أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - تجديد الخطاب الديني بين المؤسسة والأفراد: معركة الوعي والتنوير















المزيد.....

تجديد الخطاب الديني بين المؤسسة والأفراد: معركة الوعي والتنوير


محمد غفير
كاتب و مدون

(Mohamed Gafir)


الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 10:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في عالمٍ يتغيّر كل لحظة، يصبح الجمود خطيئة، والسكوت عن التجديد جريمة في حق الدين والعقل والإنسان. قضية تجديد الخطاب الديني ليست ترفاً فكرياً أو مطلباً نخبويّاً، بل هي ضرورة وجودية للأمة الإسلامية في مواجهة تحديات العصر. لكن، حين نتحدث عن هذا المشروع الإصلاحي الكبير، نصطدم بجدارٍ صلبٍ من البيروقراطية والجمود المؤسسي، وعلى رأسه المؤسسات الدينية الكبرى، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، الذي كان يوماً منارةً للعلم والعقل، لكنه اليوم يبدو وكأنه أسير تاريخه المجيد.

الأزهر بين الماضي المجيد والواقع المعقد

لا يمكن لأحد أن يُنكر مكانة الأزهر في تاريخ الإسلام والعلم، فهو منارة عمرها أكثر من ألف عام، تخرّج منه كبار العلماء والمجددين، وكان دوماً صوتاً وسطياً في مواجهة الغلو والتطرف. ولكن مع مرور الزمن، ومع تراكم البيروقراطية وتشابك المصالح وتسلط بعض الاتجاهات الفكرية المتشددة، تحوّل الأزهر من منارة للتجديد إلى مؤسسة تخشى الخروج من عباءة التقليد.

لقد وصف المفكر جمال الدين الأفغاني هذه الحالة منذ قرنٍ ونصف عندما قال:

“إن الجمود على القديم معناه الموت، والحياة في الإسلام هي حركة وتجدد لا يعرفان السكون.”



كلمات الأفغاني لم تكن ثورة على الدين، بل ثورة على التدين الجامد، الذي يحوّل النصوص إلى قيود، ويغلق باب الاجتهاد الذي دعا إليه النبي ﷺ عندما قال:

"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها."



لكن، هل يمكن لهذا التجديد أن يحدث من داخل المؤسسة نفسها؟
الإجابة التاريخية تقول: نعم، ولكن على يد أفرادٍ حملوا شعلة الوعي رغم مقاومة المؤسسة لهم.


---

الإمام محمد عبده: صوت العقل في وجه الجمود

يُعد الإمام محمد عبده مثالاً ناصعاً للمجدد الفرد الذي سبق عصره. هذا العالم الأزهري الجليل، الذي وُلد من رحم الأزهر، اصطدم بالمؤسسة نفسها حين حاول أن يجعل الدين متصالحاً مع العلم والعقل. قال في إحدى كلماته الشهيرة:

“لقد وجدت في أوربا إسلاماً بلا مسلمين، ووجدت في بلادنا مسلمين بلا إسلام.”



كلمة موجعة تختصر أزمة الفكر الإسلامي بين القيم العليا التي يدعو إليها الدين، وبين الممارسات السطحية التي كرّسها جمود الفقهاء وتواطؤ المؤسسات. لقد دعا محمد عبده إلى إصلاح التعليم الأزهري، وإلى إعادة فهم النصوص بما يوافق روح العصر، لكن ما كان ينتظره هو مقاومة شرسة من شيوخ التقليد الذين رأوا في تجديده تهديداً لمكانتهم وسلطتهم الرمزية.


---

عبد المتعال الصعيدي: المجدد المنسي

وفي النصف الأول من القرن العشرين، ظهر صوت آخر داخل الأزهر هو الشيخ عبد المتعال الصعيدي، أحد أبرز دعاة التجديد الذين حاولوا إدخال الفكر العقلي والاجتهادي إلى الأزهر. كتب الصعيدي قائلاً:

“لا بقاء للدين في حياة الناس إلا إذا واكب تطورهم، وتفاعل مع مشكلاتهم.”



ومع ذلك، لاقى الصعيدي ما لاقاه محمد عبده قبله، من تهم بالتغريب والعلمنة والتمرد على الثوابت. لقد واجه عقليات ترفض الحوار وتخشى النور، وكأن الدين لا يحتمل النظر أو الفهم.


---

الأزهر والازدواجية الفكرية: بين الاعتدال والخوف من التغيير

في العقود الأخيرة، أصبح الأزهر مزيجاً من الاعتدال النظري والخوف العملي. فهو يرفع شعارات الوسطية، لكنه في الممارسة يتحفظ من أي خطوة جادة نحو التجديد، خشية الاصطدام بالتيارات الإسلامية المتشددة أو الجماعات التي تتربص به، سواء من الداخل أو الخارج.

لقد تغلغلت داخل الأزهر – بوعي أو بغير وعي – أفكار التيارات الإسلاموية التي تسعى لاختطاف المرجعية الدينية لحساباتها السياسية. فأصبح من الصعب التمييز بين صوت الأزهر وصوت تلك الجماعات في بعض القضايا الفكرية والاجتماعية.

وهنا تكمن المشكلة الكبرى: حين تصبح المؤسسة خائفة من التجديد، يصبح التجديد مهمة الأفراد الأحرار.


---

الأفراد والمجددون: طاقة التغيير الحقيقية

لقد أثبت التاريخ أن كل مشروع نهضوي بدأ من فردٍ مؤمن بالفكرة، لا من مؤسسةٍ مشغولة بالحفاظ على سلطتها. فالأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وعلي عبدالرازق وعبد المتعال الصعيدي، كلهم بدأوا كمفكرين أحرار، دفعوا ثمناً باهظاً من أجل كلمة الحق.

قال طه حسين في كتابه مستقبل الثقافة في مصر:

“إن العقل المصري لا يمكن أن يتجمد، لأنه عقلٌ تفاعل مع الحضارات، واستمد منها ما يقويه لا ما يضعفه.”



هذا ما نحتاجه اليوم: عقلاً مسلماً حراً، يؤمن بأن الدين لا يتناقض مع الحرية، وأن الاجتهاد لا يناقض الثوابت، وأن النص ليس قيداً على الحياة، بل نبعاً للحكمة والتطور.


---

كيف ندعم الأفراد في مشروع التجديد والتنوير؟

إن دعم المجددين لا يكون بالشعارات، بل ببناء بيئة فكرية حرة تسمح لهم بالعمل دون خوف من التكفير أو الإقصاء. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:

1. تحرير المؤسسات الدينية من البيروقراطية وجعلها مجالاً للبحث والاجتهاد لا للرقابة والوصاية.


2. تشجيع البحث العلمي والفكري في الجامعات الإسلامية بعيداً عن الأيديولوجيا السياسية.


3. حماية حرية الرأي الديني في الإعلام والتعليم، وتحصينها بالقانون من فوضى الفتاوى والتكفير.


4. تأسيس مراكز فكرية مستقلة تُعنى بتجديد الفكر الإسلامي على أسس علمية وعقلية.


5. تمكين الأصوات الشبابية داخل الأزهر والمؤسسات الدينية، فهم الجيل الذي يستطيع الجمع بين الأصالة والمعاصرة.




---

بين الجمود والنور: كلمة في الختام

إن معركة تجديد الخطاب الديني ليست صراعاً بين الإيمان والكفر، كما يحاول البعض تصويرها، بل هي صراع بين العقل والجمود، بين من يريدون للدين أن يبقى حياً ومؤثراً، ومن يريدونه أداة سلطةٍ واحتكار.
لقد قال الشاعر والمفكر الهندي محمد إقبال:

“ليس الخطر في أن نُخطئ في فهم الدين، بل في أن نكفّ عن محاولة فهمه.”



إن الإسلام في جوهره رسالة انفتاح وتفكر، لا انغلاق وتكرار. وإذا أردنا أن نرى نهضةً حقيقية، فعلينا أن نعيد للدين عقله وروحه، وأن نثق في قدرة الأفراد الأحرار على حمل مشعل التجديد والتنوير.

فكما بدأ التغيير بفردٍ، سيعود بفردٍ… يحمل الفكرة، ويؤمن بأن النور لا يُطفأ مهما طال ليل الجمود.



#محمد_غفير (هاشتاغ)       Mohamed_Gafir#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبو حامد الغزالي: من الشك إلى اليقين...
- القضية الفلسطينية... من رمزٍ للنضال إلى سلعةٍ في أسواق السيا ...
- أفكار صنعت سيوفًا : من ابن تيميه الي سيد قطب
- غزة بعد عامين من الجحيم: مخاوف إسرائيلية من كشف الدمار الشام ...
- قراءة التاريخ الإسلامي بين القداسة والعقلانية: نحو وعيٍ جديد ...
- مستقبل نتنياهو بعد صفقة ترامب: هل يبقى اليمين المتطرف في قلب ...
- -صفقة ترامب تشعل إسرائيل: انقسام حاد وتهديدات بإسقاط حكومة ن ...
- الأزهر – بين منارة الدين وميدان السياسة
- كيف تغيرت موازين السيطرة والحياة داخل غزة في الذكرى الثانية ...
- الأديب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي
- التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان إلى مظهر و ...
- ازدواجية المعايير في القانون الدولي: حين يسقط القناع عن الإن ...
- هدم الأسرة وصناعة الإنسان المستهلك: من المؤامرة إلى الواقع
- سيغموند فرويد: الأب الروحي للتحليل النفسي ومؤسس مدرسة علم ال ...


المزيد.....




- بزشكيان: على الدول الإسلامية أن تخطو كجسد واحد على طريق السل ...
- الكوتا المسيحية في دوامة صراع .. خلافات وإتهامات بالاختطاف ا ...
- عراقيون يحمّلون الطائفية مسؤولية اغتيال المرشح البرلماني صفا ...
- من 5 بيوت إلى 200 ألف مسلم.. حكاية الجالية الإسلامية في كالغ ...
- لمسة أمل من الفاتيكان: 5 آلاف جرعة دواء في طريقها لأطفال غزة ...
- الملكة رانيا تختار الأناقة الكلاسيكية في لقاء بابا الفاتيكان ...
- كيف نجا الإسلام في البوسنة والهرسك؟
- الملك عبدالله يلتقي بابا الفاتيكان ويدعوه إلى زيارة الأردن
- محافظة القدس: 9820 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في 21 يوما ...
- حملة الملاحقات الأمنية تمتد للادينيين والملحدين وأصحاب الآرا ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - تجديد الخطاب الديني بين المؤسسة والأفراد: معركة الوعي والتنوير