الأزل
وُلد الغريب، وبخروجه عن الرتابة بدا كخلل في الماكينة الكونية. كان مجرد ابتسامة تُضيء وجهًا عاديًا، لكنها في الوادي كانت خيانة عظمى إعلانًا أن هنالك شيئًا آخر ممكن.
ابتسامته أسقطت صمتًا كثيفًا فوق الساحة، كما تسقط قطرة دم في كأس ماء ساكن فتكشف كل ما هو متسخ.
البرج الزجاجي
كل أفق هو فخّ، وكل خلاص يُلمع كطعنة في ضوء الشمس..
على تخوم الوادي ظهر البرج. كان شفافًا، يلمع في عيون من لا يجرؤ على النظر.
كان بابه مفتوحًا لكنهم جميعًا أعرضوا عنه، القطيع يخاف من العلو، يخاف من النوافذ التي تطل على اللا شيء.
الغريب اقترب. رأى في الزجاج انعكاسًا لوجهه، لم يكن نفسه؛ كان شبحًا آخر مبتسمًا بحزن عميق.
لكنه توقّف عند العتبة. لم يدخل. لم يخطُ.
كل الإمكانيات تضيع عند هذه اللحظة الصغيرة، لحظة عدم الاختيار.
الوحش
الجماعة لا تُعاقب المختلف… بل تمحوه، كما يُمحى حرف زائد من مخطوط مقدس.
اتحد القطيع في لحظة صاخبة، وذابوا في جسد واحد. لم تعد هنالك أفواه كثيرة، بل فم واحدٌ مصمت، عين واحدة تُطل على جحيم من تراب.
ابتلعوا الغريب دفعةً واحدة.
ابتلعوه كما يبتلع الليل نجمة يتيمة.
السقوط احتمالات
الاحتمالات إذا لم تُستَعمل، تتحول إلى غبار.
والغبار أجمل أشكال الموت.
حين ابتُلع الغريب، لم ينتظر البرج الزجاجي مصيره. اهتزّ في الضوء، ثم تهشّم إلى غمامٍ من شظايا شفافة. لم يُسمع دويّ، بل رأى القليلون ومضة كقمر صغير انطفأ فجأة.
البقعة السوداء
الأثر هو الكذبة الوحيدة التي يتركها الوجود كي يوهمنا بأنه مرَّ فعلًا
أينما وقف الغريب، بقيت بقعة سوداء لا تُمحى. ليست دمًا، وليست نارًا، بل حفرة في الوجود نفسه.
القطيع تجاوزه كما لو أنه لم يكن شيئًا.
عادوا إلى صلاتهم الرتيبة، إلى خطاهم البيضاء الميتة.
أصوات العدم
العدم لا يحتاج لجنود. نحن نحارب أنفسنا بالملل… فيربح هو الحرب.
كل ضوء هشّ. الهشاشة قدر الضوء.
إن كنتَ ستصعد، فاصعد حتى النهاية. النصف خيانة، والتردد مقبرة.
الجماعة هي المخدّر. الفرد هو الجرح. والأفق لا يرحم إلا من ينزف حتى العظم.
لقد ابتُلع الغريب، لكننا جميعًا ابتلعناه بصمتنا… كلُّنا شركاء في ابتلاع أنفسنا.
الوادي ظل كما هو
القطيع يمشي، البرج غاب، الغريب كأنه لم يولد.
وحدها البقعة السوداء بقيت، تنظر نحو السماء وتبتسم.
هكذا يعمل العدم، لا يحتاج إلى حرب، يجعلنا نرتاح في التفاهة.



#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إله سبينوزا والإله الوجودي: الجوهر المحايث ونسق الوجود
- الرأسمالية وخلق النخب الموالية
- العلاقة الجدلية بين الفن والثيوقراطية: دراسة فلسفية
- جدلية الفن والواقع: بين المحاكاة والإبداع
- النزعة البدائية والانا المثالية في تشكيل الهوية: مقاربة فلسف ...
- التضارب الأخلاقي في عصر التكنولوجيا: مقاربة فلسفية
- الكسل الفلسفي معضلة وجودية
- المسألة الهومرية: من الذاكرة الحية إلى سلطة النص
- معضلة الشر والحرب فلسفيا
- صولون: فيلسوف، وسياسي، وشاعر يوناني قديم
- جمهورية أفلاطون والمدينة الفاضلة عند الفارابي
- من الهيمنة الى الاستبداد: تفكيك فلسفي للاستبداد في الشرق الأ ...
- سقراط... الفيلسوف الذي لم يكتب كلمة
- أفكار أنكساغوراس* عن العقل والاخلاق
- الفَلْسَفَةُ حُبٌّ يُقَيِّد، وَطُموحٌ يَلْتَهِمِ القَلْب
- الفلسفة بين ثقافة القهوة وقهوة الثقافة
- العقلانية والوعي المفرط... مقبرة السعادة
- ديوجينس* المعاصر
- العقل المسيطر* والعقل المحض
- الموت والحضور الباهت


المزيد.....




- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غالب المسعودي - كِتَابُ اَلْعَدَمِ اَلسِّرْيَالِيِّ