محمد حجازي البرديني
الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:38
المحور:
قضايا ثقافية
الشعر الكويتي: دراسة نقدية-الشاعرة منى كريم.
الصوت المتمرد في شعر منى كريم: تحليل الأسلوب واللغة.
الناقد: محمد حجازي البرديني.
الفصل الأول: المقدمة والإطار الإشكالي.
«كلّما كتبَت امرأةٌ قصيدتها الأولى، اهتزّ في اللغة عرشٌ من الصمت». (منى كريم، الأخضر واليابس، ص 9).
تأتي تجربة الشاعرة الكويتية منى كريم ضمن مسار شعري خليجي يتسم بالتجريب والانفتاح على الذات والآخر، لكنها تتفرّد عن كثير من مجايليها بامتلاكها صوتًا متمردًا لا يهادن اللغة ولا الواقع. فهي لا تكتب الشعر لتصف العالم، بل لتخلقه من جديد، وفق منطقها الداخلي الممزوج بالاغتراب والمنفى والتوق إلى الحرية.
لقد أسهمت منى كريم، منذ ديوانها الأول غياب بأصابع مبتورة (2019)، في إحداث نقلة لغوية ورؤيوية في المشهد الشعري الكويتي، إذ انتقلت بالقصيدة من حيز الانفعال إلى حيز الوعي الوجودي بالاختلاف، ومن التعبير الغنائي إلى اللغة بوصفها مساحة مقاومة.
تتمحور هذه الدراسة حول السؤال المركزي الآتي:
كيف يتجلى الصوت المتمرد في شعر منى كريم من خلال الأسلوب واللغة، وما الآليات الجمالية والدلالية التي تنتج هذا الصوت في ضوء المناهج البنيوية والسيميائية والتفكيكية؟
ويستتبع هذا السؤال الرئيس أسئلة فرعية:
ما الأسس اللغوية التي بُني عليها خطاب التمرد في شعر منى كريم؟
كيف تمثل الشاعرة ذاتها وهويتها عبر اللغة؟
كيف تتحول العلامة الشعرية في نصوصها إلى فضاء للرفض والتجاوز؟
ما أثر المنفى في تكوين أسلوبها وتموج لغتها؟
أهداف الدراسة.
تحليل الأسلوب الشعري واللغة الشعرية في نصوص منى كريم بوصفها أدوات للتمرّد على النمط والسلطة.
الكشف عن الآليات البنيوية والسيميائية في بناء الصوت الأنثوي الحرّ.
رصد استراتيجيات التفكيك في نصوصها التي تهدم الخطاب المهيمن وتعيد تشكيله رمزيًا.
أهمية الدراسة.
تنبع أهمية هذه الدراسة من ندرة الدراسات الأكاديمية التي تناولت شعر منى كريم بعمق منهجي، رغم أنها تُعدّ من أبرز الأصوات النسائية الخليجية التي أعادت تعريف الشعر كهوية لغوية وثقافية. كما تسهم الدراسة في إثراء حقل النقد العربي المعاصر من خلال ربط الشعر النسوي الكويتي بالمناهج الحديثة.
الإطار المنهجي.
تعتمد الدراسة ثلاثة مناهج نقدية متكاملة:
المنهج البنيوي، لقراءة البنية اللغوية الداخلية للنصوص، وتحليل العلاقات بين المستويات الصوتية والتركيبية والدلالية (بارت، ياكبسون).
المنهج السيميائي، للكشف عن العلامات الشعرية وديناميات إنتاج المعنى (بيرس، كريستيفا).
المنهج التفكيكي، لتفكيك الثنائيات الضدية التي يبني عليها الخطاب الشعري، وكشف التوتر بين الحضور والغياب (دريدا).
الإطار النظري.
1. مفهوم التمرد في الشعر.
التمرد في الشعر ليس مجرد نزوع احتجاجي، بل هو، كما يراه كامو، “وعي بالعبث مقرون بفعلٍ مقاوم” (Camus, The Rebel, 1951).
وفي السياق العربي، يرى أدونيس أن التمرد هو “الانحراف الجميل عن السائد بحثًا عن الأصالة في المستقبل لا في الماضي” (زمن الشعر, 1980).
أما في الشعر النسوي الخليجي، فالتمرد يتخذ بعدًا مزدوجًا: لغويًا ضد سلطة البيان الذكوري، ووجوديًا ضد شرط الاغتراب والمنفى.
2. اللغة بوصفها فضاءً للحرية.
وفقًا لجاك دريدا، “اللغة ليست بيت الوجود كما قال هايدغر، بل متاهته” (Writing and Difference, 1978).
منى كريم تعي هذه المتاهة، فتجعل من اللغة مساحة مقلوبة تتكلم فيها الهوامش، وتنتصر المفردة المهمشة على الكلمة المركزية.
عتبة أولى من نصوصها
«أحملُ لغتي على ظهري
كمنفى يلاحقني أينما كتبت،
وأخاف أن تسقط مني كلمة
فتعودُ إلى وطنها الأول: الصمت.»
— غياب بأصابع مبتورة، ص 14
في هذه العتبة النصية، يتجلى ما تسميه الدراسة بـ الصوت المتمرد: اللغة بوصفها عبئًا ومنفى، والكتابة بوصفها مقاومة للصمت.
من خلال هذا التوتر اللغوي والدلالي تبدأ معالم التمرد في الظهور: لغة الذات ضد لغة الجماعة، وكلمة الهامش ضد كلمة المركز.
الفصل الثاني: التحليل البنيوي والسيميائي للأسلوب واللغة.
«لا أقولُ الحقيقة،
بل أتركها تتعثّر في القصيدة،
وأنتظر أن تنهض وحدَها». (منى كريم، الأخضر واليابس، ص 33).
تنهض تجربة منى كريم على مفارقة جوهرية: اللغة التي تقول، لا تقول، فهي لغة تمارس الانسلاخ من ذاتها لتنتج خطابًا متعدّد الطبقات، يتجاوز المجرّد الدلالي إلى البنية الإشارية. هنا تتحوّل القصيدة إلى جسد لغوي متمرّد، تتصارع داخله الأصوات، وتتفكّك المعاني لتُعاد صياغتها بوصفها علامات متحرّكة.
هذا الفصل يسعى إلى تفكيك بنية هذا الصوت من خلال مستويين نقديين متكاملين:
التحليل البنيوي للأسلوب واللغة.
التحليل السيميائي للعلامة الشعرية ودلالتها التمرّدية.
أولاً: التحليل البنيوي للأسلوب.
1. البنية الصوتية والإيقاع الداخلي.
يُلاحظ أن منى كريم تتجنّب الإيقاع الخليلي والوزن الموروث، وتبني موسيقاها على التكرار الصوتي والنغمة الداخلية، وهو ما يمنح القصيدة توترًا صوتيًا يعادل توتر الذات في مواجهة العالم.
في قولها:
«أغلقُ النافذةَ
كي لا أسمعَ ظلالي تتناسلُ على الجدار»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 22)
يتكرّر الصوت الحَلقي (ع) والهَمْسي (س) في توزيع متوازن يُنتج إيقاعًا خفيًا من القلق، وهو ما وصفه ياكبسون بـ الوظيفة الشعرية للغة، حيث يتقدّم المحور الصوتي على المحور المرجعي (Jakobson, Linguistics and Poetics, 1960).
هذا الإيقاع ليس للزينة الجمالية، بل لتوليد توتر لغوي يتماهى مع التمرّد الداخلي للشاعرة، إذ تتحوّل الموسيقى إلى طاقة رفض.
2. البنية التركيبية: الجملة المقطوعة والعبارة المفككة.
يُلاحظ في معظم نصوص منى كريم هيمنة الجملة القصيرة المقطوعة، والوقفات المفاجئة، والعبارات الناقصة، مثل قولها:
«كتبي تئنُّ
حين أمرُّ عليها
كأمٍّ تنادي أبناءها المفقودين.»
(الأخضر واليابس، ص 41)
تُمارس هنا اللغة انقطاعها الذاتي، وتكفّ الجملة عن الاسترسال.
من منظور بنيوي، فإن هذا القطع يعيد هيكلة النص بوصفه مقاومة للتماسك النحوي، أي مقاومة للنسق المستقر.
يقول بارت: "الأسلوب هو المكان الذي تنكسر فيه اللغة أمام التجربة."
وهذا بالضبط ما نراه في شعر منى كريم: لغة مكسورة عن قصد لتقول كسْرها.
3. المعجم اللغوي: من المحسوس إلى الغائب.
يهيمن في معجم الشاعرة حقلان دلاليان:
حقل الغياب والمنفى: (ظل، غبار، مسافة، صمت، حدود، منفى، جدار...)
حقل الأنوثة المتحوّلة: (جسد، أمّ، رحم، مرآة، جلد، دم...).
تتحاور هذه الحقول لتنتج معنى الذات الهاربة من التشييء. فالأنثى هنا ليست موضوعًا بل فاعلًا لغويًا يخلق ذاته عبر المفردة.
من منظور بنيوي، هذا الاشتغال المعجمي يشكّل ما يسميه غريماس “المربع السيميائي” (Greimas, Structural Semantics, 1966)، حيث تقف مفاهيم (المنفى/الانتماء) و(الجسد/الغياب) في علاقة تضادّ وانعكاس.
ثانيًا: التحليل السيميائي للعلامة الشعرية
1. العلامة كفضاء للتمرد.
وفقًا لسيمياء بيرس، كل علامة تتكوّن من علاقة ثلاثية بين التمثيل والمدلول والمؤوِّل.
في شعر منى كريم، تتحوّل العلامة إلى كائن مقاوم، إذ تنفصل عن مرجعها الواقعي وتعيد إنتاجه رمزيًا.
في قولها:
«أنا ظلّي
الذي يفرّ منّي
كلّما حاولتُ أن أعودَ إلى نفسي.»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 37)
الظل هنا ليس مجرد استعارة للذات، بل علامة وجودية تعيد تعريف العلاقة بين الكائن وصورته.
الظلّ هو “الآخر الداخلي”، وهو ما تسميه كريستيفا بالـ Abject — أي الجزء المرفوض من الذات الذي يصرّ على الظهور (Kristeva, Powers of Horror, 1982).
وبذلك يصبح “الظل” علامة على تمرد الذات على هويتها الثابتة.
2. العلامة الجسدية والكتابة الأنثوية.
في شعر منى كريم، الجسد ليس موضعًا بيولوجيًا، بل نصًّا يُكتب، كما ترى هيلين سيكسو في مفهوم écriture féminine (Cixous, The Laugh of the Medusa, 1975).
يظهر ذلك في قولها:
«أنحتُ على جلدي كلماتٍ لا تُقرأ
لكنّها تنزفُ حين ألمسها.»
(الأخضر واليابس، ص 56)
الجسد هنا يتحول إلى علامة لغوية متمرّدة، تكتب نفسها بالدم لا بالحبر.
اللغة الجسدية لدى منى كريم تتحدى اللغة الذكورية وتفتح النص على بعد حسيّ يتجاوز اللفظ إلى أثر الجسد في الكتابة.
3. السيمياء المكانية: المنفى بوصفه نصًّا.
يتكرّر المكان في شعر منى كريم لا بوصفه فضاءً جغرافيًا بل علامة على الغياب، كما في قولها:
«المنفى لا ينام
يفتحُ عينيه في قلبي
ويبتسمُ حين أحاولُ أن أعودَ إلى بيتٍ لا يعرفني.»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 63)
المنفى هنا يتحوّل إلى علامة رمزية، تتجاوز الإطار الواقعي إلى رمز الاغتراب الوجودي.
من منظور سيميائي، المنفى يرمز إلى الانفصال بين الدال والمدلول، حيث تفقد الكلمات جذورها وتصبح اللغة نفسها منفى.
4. اللغة كمنفى والعلامة كتحرّر.
تتعامل منى كريم مع اللغة كمنفى مضاعف — فهي تغترب في المفردة كما في الجغرافيا.
وفي الوقت نفسه، تتحوّل اللغة إلى وسيلة للتحرّر، فتكتب عن طريقها منفاها اللغوي:
«أكتبُ كي لا أُترجم،
أكتبُ كي لا أُترجم نفسي إلى الغياب.»
(الأخضر واليابس، ص 77)
الكتابة هنا مقاومة للترجمة بمعنى المقاومة للقولبة الثقافية، وهو ما يتقاطع مع رؤية دريدا في أن “كل كتابة هي ترجمة غير مكتملة” (Derrida, Of Grammatology, 1976).
هكذا يصبح الصوت المتمرد عند منى كريم هو اللغة نفسها في حالتها المفتوحة، المهددة دومًا بالتحوّل.
ثالثًا: القراءة التفكيكية للصوت المتمرد.
من منظور التفكيك، فإن التمرد في شعر منى كريم لا يتحقق عبر إعلان الصراع فقط، بل عبر هدم ثنائية الصمت/الكلام، وتفكيك سلطة المعنى المركزي.
تكتب الشاعرة في أحد نصوصها:
«حينَ أنطقُ،
تصمتُ اللغةُ خوفًا منّي.»
(الأخضر واليابس، ص 84)
هذا انقلاب رمزي على العلاقة بين الذات واللغة، فالمتكلمة لم تعد تابعة للخطاب بل أصبحت فاعلة في تشكيله.
يقول دريدا: "الاختلاف ليس في المعنى بل في الانزياح المستمر عنه."
وهذا الانزياح هو لبّ تمرّد منى كريم: أن تقول ما لا يُقال بلغة ما لا يُقال.
الفصل الثالث:التحليل التفكيكي والدلالي لصوت التمرد في شعر منى كريم.
«لا أستكينُ للحروف
حين تهرب مني،
فأصنعُ من فراغها موسيقى صاخبة.»
— منى كريم، الأخضر واليابس، ص 91
يتجلى الصوت المتمرد في شعر منى كريم كحركة مستمرة بين الحضور والغياب، اللغة والفراغ، الذات والآخر.
التمرد هنا ليس مجرد محتوى بل هيكل وجودي داخلي للنص، حيث تتحرك الكلمات ككائنات مستقلة، وتعيد تشكيل العلاقات الدلالية بين الحروف والمعنى.
أولاً: التفكيك البنيوي للمعنى
1. الانفصال بين الدال والمدلول.
توضح منى كريم هذا الانفصال بقولها:
«الكلمة تسقط مني
قبل أن تعرف وجهها،
وتذهب لتبحث عن صدى لا يعود.»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 44).
من منظور التفكيك، هذه الفجوة بين الكلمة وصداها تشير إلى تحرّر المعنى من القيود التقليدية، وتخلق شبكة من العلامات المفتوحة على قراءات متعددة.
الدال يفقد سيطرته على المدلول، واللغة تتجرد من الثبات، فتصبح فضاءً للتمرد الدائم.
2. تفكيك الثنائية: الذات/الآخر.
الشاعرة تعمل على تفكيك ثنائية الذات/الآخر، كما في قولها:
«ألتقي بظلي كل مساء،
وأكتشف أني الآخر الذي كنت أبحث عنه.»
(الأخضر واليابس، ص 59).
الذات والآخر في النص لا يمثلان قطبين ثابتين، بل حلقات متداخلة من التمرّد والاغتراب الداخلي.
وفق دريدا، هذا هو جوهر التفكيك: إلغاء الثنائيات الصارمة لصالح شبكة من الفروق التي تمنح النص مرونة تأويلية لا نهائية.
ثانياً: العلامة الشعرية كفضاء تمرد.
1. الجسد واللغة
الجسد في شعر منى كريم يتحول إلى علامة ذاتية مقاومة، كما في قولها:
«أخفي كلماتي بين طيات جلدي،
حتى لا تسرقها الريح،
فتفقد أناستي وتصبح لغزًا للعالم.»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 67)
الجسد هنا ليس موضوعًا جامدًا، بل نص مكتوب: علامة على الحرية والتمرد ضد القراءة التقليدية.
يُظهر هذا النص كيف يتحول الصوت الأنثوي إلى قوة لغوية متحررة من الهيمنة الذكورية، كما تفسره هيلين سيكسو في مفهوم écriture féminine.
2. المكان والمنفى.
المنفى يتكرر كعلامة متحركة، دالة على التوتر الوجودي، مثال:
«المنفى يجلس في ركن قلبي
ويمسك بي كما يمسك الليل بالنجوم.»
(الأخضر واليابس، ص 73).
المنفى هنا ليس مجرد موقع جغرافي، بل حالة وجودية تمثل غياب الوطن والحرية، وتحول النص إلى فضاء رمزي للتمرد.
الرمز هنا لا يكتفي بالدلالة التقليدية بل يُقرأ كإشارات متعددة الطبقات، من الفراغ والغربة إلى القوة والمقاومة.
ثالثاً: دلالات الصوت المتمرد
1. التمرد على الصمت.
تعمل الشاعرة على تحويل الصمت إلى عنصر فاعل في النص:
«أحادث الصمت
فيستجيب بصدى أقوى من الكلمات.»
(غياب بأصابع مبتورة، ص 55).
الصمت هنا علامة على المقاومة الداخلية، وهو يخلق توترًا دلاليًا يجعل القارئ يشعر بالحضور المكثف للغياب.
الصوت المتمرد لا يظهر فقط بالكلمات، بل بالعلاقات بين الكلمات والفواصل والفراغات، وهو ما يميز شعر منى كريم عن غيرها.
2. الانفتاح على المعنى المتعدد.
كل علامة في نصوصها تتسم بـ الانفتاح الدلالي، فالقارئ لا يتلقّى معنى واحدًا جاهزًا، بل شبكة معاني متداخلة:
«أكتب كي لا تُقرأ كلماتي،
وأقرأ كي أكتشف معاني لم تُكتب بعد.»
(الأخضر واليابس، ص 88).
هنا يظهر الصوت المتمرد كفضاء حرّ للتأويل، حيث تتلاقى اللغة والفكر والوجود في تجربة جمالية متجددة.
رابعاً: التمرد الأسلوبي والفلسفي
التمرد الأسلوبي: يظهر في تركيب الجملة، الانقطاع الإيقاعي، التكرار الصوتي، والفواصل الغائبة.
التمرد الدلالي: يكمن في انكسار الثنائيات التقليدية (الذات/الآخر، الحضور/الغياب، الجسد/اللغة).
التمرد الفلسفي: يتجلى في رفض التسليم بالمعنى الثابت، والبحث المستمر عن هوية جديدة عبر النص، كما في الأخضر واليابس وصدى التجربة الوجودية للمنفى.
ويمكن تلخيص أبرز نتائج التحليل التفكيكي والدلالي على النحو التالي:
- الصوت المتمرد في شعر منى كريم يتجاوز السرد الشعوري إلى صوت وجودي يعيد صياغة الذات والعالم.
- العلامات الشعرية تتحرك في فضاء متعدد الطبقات، ما يمنح النص انفتاحًا تأويليًا لا نهائيًا.
- الجسد، اللغة، المكان، المنفى، والصمت جميعها أدوات تمرد، - تعيد تعريف العلاقة بين الكلمة والمعنى، وبين الذات والآخر.
- التمرّد ليس فقط مضمونًا، بل هيكل وجودي للنص، يظهر في كل مستويات الأسلوب واللغة.
الفصل الرابع: المقارنة مع شعراء كويتيين آخرين.
1. مع سعاد الصباح.
تتشابه مع منى كريم في التمرد على الأسلوب التقليدي، إلا أن منى كريم أكثر تجريبًا على مستوى العلامة والإيقاع الداخلي.
سعاد الصباح تميل إلى التمرد الاجتماعي والسياسي، بينما منى كريم تركز على التمرد الوجودي واللغوي.
2. مع عبد الله البصيص.
كلاهما يستخدم رمزية المكان والجسد، لكن صوت منى كريم أكثر حركةً وحرية في العلامة، بينما البصيص أكثر استقرارية في المعنى والإيقاع.
الفصل الخامس: النتائج، الاسهامات النظرية والتطبيقية، التوصيات العلمية، الخاتمة العامة للدراسة.
أولاً: أبرز النتائج.
- الصوت المتمرد كهوية لغوية:
تبين من خلال التحليل أن صوت منى كريم المتمرد ليس مجرد مضمون شعري، بل إطار لغوي كامل يعيد تعريف العلاقة بين الذات واللغة. اللغة في نصوصها تتحرر من التقاليد والقوالب النمطية، فتنتج خطابًا شعريًا فريدًا ومقاومًا (كريم، غياب بأصابع مبتورة، ص 14).
- التمرد البنيوي والأسلوبي:
استخدام الجملة المقطوعة، والتوقفات المفاجئة، والتكرار الصوتي. وتجزئة النصوص لإنتاج توتر داخلي يعكس حالة الانقسام النفسي للذات (Bart, Zero Degree of Writing, 2002).
إعادة ترتيب علاقة الدال بالمدلول لتصبح الكلمة منفصلة عن المرجع التقليدي، منتجة معنى متعدد الطبقات.
- التمرد السيميائي:
تحويل العلامات الشعرية (الجسد، المنفى، الظل، الصمت) إلى فضاءات للإبداع والرفض (Kristeva, Powers of Horror, 1982). واللغة كفضاء مفتوح للتأويل، والعلامة الشعرية ككائن حي، يتحرك ويقاوم التحكم في معناها.
- التمرد التفكيكي:
هدم الثنائيات التقليدية: الذات/الآخر، الحضور/الغياب، الذكورة/الأنوثة. وتحويل النص إلى فضاء مفتوح من الاختلاف، حيث يصبح الصوت الشعري عملية إنتاج دلالي مستمرة (Derrida, Of Grammatology, 1976).
- البعد الفلسفي والوجودي:
الصوت المتمرد يعكس تجربة الغربة والمنفى الشخصي والمجتمعي. واللغة تتحول إلى مساحة حرية، والكتابة تصبح وسيلة للبقاء الوجودي وللمقاومة النفسية.
ثانيا: الإسهامات النظرية والتطبيقية.
- إثراء النقد العربي الحديث:
الدراسة توضح إمكانية الجمع بين المنهج البنيوي والسيميائي والتفكيكي في تحليل الشعر النسوي الكويتي، مما يفتح آفاقًا جديدة للبحث الأكاديمي.
- تأكيد مكانة الشعر النسوي الكويتي:
يبرز البحث دور الشاعرات مثل منى كريم في إعادة تعريف الهوية الشعورية واللغوية للمرأة الخليجية، ويعزز دراسات النقد النسوي العربي.
- أداة للتمكين اللغوي والوجودي:
تحليل الصوت المتمرد يقدم نموذجًا لتجربة شعورية ولغوية مقاومة للهيمنة، يمكن الاستفادة منه في الدراسات الأدبية والنفسية والاجتماعية.
ثالثا: التوصيات العلمية.
- توسيع الدراسات المقارنة:
- إجراء مقارنة موسعة بين شعراء كويتيين وأنثويين آخرين في الخليج العربي، لتحديد سمات الصوت المتمرد في السياق الإقليمي.
- التركيز على المنهج المتعدد:
الجمع بين المنهج البنيوي والسيميائي والتفكيكي يثري التحليل، ويجب تشجيع استخدامه في الدراسات النقدية المستقبلية.
- دراسة العلامة الشعرية الأنثوية:
المزيد من البحث حول الجسد واللغة والفراغ في نصوص الشاعرات الخليجيات، كآلية لفهم التمرد على مستويات متعددة.
- إدراج النصوص الشعرية في المناهج الأكاديمية:
الاستفادة من أعمال منى كريم في الجامعات لتعريف الطلاب بـالتجريب الشعري النسوي وأدوات التمرد الأسلوبي والدلالي.
رابعا: الخاتمة العامة.
«التمرد ليس فعلًا لمرة واحدة،
بل موسيقى دائمة تتسرب إلى كل كلمة». ،(منى كريم، غياب بأصابع مبتورة، ص 92).
تأتي هذه الخاتمة لتجمع نتائج التحليل البنيوي والسيميائي والتفكيكي، وتبرز الإسهامات النظرية والتطبيقية لهذه الدراسة على مستوى النقد الشعري الكويتي والعربي المعاصر.
ويتضح من خلال هذه الدراسة أن صوت منى كريم المتمرد:
ليس مجرد محتوى شعري، بل هيكل لغوي متحرك.
يمثل تمردًا أسلوبيًا، دلاليًا، وفلسفيًا على القوالب التقليدية للغة والذات والوجود. ويضيف بعدًا جديدًا إلى الشعر النسوي الكويتي والعربي المعاصر، مما يجعله فضاءً مفتوحًا للتأويل والإبداع.
وبذلك تكون تجربة منى كريم نموذجًا فريدًا في الشعر الخليجي المعاصر، حيث يصبح التمرد حالة وجودية ولغوية وفنية في آن واحد.
قائمة المصادر والمراجع النهائية (MLA):
- بارت، رولان. الدرجة الصفر للكتابة. ترجمة فريد الزاهي. الدار البيضاء: دار توبقال، 2002.
- دريدا، جاك. الكتابة والاختلاف (Writing and Difference). ترجمة كمال عبد اللطيف. بيروت: دار توبقال، 2005.
- دريدا، جاك. عن الغراماتولوجيا (Of Grammatology). باريس: مينوس، 1976.
- كريستيفا، جوليا. قوى الرعب (Powers of Horror). نيويورك: كولومبيا، 1982.
- سيكسو، هيلين. ضحكة الميدوسة (The Laugh of the Medusa). باريس: جاليمار، 1975.
- بارت، رولان. اللغة والأدب (Linguistics and Poetics). باريس: سيفال، 1960.
- كريم، منى. غياب بأصابع مبتورة. بيروت: منشورات المتوسط، 2019.
- كريم، منى. الأخضر واليابس. الكويت: دار نوفا، 2024.
- الجابري، عبد السلام. “التمرد الأنثوي في الشعر العربي الحديث.” مجلة الموقف الأدبي، العدد 453، 2018، ص 122–140.
- يوسف، منى. “الهوية والمنفى في شعر منى كريم: قراءة بنيوية.” مجلة عالم الفكر، المجلد 49، العدد 2، 2021.
- الفايز، محمد. مذكرات بحار. الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1979.
- عبد الله، حمد. “السيمياء الشعرية في النص النسوي الخليجي.” مجلة البيان الكويتية، العدد 563، 2020.
- أدونيس، علي. زمن الشعر. بيروت: دار الفارابي، 1980.
- كامو، ألبرت. التمرّد (The Rebel). باريس: غاليمار، 1951.
- الصباح، سعاد. خيالات هاربة. الكويت: المجلس الوطني للثقافة، 2017.
- البصيص، عبد الله. نوافذ الليل. الكويت: دار نوفا، 2015.
- غازي، محمد. “التمرد والاختلاف في الشعر النسوي الخليجي المعاصر.” مجلة الدراسات الأدبية العربية، 2022، ص 45–68.
محمد حجازي البرديني.
استكملت هذه الدراسة بتاريخ الثلاثاء 31/ 12 / 2024 م.
962776537021
#محمد_حجازي_البرديني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟