أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الهيموت عبدالسلام - العطب قديم















المزيد.....

العطب قديم


الهيموت عبدالسلام

الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 17:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


1/ المخزن قبل الحماية في الأسواق الكبرى، مثل سوق أربعاء الغرب، أو سوق خميس زرهون، أو سوق ثلاثاء إغرم بمنطقة سوس، أو سوق أحد أدو شلال بمنطقة الأطلس، وعشرات الأسواق ، كان الحياحة يخرجون فيها بأمر من القائد أو الباشا لإعلان أوامر المخزن لجمع الضرائب ،التشهير بمن رفض الطاعة أو امتنع عن دفع الضريبة، كان الحياحة يقفون في وسط السوق ويصرخون :هذا فلان خرج عن الطاعة، هذا عاصي مولانا السلطان!، ثم يطلقون الشتائم الجماعية قصد التخويف والتهديد.

2/فترة الحماية الفرنسية (1912–1956)
الفرنسيون استعملوا الحياحة أثناء الحملات العسكرية ضد القبائل،كانوا يرافقون الجنود وهم يصرخون بلغات ولهجات محلية: المخزن جا ، فرنسا غالبة غالبة، الاستعمار ما كاينش لي يغلبو!، الهدف كسر معنويات المقاومين وتخويف السكان والقبائل ،في الكثير من الحالات كان الحياحة يطاردون المقاومين في الأسواق:"هادو قطاع طرق… هاودو كفرة…"
أعاد المقيم العام ليوطي هندسة الأسواق لمراقبة حركة السكان وأنشطتهم ، وجمع المعلومات الإستخبارية عن القبائل وإضعاف الروابط القبيلة من خلال المنافسة الاقتصادية قائلا الأسواق "مصدر ثمين للمعلومات".

3/ سنوات الاستقلال الأولى
استُعملت مجموعات من الحياحة في الحملات الانتخابية، يرددون شعارات مدفوعة الأجر لصالح مرشحين موالين للسلطة، يهاجمون المعارضين آنذاك الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالشتائم داخل التجمعات،في بعض المدن مثل الدار البيضاء وفاس وُثّقت أحداث حيث كان الحياحة يدخلون اجتماعات حزبية لنسفها بالصراخ وإثارة الفوضى والتهديد.

4/ انتقل الحياحة من الأسواق إلى الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، "صحفيون" أو "مؤثرون" لن تسمع في كلماتهم أو تقرأ في تدويناتهم سوى خطاب التشهير والسب والقذف ضد المعارضين،يشتغلون بنفس منطق الحياحة، التشويه وتلفيق الاتهامات وتأليب السلطة بدل النقاش،ترديد الأباطيل والافتراءات بدل الحجج، التشهير بالأعراض بدل مناقشة الأفكار، مَثل ذلك الحملات التي استهدفت معتقلي حراك الريف وأسرهم ، والصحفيين والمدونين والحقوقيين والمثقفين حيث جُنِّدت أصوات "إعلامية" وفيسبوكية تمارس دور الحياحة الرقمية للنهش الجماعي والولغ في الأعراض .
الحياحة انتقلت من الطابع الكلاسيكي أصوات ترغي وتزبد في الأسواق إلى حياحة مرحلة الاستعمار حيث أصبحوا بوقا للفرنسيين ضد المقاومة في غياب الراديو والتلفزة آنذاك ،ثم إلى الحياحة في الحملات الانتخابية كأدوات لتزوير الانتخابات و دعم المرشحين الموالين لأحزاب السلطة،ثم حاليا انتقلوا إلى الحياحة الرقمية، جيوش إلكترونية وصحفيون مأجورون يحرضون السلطة عليهم ويأمرون باعتقال أو طرد من الوطن كل من له رأي مخالف .

5/ الأدوار الاجتماعية والسياسية للحياحة
قبل الجرائد والراديو والإذاعة كان الصراخ والترويع والتشويش والتخوين ،وكانوا وسيلة لإعلان القرارات السلطانية، الأوامر الضريبية ، أو حتى عقوبات "العصاة".
التشهير الشعبي: الوقوف وسط السوق وترديد عبارات تُهين شخصاً أو قبيلة معينة، كنوع من العقاب الاستباقي.
كانوا أداة بيد القواد والباشوات والمخازنية، يهاجمون خصومهم باللسان والصراخ الجماعي،ترهيب المعارضين،دورهم يشبه الحرب النفسية حيث يرفعون أصواتهم في مسيرات أو تجمعات لإظهار القوة العددية والعضلية.
الانتفاع: غالباً ما يكونون مرتبطين بمصالح صغيرة ،القوت اليومي، حماية من القائد، التقرب من السلطة وذوي النفوذ ،بعض الأموال أو الامتيازات.
المسار : اليوم مع السلطة، غدا مع المستعمر، وبعد غد مع الصهاينة وبعد بعد غد مع أي ولي نعمة جديد.
الحياحة في المغرب ليسوا مجرد "صرّاخة"، بل مؤسسة اجتماعية سياسية استُعملت تاريخيا لترهيب الخصوم، تبرير قرارات السلطة، وإسكات أصوات المعارضين، هم أداة دعائية قبل الإعلام الحديث، واليوم نجد استمرار الظاهرة بوسائل أخرى أكثر "حداثة".

6/ وقائع
زمن محمد بن عبد الكريم الخطابي (1921–1926)
بعد انتصارات الخطابي على الإسبان في معركة أنوال 1921 حاول الاستعمار الفرنسي والإسباني ضرب الوحدة الداخلية للمقاومة في الريف فتم استقدام "حياحة" محليين من وجهاء القرى و عملاء الاستعمار للتشويش على خطابات الخطابي، والترويج بأن حربه ستجلب الدمار على القبائل، يقول عبد السلام الخطابي في مذكرات أخيه محمد بن عبد الكريم والتي جمعها بعد المنفى " إن بعض الوجهاء صاروا أبواقاً للعدو، ينشرون الدعاية الإسبانية داخل الريف ، يقول "لقد كانت الدعاية أشد فتكاً من المدافع، إذ سخّروا ألسنة من جلدتنا، تصرخ في الأسواق بأن حرب الريف تجلب المجاعة، وأن الفرنسي والإسباني أرحم من ابن عبد الكريم."
يقول ابن عبد الكريم في أحاديث من منفاه بالقاهرة: "الرصاصة تقتل جسداً واحداً، لكن الدعاية المأجورة تقتل أمةً بأكملها." وفي رسالة له من القاهرة سنة 1953:«لقد تعبت الأمة من أبناءها الذين يبيعونها في الأسواق السياسية، فهؤلاء أخطر من المدافع والطائرات.» وفي حديث لاحق له مع وفد مغربي سنة 1956: من خان بالأمس مع الأجنبي سيخون اليوم مع الوطني، لأن الخيانة عنده طبع لا تطبع.
في مقاومة الأطلس المتوسط وجنوب شرق المغرب (1920–1934) موحا وحمو الزياني، و عسو أوبسلام لما شدّدا الضربات على الجيش الفرنسي استخدم الفرنسيون الحياحة في الأسواق الأسبوعية، وذلك بترديد الأهازيج التي تُظهر الفرنسي كـجالب للأمن والخبز ، وتشويه صورة المقاومين واتهامهم بالسرقة والفوضى.
في الخمسينيات بداية الاستقلال في مدينتي الدار البيضاء والرباط ومع تصاعد الحركة الوطنية (حزب الاستقلال قبل انشقاق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والاتحاد المغربي للشغل) وظّف الاستعمار الفرنسي حياحة مدنيين للتشويش ونسف الوقفات والمظاهرات والتجمعات ،وكانت تقوم بمقاطعة خطب الزعماء مثل علال الفاسي والمهدي بن بركة بالصراخ و نشر إشاعات عن خيانة الوطنيين وارتباطهم بالخارج ،يقول علال الفاسي في مذكراته "لم يكن الفرنسي بحاجة إلى كثير من العسكر، فقد جهز له ألسنةً تصرخ ضد الوطنيين، وتتغنى بالاستعمار، وهي أقسى وقعاً على النفس من السلاح."
يقول عبد الرحمان اليوسفي في سيرته: "كان السجن يشرف المناضل، أما التشهير في الساحات وعلى الألسنة، فذلك القتل الرمزي الذي يُفقد المناضل مكانته بين شعبه."
يقول عبد الله ابراهيم أحد رجالات الحركة الوطنية الأكثر نزاهة ورئيس حكومة (1958-1960 ) في إحدى حواراته أواخر الثمانينات : " السياسة عند البعض صراخ في الأسواق وعند العقلاء بناء للمؤسسات وأن الذين يرفعون أصواتهم كثيرا يفتقرون إلى الفكرة "

7/ جذور الكلمة
الحياحة في أصلها كانت تعني مطاردة سكان البوادي والجبال للخنازير البرية (الإحاشات) لإبعادها عن المزروعات والممتلكات والحقول، المصطلح استخدم باللهجة المغربية الدارجة لوصف هذه المطاردات التي كانت تنظم بشكل جماعي عبر الأصوات العالية والتطبيل لتخرج الخنازير للأماكن المفتوحة ويسهل صيدُها ، تطورت ظاهرة "الحياحة" في المغرب من ممارسة بدوية مرتبطة بمطاردة الخنازير البرية إلى مصطلح مجازي يصف أنماطاً من الممارسات السياسية والاجتماعية، وهذا الانتقال لمصطلح الحياحة من مجال مطاردة وصيد الخنازير إلى معترك السياسة كفعالية إنسانية يثير في حد ذاته الكثير من الأسئلة ، الحياحة ليست سبّة وليست شتيمة بل هي ظاهرة اجتماعية جديرة بالدراسة والبحث لأنها ارتبطت بالحياة السياسية المغربية عبر كل مراحلها ،المخزن ما قبل الإستعمار وأثناء الإستعمار وبدايات الاستقلال وسنوات الجمر والرصاص ولا زالت مستمرة لحدود اليوم ولكن اليوم تمارس في لبوسات حداثية ورقمية.



#الهيموت_عبدالسلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة غزة
- من وحي التغاريد
- ضربات قوة أم ضربات ضعف
- لديهم نفط هائل وهذا النفط لنا (ترامب)
- سيكولوجية الأنا الرقمية
- أين اختفى التين الشوكي فاكهة الفقراء
- طلال لحلو و أرسطو والديمقراطية
- الكتابة فعل مقاومة وامتداد للحياة
- لأول مرة مؤتمر يهودي مناهض للصهيونية على الصعيد الدولي
- حوار متخيل بين -بنيامين نتنياهو- و -علي الحسيني الخامنئي-
- العمى الطائفي
- من الاستعمار إلى الاستحمار
- إضاءات حول استخدام الدكاء الاصطناعي في الإبادة بفلسطين
- سوق المشاعر
- وعاظ السلاطين
- الإنسان من زاوية أخرى
- سوريا التي ...
- حول مذكرة الاعتقال في حق نتن ياهو ويوآف غالانت
- انهيارإسرائيل
- يكفيك فخرا


المزيد.....




- قمة ترامب وبوتين.. هل تتأثر بتأجيل لقاء لافروف وروبيو؟
- قالها في وجهه.. ترامب لوزير أسترالي باجتماع في البيت الأبيض: ...
- حراك أميركي مكثّف لتثبيت وقف النار في غزة.. وإصابات إثر اقتح ...
- زيلينسكي: -مستعدٌ للانضمام إلى ترامب وبوتين في القمة المقترح ...
- فانس في إسرائيل وسط قلق أميركي: ترامب يمنح حماس -فرصة صغيرة- ...
- توجه جديد للسياسة الألمانية في مضمار مساعدات التنمية الدولية ...
- مباشر: ساركوزي أول رئيس فرنسي سابق يدخل السجن في الجمهورية ا ...
- ترامب يهدم جزءا من البيت الأبيض لبناء قاعة رقص وحفلات
- بريطانيا تدرس خطة لتعويض ضحايا أكبر عملية احتيال بالبيتكوين ...
- نيويورك تايمز: قلق أميركي من انسحاب نتنياهو من اتفاق غزة


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الهيموت عبدالسلام - العطب قديم