محمود يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 8494 - 2025 / 10 / 13 - 10:06
المحور:
الادب والفن
تأثّر معظم كتّاب ما بعد الحداثة بالخيال الحضري وأدب الشوارع في رواياتهم وقصصهم ، بصورة أو أخرى . ونذكر هنا ، على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الياباني هاروكي موراكامي ، الذي يعترف بتداعيات هذا النوع الأدبي في أعماله .
والخيال الحضري هو نوع من الأدب ظهر لأوّل مرّة في أمريكا في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ؛ ويعزو البعض إلى أن جذوره تعود إلى كتابات وخطابات السيرة الذاتية لمالكوم إكس ، حيث سعت خطاباته الأصلية ، وأعماله المنشورة إلى كشف الصعوبات التي تعاني منها مجتمعات السود . وفي السنوات اللاحقة ، واصل المؤلفان الشهيران : آيسبرغ سليم واسمه الحقيقي روبرت بيك ، وكلود براون هذا النمط الكتابي في رواياتهما التي نالت إقبالاً منقطع النظير .
لا يوجد كاتبٌ أهم من روبرت بيك ، المعروف باسم آيسبرغ سليم. ألّف بيك سيرةً ذاتية، وخمس روايات، ومختارات قصصية ، ومجموعة مقالات، وألبومًا شعريًا، وكان الكاتب الأسود الشعبي الأبرز في حقبة ما بعد الحقوق المدنية. في عام ١٩٦٧، أصدر روايته الرائعة "القواد: قصة حياتي"، وهي مذكراتٌ عن مسيرته المهنية التي استمرت خمسة وعشرين عامًا كقواد في شوارع ميلووكي وشيكاغو وكليفلاند وديترويت. كُتب الكتاب بلغةٍ عاميةٍ متخصصة ، لدرجة أن محرري بيك البيض أصرّوا على تضمينه مسردًا لترجمة مصطلحاتٍ مثل "امرأة القاع" (المرأة الرئيسية لدى القواد)، و"الإسطبل" (مجموعة من العاهرات ينتمين إلى قواد واحد)، و"حب السيرك" (لتغطية جميع أنواع الانحرافات الجنسية). على الرغم من أن رواية "القواد" صدرت كنسخة ورقية واسعة الانتشار، وتجاهلتها المؤسسات الأدبية السائدة والجمهور الأبيض، إلا أنها بيعت ملايين النسخ في أكشاك الصحف ومحلات الكتب للسود، وفي محلات الحلاقة ومحلات الخمور. أصبحت "القواد" عملاً كلاسيكياً في القواعد العسكرية، وفي مكتبات السجون، وفي الأحياء السوداء من هارلم إلى جنوب وسط لوس أنجلوس. ووفقاً لناشر بيك - شركة هولواي هاوس للنشر - ساهمت شعبية "القواد" في جعله الكاتب الأمريكي الأسود الأكثر مبيعاً على الإطلاق. يمكن القول إن تأثير بيك على الأدب الأسود المعاصر كان أكبر من أي كاتب في النصف الثاني من القرن العشرين. في أوائل سبعينيات القرن العشرين، ألهم العديد من المؤلفين السود - بمن فيهم دونالد جوينز، وأودي هوكينز، وجو نازل، وعمر فليتشر - لكتابة قصصهم الخاصة عن القوادين والمحتالين وثوار الأحياء الفقيرة ونشرها في دار هولواي هاوس للنشر. على الرغم من كونها دار نشر من الدرجة الثالثة على هامش صناعة النشر الرسمية، أصبحت دار هولواي هاوس مركزًا لنهضة أدبية سرية في مجال أدب الجريمة الأمريكي الأفريقي. على مدى أربعة عقود، نشرت الدار مئات روايات "التجربة السوداء" لعشرات الروائيين الذين حذوا حذو بيك. في القرن الحادي والعشرين، أعادت روائيات سوداوات مثل سيستر سولجا، وفيكي سترينجر، ونيكي تيرنر، ووحيدة كلارك صياغة أدبه الذي يعتمد على الإغراء لجمهور نسائي متزايد، مما أدى إلى ظهور نوع "أدب الشارع". غالبًا ما يُنشر أدب الشارع ذاتيًا ويُباع عبر الإنترنت وعلى طاولات الشوارع، وهو الآن أحد القوى الدافعة في سوق الأدب الأمريكي الأفريقي، مع مئات - إن لم يكن آلاف - العناوين التي تُشكل هذا النوع الأدبي.
يركّز الخيال الحضري على القصص التي تدور أحداثها في المناطق الحضرية داخل المدن ، خاصّة في المدن الأمريكية الكبرى ، مثل نيويورك ، وولاية نيو أورليانز . غالباً ما يكتب هذه الكتب مؤلفون أمريكيون من أصل أفريقي . وتتميّز بشخصياتها الأمريكية من الأصل الأفريقي أيضاً .
أصبحت شعبية الخيال الحضري شائعة مؤخراً لأنها تتمتّع بمقدرتها على التقاط الحقائق القاسية للحياة في المناطق الحضرية . تصوّر العديد من هذه الكتب ألوان المآسي ، وهي مليئة بالألفاظ النابية ، كما يجري تلفّظها من قبل أبناء الشوارع عادة . ويسعى الخيال الحضري إلى تعريف القرّاء بالتجربة الحقيقية للعيش في أمريكا الحضرية . الكثير من هذه القصص مكتوبة بوحي من تجارب المؤلفين ، لذلك غالباً ما يمكن اعتبارها شبه سيرة ذاتية . تمّ أيضاً تصنيف الأدب الحضري ، والقصص والروايات على أنها خيال الشوارع ، أو ما يُعرف بأدب الهيب هوب ، أو إضاءة الشوارع ، أو أدب العصابات ، وما إلى ذلك من المسميات .
يحكي هذا النوع الأدبي قصة الحياة في داخل المدينة بشكل عام ، بنبرة داكنة وشجاعة ، حيث تسلّط القصة الضوء على الحقائق القاسية في المدينة الحديثة . غالباً ما تكون القصص سريعة الوتيرة ، وهي تركّز على بطل الرواية بشكل كبير ، وعموماً يتميّز هذا البطل بكونه شاب ، بالغ ، قادر من التغلب على الشدائد ، وينجو من سوء المعاملة والخيانة ، ويخرج من الأوقات الصعبة . غالباً ما تحتوي الكتابة على محتوى جنسي صريح وعنف مصوّر .
على الرغم من أن ليس كل الخيال الحضري يحدث في الولايات المتحدة ، وظهرت كتابات مماثلة في مدن كبرى مثل طوكيو ، إلّا أن المكان المناسب عادة ما يكون مدينة حضرية كبيرة ومزدحمة بالسكان . ويعكس النثر المستخدم والحوار الجاري بين الشخصيات اللغة المستخدمة في تلك المناطق عادة ، بما في ذلك اللهجات الإقليمية ، كما هو في أمريكا حيث تستخدم اللغة الإنجليزية العامية الأمريكية ـ الأفريقية . وسواء أكانت القصص والروايات تدور هنا أو هناك ، فهي بشكل عام تتضمّن مجموعة متنوّعة من الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
تشمل فئة الأدب الحضري مجموعة واسعة من الكتب ، في حين أن مصطلح " إضاءة الشوارع " يشمل الأنواع الفرعية الخيالية والواقعية ، مثل المذكرات ، والسيرة الذاتية والشعر . إن مصطلح الخيال الحضري مناسباً ، بشكل أكثر تحديداً للروايات ، وقد يمتزج مع الأنواع الأخرى : الرومانسية ، والشبقية ، والغموض ، والإثارة ..
على الرغم من وجود جذور لمثل هذا النوع الأدبي ، تمتدّ إلى القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، إلّا أن العديد من الدارسين له يعتبرون أن فترة أواخر التسعينيات من القرن الماضي ، هي فترة الانطلاقة الحقيقية له . حيث صدرت في تلك الحقبة بعض الروايات التي لاقت رواجاً كبيراً ، وتركت أثرها الملموس في الساحة الأدبية التي كان يدور فيها هذا الأدب ، وعدّت روايات افتتاحية لأدب الشوارع .
رواية FLYY لعمر تيري ١٩٩٩ .
رواية True to the Game لتيري وودز ١٩٩٨ .
" أبرد شتاء على الإطلاق " للأخت سولجا ١٩٩٩ .
تعتبر هذه الروايات البداية المذهلة لطوفان من عناوين الروايات والقصص ، والسير الذاتية الأمريكية ـ الأفريقية ، المحرومة اجتماعياً واقتصادياً ، بحبكاتها التي تحرّكها الأحداث ، والتي تركّز على الكفاح الوحشي غالباً من أجل البقاء . حيث تستخدم اللغة العامية بعيداً عن القواعد النحوية ، وبلاغة اللغة ، وحيث يفرط الكاتب في غمرة البذاءة . غالباً ما تشير عناوين الكتب إلى الحياة في قاع المجتمع ، بينما أغلفتها تحمل صوراً فوتوغرافية لشابّات في أوضاع جنسية متنوّعة .
وبصورة عامة ، يبدو أن المؤلف ، في هذا النمط الكتابي ، قد نشأ وترعرع في مثل تلك الأحياء الحضرية التي تدور فيها أحداث قصصه ورواياته ، أو أنه على الأقل على دراية بهذه الأمكنة بسبب عملهم فيها ؛ كما كان الحال مع الكاتبة الأخت سولجا . بعض المؤلفين لديهم تجاربهم الخاصة مع السجون ، على سبيل المثال ، كتبت فكتوريا . إم . سترينجر رواياتها شبه السيرة الذاتية " ليكن هذا هو السبب " التي نشرتها عام ٢٠٠١ في الوقت الذي كانت فيه تقضي عقوبة السجن لمدة سبع سنوات .
يشترك معظم مؤلفي هذا النوع الأدبي في الإحباط الأولي ، بشأن الرفض المتكرّر لأعمالهم من قبل الناشرين الرئيسيين ، قبل تحوّلهم إلى النشر الذاتي ، وهم يعمدون إلى بيع كتبهم بعد طبعها في صالونات الحلاقة والتجميل ، أو مع الباعة الجائلين ، أو في أقبية الكنائس ، أو في صناديق سياراتهم ، أو على أرصفة الشوارع ، ومحطّات تعبئة الوقود . بعض هؤلاء المؤلفين ناجحين للغاية ، لدرجة أنهم أنشئوا شركات نشر خاصّة بهم ، ووقعوا على مؤلفين آخرين سعوا لنشر مؤلفاتهم . على سبيل المثال : باعت شركة Triple Crown Publications التابعة للكاتب نيكي سترينجر حوالي ٣٠٠ ألف كتاب ورقي الغلاف لأربعة عشر مؤلفاً مختلفاً في ستة عشر شهراً فقط . ولكن ما لبث أن عاد الناشرون الرئيسيون الذين رفضوا تلك الكتابات بادئ الأمر ، ليعرضوا عقوداً مربحة مع هؤلاء المؤلفين ، بعد إدراكهم لاحتمالية المكاسب التجارية .
ومن المفارقات ، أنهم اليوم يحتفلون بهذا النوع من الكتب باعتباره وسيلة رائعة للوصول إلى شباب وشابات المناطق الحضرية ، الذين لم يطّلعوا على هذا النوع من الكتابة . وقد بدأ المعلّقون في السنوات الأخيرة ، في إيلاء بعض الاهتمام لهذا الأدب ، ومع ذلك لم تزل الآراء منقسمة على نفسها بصدد تقييمه .
#محمود_يعقوب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟