أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !















المزيد.....


أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !


محمود يعقوب

الحوار المتمدن-العدد: 8229 - 2025 / 1 / 21 - 23:38
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

ــ إنكَ ترى بأنني لم أقل ذلك .. لم أقل أنكَ ( Queer ) ، ولم أقل أنكَ ) Gay ) أيضاً ، بل لم أزل ، حتّى هذه اللحظة ، أحترم النظرة الأنثوية العنيدة المطبوعة فوق عينيك البنيتين الخافتتين ، وأنت تسمّي كلّ هذا الهراء الأمريكي بأسماء مزيّنة بالبرق والرعد السماوي ؛ ومهما بالغت وأفرطت ، فسوف تظلّ رجلاَ متنكّراً بزيّ امرأة جامحة النهدين ! .

بين ظلال المساء ، تدلف خفيفاً إلى أسواق ( الوول مارت ) ، بخطى مندفعة ، وملامح متوتّرة ، ومظهر غريب ، تصرّ فيه على ارتداء سروال نسائي داخلي ، وقميص من الشيفون البنّي الرقيق يكشف كل نحر صدرك الأبيض ، ومسفراً عن ساقين عاريتين طويلتين ، ناعمتين كساقي الأنثى . وفوق شفتيك ترسم الطلاء الأسود ، وفق الموضة المولّع بها . تمضي في الأسواق من دون اكتراث ، تتفادى النظرات الفضولية الواخزة من حولك بشيء من الاستياء . تقصد مباشرة جناح المنظفات المنزلية ، ثم تدرج إلى جناح القرطاسية ولوازم الرسم ، قبل أن تذهب إلى جناح الزينة الأنثوية ، لتحصل على أظافر جديدة ؛ كم أنت مغرم بتلك الأظافر الطويلة ! وبين وقت وآخر تسعى لامتلاك المزيد من الفراشات المحنّطة النادرة ، الوحشية الألوان .
في طوافك هذا ، كنت تراقب الشبّان ، من طرف خفي ، تتحرّك عيناك ، وتدوران بحثاً عن من يروق لك منهم ؛ في الأسواق يمكن للمرء ملاقاة الكثير منهم ، وأنت بأمسّ الحاجة إلى أحدهم . وعندما تغادرها ، تذوب في الظلام خفيفاً ، مثل ظل مرتبك ضائع ، كما يضيع عصفور ، منتوف الريش في قلب شجرة فيحاء .
دأبت تخرج وتعود بوجه مغتمّ ، متلاطم الملامح ، متوخياً الحذر والاحتراس .غالباً ما تكون متيقّظاً ، مخافة سهام الآخرين . هجرت ذويك ، لأنهم لم يستسيغوا أسلوب حياتك وطقوسك ، وسئموا تحوّلك الذي يجعل منك أشبه بعروس تتحرّق شوقاً لملاقاة عريسها الغائب ، وآليت أن تقطن بعيداً عنهم ، متستّراً بالعزلة ؛ وها هي أمارات الوحدة تلوح على صفحة وجهك دائماً . فلا غرو أن تبني عزلتك على التكتّم والصمت . إن المعاناة الصامتة مؤلمة يا ديلان .
من الغريب حقّاً ، إنك تحظى بسمعة طيبة بين جيرانك :

« ولد لطيف ورقيق .. رقيق إلى الحدّ الذي انصهر فيه كيانه وصار أنثى ! » . هكذا كانوا يقولون عنك . وكنت أنت تمرّ من أمام عيونهم المبهورة مثل ساحرة ظريفة المظهر والسلوك . الكثير من الناس الذين تلتقي معهم يقعون في حيرة من أمرهم ، أيخاطبونك بالتذكير أم التأنيث ؟ ولكنهم ما أن يتشمّموا عطر الخزامى وهو يضوع من نحر نهديك ، يمضون في مداعبتك كأنثى سهلة المنال .

ولأجل تأطير صورتك الغريبة بالدهشة ، شرعت بزيارة أستوديو ( Leviticus ) الشهير ، قبل بضع سنوات . وفي نهار كل يوم سبت ، كنت تتمدّد فوق أريكة من أرائك الأستوديو لغرض غمر جسدك بفيض من الوشوم ، حتّى نجحت بتغطية ظهرك بحزمة من أشجار النخيل ، والنسور ، والسهام الطائشة . وعلى طول فخذك الأيمن وشمت نبات الفطر الكبير ، رمز الغموض والنمو ، وكل ما يحمله من دلالات عميقة أخرى في التحوّل والتغيير ؛ وهنا بيت القصيد ! . إن جميع أقرانك من المتحوّلين جنسياً ، يتدرّعون بغلالة كثيفة من هذه النقوش ، وفي الليالي التي يحتدم فيها الشراب والرقص ، تجد أنهم لا يسترون أجسادهم بشيء عدا تلك الخطوط الخضر والزرق المتشابكة بجنون . وتحاول التمسّك بقوّة صورتك عبر الانغماس مع هؤلاء في جميع أنشطتهم وأماكن تجمّعهم ، وبينهم يمكن أن يضيء وجهك بابتسامة حمراء تحجب أضواء القلق التي ما انفكّت تلمع في عينيك .
الكثير من المتاعب والضيق لاحقت خطاك ، كم من الشبّان السود ، والبيض لم يتورّعوا عن التحرّش بك ، وأنت تتحاشاهم كالبنت الوجلة ، ولكنك سرعان ما تغرق في الحرج . كنت تذهب وتعود نحيلاً ووحيداً سارحاً في أحلام اليقظة . تتحرّك في احتراس وخشية ، وأنت تهاب قسوة العالم من حولك ، وتتهرّب من الفضول المرضي . إن السهوم ، وهذا التجهّم المطبوعان في سحنة وجهك معاً لا يوحيان بأن السلام والطمأنينة تغمر قلبك ، في حين أن الصمت الدائب يترك أثراً غائراً في مقلتي عينيك .
كإنسان ، من السهولة بمكان أن تتبيّن نظرات الازدراء التي تجهر بها عيون البعض . لم تكن تلك الأنظار تدعك وشأنك في أي وقت ، وهي تخترق بقسوة كل ما هو أنثوي فوق جسدك ، تحاول أن تمزّقك ، وتسلخك ، إلّا أن كل ذلك يدفع بك إلى التمسّك الحميمي بأنوثتك . أنت في الثالثة والعشرين من عمرك ، متحمّساً إلى تلك الكيفية التي رغبت بها ، وتستمدّ من نبات الفطر المرسوم على جسدك الأمل الكبير بأن تكون ملاكاً سعيداً ، تعيش منسجماً ومتناسقاً مع العالم الذي يحيط بك .
العديد من النسوة الكبيرات في العمر ، يرمقنك بعيون الحنو والعطف ، وهن يتمنين على الجميع أن يشملونك بالرفق ، كما لو كنت حيواناً ضعيفاً غير مؤذٍ ، يتحتّم حمايتك من أذى الحيوانات المفترسة الأخرى .
على أمل أن يبتسم لك الحظ ، كنت تتجوّل هنا وهناك ، وقد عاشرت بعض الشبّان والرجال من البيض والسود ، قبل أن تصادف ( ظافر ) ذلك الشاب العربي الأسمر الذي غرقت في لجّة غرامه . مع ( ظافر ) ابتسم لك الحظ بإشراق حقيقي .
سرعان ما اكتشفت مقدار شفّافية ووضوح ( ظافر ) حين ذهبت لإصلاح مصابيح عجلتك . أدخلك ( ظافر ) إلى ورشته ، وهنالك فتح عينيك على فصل جديد ، مبهر ، من فصول حياتك . كان أريحياً وسمحاً معك ، حتّى غادرته منتشياً ، والبشر يرفرف على محيّاك .
بلا ريب ، إن ( ظافر ) ملاك أسمر ، يزخر بالفتوّة . وقع في غرامك حالما وضع أصابعه على المصباح الخلفي لعجلتك . وعشقته أنت لأنه خير من رسّخ في أعمق أعماقك إنك أنثى بحق ، وما أعذب معاشرته . بات صديقك الذي لا يفتأ يكرمك ويحنو عليك . في الأيام التالية رحتما تتواعدان على اللقاء ، كل ليلة سبت ، للشرب والسهر في بار ( Gay 90s ) في وسط مينيابولس الصاخب ، حيث يتقاطر المثليون ، من كل حدب وصوب ، في حلاوة ، وشعشعة تخطف الأبصار .
حين يدلف ( ظافر ) إلى البار ، عند الساعة الثامنة مساءاً كعادته ، يندسّ لفوره بين الجموع المكتظّة ، وقد زاغ بصره تماماً ، تهتزّ عيناه وتكاد تستمني من فرط الإغواء . يظلّ يتنقّل بنظره يميناً وشمالاً ، مأخوذاً بالمشهد الأنثوي الفاجر ، وقد بدأ الخدر السريع يدبّ في أوصاله جراء سحر الشذى الذي يأسر اللب ويخلبه . ما يلبث أن يتحرّش بهذا وذاك ، وهو أشدّ استثارة ورغبة . كنت تغار عليه كما تغار الفتاة على عشيقها ، تتحرّق شوقاً لموعده ، وتحسّ بالقلق يدبّ في قلبك لفرط حرصك عليه . وأمسيت عاهرته أمام الملأ ، بل أنت تتباهى على الدوام وتخبر أصدقائك قائلاً : « إنه شاب يمتلك حرارة عجيبة ، وسلاحه فتّاك إلى درجة يذيب حتّى حديد السرير » . يبتسم لك أحد الأصدقاء ويسأل : « وهل هذا السلاح يشبه بنادق الأمريكان ؟ » .
في مكانك المعتاد ، تجلس منتظراً بسترة الموهير الأسود ، الملطّخة ببقع بيض شاحبة لبتلات زهرة الجاردينيا ، وأنت تلقي برأسك إلى الخلف مرتخياً ، ومستسلما ، وقد تفجّرت ألوان الزينة اللعينة على وجهك الجميل . ما إن يدنو ( ظافر ) منك ، تتهلّل أساريرك بالفرح ، وتتّقد في صدرك شرارة الحياة . كان يلهمك الكثير من الإحساس ، بل وتنتابك الحكّة الجارفة لرؤيته في الحال . تشرع باستعراض أصدقاءك الجدد أمام ( ظافر ) ، وتخبره قائلاً بطلاقة محيّا : « أنظر يا ( ظافر ) ، جميعهم طلبة جامعيون » . وكثيراً ما كان ( ظافر ) يلتفت صوبهم ويخبرهم على نحو فاسق قائلاً : « ديلان فتاتي الصغيرة ، إنها لا تفهم في العهر كثيراً ، أنا شخصياً أكثر عهراً منها » . يضحكون جميعاً ، قبل أن ينغمسوا في الصخب .
يتوافد المثليون إلى البار ، ويفجّرونه ببهرجة زينتهم . وما تلبث الأضواء أن ترمش بجنون وهي تنصت إلى الأغنية العذبة ( أرقص لوحدي ) التي تصدح في الحال . ينهض الجميع راقصاً ، وقد احتضن بعضهم بعضاً . وينتشي ( ظافر ) وهو يرمي بمنقاره نحو سقف البار ضاحكاً .، وقد فاضت دواخله بالسعادة . وفي لحظة تلتقي أيديكما بحرارة ، وتهرعان إلى حلبة الرقص ، وكل منكما أشبه بطائرة شراعية تحلّق بأجنحة من هواء ناعم ، في كبد سماء يزيّنها قمر أمريكي أزرق . كانت النجوم المتكسّرة تسقط فوق وجهيكما ، وتشرعان بالضحك من دون سبب . ترتمي فوق عنقه ، بينما هو يمرّغ نهديك المسكينين بكلتا يديه ، ويشعل جميع مصابيح غرف النوم الحمراء في داخلك . وعلى الرغم من دفقات السعادة ، فإن عبارات الضياع تنفرط من لسانك غفلة .
في إثر ساعات من القصف والعربدة ، تمسك بيد ( ظافر ) وتغادران معاً ، وأنت تنزع عينيه عن أولئك الفتيان بقوّة ، قبل أن يعمي السكر بصره . تهرعان في الحال إلى مسكنك ، وتستحمّ على عجل ، لتخرج من الحمّام بثياب نوم نسائية ورديّة ، تنضح بالسحر المثير ؛ ثم تلقيان بجسديكما فوق السرير ، حيث الملاءات والأغطية تسبح في الخزامى الحي . فوق السرير ، يبدأ وجهك المجهد ينبسط في غبطة ، بينما يأخذ ( ظافر ) بتدخين الماريجوانا ، يمتصّ نفساً ، ويزرع طرف السيجارة بين شفتيك لتأخذ أنت نفساً آخر . وبعد دقائق تنتشي وتستغرق في الضحك ، وكانت فراشاتك المحنّطة ، التي تعلو الجدار المواجه للسرير ، ترفرف بفرح ، وتهتزّ كما لو أنها غارقة في رحيق الزهور . لا شكّ أن ( ظافر ) وسجائره يأخذان بيدك في رحلة سحرٍ عبر الكون ، حالمة ، ومترعة بالفرح .
فوق السرير ، تتابع أنفاسكما ، وأنتما تنهجان مثل ثورين مطاردين ، تصرخ ، وتنتحب ، وثمة سحابة صفراء تغيم فوق بصرك ، وسرعان ما تبدأ بفقدان وعيك . يجنّ ( ظافر ) وهو يشاهدك على هذا القدر من الانهيار والتلاشي ، وينظر إليك من تحته في شغف كما لو كنت نسخة حيّة من فراشة ورديّة نادرة ، فيمسك بالزهرة المرتعشة بين أصابعه ، ويذرف فوقها أحرّ الدموع . إن النهر رائق ، ودافئ ، وعميق ، يخوض فيه ( ظافر ) إلى حدّ الركبتين ، محمحماً بصوت يهزّ الضفتين .. يخوض ولعابه يتصبّب على ذقنه ، مثل رضيع يعبّ من ثديٍ . لا تتردّد من أن تخبر أصدقاءك في زهوٍ ، قائلاً : « إن ( ظافر ) هذا أستاذ حرفة صارم جداً في الفراش ، يمسك بك في أعلى السفح ، وينحدر معك إلى قاع الوادي ، وأنت مغمض العينين ، في حماوة واهتياج » .
عندما تنالان قسطاً من الاستراحة ، سرعان ما تعاودان لعب دوريكما ، وتستنزفان عصير الليل الأحمر حتّى آخر قطرة منه ، وفوق ذلك السرير الملتهب ينهمر العرق العاطفي الغزير .
أنت تلجأ إلى ( ظافر ) في ثقة مبعثها أن لا أحد غيره بوسعه إطفاء نيران الشهوة في أعماقك ، كما يفعل هو ، على الرغم من عفونته ، ورماد سجائره الذي يتبعثر في أرجاء الغرفة . وحقيقة إنك تعثر على السعادة بين يديه ، ولكن لا أحد يستطيع أن يؤكد أنك سعيد في أوقاتك الأخرى .
في آخر الليل ، تستلقي منهكاً ، بوجه شمعي ، يماثل وجه فتاة عليلة . تجثم في سريرك صامتاً ، لا تحرّك ساكناً ، تنصت إلى نبضات الألم الذي يتحرّك صاعداً مرّة ، ونازلاً مرّة أخرى في المستقيم ، وقد تعكّر صفو أمعائك ، حتّى تخلد إلى النوم .
في ضحى اليوم التالي ، تفتح عينيك على العظام المتيبّسة ، والأطراف المتشنّجة ، وتشعر كأنك قطعت البلاد سيرا على الأقدام في الليلة السالفة . من حولك ، أعشاب الرغبة شاحبة ، ومنكفئة على أرض الغرفة ، وفوق الجدران تنظر إلى فراشاتك النادرة ، الثمينة ، المحنّطة ، لتراها جامدة لا تقوى على الحركة أو الرفيف . وتحت وسادتك تندسّ خمسة عصافير خضر ، تركها ( ظافر ) قبيل مغادرته . الآن ، أمامك سبعة أيام أخر ، عليك أن تنتظر انقضاءها ، حتّى تلتقي ( ظافر ) مرّة أخرى ، وهذا موعد ثقيل وطويل بالنسبة لشخص متشّهٍ ، ومتعطّشٍ ، وشغوف ، لا يقوى على طول الانتظار .. الانتظار من سبت إلى سبت مضنٍ ، وشبه مستحيل . ولذلك ما تلبث أن تخرج صوب الأسواق القريبة من مسكنك ، زاحفاً زحفاً دودياً ، بملابسك الجريئة ، ومجوهراتك المثيرة ، والدم في جسدك يثور مغنّياً ( أرقص لوحدي ) ، فتخترق الظلام بقميصك الذهبي المذعور ، لعلّك تصادف أحداً يروق لك .

◙ ◙ ◙ ◙

عندما أبحث عن التعاطف الحقيقي مع شخصك ، لا أعثر على من يتعاطف معك سوى أولئك الزائفين . إن المعاناة في حياتك هذه أمر لا مفرّ منه ، وعلى الرغم من قصر عهدها ، إلّا أنها زاخرة بالصدمات ، والمرارة ، والكثير من الفخاخ ؛ وكم من المحتالين والمنحرفين طاردوك ، وأنت تعذّب أحلامهم ، وتشعل النار في قلوبهم ، ربما بسبب هذا تبقى خطاك مرتبكة وحذرة على الدوام ، وهي تمضي على سلك مشدود بين الذكورة والأنوثة . وها أنت لا ترعوي من دفن نفسك في خضم الكحول والمخدرات ، بعيداً عن بأس العالم وفظاظته .
الحياة سريعة ، أليست كذلك ؟ . إن كل ما تملكه اليوم من ثمار نضرة ، سوف يحين موعد ذبولها وجفافها . ما إن تمر بضعة سنوات آخر ، حتّى تتجرّد من الإغراء والإثارة . أنت لست ساعة سويسرية الصنع تعمل بدقّة ، واستمرار لوقت طويل من الزمن . بلا ريب أن نعومتك ، وجمالك ، وقوّة استجابتك في الفراش ، سوف تتلاشى وتضمحل في أحد الأيام ، وحينذاك لا أعلم كيف ستكون .. لا أعلم ما أنت فاعل فور نضوب كل هذه الفورة العاطفية غداً .
قد يبدو الأمر سهلاً في التحوّل والتغيير ، ولكن الحياة صعبة ، بل صعبة جداً وفق هذا الطراز ، وإحدى الحقائق الثابتة التي لا يمكن أن نغفلها ، إنه في عالم الفاكهة ، قليل جداً أولئك الذين يحبون تذوّق الثمار المطعّمة . ما من شكّ أن قلبك مفعم بالدفء ، ولكن الناس لا ترى سوى قشعريرة البرد وهي ترتعد فوق جسدك النحيل .

◙ ◙ ◙ ◙
إنك ترى أنني لم أقل ذلك .. جميع الحكايات البائسة ، والنميمة المخجلة ، التي تداولها أصحابك ، ومرّغوا فيها سمعتك ، غفلتها أنا ، ولم آتِ على ذكرها قطعاً . الكلام طويل ومؤلم يا ديلان ، والحكايات يستعر أوارها ، لا سيّما عندما يسافر ( ظافر ) إلى بلاده ، ويتركك وحيداً ، مهجوراً لشهور عديدة ، تعاني حرقة العطش ، فتذهب متنقّلاً من ذراع لأخرى ، تريد أن تشفي غليلك .
كثيراً ما تتقلّب في فراشك ، وتسرح في خيالك ، وتحاور ذاتك بطريقة تأمّلية ، وأنت تعمل النظر في حالك الذي عليه . تسترجع الكثير من الأفكار والصور التي تستثير حفيضتك . وفي دقائق ، تحلّ الخواطر الغريبة في ذهنك . لقد ذهب بك التوهّم إلى أن تصير امرأة ، وبذلت المستحيل لأجل ذلك ، ولكنك غالباً ما تهمس قائلاً لنفسك بكدرٍ : « ثمة شيء ناقص بالتأكيد » . تتحسّس أسفل بطنك برفق ، وتفكّر بأنك لا تملك رحماً يملأ جوفك مثل جميع النساء ، وهذا ما يحرمك من إنجاب الأطفال حتّى آخر العمر ، فينتابك الأسى ، وتشعر أنك سوف تحيى كما تحيى المرأة العاقر ، وحيدة ، ويائسة . وعند هذه النقطة الحرجة بالذات ، تصحو تماماً على نفسك ، وتدرك أنك لست امرأة ، ولا رجلاً أيضاً ، بل ولا أحداً حتّى .
فأيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) ! .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منيسوتا ــ كانون الثاني ــ 2025



#محمود_يعقوب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاطون بالشمس ، وعندنا قمر
- الإبداع الجغرافي في قصص جاك لندن
- آيسبيرج سليم ( ١٩١٨ ١٩& ...
- الخيال الحضري وأدب الشوارع
- فضاء السجن في رواية لا رياح ولا مطر لمحمود يعقوب
- كوبو آبي في رواية ( المعلّب )
- ( جواد طليق في سهوب الشعر ) مع الشاعر العراقي الخلّاق جواد غ ...
- محاسن الذكريات في النص السردي رواية - الطريق الذاهب شرقا - ل ...
- ( أتفهمني ؟ ) ـ قصة قصيرة
- حاملة الرسالة ــ قصة قصيرة
- قراءة كاثوليكية لرواية ( الأبله الرائع ) .
- عبد الرزاق قرنح ، الذهب الأسود
- دانيال خارمس ـ عبقري الهذيان . محمود يعقوب
- حكاية هاروكي موراكامي مع جائزة نوبل
- ( مِستَر 5 ٪ ) قصة قصيرة محمود يعقوب
- الساموراي والمثلية الجنسية محمود يعقوب .
- من طعن - ابن المقفّع - ، كليلة أم دمنة ؟ قصة قصيرة محمود يعق ...
- هاروكي موراكامي في مذكرات أسفاره . محمود يعقوب
- أن تقرأ ( الأمريكي القبيح ) في العراق . قصة قصيرة
- المزامير قصة قصيرة


المزيد.....




- خبراء الوكالة الذرية في طهران لمناقشة القضايا الفنية مع اقتر ...
- مصر.. الحكم على شاب تحرش جنسيا بفنانة مشهورة
- اختتام أعمال المؤتمر الدولي للاستشراق في نسخته الأولى بالدوح ...
- مارتينيز.. لاعب كرة قدم إسباني احترف فنون القتال المختلط
- -لن نشارك في السيرك-.. إسرائيل ترفض التعاون مع العدل الدولية ...
- إيفرا قائد فرنسا السابق يدخل عالم فنون القتال وينشد الثأر من ...
- أصالة تعلّق على منحها عضوية نقابة الفنانين السوريين
- مهرجان -بيروت الدولي لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- مهرجان -بيروت لسينما المرأة- يكرم هند صبري
- إطلاق خريطة لمترو موسكو باللغة العربية


المزيد.....

- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان
- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود يعقوب - أيّ حياة حياتك يا ( ديلان بارتي ) !