أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى















المزيد.....

بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى


عامر عبد رسن

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:37
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


بينما تنشغل المنطقة بتأملات ما بعد طوفان الأقصى، يجد العراق نفسه في موقعٍ حرجٍ بين خطابين: الأول إيرانيٌّ رسميٌّ بدأ يُراجع ذاته بعد أن دخلت نيران الحرب حدودَه الداخلية، والثاني ينطق بلسان محورٍ ما زال يرى في الدمّ رافعةً للنهضة. نحن، العراقيين،
نقف على تخوم التجربتين؛ فقد عشنا نتائج الحروب دون أن نكون طرفًا مباشرًا فيها، وندفع ثمن اختلال التوازن الإقليمي في كلّ مرة. من هنا، لا بدّ أن تُقرأ المقارنة بين افتتاحية جمهوري إسلامي ومقال عادل عبد المهدي لا كمجرّد تحليل لخطابين،
بل كمحاولة لفهم أين يقف العراق الآن بين صراحة الاعتراف الإيراني وحماسة التفاؤل المحوري.
ربما قبل يومٍ واحد من اليوم، اطلعنا على نصّين يبدوان للوهلة الأولى متقابلين، لكنهما في العمق يُكملان لوحة الحقيقة من زاويتين متباينتين في اللغة والموقع والرؤية.
الأول افتتاحيةٌ نادرة الجُرأة نشرتها صحيفة جمهوري إسلامي الإيرانية بعنوان: هل كان لهذه العاصفة فائز؟، جاءت محمّلة بقدرٍ غير مسبوق من الصراحة السياسية والمراجعة الفكرية، إذ تجرأت على وزن الوقائع بأوزانها الحقيقية لا بأحلامها،
متخلّيةً عن الخطاب الطوباوي الذي اعتادت عليه الصحافة الثورية، ومقرّةً بأنّ الحرب الممتدة من غزة إلى طهران ولبنان واليمن تركت وراءها ركاماً من الأسئلة أكثر مما خلّفت من الانتصارات.
كانت نبرة المقال أقرب إلى صوت العقل حين يستفيق من حمى الشعارات، فتعترف طهران، عبر منبرها الأقدم، بأنّ طوفان الأقصى لم يكن مجرّد ملحمة بطولية، بل زلزالاً مدمراً خسر فيه الجميع شيئاً من الحلم، وشيئاً من القدرة، وشيئاً من الثقة.
أما النص الثاني، فكان مقالةً فكرية موسّعة بقلم السيد عادل عبد المهدي بعنوان طوفان الأقصى: صدمة كهربائية أعادت نبض القضية الفلسطينية، نُشرت في ملحق جريدة العدالة ببغداد، حيث قدّم قراءة مفعمة بالتفاؤل الرصين والإيمان بجدلية المقاومة والتاريخ.
رأى فيها أنّ ما حدث لم يكن كارثة، بل صدمة إحياء، أعادت للقضية الفلسطينية نبضها بعد موتٍ سريري طويل، وكشفت زيف معادلات الردع والتطبيع، وأجبرت العالم على إعادة تعريف الصراع من كونه «نزاعاً إنسانياً» إلى كونه احتلالاً استعمارياً لا يُواجه إلا بإرادة التحرر.
فبين صراحةٍ واقعيةٍ إيرانية تزن الخسائر بمكيالها البارد، ورؤيةٍ عراقية متفائلة تعتبر الدم ثمناً ضرورياً لإعادة الوعي، تتكشف أمامنا مفارقة الشرق الأوسط الجديد: هل نحن أمام نزيف الوعي أم صحوة التاريخ؟
لقد قرأت جمهوري إسلامي الحرب بعين الجريح الذي يراجع نفسه بعد معركة خاسرة، فيما قرأها عبد المهدي بعين الطبيب الذي يرى في الصدمة بداية التعافي، كلا النصّين لا ينكران هول المأساة، لكنهما يختلفان في تفسير معناها؛
فالأول يقف عند الدم بوصفه الخاتمة، والثاني يراه بدايةً لإعادة الميلاد.
إيران، التي دفعت ثمناً باهظاً في الحرب الإسرائيلية–الأميركية عليها، وودّعت رموزاً من قادتها وعلمائها، لم تعد ترى في طوفان الأقصى نصرًا مؤجلاً، بل خطأً استراتيجياً أطلق سلسلة حرائق لا تزال تلتهم ما تبقّى من رصيد المحور.
أما بغداد، التي حافظت على مسافةٍ متوازنة من المحاور، فتقرأ الحدث بعقلٍ عربيٍّ هادئ يرى في اشتعال النيران فرصة لإعادة التوازن في الإقليم. تبدأ المقارنة من السؤال ذاته الذي طرحته الصحيفة الإيرانية: هل كان لهذه العاصفة فائز؟
وهو سؤال نادر في الصحافة الإيرانية الرسمية لأنه يواجه الرواية السائدة من داخلها.
إذ تقول الافتتاحية إنّ عملية طوفان الأقصى كانت خطأً منذ البداية، لأنها وإن أظهرت بطولة المقاتلين، إلا أنها جرّت المنطقة إلى دمار شامل وخسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية، وأدت إلى انهيار كينات بأكملها في غزة ولبنان واليمن،
وصولاً إلى اشتباكٍ عسكري مباشر مع إيران. وفي لغة تكاد تقترب من النقد الذاتي، تعترف الصحيفة بأنّ المقاومة الفلسطينية فقدت معظم قياداتها الميدانيين والسياسيين، فضلا عن الخسارة الكبيرة ّ إذ سقط السيد حسن نصر الله شهيداً،
وأنّ الحكومة اللبنانية الجديدة أصبحت أقرب إلى واشنطن وتل أبيب من أيّ وقتٍ مضى، وأنّ الحرب على إيران، رغم فشلها في تحقيق أهدافها، كلّفتها ألفاً ومئة شهيد وتدمير مواقع نووية استراتيجية.
إنها قراءة تُنزل الحروب من علياء الخطاب الثوري إلى أرض الحساب الواقعي، وتقول بصراحة: لا فائز في هذه العاصفة، لأنّ الكلّ احترق بنارها، وإنّ الانتصار الحقيقي هو أن نتعلّم من الخطأ لا أن نكرّره باسم البطولة.
في المقابل، يذهب عادل عبد المهدي إلى الضفّة الأخرى من المعنى، فالحرب في نظره ليست خسارة بالضرورة، بل تاريخٌ يتقدّم بالدم. يذكّرنا بأنّ كلّ حركات التحرّر في العالم دفعت أثماناً باهظة قبل أن تنتصر، وأنّ الدم في لحظة التاريخ ليس خسارة بل استثمار في الذاكرة.
من الناحية الفكرية، يعبّر النصّان عن فلسفتين متباينتين في فهم التاريخ: جريدة جمهوري إسلامي تنطلق من مبدأ الحدّ من الخسائر، أي الواقعية السياسية التي تحاول حفظ ما تبقّى من القدرة، بينما عبد المهدي ينطلق من الضرورة التاريخية التي ترى في كلّ دمارٍ بوابةً لخلقٍ جديد.
الأولى تتحدث بعقل الدولة التي تخشى نزيفها الداخلي، والثاني بعقل الفكرة التي ترى في الانكسار وقودًا للبعث الوطني. فالإيراني يزن الحرب بالنتائج الميدانية والسياسية، بينما عبد المهدي يزنها بتحوّل الوعي العالمي تجاه فلسطين: من فقد شرعية الخطاب، ومن كسبها.
تُظهر المقارنة أنّ إيران الرسمية بدأت تدرك كلفة الانغماس المفرط في ساحات المواجهة، وأنّ خطابها الإعلامي بات يميل إلى المراجعة أكثر من التعبئة، بينما الخطاب العربي الذي يمثله عبد المهدي يحاول استعادة روح القضية الفلسطينية من أسر المحاور ويمنحها استقلالها الرمزي والسياسي. غير أنَّ من المهمّ التمييز بين رؤية عبد المهدي كمفكرٍ من داخل المحور وبين موقع العراق كدولةٍ تبحث عن التوازن. فالمقال، مهما بدا عربيًّا في لغته، يعكس وجهة نظر محور المقاومة لا الموقف العراقي الرسمي الذي يسعى إلى تجنّب التورط في صراعات القوى.
في نهاية المطاف، تُدرك إيران – وهي خالقة المحاور التي امتدت عبر الإقليم – أنّ هذه المحاور التي كانت أدوات نفوذها تحوّلت اليوم إلى أثقالٍ ترهقها، فالنيران التي كانت تُشعلها عند الآخرين أصبحت تتقد داخل بيتها، لتكتشف أنّ فائض القوة لا يعوّض نزيف الداخل، في المقابل،
ما طرحه عادل عبد المهدي يظلّ صوتًا من داخل المحور يسعى لتثبيت المعنى الرمزي للمقاومة، لكنه لا يعبّر عن موقف الدولة العراقية التي تميل إلى الحياد الواعي والبراغماتية الحذرة.
لقد آن للعراق أن يُعيد تعريف موقعه في زمن التحوّل الإقليمي، وأن يُغادر لغة المحاور إلى منطق الدولة. فبين واقعية إيران المرهقة، ورومانسية المحور التي يتحدث بها عبد المهدي، يمتلك العراق فرصةً نادرة ليكون مركز الاتزان الجديد في الشرق الأوسط، إذا اختار أن يبني سياسته على الوعي لا على الانفعال، وعلى المصالح الوطنية لا على الشعارات العابرة. عندها فقط، يمكن أن تتحوّل الصدمة إلى وعي، والنزيف إلى شفاء، والسيادة إلى مشروع سلام عربي يبدأ من بغداد.



#عامر_عبد_رسن (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيران بين التصعيد والدبلوماسية: قراءة أمنية في احتمالات الحر ...
- مستقبل البرنامج النووي الإيراني في ضوء محددات التوازن الاستر ...
- ابدأوا من حيث انتهى الآخرون
- القرار الأممي وإعادة تفعيل آلية الزناد: تحديات وفرص للعراق ف ...
- التحالفات الجديدة في الشرق الأوسط: قراءة استراتيجية في ضوء ا ...
- العراق أمام مرحلة جديدة من الفرص النفطية والاستثمارية
- الناتو يعلن التزاماً طويل الأمد تجاه العراق: من الأمن السيبر ...
- اتفاق إيران مع الترويكا الأوروبية وتداعياته على العراق
- درع الطفل الأميركي وابتسامة الطفل العراقي: صورة متناقضة لعال ...
- أمريكا وإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط: نظرة استقرائية في التح ...
- الدقم بوابة العراق إلى الأسواق العالمية: من تخزين النفط إلى ...
- السياحة العراقية بين الماضي الضائع والمستقبل الممكن : كيف فق ...
- شراكات استثمارية أميركية – عراقية: نحو استقرار اقتصادي وسياس ...
- توطين الصناعات الدوائية وصناعات المستلزمات الطبية في العراق: ...
- *المصارف الأميركية تعيد رسم موازين القوة… والعراق أمام فرصة ...
- القطبية الأمريكية الواحدة: برهان الحروب المعاصرة على استمرار ...
- بين سقوط الأسد وتحوّلات دروز الجولان: دروس استراتيجية للأمن ...
- من الكاش إلى الرقمنة: هل ينجح العراق في إرجاع 80% من العملة ...
- ضرورة إصلاح القطاع المالي في العراق: أولوية لتعزيز كفاءة الب ...
- إيران على أعتاب التحول: ماذا يعني ذلك لمستقبل العراق الاقتصا ...


المزيد.....




- منهم ميلوني والسوداني.. حوارات -طريفة- لترامب مع زعماء خلال ...
- قوات إسرائيلية تطلق غازًا مسيلًا للدموع على صحفيين أثناء تغط ...
- تونس: مطالب بتفكيك مجمع كيميائي في قابس وسط استمرار الاحتجاج ...
- عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جه ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. اختتام قمة شرم الشيخ والاحتلال يقتحم ...
- أمير قطر: سعداء بنتائج قمة شرم الشيخ الإيجابية
- بالتفصيل.. هذا ما تضمنته وثيقة -اتفاق غزة- للسلام
- عرض مبهر لـ -Anyma- في مصر وانطلاق موسم الرياض.. الأبرز في أ ...
- مصر تتحرك لتعويض فجوة الطاقة.. والسيسي يلتقي ممثلي -أباتشي- ...
- بعد إدانته في قضية التمويل الليبي.. ساركوزي إلى السجن في 21 ...


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - عامر عبد رسن - بين الصدمة والنزيف: قراءة عراقية في رؤيتين لطوفان الأقصى