أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان إلى مظهر والروح إلى شعار















المزيد.....

التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان إلى مظهر والروح إلى شعار


محمد غفير

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان الي مظهر و الشعائر الي طقوس شكلية  .

في زمنٍ صارت فيه الشعائر طقوساً شكلية، والفضيلة مظهراً اجتماعياً أكثر منها التزاماً روحياً، يطفو على السطح سؤال مؤلم: هل نحن حقًّا مجتمعات متدينة بطبعها؟
قد يبدو الجواب للوهلة الأولى بالإيجاب، فالمساجد ممتلئة، والحجاب منتشر، والآيات القرآنية تتردد في كل مكان، لكن نظرة أعمق تكشف أن ما نعيشه ليس تديناً حقيقياً، بل تديناً سطحياً صاخباً، تغلب عليه المظاهر وتغيب عنه المقاصد، يقدّس القشور وينسى اللبّ، ويتحدث عن الله كثيراً دون أن يقترب منه حقاً.


---

المظاهر الدينية... قشرة بلا لبّ

من يتأمل المشهد الديني في مصر ومعظم الدول العربية يرى كيف أصبح الخطاب الديني مختزلاً في المظهر الخارجي: اللحية، والنقاب، والثوب القصير، والأناشيد الحماسية، ومواسم الوعظ التي تدور حول الحلال والحرام في المأكل والملبس والاختلاط، بينما تُهمَل القضايا الكبرى التي تحدث عنها القرآن نفسه: العدل، والرحمة، والكرامة الإنسانية، والحرية، والعقل.

لقد تحوّل الدين من رسالة للتحرر وبناء الوعي إلى نظام مراقبة اجتماعي يحكم على الناس من خلال الشكل لا الجوهر.
وكأنما أصبح الإيمان بطاقة عبور اجتماعية، لا تجربة داخلية تبحث عن الله، بل استعراضٌ أمام الآخرين.

قال الفيلسوف أبو حامد الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين:

"كم من متدينٍ بالدين وهو أبعد الناس عن حقيقة الدين، لأن التدين عنده عادةٌ لا عبادة، ومظهرٌ لا مخبر."
هذه الكلمات التي كُتبت قبل قرون، تصف حالنا اليوم بدقة مذهلة.




---

مقاصد الشريعة... الجوهر المنسي

لقد تحدث كبار علماء الإسلام عن ما يسمى بـ مقاصد الشريعة، أي الغايات الكبرى التي جاء بها الدين: حفظ النفس، والعقل، والمال، والعرض، والحرية.
لكن معظم الخطاب الديني المعاصر في الوطن العربي، انصرف عن المقاصد إلى الفروع، وعن الغايات إلى التفاصيل الصغيرة.

بدلاً من أن نسأل: كيف نبني مجتمعاً عادلاً يكرم الإنسان؟
أصبحنا نسأل: هل يجوز حلق اللحية في الصيف؟
بدلاً من التفكير في تحرير العقل من الجهل والخرافة، انشغلنا بفتاوى التمثيل والموسيقى، وبتصنيف الناس إلى “ملتزم” و”غير ملتزم”، “من أهل السنة” و”من أهل البدعة”.
وهكذا ضاع جوهر الدين الذي أراده الله ليكون رحمة للعالمين.

يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي:

"ليست المشكلة في الإسلام، بل في المسلمين الذين لم يفهموا الإسلام كما ينبغي، فحوّلوه إلى طقوسٍ بلا روح."
وهنا تكمن المأساة الحقيقية؛ أننا لم نعد نعيش الدين، بل نمثله.




---

ابن رشد والإمام محمد عبده... رموز النور التي تجاهلناها

في تراثنا الإسلامي العريق، ظهر علماء مستنيرون حاولوا الجمع بين النص والعقل، بين الإيمان والفكر، بين النقل والحرية.
منهم ابن رشد في الأندلس، الذي دعا إلى أن يكون العقل شريكاً للنص، لا خصماً له. قال في كتابه فصل المقال:

"إننا إذا نظرنا في الشريعة وجدناها تدعو إلى النظر بالعقل، وتنهى عن الجمود على ظاهر اللفظ."



لكن ابن رشد حُورب، واتُّهم بالزندقة، ونُفي من قرطبة، لأن العقل كان خطراً على سلطة الكهنة الجدد الذين أرادوا احتكار تفسير الدين.

بعد قرون، حاول الإمام محمد عبده أن يبعث روح الإصلاح من جديد، فدعا إلى تجديد الفكر الديني وربطه بروح العصر، وقال:

"ليس الدين هو الذي يحارب العقل، وإنما الجهل باسم الدين."
ومع ذلك، أُقصي فكر محمد عبده، تماماً كما أُقصي فكر ابن رشد، لأن العقلانية في الدين لا تُرضي من يعيشون على الاتجار بالمقدس.



أما اليوم، فقد تحول ابن تيمية إلى المرجع الأعلى لدى كثير من الجماعات المحافظة، يُقتبس كلامه وكأنه نصٌّ مقدس لا يُناقش.
مع أن ابن تيمية نفسه كان مجتهداً برأيه، لا طالب تقديس. لكنّ أتباعه اليوم جمّدوه في قالب لا حياة فيه، وحوّلوا فكره إلى جدارٍ يمنع التفكير لا إلى جسرٍ نحو الفهم.


---

لماذا اخترنا الطريق المحافظ المكبل بالنصوص؟

ربما لأننا شعوب خائفة.
الخائف لا يحب الأسئلة، والعقلانية عنده تثير القلق لأنها تكشف هشاشة المسلّمات.
لقد اخترنا الطريق المحافظ لأنه يمنحنا شعوراً زائفاً بالأمان، ولأن التبعية أسهل من المسؤولية.
العقل يرهق صاحبه، بينما النقل الجاهز يمنح الطمأنينة السريعة.

وهكذا أصبحنا نعيش دين الطمأنينة المعلبة، لا دين الوعي والحرية.
دينٌ يطلب من الإنسان أن يطيع دون أن يفكر، وأن يخضع دون أن يسأل، وأن يتدين ليُرضي الناس لا ليبحث عن الله.


---

هل كنا يوماً مجتمعات متدينة بطبعها؟

القول إننا "شعوب متدينة بطبعها" مجرد خرافة نُردّدها لنبرّر تناقضاتنا.
فالتدين الحقيقي لا يُقاس بعدد المساجد ولا بعدد المحجبات، بل بمستوى الصدق والأمانة والرحمة والعدالة في المجتمع.
ولو كان مقياس التدين هو الشكل، لكانت مجتمعاتنا اليوم من أطهر الأمم، لكن الواقع يقول عكس ذلك:
الفساد مستشرٍ، النفاق الاجتماعي متفشٍ، والازدواجية الأخلاقية أصبحت سمة عامة.

لقد صنع لنا التدين السطحي شخصية مزدوجة:
في العلن متدين يسبّح باسم الله، وفي الخفاء يلهث وراء مصالحه، يظلم ويكذب ويغش دون وخز ضمير.
تلك الازدواجية ولّدت ما يسميه علماء الاجتماع بـ “المجتمعات الباطنية”؛ مجتمعات تعيش في صراع دائم بين الممنوع والمكبوت، بين الرغبة والخوف، بين الخطأ والتمسّك الظاهري بالصواب.

كما كتب نجيب محفوظ في روايته أولاد حارتنا:

"إننا نعيش في زمنٍ نعبد فيه الله بألسنتنا ونخالفه بقلوبنا."
عبارة تختصر قروناً من الانفصام بين الدين الحقيقي والدين الاجتماعي.




---

حين يتحول الدين إلى أداة للسيطرة

لم يعد الدين في كثير من الأحيان وسيلةً للترقي الروحي، بل أداةً للهيمنة السياسية والاجتماعية.
تستخدمه الأنظمة لترسيخ الطاعة، وتستخدمه الجماعات لتكريس الهوية، ويستخدمه العامة كدرعٍ من الشعور بالذنب.
هكذا تحوّل الدين من ثورة على الظلم إلى خطاب يبرر الخضوع له.

إن الله لم يبعث الأنبياء ليكونوا رجال دين، بل ليكونوا مصلحين ومفكرين، يواجهون الظلم ويدعون إلى تحرير الإنسان.
لكن حين يُفرغ الدين من جوهره الإنساني، يتحول إلى أداة تخدير، لا إلى طاقة تغيير.


---

نحو تدين واعٍ يعيد للروح معناها

إن الخروج من مأزق التدين السطحي لا يكون بمحاربة الدين، بل بإحياء روحه الحقيقية.
العودة إلى المقاصد لا إلى القشور، إلى المعنى لا إلى المظهر، إلى القلب لا إلى الميكروفون.
أن نقرأ القرآن بعقلٍ وقلب، لا كتعويذةٍ تحفظنا من الشرور بل كدعوةٍ للتفكير والتحرر.

قال جلال الدين الرومي في إحدى قصائده:

"ما بحثتُ عن الله في المساجد ولا في الكتب، بل وجدته في قلبي حين طهّرته من الزيف."
وهذا هو جوهر الإيمان: أن تعيش الصدق الداخلي، لا أن تتقن التمثيل الخارجي.




---

خاتمة

لقد حان الوقت أن نسأل أنفسنا بصدق:
هل نحن متدينون لأننا نحب الله، أم لأننا نخاف المجتمع؟
هل نصلي لأننا نبحث عن النور، أم لأننا نخشى العيب؟
الإجابة الصادقة قد تكون بداية النهضة.
فالأمم لا تنهض بالتدين الظاهري، بل بالصدق، والعدل، والتفكير الحر، والإيمان العميق.

إن الله لا ينظر إلى لحانا ولا إلى جلابيبنا، بل إلى قلوبنا.
وحين ندرك أن الدين الحقيقي هو أن نكون صادقين مع أنفسنا، عندها فقط سنكفّ عن التمثيل، وسنبدأ الإيمان.



#محمد_غفير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازدواجية المعايير في القانون الدولي: حين يسقط القناع عن الإن ...
- هدم الأسرة وصناعة الإنسان المستهلك: من المؤامرة إلى الواقع
- سيغموند فرويد: الأب الروحي للتحليل النفسي ومؤسس مدرسة علم ال ...


المزيد.....




- انشاء ركن القدس في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
- مقبرة الساهرة إحدى أقدم المقابر الإسلامية في القدس
- اتفاق غزة يفضح صراع جبهات الإخوان.. مصر بمرمى المزايدات
- اتفاق غزة يفضح صراع -جبهات الإخوان-.. مصر في مرمى المزايدات ...
- بابا الفاتيكان يشيد بالصحفيين لنقلهم الحقائق من غزة
- المستوطنون يستبيحون المسجد الاقصى وسط إجراءات عسكرية مشددة
- مالي: شهر على حصار العاصمة من قبل -جماعة نصرة الإسلام والمسل ...
- قائد الثورة: الترويج للصلاة، واجب حتمي لاجهزة الدعوة الدينية ...
- مستعمرون يعتدون على مواطن وزوجته ويسرقون محصول الزيتون غرب س ...
- السعودية تعرض لأول مرة عملات إسلامية نادرة.. بينها أول دينار ...


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد غفير - التدين السطحي في العالم العربي: حين يتحول الإيمان إلى مظهر والروح إلى شعار