|
طوفان الأقصى 740 - سلام ترامب الهش: كيف تلاشت صفقة غزة بين الرهائن والأحلام الأمريكية؟
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8497 - 2025 / 10 / 16 - 00:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
15 أكتوبر 2025
مقدمة — مشهدٌ على حافة الإنتظار
أواخر سبتمبر–أكتوبر 2025 شهدت دفعة دبلوماسية مكثفة نحو تهدئة في قطاع غزة: هدنة مؤقتة، تبادل أسرى «كل الإسرائيليين أحياء وأموات مقابل عدد متفق عليه من الفلسطينيين»، وإعلان أمريكي عن «خطة سلام» مؤلفة من بنود تطمح إلى وضع أساس لما بعد الحرب. لكن ما بدا على الشاشات إنجازًا سريعًا، أظهر في أعماق المفاوضات شروخًا جوهرية. من جانب تل أبيب ثمة خوف من إعادة ولادة قيادات قادرة على توحيد الميدان الفلسطيني؛ ومن جانب واشنطن ثمة سعي لإنجاز سياسي ممكن تسويقه دوليًا؛ ومن جانب حماس ثمة حسابات بقاء ومشروعيّة. الصحافة الروسية تزخر بعشرات الدراسات والتحليلات حول خطة ترامب، إخترنا منها مادتين — مقال ليونيد تسوكانوف (10 تشرين الأول/أكتوبر 2025) وتحليل Bloknot.ru (12 تشرين الأول/أكتوبر 2025) — تضعان هذه الثلاثية في بؤرة قراءةٍ واحدة: سلام هشّ قد يمهّد لصراعٍ آتٍ إن لم تُعالج النقاط الجوهرية الآن.
1. صفقة التبادل: إنسانية أم لعبة سياسية؟
صيغة تبادل الأسرى التي اتُّفِقَت عليها الأطراف تبدو كحل إنساني في الظاهر: إطلاق أسرى مقابل رهائن دفعت عائلاتهم ثمناً باهظًا من الألم. لكن قراءة تسوكانوف تكشف أن المشهد أبعد ما يكون عن البساطة. أمام تلاقي الضغوط الشعبية والسياسية والإعلامية على حكومة إسرائيليّة تبحث عن حلٍّ سريع لأزمة الرهائن، تقف مؤسسات الأمن في تل أبيب على رأس قائمة رفض تخلّيها عن «أسماء القائمة السوداء» تُعدّها تهديدًا دائمًا للأمن القومي.
هكذا تتحول عملية تبدو إنسانية إلى لعبة قوة: إطلاق الآلاف من السجناء «العاديين» مقابل إحتفاظ إسرائيل بقادة تعتبرهم رموزًا وخطراً إستراتيجياً. النتيجة: صفقة ناقصة تلفُّها شرعية شكليّة لكنها تفتقد لبُنية سياسية تضمن عدم إنتكاس الوضع.
2. «القائمة السوداء» وإشكالية القيادات: من عبد الله البرغوثي إلى مروان البرغوثي
ثلاثة عناصر تشكّل جوهر معضلة تل أبيب:
1. التهديد التقني والعسكري — عبد الله البرغوثي («المهندس»): صانع إبتكارات تفجيرية تُستخدم حتى اليوم؛ سجنه منذ 2003 وأحكامه الرمزية (67 مؤبدًا) تجعل من إعادته إلى الساحة تهديدًا إستراتيجيًا وفق نظرية الأمن الإسرائيلي.
2. القيادة الميدانية — أسماءٌ مثل إبراهيم حامد وحسن سلامة وعباس السعيد، الذين تُعدّهم إسرائيل قادةً ميدانيين قادرين على توجيه عمليات حتى من داخل السجون. إخراجهم يعيد عصبًا تخوّف منه الجيش.
3. الرمز السياسي الموحد — مروان البرغوثي: رمزيته تجاوزت الحسابات الأمنية؛ إخراجه قد يخلق شخصية توافقية جامعة (التشبيهات بـ«نيلسون مانديلا الفلسطيني») قادرة على إعادة ترتيب المشهد الفلسطيني بما يهدّد الحسابات الإسرائيلية في الضفة والشرعية الدولية.
تل أبيب، وفق تسوكانوف، تحاول أن تخرج من الصفقة بمظهر المسامح لكن مع الإحتفاظ بخيارات قانونية (مراجعة أحكام قديمة) تُمكّنها من منع خروج هؤلاء الأسماء أو تأخيرها، وهو ما يجعل التبادل عملية مقطوعة عن حل سياسي شامل.
3. حماس والبعد التكتيكي: نافذة أوروبا وزخم إعادة البناء
من منظور حركة حماس، تُعدّ عملية الإفراج عن آلاف المعتقلين «رأس مال سياسي وشعبي» مهمًا لإستعادة توازن الحياة اليومية والقدرة على إعادة البناء الإجتماعي والسياسي في غزة. كما أن مطلب إطلاق سراح شخصيات أخرى مثل أحمد سعدات — وإستفادة حماس من شبكات الجبهة الشعبية في أوروبا — يمثل محاولة لكسب مشروعية دولية وسياسية بعد سنوات الحصار والقتال.
لكن الاتفاق بصيغته الراهنة — وفق Bloknot.ru — يضع حماس أمام معضلة: إما قبول هدنة مؤقتة تمنحها فترة للتنفس، أو رفض قد يُعرض آلافًا للخطر. في الحالة الأولى، عليها أن تقبل بأن المرحلة الثانية (نزع السلاح، الحل السياسي) غير واضحة، وهو ما قد يدفعها لاحقًا لتصعيد إن تبيّن أن الحلول طويلة الأمد قد حُرمت عنها.
4. سلام ترامب الهش: دوافع وأفق الفشل
تحليل Bloknot.ru يرسم بوضوح صورة «سلام هش» لا يعالج الجذور:
•صيغته إطارية، تركز على تبديل الوقائع (تبادل، انسحاب جزئي، حكومة مؤقتة تحت إشراف دولي) بدلاً من نصٍّ يضمن حقوقًا سياسية وقانونية دائمة للفلسطينيين؛
•لا وجود لصيغة واضحة لنزع سلاح حماس ولا لآلية فاعلة لوجود قوات دولية تحل محل الإحتلال؛
•رهان واشنطن — بحسب المقال — على إنجاز يُسوَّق داخليًا (قابل للعرض قبل أو أثناء ذروة سياسات إنتخابية) أكثر منه على بناء تسوية مستدامة.
هذا يعني أن (أ) الخطة مؤقتة بطبيعتها، و(ب) نجاحها يتطلب إلتزاماً طويل الأمد لا يبدو أنه وارد من الأطراف الكبرى، و(ج) لا بد أن يترتب على غياب هذا الإلتزام تجدد سريع للإشتباك.
5. قراءة روسية موحّدة: لماذا تتوقع موسكو نكسة متكررة؟
التحليلات الروسية في كلا المصدرين تتشابك حول نقطتين أساسيتين: أولا، أن «السلام» هنا يُنفّخُ إعلاميًا أكثر مما يُؤسّس عمليًا؛ وثانياً، أن ثغرات الخطة تُغدي سيناريوهات لاحقة للعنف.
من منظور موسكو:
•تعطيل القضايا الجوهرية (السلطة، الحدود، حق العودة، القدس) يجعل أي هدنة مجرد تسوية سطحية؛
•إبقاء أسماء مفصلية داخل السجون محفوف بخطر ردود فعل شعبية قد تُضعف أي حكم محلي أو إقليمي، وقد يدفع الفصائل إلى خيار إستعادة الزخم المسلح؛
•والرؤية الجيوسياسية ترى أن أمريكا قد تستخدم الصفقة «للتسويق» أكثر من حلّ جذري، ما يفتح فسحة لروسيا لإعادة قراءة المشهد وإستغلال أي فراغ نفوذ لاحق.
6. سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب
بناء على ذلك هناك ثلاث قراءات عملية للمآلات:
1. سيناريو النجاح المؤقت (المرجَّح قصير المدى): تهدئة تمتد لأشهر مع تبادل أسرى واسع، تحسينات إنسانية وإنعاش محدود للإقتصاد، لكن إستمرار حالة غياب حلول سياسية جذرية.
2. سيناريو التجميد الطويل: هدنة تستمر لسنوات بشرط رعاية دولية شبه ثابتة، مع بقاء قيادات معتقلة وأطر سياسية غير مستقرة — هذا السيناريو يتطلب إلتزاماً دوليًا طويل الأمد غير مرجّح وفق المصادر الروسية.
3. سيناريو الإنفجار المتجدد (الأسوأ احتمالًا بحسب التحليلات الروسية): فشل التحول إلى بنود المرحلة الثانية، إستياءً شعبي من إستثناءات القادة، وحركة مقاومة معادٍة لإطار التسوية تعود إلى العسكرة أو التصاعد المحلي.
ولا بد من الإشارة أن المكاسب والخسائر في كل سيناريو ليست محصورًة بغزة وحدها؛ فهي تنعكس مباشرة على التوازنات الإقليمية والدولية (قوة النفوذ الأمريكي، مساحة المناورة الروسية، مآلات دور دول الخليج).
7. الخلاصة — هدنة أم إستراحة محارب؟
القراءة الموحدة للمادتين تؤكد أن ما تحقق — أو يُسوَّق — في أكتوبر 2025 ليس أكثر من إستراحة مؤقتة، وأن البنية السياسية اللازمة لتحويلها إلى حل دائم غائبة. قواعد اللعبة لم تتبدّل: إسرائيل تحفظ أدواتها الأمنية عبر «القائمة السوداء»، حماس تكسب نفسًا سياسيًا وشعبيًا لكنه مقيد، وواشنطن تسجّل «إنجازًا» إعلاميًا قد لا يترجم إلى حل مستدام.
من جهةٍ أخرى، تظل موسكو — بحسب التحليلات — مراقباً أو مراقبة تستثمر فرص الفراغ وتعيد ترتيب حساباتها في الساحة الأوسع، ما يجعل ملف غزة عنصرًا من عناصر منافسة كبرى بين أقطابٍ يسعون لإعادة كتابة جغرافيات النفوذ. في ضوء ذلك، فإن «سلام ترامب الهش» قد يكون فصلًا قصيرًا في مسلسل طويل من التصعيد والصلح المؤقت، إلا إذا أُعيد فتح صفحات جذرية للسياسة تُعالج فقدان الفاعلية والسيادة الرمزية التي تمثّلها قضية الأسرى والقيادات.
***** المراجع
1. ليونيد تسوكانوف، «إسرائيل تبحث عن طرق لعدم تسليم قادة حماس الرئيسيين في صفقة التبادل»، مؤسسة الثقافة الاستراتيجية / وكالة ريغنوم — 10 أكتوبر 2025.
2. موقع Bloknot.ru «"السلام الهش" لترامب بين إسرائيل وحماس محكوم عليه بالفشل: خبراء يشرحون لماذا ستتحول الهدنة في غزة إلى حرب جديدة» — 12 أكتوبر 2025.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 739 - بين هدنة معلّقة ودمٍ مؤجل: قراءة في مقالي
...
-
طوفان الأقصى 738 - سوزانا تكاليك متهمة بأنها مكنت إسرائيل من
...
-
طوفان الأقصى الأقصى 737 - الهدنة الغامضة في غزة: حين تتحول ا
...
-
طوفان الأقصى 736 - السابع من أكتوبر... اليوم الذي أعاد تشكيل
...
-
طوفان الأقصى 735 - حين يطلب الجلاد التعاطف: قراءة في خطاب كي
...
-
طوفان الأقصى 734 - هل الطريق إلى نوبل يمر عبر تل أبيب أو مقر
...
-
طوفان الأقصى 733 - مؤشرات إقتراب الهجوم على إيران
-
طوفان الأقصى 732 - اللوبي الإسرائيلي يفقد سحره في واشنطن: رس
...
-
طوفان الأقصى 731 - جردة حساب بعد عامين من حرب الإبادة - الأز
...
-
حين خُدع غورباتشوف: كيف كانت «وحدة ألمانيا» فخًّا إستراتيجيا
...
-
طوفان الأقصى 730 - حين يتكلم الضمير الأمريكي: ساكس وميرشايمر
...
-
طوفان الأقصى 729 - خطة ترامب للسلام في غزة - ورؤى روسية متبا
...
-
حين بيعت جمهورية بثمن ساندويش فلافل
-
طوفان الأقصى 728 - خطة ترامب لغزة: بين الوهم والواقعية... هل
...
-
طوفان الأقصى 727 - من غزو العراق إلى غزة: كيف يعود -كلب بوش
...
-
طوفان الأقصى 726 - خطة ترامب للسلام في غزة – بين تجديد الصرا
...
-
طوفان الأقصى 725 - ترامب بين النرجسية والخطر النووي - جدل حو
...
-
طوفان الأقصى 724 - إسرائيل على حافة العزلة الدولية: نحو نموذ
...
-
طوفان الأقصى 723 - آفي شلايم: المؤرخ الذي تخلّى عن الصهيونية
...
-
طوفان الأقصى 722 - إيران–العراق: الحرب العبثية
المزيد.....
-
وقف إطلاق نار لـ48 ساعة بين باكستان وأفغانستان بعد أعنف قصف
...
-
فستان ذهبي بتصميم عربي..نيكول شيرزينغر بإطلالة متألقة في نيو
...
-
مذيع CNN يبيّن تفاصيل اتصال مع ترامب ناقشا فيه اتفاق وقف إطل
...
-
مصر.. تسجيل لنداء طيار مصري لطائرة ترامب فوق شرم الشيخ يثير
...
-
-سحابة من الخوف- تاريخ سري للمثليين في الجيش الأمريكي
-
دور أوروبا في مستقبل غزة والمنطقة.. -صندوق تمويل- دون تأثير
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد بالعودة للقتال في غزة إن لم تسلم
...
-
يوم مع عائلة فلسطينية في موسم قطف الزيتون
-
سوريا.. فيديو طريقة دخول الشرع ودلالات اختيار القاعة للقاء ب
...
-
ترامب يعطي الضوء الأخضر للاستخبارات الأمريكية للعمل في فنزوي
...
المزيد.....
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
المزيد.....
|