|
( وزيرة الداخلية )*
محمود يعقوب
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 01:35
المحور:
الادب والفن
قصة قصيرة ــ محمود يعقوب
( لقد ضَحِكتَ بينما بَكَيتُ ، ولكن دموعي وضِحكَكَ لم يكن لهما إلّا مصدراً واحداً ) . " بيير ترام دوبيل ــ شاعر انجليزي " يلوذ المتزوجون بالصبر عادة ، لكبح الأذى الذي يمكن أن يلحقه أحدهم بالآخر ، ويعتصمون به لدفع الكرب بعيداً عن حياتهم . ومن هذا الصبر الجميل ، يستمدّون أسباب مواصلة العيش معاً ، أكثر بكثير مّما يتوقّع أن يمدّهم الحبّ به . هذا ما افترضه أصحاب " رشيد " ممن كانوا يسهرون ويلهون برفقته ، وهم يشاهدون ، بعيونهم الثملة ، ما كان يجري معه عن كثب . أبدى " رشيد " مهارة ، وإتقاناً في حرفته ، كان يمتلك ورشة Auto body 21 ) ) لصباغة السيارات ، في ولاية ويسكنسون الأمريكية ، وهي ورشة رحبة ، ذات واجهة أنيقة ، مُلفتة للأنظار . يشاركه العمل فيها ثلاثة من الشبّان العرب . لها جلبة ودوي طوال ساعات النهار ، وهي تعجّ بالحركة والعمل ، وتأتي لهم بأرباح جيدة . أتقن رشيد فنون حرفته مذ كان صبياً يعمل في " سبع البور " في بغداد . وطُلِيت حياته ببريق الخمر الذي يفوق بريق طلاء العربات في ورشته . غالباً ما كان أصدقاؤه ينادونه باسم " سبع البور " . حينما يخيّم الصمت في أركان الورشة عند المساء ، فإن هذا الصمت يسدل على الكثير من الأسرار المفضوحة . بحلول المساء ، يجتمع حوله العديد من الأصدقاء ، في لقاءات مسلّية ، طليقة العنان ، كانت تتكرّر من غير أن يفترّ حماسهم . كانوا جميعاً مترعين بروح الشباب ، ونزواته المتأهبة . إن الطريقة التي يسهرون بها معاً ، مغرية وآسرة ، تورث في نفوسهم الغضّة انطباعات لا يغيب أثرها ؛ جميعهم من المهاجرين الذين حلّوا هنا ، ولا يبدو أن أعقابهم سوف تدور ثانية . على الرغم من كون " رشيد " متزوّجاً ، ولديه أربعة أطفال ، إلّا أنه كائناً حرّاً ، وقد كان كذلك حقّاً . لم يكن في وجهه ، الذي تغطّي نصفه لحية شعثاء ، ما يجذب أنظار الفتيات إليه . كان مسودّاً وفاسقاً ، وملامحه خروفية توحي بالألفة ، وفي مثل تلك الملامح العفوية استطاع أن يعبر الثلاثين من عمره بعامين أو نحو ذلك . وعلى الرغم من أنه أخرج من أعماقه الكثير من عراقيته ، إلّا أن أغلب أصحابه كانوا ، في واقع الأمر ، من الشبّان العراقيين . وقد دأب هؤلاء على غشيان ورشته مساءاً المرّة تلو الأخرى ، حتّى من غير مواعيد معلومة ؛ بالنسبة لهم ، كانت مشفى لتطييب المزاج ، وجلو الهموم عن صفحات نفوسهم . طوال السنوات السبع ، التي مضت على إقامة " رشيد " في ولاية ويسكونسون الأمريكية ، استطاع ، بفضل زوجته ، من أن يحدّ من مرض الصرع ، الذي كان يهاجمه من آن لآخر . كان متقاعساً عن مرضه ، في جليّة الأمر ، ولكن زوجته كانت تجرّه عنوة إلى المستشفيات ، وتحرص على أن يتابع الفحوص الطبيّة والتداوي ، حتّى خفّت وطأة نوبات هذا المرض ، وأخذ بالتعافي رويداً رويدا ؛ ومع ذلك لم يزل الصرع يداهمه في بعض الأحايين ، لا سيّما حين يفرط في السكر ، أو ينهار غضباً ، جراء ردود أفعال ممضّة لا يقوى على تحمّلها . منذ السنوات الأولى لإقامتهما في أمريكا ، لم تكن زوجته " سلوى " غافلة عن نزوات زوجها ومغامراته الليلية ، كثيراً ما كان يؤجّج أوهامها ، ويستثير وساوسها حينما يجنح إلى الطيش والتهوّر ؛ ولكن ضعف حالها ، ووحدتها التي تحرمها حتّى من اللجوء إلى صديقات ، حتّم عليها الصبر والاستكانة ، متأسية بأن " رشيد " لم يتوانَ عن خدمة ورعاية أسرته ، إنها تدرك أنه لا يتخلّى عنها وعن أبنائه بأي حال ، مهما أوغل في مغامراته ، لديه كل المبرّرات ليبقي مؤخرته لصقها ، طالما هي منصرفة إلى رعاية بيته طوال ساعات يومها . كان زواجهما صعباً شأن الكثير من الزيجات . أحياناً يكون العيش معه أشبه بالعيش مع بق الفراش ، وكان لابدّ لها من أن تهوّن على نفسها ، وهي تقول " إن قلبه قلب سمكة ، طيّباً وبليداً " .عندما يسكر ، يشرع يسبّ ويشتم بطريقة جميلة وجذّابة ، هكذا هو دائماً ، بملابسه العصبية الألوان يلوح أشبه بالمهرّج المسالم ، والشهواني العنيد . كانت تقمعه بعباراتها الفظّة ، والغريب في أمره أنه كان ينصاع لوصاياها سريعاً ، ولكن ما أن يجن الليل حتّى ينسى نفسه ، وينسى كلّ شيء . لم يسهر " رشيد " ليالي السبت وحسب ، كعادة من يسهرون في هذه المدينة ، بل كان يغتنم كل ليلة ، وكل فرصة تسنح له باللهو والمرح ، وهو لا يملّ من نساء الليل . كنّ يتصلن به هاتفياً ، ويتسللن إلى ورشته ، هؤلاء الفتيات يشممّنَ رائحة النقود كما تشم الذئاب رائحة الخراف . إن أكثر ما يثير دهشة زوجته هو ما الذي يجذب النساء فيه ، وكيف تسوّغ لهن نفوسهن أن يغرقن في رائحة أبطيه المميتة . بلا ريب كانت روائحه بائسة طوال ساعات العمل . كان أجمل ما فيه نبرة صوته الهادئة ، ولسانه الناعم الرقيق ، الذي يريح أسماع الفتيات . كيفما راحت تتأمّل الحال ، كان الظلم يبزغ بين ناظريها . ◙ ◙ ◙ مع مرور بعض الوقت أفلحت " سلوى " من الإلمام بالمحادثة الانجليزية ، على نحو بسيط ، وأن تتدرّب على قيادة العربات ، وبات بإمكانها الاعتماد على نفسها بالذهاب إلى الأسواق ، أو الخروج إلى التنزّه برفقة أولادها في أي وقت تشاء . وكلّما مرّ وقت آخر ، أخذت تندفع إلى ما هو أبعد من حدودها ؛ فكان لهذا التحوّل أثره العميق في رفدها بالشجاعة المطلوبة ، ومؤازرة ثقتها ، والاتكال على نفسها من غير الحاجة إلى زوجها . أسدت لها تلك الثقة بالكثير من رباطة الجأش وحكمة التصرّف ، والأكثر من ذلك باتت أكثر جرأة وإقداماً في حياتها ، وصار بإمكانها أن تتعقّب إثر " رشيد " حالما تداهمها الظنون والهواجس ، أو تقلق عليه . سعت لتقويم سلوكه من كل شائبة وعورة ؛ ولكنه ظلّ سادراً في هوى الجميلات ، غير مبال في عواقب الأمور . كان يستمع لنصحها ، وتفاصيل أحاديثها ، ويسعى لتهدئة سورة غضبها ، بل أنه يمتثل لأوامرها كالولد الغرّ الصغير ، غير أن اختلاط ظلمة المساء تجعل مزاجه يختلط أيضاً ، فيصفر الشوق في أذنه صفيراً مدوّياً . منذ حبلت زوجته ، في السنة المنصرمة ، وحتّى ولادة الطفل الرابع لهما ، تكالب " رشيد " على فتيات الليل بما يشبه الهوس . حظي بصداقات لا حصر لها معهن ، وامتلأت صفحات تلفونه الجوّال بأرقام هواتفهن ، وكانت " سلوى " تطمس تلك الأرقام متى ما عثرت عليها ، وقلبها يحترق غضباً ، وكثيراً ما يشتجر النزاع بينهما ، وكانت في نهاية المطاف تحطّم تلفونه الفاسق ، وتمزّق ثيابها . ◙ ◙ ◙ في مساء جمعة من جمع الصيف ، عاد " رشيد " مبكّراً إلى البيت ، وقد ابتاع ثياباً جديدة ، من تلك الثياب الحارقة الألوان ؛ استحمّ على جناح السرعة ، وخرج متبختراً ، يقصد محل عمله ، وهو يردّد تلك الأغاني الجنوبية الخشنة . لم تسأله " سلوى " عن شيء ، كانت تنظر خلفه في ذهول وحسب ؛ تصرّف كما لو كان أعزب ، ووحيد لا يشارك حياته أحد . في ذلك المساء عزمت " سلوى " على اقتفاء أثره ، من أجل أن تستجلي حقيقة أمره ، ولكنها تريّثت زهاء ساعتين ، لأجل ذلك ، قبل أن تنطلق نحو الورشة . ربما بسبب لا مبالاته باتت " سلوى " تتمتّع بحدس صائب عن فحوى مغامراته كل ليلة من تلك الليالي ، وهي تعلم كيف يسيل لعابه لمرأى الجميلات . حال وصولها إلى الورشة ، وجدت البوّابة الخارجية موصدة ، فلجأت إلى باب المكتب الصغير ، الذي يفضي من أحد جوانب الورشة إلى داخلها . حالما فتحته ، هاجمتها أصوات ، وضحكات زقاقية ، حادّة لجمع من نساء ، تنطلق من أعماق الورشة . دلفت " سلوى " في جسارة إلى الداخل ، إلًا أنها لم تكد تخطو بضع خطوات ، حتّى توقّفت في مكانها ، مذهولة ، ومبهورة الأنفاس ، لرهبة وفظاعة ما وقع عليه بصرها . ثمة أربع فتيات شبه عاريات ، يقبعن في أحضان " رشيد " وثلاثة من أصحابه ، الذين كانوا شبه عراة أيضاً . تغرغرت عيونهم جميعاً بالخدر ، نصف يقظة . تصاعد لظى الحقد والحنق من أعماق " سلوى " على الفور ، وغشي بصرها دخان النقمة ، فأسرعت صوب الفتيات كما لو أنها تشقّ طريقها إلى حلبة المصارعة ، وراحت تلطم وجوههن مراراً وتكراراً ، والفتيات يتصارخن ، ويحتمين بالرجال ؛ وفي إثرهن ، التفت إلى زوجها وبادرته بالركل والصفع الشديد . كان الرجل سكراناً ، عاجزاً عن الدفاع عن نفسه ، سرعان ما انتهى به الأمر مرميّاً على الأرض بلا رحمة ، وعيناه مبيضتان ، والزبد يحيط بشفتيه ، وقد غاب عن وعيه . انتهى بها المطاف أخيراً أن تشتمهم جميعا ً . لم يكن متوقّعاً أن تتجرّد هذه المرأة عن حيائها الشرقي وتبدي مثل تلك الجرأة التي لم يتوقّعها أحد منها . ارتدت الفتيات ثيابهن في لمح البصر ، ووقفن محتميات ، وراء الرجال ، كنّ بيض وشقراوات ، باستثناء واحدة كانت سوداء البشرة ، يجلّل رأسها شعر كثيف وطويل . وحينما هممن بالهرب ، أمسكت " سلوى " بشعر الفتاة السوداء ، وسحبته بعنف ، وهي تشتمها بأقذع الكلمات التي يصعب أن تبدر من بين شفتي امرأة . حالما جرّت شعر الفتاة ، جاءت بين أصابعها باروكة الشعر الأسود المستعار ، مّما زاد من حنقها ، فانقضّت تمزّق ذلك الشعر إرباً إربا وترمي به بين أقدام الرجال ، فيما بان رأس الفتاة صغيراً ، حاسراً ، مليئاً بالكدمات ، يشبه تمام الشبه رأس النعّامة . عاد أصحاب " رشيد " إلى لبس سراويلهم ، وأحاطوا به ، وهم يرشقون وجهه بالماء ، ومال أحدهم يدلك صدره وجبينه ، ويحاول جاهداً أن يجعله يفتح عينيه ويبصر ، وقد نجح أخيراً ، إذ فتح " رشيد " عينيه بصورة ضيقة ، وحدّق في وجه زوجته كما لو أنه يحدّق في فراغ ، من غير أن يعرفها ، وربما من غير أن يراها ، ترقرقت عيناه بالدموع ، وعاد ليغلقهما . كانت روائح القاذورات تفوح في أركان الورشة . وقفت " سلوى " بفمها المرتجف الشديد الجفاف ، وشفتها السفلى بارزة إلى الأمام في غضب أليم ، كما تبرز الشفة من فم الرجل العجوز . تشنّجت ملامحها ، وراحت تصرخ غاضبة ، ودموعها هائجة ، تتدفّق من أعماق أحشائها ، بينما كان حجابها الأصفر زائغاً ، وإزاء دموعها الجارفة ، وقف أصحاب " رشيد " يراقبونها وقد استعر الاستياء فوق ملامحهم . لم يؤاسيها أحد منهم ، أو يطيّب خاطرها بكلمة ليّنة ، لا أحد بهذا اللطف . كان " رشيد " يشرب حتّى يسقط رأسه في حجره ، ولم يكن من اليسر بمكان إعادته إلى الصحو سريعاً ، إلًا أن جهود الأصحاب جعلته يجلس بعد ذلك في خمول ، أشبه بخمول الرجل المريض ، وفتح عينيه ، وألقى نظرة كابية على وجه زوجته وقال بصوت مرتجف ، كأنه نشيج يخرج من صدره : ـــ ما الذي جاء بك إلى هنا يا ابنة الخراء ؟ . يشرب " رشيد " عادة خليطاً متنافراً من الخمور ، فيعود صوته مبحوحاً ، غير واضح ، يتصاعد منه الدخان ، ويمتزج به اللعاب . كانت جرأتها على ضرب زوجها مقيتة ، ومعيبة ، حتّى بالنسبة لبلاهته وحماقته . وما حدث في هذا المساء أشبه بفضيحة زوجية ؛ وكان دود الفضيحة الأسود يتلوّى على أرضية الورشة ، أسفل أنوار المصابيح الساطعة ، بمشهد بشع تعافه النفوس . لاح كل من الزوجين بمثابة قطعة من قمامة لأنظار الجميع . استطاع " رشيد " أن ينهض أخيراً ، ووقف جانباً لا يندّ عنه سوى التلعثم الحائر . سارعت زوجته على حمله ، والعودة به إلى البيت ، وكانت النار في عينيها لم تنطفئ بعد . في الصباح ، قالت له : ـــ تستطيع الآن أن تحدّثني عن كل ما تفعلونه من غير حرج ، لم تعد هناك أسرار بيننا مخفية يا " رشيد " . أرغمته على الاعتراف بكل شيء ، وهي تردّد : ـــ لا أسرار ولا أعذار .. و كان أكثر ما أثار اهتمامها تلك الفتاة السوداء التي تبيّن لها أنها مجرّد فتى مخنث ، معروف باسم ( فيولا ) ، يتهافت عليه الشبّان في نوادي ويسكنسون الليلية . ◙ ◙ ◙ في الأسبوع التالي ، صحّ عزم أصدقاء " رشيد " على أن يبعدوا سهراتهم عن ورشته ، تفادياً لغارات زوجته وملاحقاتها ، واتفقوا أن يذهبوا إلى صديقهم المصري " بيومي " ، الذي يعيش لوحده في منزل كبير ، في الجانب الغربي من المدينة . كان منزله عش حبّ حقيقي غالباً ما يمتلئ بالعصافير الشقر الجميلة . تم عرض هذه الفكرة على " رشيد " نفسه فرحّب بها ، ووجد فيها دفعاً للإحراج الذي لحق به . قبيل المساء المخصّص للسهر ، اتصل " رشيد " بزوجته ليخبرها قائلاً : ـــ الليلة سوف أتناول العشاء مع بعض الأصدقاء في المطاعم . ـــ هل تتأخر كثيراً ؟ ـــ ربما . بقدر ما كان اتصاله التلفوني غبيّاً ، لأنه أفصح بجلاء عمّا يرومه في هذا المساء ، فإنه ألهب خيال " سلوى " وأحاسيسها بما يمكن أن خطّط له برفقة زمرته الماجنة . جنحت أفكارها يميناً وشمالا ، وهي ترسم في ذهنها ما يمكنها فعله . بعد ساعات على اضطرام لظى نيران الشك الحارقة في صدرها ، وهي تعدّ الدقائق ، وعيناها لا تفارق ساعة الجدار ، هرعت إلى عربتها وانطلقت صوب غرب المدينة . في تلك الساعة ، كان منزل " بيومي " مسرحاً ، وملهى للقصف واللهو ؛ اجتمع فيه لفيف من الأصدقاء ، مع باقة من الفتيات . كان المنزل يقوم لوحده في ركن من شارع عريض ، وكانت الأضواء كابية ، كما هو حال معظم المنازل الأخرى . في ذلك الوقت كان المساء قميصاً من الحرير الأزرق ، مفتوح الأزرار . حال وصولها أسرعت " سلوى " لركن عجلتها بعيداً عن المنزل ، وتسلّلت نحوه على مهل ، وشرعت تقرع جرس الباب . لم يستجب لها أحد ، ولكنها استمرّت في محاولتها ، وكانت أصوات المرح تصل إلى سمعها في وضوح . عقب دقائق ، تم فتح باب المنزل ، وأطلً منه رجل كبير السن ، ومن غير أن تلقي عليه التحية ، أو تستأذنه ، تخطّت إلى داخل المنزل في غاية الصلف ، ووقفت في وسط صالة المنزل ، لتبدّد بهجة المساء ، حيث انعقدت سحابة من الذهول والخوف ، لفّت الجميع معاً . أصاب الجنون جميع الرجال لرؤيتها . كان ظهورها المفاجئ ينذر بالخطر ، مثل قنبلة موقوتة توشك على الانفجار . كانت الفتيات الحسان مفرّقات على الأحضان بانتظام ، وكان بعضهن عاريات تماماً . وفيما هي تتأملهن بجنون ، انفتح باب يطلّ على الصالة مباشرة ، وخرج منه شاب ، يتبعه ذلك الزنجي المخنّث ، ما أن وقعت عيناها عليه حتّى استشاطت غضباً ، وفي لمح البصر انقضّت عليه تلطمه لطماً قاسياً أرداه أرضاً ، وكانت تصرخ في وجهه قائلة : ـــ أنت هنا أيضاً أيها الساقط ، تحضر لسلب نقود هؤلاء الحمير بلا انقطاع . ـــ انهضْ ، ودعني أعلّمك معنى السفالة .. ولكن الفتى لم ينهض . سالت من أنفه بضع قطرات من دم ، وأخذ ينبح بصوت مبحوح ، كالجرو المتألم . ثم مالت إلى البنات ، وراحت تنهال عليهن بالضرب ، من غير تردّد ، في زوبعة من العويل والشتائم ، لقد هبطت عليهن كالنسر الجارح ، وقد هدرت أصوات الفتيات باللعنات والسباب الفاحش عليها . وكان كل واحد من الرجال يحاول الاقتراب منها ينال نصيبه من الضرب كذلك . تمزّق منظر الاحتفال الآسر ، وأحسّ الجميع بلسعة الإهانة . وحالما فرغت " سلوى " من تلك النسوة ، تقدّمت صوب زوجها ، الذي كان يجلس خائر القوى . مشت إليه بكاحليها العاريين ، المنتفخين ، وأمسكت برأسه ، وراحت تهزّه هزّاً عنيفاً ، ثم رفعته عن الأرض ، وأوقفته حيالها ، على الرغم من ترنّحه . ثم رفعت صدرها الضخم إلى الأعلى ، وأخذت تصفعه بعنف ، وهي تردّد قائلة : ـ ــ إنك تحتقرني ، وتحتقر نفسك .. حاول الشبّان إيقافها عند حدّها ، وهم يحيطون بها ، ويتوسّلون بها أن تثب إلى رشدها ، ويقولون لها : ـــ توقّفي رجاءاً .. توقّفي .. ـــ لا ، ليس هكذا ، لا تفعلي ذلك .. كانت ترفض أن يكون أي من رفاقه محامياً عنه ، لأنها تخشى عليه من الضياع والسقوط عبر تلك الهاوية السحيقة ، وتشعر أن أقدام تلك العاهرات تدوس على حياتها ومستقبلها ، وكانت تناضل من أجل استعادته . عندما تضربه ، وتكيل له أشنع الكلام ، يتحوّل وجهه إلى اللون الرمادي ، ويلتوي فكّه للأسفل التواءً عجيباً ، وسرعان ما بدأت عنده نوبة من الغثيان ، ارتمى رأسه على صدره كما لو أنه فقد الوعي ، ولم يعد يستطيع الحركة ، فوقفت زوجته تتأمّل فيه بغضب ، ثم أمسكت به جيداً وقادته خارجاً ، لتضعه في عربتها ؛ كان يلوح بائساً ومحطّماً ، وفي الواقع كان كلاهما مدمّراً تدميراً فظيعاً . عندما دخل " رشيد " في العربة بدأ دوّار يعصف به ، وخلال لحظات راح يتقيأ بعنف ، وهو يرمي برأسه من خلال باب العربة ، وتصاعدت رائحة القيء إلى السحب ، فوقفت " سلوى " أشبه بالعاجزة ، ودموعها تنسكب على وجهها ، وقد احتدم غضبها . في هذه الأثناء خرجت فتاة من تلك الفتيات مسرعة إلى عربتها ، محاولة الهرب من هذا الافتضاح ، فلحقت بها " سلوى " وافترستها في وسط الشارع ، مّما جعل بعض الشباب يهرع لإنقاذها من بين براثنها . علا الصياح واللغط في ذلك المكان ، وأمسى مسموعاً للداني والقاصي . تشاجرت " سلوى " حتّى بحّ صوتها ، وصرخت وانتفخت أوداجها ، وتحوّلت إلى عاصفة هوجاء ، تثير كل شيء أمامها ، فيما كانت عبراتها تنسكب على وجهها . كانت تقف في عرض الطريق بمظهر حزين ، بائس يثير الشفقة ، على الرغم من غضبها المجنون ، ونظرات الكراهية ، والألم التي تتطاير من محجريها . وعلى حين غرّة ، اخترقت الظلام المحيط بالمكان سيّارة الشرطة مسرعة صوبهم ، توقفت إلى جانب الطريق وترجّل منها شرطيان تقدما صوب هذا الجمع الهائج ، وراحا يستفسران عمّا يحدث هناك . في ظل الصمت الذي خيّم على الجميع ، وشلّ كل حركاتهم ، تقدّمت " سلوى " من الشرطيين بجرأة ومن دون تردّد ، وخاطبتهما قائلة : ـــ أرجوكما أن لا تتدخلا في الأمر ، إنه سوء تفاهم بيني وبين زوجي ، وقد تمّت تسويته .. وفي مثل هذه الحالات التي لا يتقدّم فيها أحد بشكوى ، يغضّ رجال الدورية أنظارهم عن مثل هذه الخلافات ، لا سيّما في الدقائق الأخيرة لانتهاء نوبتهم في العمل . في آخر ذلك المأزق الحرج ، وقف الشبّان في صمت أليم ، لا ينظرون في حالهم البائس ، ولا حال صديقاتهم اللواتي شبعن ضرباً ، ولا حال " رشيد " الذي يقعي في عربة " سلوى " أشبة بالميت ؛ بل كانوا جميعاً يتأملون ، في دهشة وغرابة ، جرأة وجسارة هذه المرأة ، وهي تلهث راكضة خلف زوجها في كل زاوية ومكان ، والأكثر جسارة من ذلك ، حينما راحت تطلب من الشرطيين عدم تدخلهما في الأمر ، فتراجعا ، وانطلقا بعيداً ! . منذ تلك الليلة المشهودة ، وكما لو أنهم أجمعوا على ذلك ، أطلق أصحاب زوجها عليها لقب " وزيرة الداخلية " ، وأصبح سجل " رشيد " الكارثي ، المليء بالقصص ، وحكاياته التي لا تنتهي ، شيئاً من الماضي ، الذي لا يلتفت إليه أحد . وتفتّحت على الفور زهرة الأيام الجديدة العامرة بقصص وحكايات هذه المرأة وحسب . في واقع الحال ، إن الظروف العصيبة التي مرّت بها ، جعلت منها قادرة على أن تكون شرّيرة ، متى أرادت ذلك . عندما رحلت ، ظلّت عيناها تَحدر بالدمع ، وشهقاتها تفلت من بين شفتيها الممتلئتين ، كما يفلت اللهب من بين جمرتين مطبقتين على بعضهما . عادوا جميعاً إلى ذلك المنزل ، وهم يتبادلون الأفكار عن كيفية تعرّف " سلوى " على مكان اجتماعهم ، افترضوا كثيراً من الأفكار في هذا الصدد ، وفي النهاية اقتنع الجميع بأنها لابدّ قد زرعت في عربة زوجها جهاز متابعة من تلك الأجهزة المعروفة الزهيدة الثمن . طال جلوسهم ، ولم ينفضّ إلّا بعد أن أجمعوا أمرهم على السهر واللهو من دون أن يسمحوا بمشاركة صديقهم " رشيد " لهم في الأيام المقبلة ، خوفاً من زوجته التي تفسد عليهم لياليهم ، وتلحق بهم الألم والرعب . كانوا يعلمون أنها امرأة عنيدة ، ذات أسلوب فظّ ، لا هوادة فيه . ◙ ◙ ◙ في ضحى اليوم الثاني ، جلس " رشيد " يتناول فطوره ، متعافياً مّما ألمّ به ليلة البارحة ، ثم استحمّ ، وارتدى ملابسه النظيفة . نجحت " سلوى " في محاكمته ، وجعله يدلي بسيل من الاعترافات المذهلة ، عن نفسه ، وعن أصحابه ، وما كانوا يفعلون به . وكان أكثر ما أثار اشمئزازها منظر ذلك الفتى المخنث ، فسألت عنه تقول : ــ من هو ذلك الشاب الذي خرج برفقته من الغرفة ؟ ـــ " أسعد الحلّاق " . ـــ ما الذي كانا يفعلانه في الغرفة . ـــ يتبادلان الغرام ، ما الذي يمكنهما فعل غير هذا ؟ ــ أحقّاً ما تقوله ؟ ـــ نعم ، إنهما عشيقان . ـــ متحابان ، وينامان معاً ؟ ـــ نعم ، نعم ، ـ ــ موتٌ أسودٌ يمحو اسميهما معاً ، وينهي وجودهما .. في هذا اليوم ، قادت " سلوى " عربتها وراحت تضرب فيها في طول ويسكنسون وعرضها ، لا لشيء سوى أن تعثر على رقم هاتف زوجة " أسعد الحلاّق " . وعلى العكس تماماً من زوجها ، لم يكن لـدى " سلوى " أي صديقة تركن إليها وتستأنس برفقتها . إنها لفكرة سيئة أن تبحث عن رقم هاتف امرأة لا تربطها بها أيّة معرفة مسبقة . ولكنها وجدت في ذلك فرصة مؤاتية للبحث عن صديقة تشاركها الهموم والأسرار النسائية ، وتبعد عنها وحشة الوحدة . تمكّنت أن تصل إلى امرأة عراقية تخيط ملابس نساء ، واستنجدت بها من أجل أن تحصل على رقم الهاتف الذي سعت من أجله ، وقد تمّ لها ذلك . عند المساء ، اتصلت " سلوى " بتلك المرأة ، تعارفتا سريعاً ، ورحّبت كل منهما بالأخرى . وجّهت لها دعوة استضافة في اليوم الموالي ، وهي تلوّح لها من طرف خفي إلى سهرات زوجها برفقة " رشيد " ، وبالطبع فإن دعوة من هذا النوع ، التي لمع فيها برق السهرات الرجالية الخاطف مغرية بالتأكيد . كانت مسحة المكر لا تبارح " سلوى " وهي تدعو المرأة لزيارتها . لم تلبث تلك السيدة أن سارعت لتلبية الاستضافة في الموعد المتفق عليه . جلسن وقد خلى لهن الجو ، يتبادلن شجون الحديث لساعات عدّة . كانت سلوى تجلس باعتداد ، وهي مغمورة بثوب فضفاض ، تتحدّث بنبرة أريحية واعظة ، تحدّق في وجه ضيفتها ملياً ، وهي تسبغ عليها النصيحة تلو الأخرى . ـــ أنا أحدّثك ولا أريد لأحد أن يعلم بما يدور بيننا من حديث لا سيّما زوجك . ـــ كلا يا أختي ، إنه من حسن خلقك أن تسرّين لي بما أجهله ، وفي هذا كفاية . ـــ حسناً اتفقنا إذن . وشرعت " سلوى " تفشي لها عمّا في دخيلتها من أسرار تخصّ زوجها وأفعاله المشينة مع ذلك الفتى المتشبّه بالنساء ، لتترك المرأة وقد اصفرّ وجهها ، وتيبّست شفتاها ، وغطّى العرق جبينها ، وراح بدنها يهتزّ بكل أعضائه . ــ أنصحك بمراقبة زوجك جيداً ، ولا تأتي بسيرة هذا الكلام أمامه بأي حال من الأحوال . ـ ــ اطمئني ، لن أجعله يعلم بشيء ، ولكن أستحلفك بالله أن تخبريني بكل تصرّف يبدر منه في الأيام المقبلة . ـــ بالطبع ، سوف أوافيك بكل خبر جديد عنه . تهيّأت السيدة لمغادرة منزل " سلوى " ، وهي تكيل لها عبارات الشكر والامتنان . وعند باب البيت ، تساءلت تقول : ـــ هل اتصلت بك واحدة أخرى من صديقاتي ؟ أزواجهن يسهرون مع زوجي وزوجك أيضاً . افترضت تلك السيدة أن ما يفعله زوجها يفعله أصدقاؤه الآخرون ، لأنهم يسهرون معاً على الدوام . ـــ كلا ، أنا لا أعرف غيرك من النساء . ـــ ما رأيك بأن أشجّعهن على زيارتك ؟ ـــ كما تشائين ، ومرحباً بهن . تلقّفت " سلوى " هذا العرض بطرب وارتياح ، جعلها تشعر بأنها انتصرت على وحدتها ووحشتها الموجعتين . في تلك الليلة ، اتصلت زوجة " أسعد الحلّاق " بجميع صديقاتها ، الواحدة تلو الأخرى ، لتهيج قفير النحل ، فاضطرب النحل وهاج ، وصارت كل منهن تلتمس منها أن تأخذ بيدها وتوصلها إلى " سلوى " بأقرب وقت . لا شيء يثير غيرة الزوجات ، وإثارة فضولهن أكثر من معرفة أسرار أزواجهن . ◙ ◙ ◙ بعد تفكير ، استقرّ رأي أصحاب " رشيد " على اختيار ملاهي " الداون تاون " ، في وسط المدينة كل ليلة سبت . في هذا المكان يمكن أن يمضون ساعات مع فتياتهم في غرف الفنادق المحيطة بهم ، من دون منكدة من أحد ، على الرغم من غلاء ذلك المكان . قال لهم " أسعد الحلّاق " : ـــ في الداون تاون ، سوف لا نسمع صوت الوزيرة ، ولا نرى خلقتها . وفي شيء من التردّد ، أفصحوا عن هذه الفكرة لصديقهم " رشيد " ، الذي استجاب قائلاً : ـــ أنا متهيئ للسفر والترحال حتّى إلى الجحيم . ليس بإمكان أحد أن يوقفهم عن المرح ، والبحث عن السعادة في الحياة الجديدة البهيجة ، التي يبحثون عنها جميعاً . إن لعابهم يظل يسيل من غير انقطاع لدفء الأفخاذ العارية ، وحرارة الكحول المحرقة ، ومفعول الحبوب الجنسية المنشّطة ، تلك أشياء كثيراً ما تصدح موسيقاها في صدورهم فتهتزّ أجسادهم طرباً . ولكن متى ما ضاق الخناق عليهم سوف تسمع بكاء الشهوة عبر أنفاسهم الحارقة . في أول يوم سبت ، إثر الاتفاق بينهم ، ذهبوا جميعاً إلى الداون تاون في وقت مبكّر ، بينما اعتكف " رشيد " في المنزل صامتاً وكئيباً ، التوى فكّه ، وغارت عيناه جراء الغم والضيق . وحين تسأله " سلوى " يشيح ببصره ويغمغم باستياء عبر صوت غير مفهوم . كان يبدو لها مثل طفل بلا عقل ، لا يقوى على منع نفسه من البكاء جراء ابتعاده عن رغباته المجنونة . ـــ لمَ لا تذهب إلى السهر مع أصحابك ؟ تفاجأ من غرابة سؤالها الملتبس . فتح فمه نصف فتحة ، وانعقد لسانه ، وهو يحير جواباً . ـــ إذا كنت ترغب في الذهاب فأنهض وهيئ نفسك لذلك . ـــ نعم ؟ .. حدّق في وجهها بارتباك ، متخيّلاً أنها تسخر منه . إلّا أن ملامح الجد الصارمة التي تنطبع على قسمات وجهها ، كانت لم تزل مرسومة فيه . ـــ هيا انهض ، لا تضع الوقت . ـــ هل تعنين ذلك حقّاً ؟ ـــ اذهب إذا شئت ، ولكن إياك أن تسرف في الشراب ، أو تبذّر نقودك على تلك العاهرات ، واحرصْ على العودة مبكّراً . عندما بدأ يستأذنها بالذهاب ، كان مُفاجئاً من النظرة الراضية ، المطبوعة في عينيها . في ذلك اليوم ، ولسبب كان يجهله ، لاحت زوجته لطيفة معه ، وقال لها ممازحاً : ـــ إنهنّ جميلات ، ويستحيل أن لا يقع المرء في غرامهن ؟ كانت تضحك ساخرة من كلامه ، لأنها تعلم جيداً أن من يتحدّث إليها هو كأس الخمر ، وليس أ آخر سواه . سرعان ما خرج ، مرتدياً ملابسه الصارخة ، ومعتمراً ( حدرية ) بيضاء مزوّقة بالنقوش ، على قمّة رأسه ، ليستر بها صلعة صغيرة نامية ، ويظهر كأنه خارجاً للتو من منزل يهودي . لم تكن " سلوى " راغبة في إرهاق نفسها أكثر مّما حصل لها معه ، وفي ظل ما خيّم على منزلهما من شدّ وتوتر ، ونزاعات ليس لها نهاية ، بانت آثارها جليّة على أطفالهما ، عزمت على تبديل الحال ، وخلق جو رحب متسامح بينهما ؛ وكانت لزيارة تلك السيدة فعلها السحري في هذا الصدد . كانت تخبر زوجها جيداً ، إنه ، كما هو شأن أصحابه ، علق بشباك تلك الفتيات ، ذوات الأجساد الممشوقة ، والخدود الوردية ، اللائي تفوح منهن روائح متعة نصف الليل ، ولا يستطيع منهن فكاكاً . كان يكفيها أن تراه يعود إلى عمله ، في صباح اليوم الثاني ، ويجني بعض المال ، فتشعر أنهما بخير ، وفي دخيلتها حرص شديد أن لا تفقده ، لأنها تعلم جيداً بعدم قدرتها على العيش ، وهدوء بالها إلّا وهو معها ، فكان لزاماً عليها أن تلين قليلاً من أصابعها التي تمسك بخناقه . في النهاية لاحظ سبع البور بأن هنالك بعض التسامح في مغامراته الليلية ، فوجد نفسه قادراً على أن يحرق ليل الداون تاون بشرابه السائغ ونسائه الجميلات . في هذه الليلة نامت " سلوى " قريرة العين ، ولكنها كانت تستيقظ بين ساعة وأخرى لتجسّ موضع نوم زوجها ، وتجده خالياً ، حتّى ضاق ذرعها ، وسال القلق على وسادتها . نهضت وهي تخف إلى هاتفها الجوّال ، لتّتصل به ، ولكنها لم تلقَ أي جواب . مضت وهي تحاول الاتصال به حتّى طلوع الفجر من دون جدوى . هكذا في كل مرّة ، كان " رشيد " في غمرة سكرته لا يسمع شيئاً في أوّل وهلة ، ولكن ما أن تلتقط أذناه بعض الأصوات ، يأخذ غشيان الخمر يغادره كما لو أنه قد تمّ وضعه أسفل رشّاش ماء ، ليجد أن هذه المرأة قد أفسدت عليه النوم . تناول تلفونه واتصل بها ، وكان يهسهس من جانب فمه . شرعت تكيل له اللعنات والشتائم قبل أن تستفهم منه عن أي أمر ، وهي تنصت إلى أنين صوته عبر الهاتف . لم تعِ ما تفوّه به زوجها ، إلّا أنها أدركت أنه أمضى ساعاته المنصرمة نائماً في فندق " هامبتون " . نهضت في الحال وقادت عربتها صوبه . عثرت عليه في غرفة الفندق مغمض العينين ، وقد تحوّل لون بشرته إلى اللون الأزرق كما لو كان مسمّماً ، فانتابها الفزع ، وهزّت جسده ، وهي تصرخ في وجهه أن يفتح عينيه . رمش سبع البور بعينيه الحزينتين مثل كلب صغير ، وحرّك شفتيه المسودتين من دون أن ينبس بشيء .كانت ملامحه متعبة . ـــ ارتدِ ملابسك أيها السكّير القذر في الحال قبل أن أوسعك ضرباً . قام من سريره نصف قيام ، وردّ عليها بنبرة ذليلة ، خاشعة ، ثم جلس مطرقاً ، وهو أهدأ من ماء راكد . كانت السهرة الصاخبة لم تزل تطن في أذنيه ، وبعد برهة ، رفع رأسه ، وكانت عيناه مغرورقتان بالدموع ، وخاطبها بنبرة باكية : ـــ أرجوك ِ كفّي عن ملاحقتي . حدّقت في عينيه مليّاَ ، ثم شرعت بالبكاء ، كانت روحها المهضومة بحاجة إلى الدموع . قادته معها خارجاً ، وقبل أن تغادر الغرفة خطفت كيساً ورقياً كان يضمّ قنينة من شراب الجن ، موضوعاً جنب سريره . وعندما جلس إلى جوارها في العربة ، لمح الكيس الورقي من طرف عينه ، فابتسم وقال لها : ـــ كم كنت ذكية ، وأنت لم تنسي كيس دوائي . عاد صاغراً ، ونام طوال يومه ، لينهض إثر ذلك بوجه مرح ، ودود ، كأنه قادم من سفر بعيد ، وشرع يرتدي بنطالاً أخضر اللون ، ويدسّ قدميه في حذاء رياضي أصفر رائع المنظر ، و يردّد تلك الأغنيات الخشنة المسربلة بالغبار ، بصورة توحي بأنه أخذ يعزف موسيقاه من جديد . جلس ينتظر فراغ زوجته من فطورها ، ليقول لها ، بشيء من الخشوع :
ـــ استميحك الصفح والغفران لما بدر مني ، وأعدك بأن لا أكرّر ذلك .. ضحكت " سلوى " وضحكت ، وهي تهزّ يدها في سخرية ، دنت منه وقالت له بصوت منخفض :
ـــ من الذي خدعك ، وجعلك تقول لي هذا الكلام ؟ ـــ كلا .. كلا ، أنا صادق فيما أقوله . ـــ إن كنت صادقاً حقّاً فإنني أصفح عنك ، ولكن عليك أن توافق على شرطي الوحيد . ـــ أنا راضٍ بكل ما ترغبين به . ـــ أشترط عليك أن توافيني عقب كل سهرة بتفاصيل ما يفعله أصدقائك في تلك السهرات ، واحرص على أن لا تخبرهم بهذا الأمر . ـــ وما يهمك ِ من أمر أصحابي ؟ ـــ لا يهمّني من أمرهم شيء ، ولكن أخبارهم تفيدني . انشرح صدر " رشيد " لسماعه أقوال زوجته ، التي عادت لتؤكّد له القول : ـــ تفيدني ، وتفيدك أكثر . وبدلاً من تصفية صداقاته باتت تشجّعه على امتلاك المزيد من الأصدقاء . في أعقاب ذلك الصخب والضجيج الذي كانت تفض به سهرات " عزيز " ، باتت اليوم لا تبدو منزعجة أو عكرة المزاج ، وفي الواقع لم تلن قناة " عزيز " بقدر ما لانت قناتها . ◙ ◙ ◙ على أثر زيارة زوجة " أسعد الحلّاق " ، تواترت زيارات زوجات أصحاب " رشيد " يوماً بعد يوم ، وكنّ جميعاً في لهفة للكشف عمّا يفعله أزواجهن في السرّ . كانت " سلوى " تشعر ببريق من الفخر والانتصار ، وهي تجهّز لهن أخبار أزواجهن ، غير مبالية بأنها في هذا العمل قد تضع أقدام زوجها " رشيد " في مستنقعٍ آسنٍ . تجلس قبالتهن ، وهي تبتسم ، وترحّب بهن ، بينما يخطف الدهاء في ضوء عينيها .. تجلس مسترخية ، يتملّكها شعور بالفخامة ، في مقعد وثير حصلت عليه من الأسواق حديثاً . منذ ذلك الحين ، أصبحت أكثر حرصاً على نظافة وأناقة منظرها ومنزلها وأولادها ، ولربما انعكس الشيء نفسه على زوجها كذلك . كانت مخزناً للأسرار ، وعندما تسألها إحداهن عن أفعال زوجها ، ترفع صدرها عالياً ، وتشهق نفساً عميقاً ، وتجيب كما يجيب المدرّس عن سؤال تلميذه ، وهي تهزّ برأسها أسفاً ، وتبسط في مجلسهن كلّ الرذائل التي ارتكبت في تلك الأمسيات المحرّمة . أي سعادة في تلك المواقف ، وهي تعدّ لهن الأخبار كأنما تعدّ طعاماً شهيّاً ، يُرضي مختلف الأذواق ، وإذا ما شعرت بأن ذلك الطعام لا يثير شهية إحداهن ، تسارع لصبّ ملاعق من المشهيات فوقه . كنّ يقصدن منزلها وقلوبهن غارقة في الخوف من أن يكون أزواجهن قد اقترفوا آثاماً شنيعة . وكانت " سلوى " لا تبذّر كلامها سدى ، وكنّ يقابلنها بامتنان محرج غاية الإحراج . بدت لنفسها امرأة تختلف عنهن جميعاً بما تمتلكه من ثروة طائلة ، من تلك الأسرار الثمينة . أخذ مزاجها يتحسّن وهي تشعر بالسعادة ، وكان مديحهن يشرح صدرها . ولأول مرّة أخذت تشعر بقيمتها بعد أن صارت تنعم بالاعتبار من قبل تلك النسوة . إن إلحاح النساء ، وإقبالهن المتلهف عليها ، يشعل شرارة السعادة في أعماقها . وفي غضون أشهر قليلة أصبح لديها أكثر من عشرة صديقات ، متودّدات ، وصاغرات لكل ما تقوله وتأمر به . كنّ سخيّات معها ، حملن إليها مختلف الهدايا الفاخرة ، على عادة النساء ، بم في ذلك الأطباق الشهية من الطعام . والطريف في الأمر أن إحدى النساء الغريبات ، والتي لم تلتقي بها من قبل ، قد أقبلت على زيارتها لتسألها قائلة : ـــ معذرة ، هل زوجي " أحمد النجفي " يسهر بمعية أصحاب زوجك ؟ لم تكن " سلوى " قد سمعت بهذا الاسم من قبل ، وحينما قلّبت دفاتر أسرارها لم تعثر له على ذكر ، فعادت تردّ على المرأة قائلة : ـــ كلا إنه ليس معهم . إلّا إن المرأة ، وقبيل مغادرتها ، التفت إلى " سلوى " تذكّرها بالقول : ـــ أنا أحمّلك أمانة أن تخبريني سريعاً ، إذا ما تبين لك أنه التحق مع هذه الزمرة في أي يوم من الأيام ، وأمسى يسهر معهم أيضاً . كانت أولئك النسوة متعطشات ، ومكرهات في آن واحد لسماع أخبار أزواجهن الأليمة . في واقع الأمر ، بقدر ما كانت مبتهجة لزيارات أولئك النسوة لها المتوالية ، وهن يحملن لها الهدايا والمودة التي تبحث عنها ، كان ضيقها وكربها يتلاشى ولم يعد له وجود . كانت تفكّر في روعة المشهد حينما تهبّ إليها امرأة تعدّ نفسها ذات مقام عالِ ، وذات حسب راقِ ، وتأتي لمناشدتها ، واستعطافها بالكشف عن كل شاردة وواردة تندّ عن زوجها ، وهي توقف عربتها الفارهة عند باب منزلها ، وتزورها وهي مجلّلة بأفخر الملابس الباذخة . على الرغم من الطريقة الغريبة التي جمعت فيها النساء من حولها ، إلّا أنها لاح لها ، في مآل الأمر ، وكأن الغربة في هذا البلد هي التي ألفت بينهن ، وشدّت من تآزرهن . وبصرف النظر عن عدد مرّات زيارات كل منهن إلى " سلوى " فإن صداقتهن توطّدت بوقت أسرع مّما يمكن تصوّره . وحتّى لو لم يقع بين يديها من الأخبار أو الأسرار الجديدة ، فإنهن لا ينقطعن عن التردّد على منزلها . رحن يخرجن معاً ، لارتياد الأسواق التجارية ، أو الذهاب للتنعّم بجمال الطبيعة . كنّ نساء يأخذن الحياة على محمل الجدّ ، بينما أزواجهن يعيثون فساداً في ليالي ويسكونسون ، متلهفون ، وجامحون ، لا يردعهم رادع ، ولا يمسك بزمامهم شيء . إن سماع الحقيقة الصادمة محرج للغاية ، ولا يحتمل ، يجعل فرائصهن ترتعد ، وتكاد تنفجر صدورهن لهول ما يسمعن ، ولكنهن على الرغم من ذلك ، سرعان ما يقود بهن الاشتياق والفضول إلى منزل " سلوى " . في أوّل أمرهن ، كن ينظرن إليها بريبة ، ولكنهن ، مع تعاقب الأيام ، رحن يجلسن بين يديها كما تجلس التلميذات الصاغرات بين يدي معلمتهن . وبالمقابل لم تعد النساء دخيلات على حياتها بل إنهن أشعلن فتيل الفرحة في قلبها ، وجلبن لها المتعة . صار بإمكانهن الاطلاع عن كثب على أسرار أزواجهن ، وما يفضّلونه من نساء ، بأسهل السبل ، ولهذا السبب الفاجع ، لم يدّخرن جهداً في زيارة " سلوى " والتودّد لها ؛ ولا غروَ أنهن كن يخشينها ، ويسعين إلى استرضائها بكل صورة ، خوفاً من أن تفضح سيرة أزواجهن أمام الآخرين . بمثل هذه البساطة تسلّلت " سلوى " إلى حياة وقلوب العديد من النساء . ومع ذلك فقد عثرت صديقاتها فيها على امرأة حسنة العشرة . كانت في نظرهن امرأة فاضلة الخصال ولكنها تزوّجت الرجل الخطأ ، فكن يغمزن ، في بعض الأحيان ، إلى زوجها " رشيد " من طرف خفي ، حتّى قالت لها واحدة منهن ذات مرّة : ـــ ماذا تفعلين به ، وأنت متزوجة منه كل هذا الوقت ؟ . فزّت " سلوى " في مقعدها ، تلاشت ابتسامتها ، واعتلى جبينها التعبير الجاد ، فقالت : ـــ آه ، إنها قصة طويلة ، سنتحدث عنها ذات يوم . لم تكن السائلة تدرك ، أن " رشيد " هو من التقط هذه المرأة من أكثر بيوت " سبع البور " بؤساً وإملاقاً ، وهو من حملها معه إلى أمريكا ، وجعل منه امرأة عصرية ، تمتلك عربة ، وترتدي أفضل الثياب ، وأخرج من بطنها أربعة أبناء رائعين ، وكما تقول العراقيات عادة عن المرأة الميسورة الحال ، " صارت تلعب في النقود لعباً " . لذلك كانت " سلوى " تتحاشى الحديث الصريح عن لوم زوجها . كن معجبات بثقتها ، وأسلوبها الشخصي . ◙ ◙ ◙ اليوم ، لم تعد " سلوى " توبّخ زوجها بسبب انجرافه في السهر ، بل كانت توبخه أشدّ التوبيخ إذا ما أبدا تقاعساً في نقل أخبار رفاقه لها . قالت في دخيلتها " لست مضطرة ، في كل حين ، إلى الاحتراز والخشية ، إنما أرغب في الركون إلى الراحة والاسترخاء ،عقب هذه السنين المرهقة " . لقد بالغت قليلاً بشأن زوجها بادئ الأمر ، ولكنها الآن ، وإثر هذا الكشف ، باتت تتولّى زمام أموره بشكل رائع ، وقد سارت الأمور بصورة أفضل مّما توقعت . أدرك " رشيد " لعبة زوجته ، ولو في وقت متأخّر . فكّر في ما يقومان به معاً ويفعلانه في الخفاء ، وجد أن تواطئهما على الوشاية ينطوي على الكثير من الخسّة والنذالة ، ولكنه بأي حال من الأحوال ، يعود عليهما بالنفع العميم .. لا شكّ أن الخمر كان يهوّن عليه كل فعل . لم يتأخّر " رشيد " في أن يأتيها بالكثير من الحديث عنهم ، كان محمّلاً بالأخبار على الدوام . كانت " سلوى " تمحّص تلك الأخبار وتصنّفها وفق خطورتها ، وأهميتها ، لأجل أن تدرك كيف يمكنها التعامل حيالها ، وتدرس الطريقة المثلى لتقديمها طريّة وشهية . كانت تؤدي عملها بجدارة . وكان الكثير من تلك الأخبار يرسم الابتسامة الحقيقية على شفتيها ، ويثلج صدرها ، ويشعرها بأنها سوف تمضي وقتاً رائعاً مع زبوناتها ، وعندما يعود " رشيد " إلى منزله ويراها بصحبة النساء ، كان يبتسم من أعماقه لأنه يكتشف أن أسراره تلك قد قلبت الأمور رأساً على عقب . لم تكتفِ " سلوى " من سماع قصص زوجها ، كانت في حقيقة أمرها غير متأكّدة من أنها تحب مثل هذه الأخبار الفاحشة ، لكنها كانت بحاجة إلى المزيد منها من وقت لآخر . ربما كان نقل تلك الأسرار ما يفرّج عن همومها ، ويكشف عن كربها ، وابتلائها بعورات زوجها . لكنها كانت تبتغي كسر قيود وحدتها القاسية ، قبل كل شيء ، وكسب الكثير من الصديقات المقرّبات إليها ، لأجل أن تتزاور معهن ، وتتسلّى بلقائهن ، بل ، ومثل كل بقية النساء ، كانت تأمل أن تستعين ببعضهن لأجل الخروج إلى النزهات ، والأسواق ، أو لقضاء مهام خصوصية . ما بدا أنها تحوّلت إلى قبلة للنساء ، بات أمراً من الواقع . تسلّلت السعادة إلى ضلوعها ، كما تتسلّل شمس الفجر بين أغصان الشجر . يُقال أن في الفوضى أكثر من سبيل لكسر الوحدة ؛ ها هي " سلوى " تجلس مطمئنة ، وهي تتنهّد بارتياح ، و تشهد أن جميع ما كانت تتمنّاه أصبح اليوم حقيقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( * ) : جميع ما ورد في القصة من أسماء وشخصيات وأمكنة وأحداث ، هي محض خيال .
#محمود_يعقوب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( ماتسو باشو في بركته القديمة )
-
( الجمال في الموت )
-
وجوه يابانية في الأدب الأمريكي المعاصر.
-
نهر الذكريات الأصفر، المتدفّق في رواية أمير ناصر
-
أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !
-
محاطون بالشمس ، وعندنا قمر
-
الإبداع الجغرافي في قصص جاك لندن
-
آيسبيرج سليم ( ١٩١٨ ١٩&
...
-
الخيال الحضري وأدب الشوارع
-
فضاء السجن في رواية لا رياح ولا مطر لمحمود يعقوب
-
كوبو آبي في رواية ( المعلّب )
-
( جواد طليق في سهوب الشعر ) مع الشاعر العراقي الخلّاق جواد غ
...
-
محاسن الذكريات في النص السردي رواية - الطريق الذاهب شرقا - ل
...
-
( أتفهمني ؟ ) ـ قصة قصيرة
-
حاملة الرسالة ــ قصة قصيرة
-
قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع ) .
-
عبد الرزاق قرنح ، الذهب الأسود
-
دانيال خارمس ـ عبقري الهذيان . محمود يعقوب
-
حكاية هاروكي موراكامي مع جائزة نوبل
-
( مِستَر 5 ٪ ) قصة قصيرة محمود يعقوب
المزيد.....
-
“برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا
...
-
العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال
...
-
رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو
...
-
موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف
...
-
الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال
...
-
أعظم فنان نفايات في العالم أعطى للقمامة قيمتها وحوّلها إلى م
...
-
“أحداث مشوقة في انتظارك” موعد عرض المؤسس عثمان الحلقة 195 ال
...
-
نتيجة الدبلومات الفنية 2025 برقم الجلوس فور ظهورها عبر nateg
...
-
صدر حديثا : محطات ديوان شعر للشاعر موسى حلف
-
قرنان من نهب الآثار التونسية على يد دبلوماسيين برتبة لصوص
المزيد.....
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
-
طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11
...
/ ريم يحيى عبد العظيم حسانين
-
فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج
...
/ محمد نجيب السعد
-
أوراق عائلة عراقية
/ عقيل الخضري
-
إعدام عبد الله عاشور
/ عقيل الخضري
المزيد.....
|