أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الهيموت عبدالسلام - طلال لحلو و أرسطو والديمقراطية















المزيد.....

طلال لحلو و أرسطو والديمقراطية


الهيموت عبدالسلام

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 22:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الدكتور طلال لحلوالباحث في الاقتصاد الإسلامي في إحدى تصريحاته يقول بالحرف "إن أرسطو في كتابه "السياسة" يبين بشكل جلي بأن الديمقراطية انحراف، والديمقراطة منظومة مريضة و تؤول إلى حكم شهوات العامة ، العبث السياسي" انتهى كلام طلال لحلو
أول شيء هذا ليس قول أرسطو عن الديمقراطية لا شكلا ولا مبنى، بل هو اقتطاع من سياق فلسفي وسياسي لكتاب السياسة لأرسطول، لأن كتاب السياسة يتشكل من 8 أجزاء وكل جزء يتكون من فصول أو أبواب حسب المترجم و طبعته ، قد عرض أرسطو فيها مختلف القضايا المتعلقة بالحكم والمدينة والأسرة والاقتصاد والتربية وغيرها، المرجع الأساسي الذي وضع فيها تصنيفه الشهير للأنظمة السياسية و ميز فيه بين الأنظمة السليمة : الأنظمة الملَكية ، الأرستوقراطة و الجمهورية أو الحكومة الدستورية من جهة وبين الأنظمة المنحرفة : الطغيان،الأوليغارشية ، والديمقراطية العددية غير القانونية .
إن أرسطو يتحدث عن أنماط كثيرة من الحكم فيها السليم وفيها المنحرف، ولم يتحدث عن الديمقراطية بالتعميم وبأنها انحراف ومريضة وحكم شهوات بل عن نوع محدد من الديمقراطية ،وهي الديمقراطية التي تحكم خارج القانون، ويدافع أرسطوعن الديمقراطية القانونية باعتبارها وسيلة للحكم والمشاركة، النظام المنحرف هو النظام الذي يٌسقط القانون ويخدم مصالح أقلية معينة على حساب الأغلبية أو المجتمع كله ،ومعيار الحكم عند أرسطو هو المصلحة العامة وليس شكل النظام أوعدد الحكام ، والديمقراطية تٌصنف منحرفة عند أرسطو في شكلها الأثيني حين تهتم بمصلحة الأغلبية فقط وليس مصلحة المجتمع كله، فالحكم السليم يمكن أن يكون ملَكيا أو أرستوقراطيا أوديموقراطيا المهم أن يخدم الجميع أو المصلحة العامة ، فالأنظمة التي تهدف إلى خير الجميع سليمة وتلك التي تهدف إلى مصلحة الحاكمين منحرفة، النظام السليم يٌدار لمصلحة الصالح العام ويهتم بكامل المواطنين ، والنظام المنحرف هو الذي يٌسقط القانون ويخدم مصالح أقلية معينة على حساب المجتمع بأكمله .

يقول أرسطو في كتابه السياسة ترجمة فؤاد زكريا :
"إننا نُسمي الأنظمة التي تهدف إلى خير الجميع أنظمةً سليمة، وتلك التي تهدف إلى مصلحة الحاكمين فقط أنظمة منحرفة" ( الكتاب 3، الفصل 6، الصفحة 240)
"إن أساس الدولة الديمقراطية هو الحرية، ويقال إن الحرية والمساواة تكونان حين يشارك الجميع بقدر الإمكان في الحكم" ( الكتاب 4 ،الفصل 4 ، ص 247-248 )
" الديمقراطيات التي تحكم حسب القانون، ففيها يعلو شأن أفضل المواطنين، ولا تجد ديماغوجيين" (الكتاب 4، الفصل 4، ص 247-249)
"الجمهورية الدستورية الفاضلة عندما تتوفر فيها المؤسسات العادلة وإدارة رشيدة، تستطيع أن تحتل المرتبة الثالثة في سلم أنظمة الحكم بعد الملَكية والأرستقراطية وهي الأكثر احتمالا للاستمرار وللاستقرار" ( ترجمة أحمد لطفي السيد، الفصل الرابع ،باب من أبواب الجمهورية الفاضلة ، الصفحة بين 150 و160 )

توصل فؤاد زكريا إلى أن أعلى أشكال الحكم هو نظام البوليتيا ، النظام الذي يستمد شرعيته من الأمن والتوازن ، ويمزج فيه بين مشاركة الجمهور (الديمقراطية)، وكفاءة النخبة والقانون (الأرستوقراطية) ،نظام حكم يسعى لتحقيق مصلحة الجميع دون هيمنة طبقة على أخرى.
لا يُعادي أرسطو الديمقراطية من الأصل كما يوهم طلال لحلو بذلك، ولا يعادي فكرة مشاركة الشعب بل يرفضها حين تصبح حكما غوغائيا وتهيمن فيها الأغلبية على الأقلية أو الأقلية على الأغلبية، وأن أرسطو كان يفضل نظام حكم لصالح الجميع مع استحضار أن أرسطو عاش في القرن الرابع قبل الميلاد في سياق تاريخي مختلف تماما عن عصرنا الحالي ، يبدو جليا أن أرسطو لا يرفض الديمقراطية من الأصل بل يُفضل النظام المختلط الذي يوازن بين مصالح الطبقات وبين نظامي حكم لاجتناب الانحراف سواء نحو طغيان الفرد أو طغيان الأغلبية .
لذلك فإن القول بأن أرسطو يرفض الديمقراطية جملة وتفصيلا هو اجتزاء وتحريف وافتراء وليس من مواصفات العلمية والمنهجية الأكاديمية التي تفترض أن توضح للقارئ والمشاهد حقيقة ما يقول هذا الفيلسوف أو ذاك، طلال لحلو حين قام بهذا الابتسار والاختزال قام بذلك خدمة لمشروع إيديولوجي يعادي الديقراطية من الأصل ، في هذا البتر ضحى طلال لحلو بالموضوعية ليعزز طرحه الإيديولوجي الرافض أصلا للديمقراطية و لمنظومة القيم الإنسانية ولشرعة حقوق الإنسان وذلك على حساب أخلاق العلمية وعلى حساب مقتضيات المنهجية الأكاديمية.

القراءة الانتقائية لمفكرين وفلاسفة كبار مثل أرسطو وأفلاطون و نيتشه وابن خلدون واستخراج من أقوالهم ما يخدم الموقف المسبق ضد الديمقراطية أصبح شأنا معروفا ، والتوظيف لأسماء كبرى للتسترعلى عداء شخصي أو سياسي للحرية أو العدالة أو المشاركة الشعبية هو موقف لا يستقيم مع الأمانة العلمية والأخلاق الإسلامية التي يدعيها العديد من دأبوا على هذا النمط من التعاطي الانتقائي ،ممن يستشهدون بشكل مغرض بفلاسفة ومفكرين يكرهونهم ، هناك من ينتقي من نيتشه أنه ينتقد الديمقراطية حين تتحول لمساواة قسرية ومجتمع للقطيع في حين أنه كان ينتصر للفرد الحروالخلاق وضد كل أشكال الاستبداد، ووصل الأمر باقتطاع النصوص وانتقائيتها أن اليمين المتطرف والأصوليات الدينية تستخدم نصوصه لتبرير العداء للحرية والمساواة ، بعض الحكام العرب يستخدمون قولة ابن خلدون أن المٌلك لا يقام إلا بالعصبية ليبرروا القمع والطائفية في حين ان ابن خلدون كان يصف واقعا سياسيا عاشه في زمانه ولم يبررالاستبداد أو يشرعنه ، البعض يتحدث عن أفلاطون وقوله أن الديمقراطية تقود إلى الفوضى والطغيان في حين أن أفلاطون كتب " أما المدينة التي تملأها العدالة فهي تلك التي يزدهر فيها كل فرد، لا بأن يطلب السيطرة أو يكدس الذهب ،بل بأن يجد ذاته في العمل الذي يتفق مع طبيعته، ويعانق الحقيقة كما تعانق الروح ضوء الشمس بعد ليل طويل ، في مدينتنا الحب لا يكون امتلاكا بل سعيا للجمال الأعلى الذي لا يذبل، والذي تتطهر فيه النفس من رغباتها السفلى ،فتشرق بنور الحكمة والفضيلة، والسعادة هي انسجام الروح مع العقل وارتقاء الجماعة نحو الخير المشترك، لا الخضوع لأهواء السلطة أو المال"

ليس الهدف من هذا المقال الدفاع عن الديمقراطية ولكن التنبيه إلى هذا الخطاب الذي يقتطع من التراث الغربي لما يخدم تصورا مغلقا، خطاب ينتقي مواقف و يحولها لدخيرة إيديولوجية تٌستعمل لمواقف جاهزة، خطاب يستعمل أقوال الكبار سيوفا ضد التغيير والحرية ، الاستشهاد بأسماء فكرية كبرى (أرسطو، نيتشه، فوكو، روسو، هيدغر، إلخ)، لا لتكريمهم أو فهمهم بل لـتسخيرهم كعصي تضرب بها القيم نفسها التي طالما دافعوا عنها ،هي ليست لا تناظرا ولا بحثا ولا معرفة بل لعبة قوامها البتروالانتقاء والافتراء عندما تتحول الفلسفة الغربية إلى مطية لهدم القيم الإنسانية النبيلة المٌجمَع عليها،النقد أمر مشروع و تبني مرجعيات أخرى مشروع ولكن استعمال أعظم العقول لقتل أعظم القيم نكون أمام جريمة فكرية مغلفة بورق هدايا كما يقال.

إنه نفس الخطاب الذي افترى على ابن رشد واتهمه بالإلحاد وأحرق كتبه لأنه حاول التوفيق بين العقل والنقل، ونفس الخطاب الذي كفر طه حسين لأنه دعا لاستخدام العقل في كتابه الشعر الجاهلي، ونفس الخطاب الذي حرض على اغتيال فرج فودة الذي نادى فقط بدولة مدنية، وحكم بتفريق نصر حامد أبو زيد عن زوجته من قبل المحكمة لأنه قال إن الدين أسمى من أن يٌحتكر من طرف حزب أو جماعة أوطائفة، ولم يسلم من تكفيرهم وتحريضهم حتى المفكرون المجددون من داخل المنظمة الدينية مثل جمال الدين الأفغاني الذي عارض الجمود الديني و دعا للتنوير ورفض تسخير الدين للحكام و الجماعات، ومحمد عبده الذي دعا إلى إصلاح التعليم الديني وجعل العقل حجة في فهم الكتاب والسنة ،ولم يسلم طبعا عبد الرحمان الكواكبي الذي فضح استغلال الدين في تدعيم الطغيان و رفض أن يكون الدين أداة لإذلال الإنسان، ومالك ابن نبي الذي قال بأن تكفير المفكرين بدلا من الحوار معهم هو علامة ضعف لا قوة، ومحمد إقبال حين قال لقد قٌتل الإسلام عندما أغلق باب الاجتهاد لا عندما فتح باب العقل .

المفارقة الفادحة والمحزنة والصادمة أن أثينا في القرن الرابع قبل الميلاد كانت تنبض فضاءاتها وساحاتها بالديمقراطية والتناظر والنقاشات العمومية ، سقراط يسائل الناس عن الفضيلة والعدالة، وأفلاطون يكتب عن المدينة الفاضلة و عن قيمة الحوار والمعرفة و أرسطومعلم الأسكندر الأكبريؤلف في النظم الساسية والأخلاق والطبيعة والميتافزيقا والأخلاق، واليوم ونحن بعد 2400 سنة لا زال البعض يعتبر الديمقراطية كفرا ومجرد استيراد غربي ، لا زال البعض يعتبر النقاش العمومي فتنة، وحرية الرأي زندقة ،والمساءلة خروجا عن الطاعة،لازال البعض يعتبر نفسه وصيا على هذه الشعوب التي لا يريدون لها أن تفكر أو تختار أو تسأل لتبقى تحت طاعتهم و سلطتهم ووصايتهم.



#الهيموت_عبدالسلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتابة فعل مقاومة وامتداد للحياة
- لأول مرة مؤتمر يهودي مناهض للصهيونية على الصعيد الدولي
- حوار متخيل بين -بنيامين نتنياهو- و -علي الحسيني الخامنئي-
- العمى الطائفي
- من الاستعمار إلى الاستحمار
- إضاءات حول استخدام الدكاء الاصطناعي في الإبادة بفلسطين
- سوق المشاعر
- وعاظ السلاطين
- الإنسان من زاوية أخرى
- سوريا التي ...
- حول مذكرة الاعتقال في حق نتن ياهو ويوآف غالانت
- انهيارإسرائيل
- يكفيك فخرا
- المغاربة
- الكتابة والارتزاق
- حرب الأنفاق في غزة
- الحركة الطلابية الغربية و دعمها لغزة وفلسطين
- جحيم الفكر
- آفة العبودية الطوعية
- أسئلة المعنى واللايقين


المزيد.....




- 40 ألف فلسطيني يؤدون صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى
- الإفراج عن خطيب المسجد الأقصى وقاضي قضاة مدينة القدس بعد أن ...
- رئيس تحرير جيروزالم بوست ليهود نيويورك: هذا دليلكم للإطاحة ب ...
- رئيس تحرير جيروزالم بوست: هكذا يمكن ليهود نيويورك إسقاط ممدا ...
- أوليفييه روا: الغرب لا يرى الإسلام مشكلة ثقافية بل كتهديد وج ...
- البيت الأبيض: واشنطن قد تدعم تصنيف جماعة الإخوان -إرهابية-
- المحامي العام يكشف تفاصيل تتعلق بوفاة شاب في الجامع الأموي
- من سوريا إلى ألمانيا .. العنف الطائفي وصل الشتات السوري
- صحيفة سويسرية: الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط بين التهديد ...
- حركات يهودية مناهضة للصهيونية تتحدى إسرائيل من أوروبا


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الهيموت عبدالسلام - طلال لحلو و أرسطو والديمقراطية