أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - قراءة التاريخ الإسلامي بين القداسة والعقلانية: نحو وعيٍ جديد بالماضي















المزيد.....

قراءة التاريخ الإسلامي بين القداسة والعقلانية: نحو وعيٍ جديد بالماضي


محمد غفير

الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 10:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة: حين يصبح التاريخ مرآة للهوية

يقول المؤرخ البريطاني إدوارد كار: «التاريخ ليس ما حدث بالفعل، بل هو ما نتذكر أنه حدث».
تلك العبارة البسيطة تكشف جوهر المشكلة في علاقتنا نحن العرب والمسلمين بتاريخنا؛ فبدلًا من أن نقرأه بعين الباحث المحايد، قرأناه بعين المُقدِّس أو المُتَّهِم. فمرةً جعلناه ماضيًا ذهبيًّا لا تشوبه شائبة، ومرةً حولناه إلى سجلٍّ أسود لا يُرى فيه إلا الدم والصراع.

بين التبجيل والتجريح، ضاع التاريخ الحقيقي للمسلمين، وضاعت معه القدرة على استخلاص العبرة، وفهم كيف تشكل وعينا الجمعي، وكيف سارت بنا الأحداث من المجد إلى الضعف، ومن الحضارة إلى التراجع.


---

أولًا: لماذا نحتاج إلى قراءة محايدة للتاريخ؟

إن الدعوة إلى قراءة التاريخ قراءةً محايدة لا تعني نزع العاطفة أو الانتماء، بل تعني أن نقرأه بعقل ناقد وضمير صادق. فالحياد هنا ليس جمودًا، بل هو عدالة فكرية تمنح كل مرحلة حقها، وتفصل بين الرسالة الإلهية الخالدة وبين أفعال البشر المتغيرة.

فالإسلام كدين هو وحيٌ إلهيٌّ مطلق، أما تاريخ المسلمين فهو اجتهاد بشريٌّ نسبيّ، تتخلله الأخطاء كما تتخلله العظمة. ومن الخطأ الفادح أن نخلط بين الاثنين. كما قال المفكر الجزائري مالك بن نبي:

«المشكلة ليست في الإسلام، بل في المسلمين حين انقطعوا عن فعاليته الحضارية».



بهذه الرؤية يمكننا أن نعيد للتاريخ روحه الحقيقية: مادةً للفهم، لا للجدل، ومنطلقًا للتصالح مع الذات، لا للانقسام والاحتراب.


---

ثانيًا: بين القداسة الزائفة والعلمانية الساخرة

لقد أصبح تاريخنا رهينة طرفين متناقضين:

طرف أول يرفع شعار القداسة لكل ما هو قديم، ويعتبر كل نقد خيانة، وكل تساؤل كفرًا. هؤلاء أرادوا تجميد التاريخ في صورة مثالية لا وجود لها إلا في المخيلة.

وطرف ثانٍ يذهب إلى النقيض، فيسخر من كل ما هو ديني، وينزع القداسة عن المقدس ذاته، حتى فقد احترامه لروح الإسلام وقيمه العليا.


وهكذا، كما قال محمد عابد الجابري في كتابه «تكوين العقل العربي»:

«أخطر ما يواجه الفكر العربي هو حين يُستبدل النقد بالقدح، والعقلنة بالتهجم».



نحن اليوم بحاجة إلى نقدٍ بنّاء، لا نقضٍ هدام؛ إلى قراءة تستنطق النصوص لا لتحاكمها، بل لتفهم كيف تشكلت حولها عقول وأمم وأقدار.


---

ثالثًا: التاريخ الإسلامي ليس تاريخ الإسلام

من الضروري أن ندرك الفارق بين تاريخ الإسلام وتاريخ المسلمين.
الأول وحيٌ إلهي محفوظ، أما الثاني فهو تاريخ بشريٌّ بكل ما فيه من صراعات وفتن وطموحات ومصالح.

لقد بدأ هذا التاريخ السياسي منذ سقيفة بني ساعدة، حين تحولت الخلافة من مبدأ شوروي إلى صراعٍ على السلطة. ثم توالت الفتن: مقتل عثمان، معركة الجمل، صفين، ثم ظهور الدول المتعاقبة من الأموية إلى العباسية فالعثمانية. كل مرحلةٍ حملت وجوهًا مضيئة وأخرى مظلمة، انتصاراتٍ باهرة وهزائمَ موجعة.

ولذلك، فإن الحديث عن "استعادة الخلافة" كما يروّج له التيار الإسلاموي هو تبسيطٌ ساذجٌ للتاريخ، لأن تلك الخلافة لم تكن يومًا واحدةً في شكلها أو مضمونها، بل تعددت وتبدلت بحسب الظروف السياسية والاجتماعية.

قال المؤرخ ابن خلدون في مقدمته الخالدة:

«الملك الطبيعي للبشر هو التغلب، ومن غلب استولى، ومن استولى حكم».



كلمات ابن خلدون هذه تكشف بوضوح أن ما نسميه "الخلافة" لم يكن دائمًا تطبيقًا للمثال الديني، بل كان في كثير من الأحيان صراعًا على الحكم بوسائل بشرية، لا ملائكية.


---

رابعًا: من الأزمة إلى النهضة — دروس من التاريخ

إن النظر إلى التاريخ الإسلامي كـ«تاريخ أزمات» لا يعني التشاؤم، بل يعني الاعتراف بالحقيقة كبدايةٍ لأي إصلاح.
لقد شهدت الأمة الإسلامية فتنًا كبرى، لكنها أيضًا أنجبت حضارةً عظيمة امتدت من غانا إلى فرغانة، ومن طنجة إلى جاكرتا.

في القرون الوسطى، كانت بغداد تضيء بينما كانت أوروبا غارقة في الظلام. كان العلماء المسلمون يترجمون، ويبدعون، ويصنعون أساس الحضارة الحديثة. من ابن سينا في الطب، إلى الخوارزمي في الرياضيات، إلى ابن رشد في الفلسفة، الذين قال عنه دانتي في «الكوميديا الإلهية»:

«هو الذي أعاد للعقل الإنساني توازنه بعد قرون من الغفلة».



لكن حين توقف الاجتهاد، وتغلّب النقل على العقل، بدأ الانحدار.
لقد تحولت روح الإبداع إلى خوفٍ من السؤال، وتحولت السياسة إلى وسيلةٍ للهيمنة باسم الدين. وهنا بدأ ما يسميه محمد إقبال بـ«انطفاء جذوة الروح».


---

خامسًا: نحو قراءة جديدة للتاريخ – كيف نبدأ؟

لكي نصل إلى وعي تاريخي جديد، لا بد من اتباع منهجٍ يقوم على ثلاث ركائز أساسية:

1. الفصل بين الدين والتاريخ
علينا أن نميز بين ما هو إلهي ثابت، وما هو بشري متغير. فالصحابة والتابعون والعلماء بشر، يُصيبون ويُخطئون. احترامهم لا يعني تأليههم، كما أن نقدهم لا يعني الانتقاص من الدين ذاته.


2. المنهج العلمي في قراءة المصادر
لا بد من العودة إلى المصادر الأصلية، لا إلى الروايات الموجهة سياسيًا أو مذهبيًا. فالكثير من كتب التاريخ كتبت بأقلام المنتصرين أو الخاسرين، فاختلطت الحقيقة بالدعاية.


3. البعد الإنساني في التحليل
يجب أن نعيد إلى الشخصيات التاريخية إنسانيتها. لا نراها كملائكة أو شياطين، بل كأناسٍ يتحركون ضمن شروط زمانهم ومجتمعهم وثقافتهم.



كما قال طه حسين في كتابه «الفتنة الكبرى»:

«لقد كان أولئك الناس بشرًا مثلنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، فلماذا نرفعهم فوق النقد أو نحطّهم إلى الحضيض؟»




---

سادسًا: التاريخ كجسر لا كسجن

إن إعادة قراءة التاريخ ليست عودة إلى الوراء، بل خطوة إلى الأمام.
فالأمم التي تصالحت مع ماضيها استطاعت أن تبني حاضرها بثقة. والذين ظلوا أسرى «الحنين إلى الماضي» أو «الكره له» بقوا في دائرة الجمود والاضطراب.

حين نقرأ التاريخ بصدق، ندرك أن الحضارة الإسلامية ليست ملكًا لجماعة أو مذهب، بل هي جهد إنساني مشترك ساهم فيه العرب والفرس والترك والأمازيغ والهنود. إنها حضارة الإنسانية تحت راية التوحيد، لا حضارة قوم أو سلالة.


---

خاتمة: من التاريخ إلى الوعي

التاريخ ليس أستاذًا يوبخنا، بل مرآةٌ تعكس وجوهنا.
علينا أن ننظر فيها بصدقٍ كي نفهم من نحن، وأين أخطأنا، وكيف ننهض من جديد.
وكما قال الفيلسوف جورج سانتايانا:

>«من لا يتعلم من التاريخ محكوم عليه أن يعيشه من جديد.»



إن مستقبلنا لن يُبنى على تمجيد الماضي ولا على لعنه، بل على فهمه.
فمن خلال قراءة عادلة للتاريخ الإسلامي، نستطيع أن نؤسس لوعيٍ جديد، يقبلنا جميعًا في عيشٍ مشتركٍ متسامح، يحررنا من عقدة «الماضي المذهّب» وهاجس «الماضي المظلم»، ويفتح أمامنا طريقًا إلى نهضةٍ عقلانيةٍ إنسانيةٍ تليق بروح الإسلام الحقيقية.



#محمد_غفير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل نتنياهو بعد صفقة ترامب: هل يبقى اليمين المتطرف في قلب ...
- -صفقة ترامب تشعل إسرائيل: انقسام حاد وتهديدات بإسقاط حكومة ن ...
- الأزهر – بين منارة الدين وميدان السياسة
- كيف تغيرت موازين السيطرة والحياة داخل غزة في الذكرى الثانية ...
- الأديب الروسي العظيم فيودور دوستويفسكي
- التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان إلى مظهر و ...
- ازدواجية المعايير في القانون الدولي: حين يسقط القناع عن الإن ...
- هدم الأسرة وصناعة الإنسان المستهلك: من المؤامرة إلى الواقع
- سيغموند فرويد: الأب الروحي للتحليل النفسي ومؤسس مدرسة علم ال ...


المزيد.....




- الإسرائيليون اليهود كما أراهم في وسائل الإعلام
- بابا الفاتيكان يأمل أن يمهد اتفاق غزة لسلام دائم.. ويجدد دعو ...
- خوري يلتقي بطريرك القدس للاتين في عمّان ويؤكدان أهمية تعزيز ...
- ما رمزية ودلالات زيارة بابا الفاتيكان القادمة إلى تركيا؟
- بابا الفاتيكان: نتمنى أن يكون وقف إطلاق النار في غزة سلام عا ...
- بابا الفاتيكان يصف وقف إطلاق النار في غزة بـ-شرارة أمل-
- رئيس الكونغرس اليهودي العالمي يدعو لإطلاق سراح البرغوثي.. وإ ...
- جدل بسوريا بعد ظهور اسم حافظ الأسد على مئذنة الجامع الأموي ب ...
- مسيحيو العراق قلقون: تمثيلنا يُختطف من قبل جماعات مسلحة والك ...
- جدل الإجازات في ألمانيا .. عندما تصطدم الأعياد الدينية بجداو ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - قراءة التاريخ الإسلامي بين القداسة والعقلانية: نحو وعيٍ جديد بالماضي