|
مفهومي المواطنة والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 16:17
المحور:
القضية الفلسطينية
للوهلة الأولى، يبدو عنوان المقال متناقضاً إلى حد كبير مع السمات المأساوية الراهنة للواقع الفلسطيني المعاش ، سواء من حيث استمرار الاحتلال وعدوانه وحصاره ، أو من حيث واقع الانقسام وتفكك المجتمع والنظام السياسي والقانوني في الضفة والقطاع بعد عامين من الحرب العدوانية الصهيونية ، الى جانب استمرار الانقسام الكارثي ، بحيث أننا نعيش بالفعل نوعاً من الثنائية المتناقضة التي تتجلى بوضوح عند تناولنا لمفهوم المواطنة، ومضامينه الحداثية الديمقراطية والعقلانية في المجتمع الفلسطيني ، وهي ثنائية تستدعي مجابهتها وسبر أغوارها وتفكيكها، بحثاً عن مساحة من التقاطع بين كافة القوى السياسية الفلسطينية على أرضية الاستنارة والموضوعية ، تحت شعار النضال الوطني والديمقراطي في إطار الوحدة والتعددية التنظيمية والسياسية والفكرية في الظرف الراهن من وقف الحرب الابادية التدميرية بعد 732 يوما من العدوان الصهيوني ، حيث تتجلى الضرورة الموضوعية بوحدة شعبنا بمختلف قواه السياسية تحت مظلة م.ت.ف. ممثل شعبنا الشرعي والوحيد لكي نستعيد وحدتنا في نظام سياسي وطني وديمقراطي يجسد طموحات شعبنا في بلورة وتجسيد دولته الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس . وهنا تتبدى أهمية وعي مفهوم المواطنة ، والإقرار به كمرجعية ، ليشكل بدوره أساساً معرفياً ومجتمعياً، يحكم العلاقة السياسية وينظمها بين حركات الإسلام السياسي، وبين الحركات الوطنية الليبرالية واليسارية العلمانية ، وفق أسس ونواظم دستورية وسياسية ومجتمعية محددة ، تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الألوان السياسية، بما يوفر العناصر الكفيلة باستعادة وحدة النظام السياسي التعددي الفلسطيني وثوابته، وأهدافه الوطنية العامة في التحرر الوطني والديمقراطي، التي تضمن بدورها تواصل الصمود والمقاومة بكل أشكالها في وجه الاعتداءات والغطرسة الصهيونية، بمثل ما توفر مقومات الصراع السياسي الديمقراطي المجتمعي وفق منظومات سياسية وقانونية تضمن وحدة الكل الاجتماعي الفلسطيني وتعدديته في آنٍ واحد ، بما ينتج فضاءً واسعاً للحريات الفردية والحزبية في طرح مفاهيمها ورؤاها وبرامجها، وفق قواعد الوحدة والصراع أو الاختلاف السياسي والفكري من ناحية ، ووفق قواعد الديمقراطية كمعيار ومحدد أساسي للقبول الشعبي بهذا الاتجاه أو ذاك من ناحية ثانية، بما يتيح للقطاعات والشرائح الاجتماعية بمختلف أوضاعها في الخارطة الطبقية أو السلّم الاجتماعي ، أن تتفاعل وتتنظم أو تتحالف مع هذا الفصيل أو الحركة أو الحزب، وفق رؤيتها ومصالحها، في فضاء تتوفر فيه حرية المواطن المرتكزة إلى حرية الاختيار والرأي والمعتقد والانتماء السياسي. تعريف المفهوم : ارتبط مفهوم " المواطن" أو " الفرد " بسياق تاريخي محدد، بظهور النمط الرأسمالي عموماً، وفي عصر النهضة أو الثورات البرجوازية في أوروبا و الثورة الفرنسية خصوصاً، حيث برز مفهوم المواطنة، استناداً لمبدأ المساواة وحرية الفرد الحقوقية، في أوضاع وعلاقات سياسية واجتماعية ازاحت العلاقات الاجتماعية التقليدية القديمة ورواسبها الاقطاعية والعبودية بمثل ما أزاحت الانتماء للطائفة أو العائلة أو الحاموله ، أو الملة والمذهب، وأصبح جميع المواطنين يتمتعون بحق المشاركة من دون تمييز، وانتقلت السلطة إلى الشعب بصفته مصدر السلطات وفق دستور علني ومقترع عليه". " استناداً إلى ما تقدم، يمكن أن نستخلص شرطين جوهريين من شروط تحقيق المواطنة، أولهما :زوال مظاهر حكم الفرد أو القلّة من الناس، وتحرير الدولة من التبعية للحكام، وذلك باعتبار الشعب مصدر السلطات وفق دستور ديمقراطي، ومن خلال ضمانات مبادئه ومؤسساته وآلياته الديمقراطية على أرض الواقع. وثانيهما : عدم الجمع بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد شخص أو مؤسسة واحدة، وتداول السلطة سلمياً بشكل دوري، وفق انتخابات دورية عامة حرة ونزيهة تحت إشراف قضائي مستقل، وشفافية عالية تحدّ من الفساد والتضليل في العملية الانتخابية". وعندما تتحقق تلك الشروط، تصبح أساساً متيناً وقاعدة صلبة، وحينئذ تنتقل المواطنة من كونها مجرد توافق اجتماعي وقانوني، إلى قيمة اجتماعية وأخلاقية وممارسة سلوكية يعبر أداؤها من قبل المواطنين، عن وعي ثقافي ورُقِيٍّ حضاري، وتتحول معاملة المواطنين على قدم المساواة دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق والجنس، إلى فضيلة وتقاليد راسخة ونابعة من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي والحضاري للمجتمع والدولة. بالطبع ، إننا ندرك أن الوعي العفوي في الشارع الفلسطيني والعربي ، غير قادر على استيعاب أو إدراك التناقض الموضوعي بين الوطن والدين، وبالتالي فليس من السهل إقناع الناس بأهمية الفصل بين الدين والسياسة لأن الدين في حد ذاته هو علاقة فردية إيمانية مباشرة بين الإنسان وخالقه، أما علاقة الإنسان بوطنه من المنظور الفلسفي والحقوقي الحديث لمفهوم المواطنة ، فهي من الناحية النظرية مرتبطة بالبنية المجتمعية للدولة الحديثة التي تقتضي الوعي والتحفيز الجمعي لأبناء الشعب الواحد في الدفاع عن الوطن في مواجهة العدو بغض النظر عن معتقداته أو مذهبه الديني. لكن ، وعلى الرغم مما تقدم ، فإننا نقر بأن الوعي العفوي أو الجماهيري ، الشعبي ، مازال حتى اللحظة قاصراً عن وعي العلاقة بين الوطن والمواطن ، وكما يقول المفكر الراحل محمد الجابري ليس من السهل "إقناع الناس في بلداننا العربية بأن ما نعنيه اليوم بـ "المواطِن" و "المواطَنة" لا علاقة له بـ"الوطن" إطلاقاً، فالمعنى السياسي لـ "المواطِن" و "المواطَنة"، لا يعني مجرد الانتماء إلى "وطن"، أو مجرد الاشتراك في السكنى في وطن، وإن كان لا ينفي ذلك، ومن هذا المنطلق أقول: جميع العرب، في أي قطر كان، من المحيط إلى الخليج، هم "مواطنون" في بلدانهم، بالمعنى الذي تعطيه هذه اللفظة العربية, ولكن لا أحد من العرب من الخليج إلى المحيط -اليوم وقبل اليوم- يستطيع أن يقول: أنا "مواطن" بمعنى citizen! ذلك لأن الشخص الذي يستحق أن يسمى بهذا الاسم، هو الشخص الذي لا يدين بالولاء لا للقبيلة ولا للطائفة ولا حتى للأسرة ولا لحكم على رأسه فرد، عادل أو غير عادل، ولا لدولة يكون بعض القائمين بها، يستمدون سلطتهم من مصدر غير إرادة الشعب المعبر عنها تعبيراً حراً ". على أي حال، يظل مفهوم المواطنة وتطبيقاته بالمعنى الحداثي في بلادنا، مرهوناً بكيفية الالتزام بمضامين الديمقراطية وتطبيقاتها ، فالديمقراطية بالنسبة لمجتمعنا وشعبنا الفلسطيني ( وكذلك الأمر لشعوبنا العربية) تكفل تعميق ثقافة ووعي المواطنين لدورهم، على الصعيد الذاتي والجماعي، في المساهمة الفعالة في خلق الأسس المادية في التحرر الوطني والديمقراطي وتقرير المصير السياسي وحق العودة، والبناء والتقدم الاجتماعي والتطور الاقتصادي، وفق قواعد التعددية السياسية والفكرية وحقوق المواطنة ، انطلاقاً من أن توفر هذا الوعي لدى المواطن الفلسطيني ، وجموع المواطنين ، يشكل عصب العملية الديمقراطية وصمام أمانها ، فبدون توفر روح المواطنة لدى جميع الأفراد تفقد الديمقراطية معانيها ، ويصبح من السهل تجاوزها أو الخروج عليها كما جرى عندنا، عبر الصراع الدموي والانقسام الداخلي بين حركتي فتح وحماس في منتصف حزيران 2007 الذي كان وما زال مكسبا صافيا للعدو الصهيوني ،وأدى إلى وأد الديمقراطية قبل أن تكتمل صيرورة معالم تجربتها الأولى . ولذلك فإن تناولنا لمفهوم المواطنة في هذه الورقة ، يستهدف التأكيد على أن هذا المفهوم أو المبدأ، يشكل الأساس أو المدخل الأول لعملية الاندماج وتوحيد الصف الوطني والوحدة الوطنية المبنية على التعددية ، سواءاً في المشاركة الشعبية في عملية النضال التحرري من أجل طرد المحتل واسترداد حقوقنا التاريخية من ناحية، أو في المشاركة الفعالة في أي عملية ديمقراطية للمجلس الوطني أو التشريعي، أو البلديات والنوادي والجمعيات ... إلخ انطلاقاً من شعور الجميع بالمساواة أمام القانون العادل الذي يضمن تحقيق سيادة الأغلبية، وليس القلة المهيمنة عبر هذه الحركة السياسية او تلك . فبدون الاعتراف بـ"مجتمع المواطنين" وبأهمية دورهم، يكون الحديث عن الديمقراطية نوعا من الأوهام أو الشعارات الانتهازية المضللة، لا يراد بها سوى تكريس استبداد السلطة الحاكمة وتفردها، وتحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، لكي تستمر في حكمها الإكراهي التسلطي دون مُنازع. لذا فان مفهوم المواطنة الذي يستمد منه جموع المواطنين في أي مجتمع قوتهم ووجودهم، هو الركيزة الأولى والمبدأ الأساسي لأي نظام يعتبر نفسه ديمقراطياً، وبدونه لا تتحقق الديمقراطية بمفهومها الحقيقي "، وفي المقابل فإن مفهوم المواطنة لا معنى له بدون الالتزام الخلاق بتطبيق المحددين الرئيسيين التي يستند إليهما هذا المفهوم ، وهما : ( أ ) دورية الانتخابات الديمقراطية والمشاركة فيها حق مكفول لكافة القوى والفعاليات ولجميع المواطنين على حد سواء. (ب)المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، يتمتع كل فرد منهم بحقوق والتزامات مدنية وقانونية وسياسية واجتماعية واقتصادية وبيئية متساوية ، بالإضافة إلى المساواة بين المواطنين أمام القانون. ان توصيفنا لطبيعة المرحلة الراهنة – كمرحلة تحرر وطني وديمقراطي - يحمل في طياته كافة مفاهيم وتطبيقات النضال من أجل الحرية والاستقلال وحق العودة والديمقراطية وعوامل البناء والصمود الداخلي، إلى جانب تكريس الشعور والوعي بمفهوم المواطنة. ذلك إن الوطنية الفلسطينية التي نعني : هي عضوية كاملة في النظام السياسي التحرري والديمقراطي الفلسطيني، وتحت هذا المستوى السياسي هي عضوية كاملة في المجتمع "المدني" الفلسطيني المأمول، الذي يمكن أن يتبلور وتتمدد معالمه إذا ما طبقنا قواعد الديمقراطية وحقوق المواطنة بصورة شاملة في بلادنا، بالاستناد إلى إدراكنا لضرورة تفعيل العلاقة بين النضال التحرري ومقتضيات الصمود والمقاومة الكفاحية أو الشعبية في اطار النضال السياسي عموماً ، وبين عملية الإنتاج الاجتماعي ، الأمر الذي يفرض ويضغط علينا بإلحاح على كافة القوى الوطنية ، أن نسعى إلى تحقيق هذه العملية التفاعلية ، وذلك عبر تحليلها واستيعاب جماهير شعبنا للظاهرات والمعوقات القائمة عندنا اليوم في الضفة وقطاع غزة وأبرزها: 1- الحصار والاحتلال الصهيوني وسبل الإعداد السياسي والفكري والتنظيمي والجماهيري لمقاومته وطرده بكل الوسائل الكفاحية والشعبية . 2- ضعف وسائل الضغط الشعبي المتصل لوقف مظاهر الانقسام واستعادة وحدة النظام السياسي الوطني الديمقراطي الفلسطيني . 3- الركود الاقتصادي والفقر والبطالة بنسبة تزيد عن 90% في قطاع غزة المدمر من القصف الصهيوني طوال العامين السابقين. 4- ضعف وتفعيل التواصل السياسي والمؤسساتي مع أبناء شعبنا في الشتات وتكريس كل الجهود النضالية تحت شعار حق العودة . 5- تعطيل النظام الأساسي والعملية الديمقراطية بمجملها ، إلى جانب تفكك المجتمع إلى "مجتمعين" أحدهما في غزة والآخر في الضفة، وما أدى إليه هذا الوضع - في قطاع غزة خصوصا - من غياب الإرادة العامة للشعب ووحدته الوطنية . في ضوء ما تقدم، فإن مفهوم الوطن ومقتضيات الدفاع عنه وتحريره من العدو أو الإسهام في بنائه وتطوره، لا يتحقق موضوعياً من دون الممارسة الفعلية في تطبيق مفهوم المواطنة عبر وحدة الضفة وغزة في اطار الدولة الفلسطينية راهنا ومستقبلا ،لأن حرية الوطن واستقلاله لا تعني شيئاً إذا لم تتأسس على حرية المواطن، باعتبارها المدخل الأول أو الأصل في أية ممارسة نضالية تحررية أو مطلبية ديموقرطية بالمعنى الطبقي الاجتماعي ، فإذا ما بقي شعبنا –على المستوى الفردي فاقداً لحريته، فإنه سيعيش حالة من القلق والخوف بسبب الفساد او الاستبداد ، وهو قلق كامن في صدر وعقل شعبنا ، لن يمكنه من الدفاع عن الوطن أو عن حقوقه الديمقراطية أو حقوقه في العدالة الاجتماعية ، لذلك لا بد من كسر هذه الحالة كشرط أول لمراكمة مقومات ومضامين مفهومي المواطنة والديمقراطية وتطبيقاتهما، فالعلاقة بين المواطن والوطن تناظر العلاقة بين الحرية والقانون. فالديمقراطية في المقام الأول صيرورة اجتماعية تاريخية موضوعية لا سبيل إلى فهمها إلا بتسليط الضوء على منابتها في التشكيلات الاجتماعية التي شهدتها ، بمعنى أنه علينا تحديد القوى الاجتماعية المؤيدة والأخرى المناهضة للديمقراطية وأسباب ذلك ، إذ أن جوهر الديمقراطية ، وآلياتها التطبيقية في أي مجتمع ، يقوم على إدراك الرئيس المنتخب بأنه سيعود بعد انتهاء مدتهِ، مواطناً عادياً من ناحية ، وإدراك كل مواطن أن من حقه ترشيح نفسه ليكون رئيساً من ناحية ثانية ، هذا ما يتوجب أن تدركه الحركات والقوى السياسية في بلادنا، خاصة حماس والتيارات الدينية، حتى لا تتحول الديمقراطية من مهد للآمال في التحرر والتغيير والتقدم إلى لحدٍ لكل هذه الآمال كما جرى طوال الثمانية عشر عاما الماضية . ومن المؤسف والمحزن في أن كل القوى السياسية عموماً، وحركتي فتح وحماس خصوصاً، لم ترتق إلى مستوى العمل على تطبيق النظام الأساسي (كعقد اجتماعي وطني وديمقراطي) وحمايته ، بل تمت إزاحته جانباً لحساب رموز الفساد السياسي والمالي والإداري، الذين راكموا عوامل الفلتان الأمني، ومن ثم اشتعال الصراع الدموي الداخلي الذي أدى إلى الانقسام / الانقلاب السياسي والمجتمعي، ليس على صعيد انقسام المكان إلى حكومتين في الضفة وغزة ، بل أيضاً على صعيد المفاهيم والثوابت الوطنية والديمقراطية، بحيث بات شعبنا في الوطن والمنافي قلقاً ومحبطاً ويائساً في معظمه بسبب النتائج المروعة التي أوصلته إلى أوضاع كارثية غير مسبوقة، دون أن يعني ذلك تجاوز تأثير الظروف الموضوعية (على جماهير الفقراء خصوصاً) التي أسهمت بدورها في الوصول إلى هذه الأحوال الكارثية . ففي ظل هذه الأوضاع، يشعر المواطن بان كل ما يفعله لا قيمة له عند الآخرين، خصوصا عندما تتكرس ظاهرة الانقسام، وانتشار مظاهر الانحطاط الاجتماعي والاقتصادي وغياب العدالة أو سيادة القانون، وغياب الكثير من القيم الايجابية والأخلاقية في المجتمع، لحساب قيم الانتهازية والمصالح الأنانية الفردية واللامبالاة، يذهب البعض إلى التمسك بالمفاهيم الأصولية السلفية والتراثية أو الغيبيات، كمخرج من أزمته أو يأسه أو إحباطه وعجزه. ان تزايد انتشار وترسيخ هذه المظاهر ، جعلت من ظاهرة العنف الفردي أو المنظم الناجمة عن تزايد أوضاع البطالة والفقر ، ظاهرة غير منبوذة في مجتمعنا، بل تحول خلال السنوات الأخيرة إلى ثقافة مكتسبة- خاصة في قطاع غزة - ارتباطاً بتفكيك النظام السياسي وغياب سلطة القضاء، حيث حلت مشاعر التفكك والإحباط والقلق واليأس محل التوحد والتحرر وبناء النظام السياسي الديمقراطي ، ذلك أن الإرادة الإكراهية للسلطة على المجتمع ، لن تحقق ثقافة الديمقراطية والمواطنة، لأن القيمة الحقيقية لثقافة الديمقراطية، تكمن في المكانة والمقومات التي توفرها لكرامة الإنسان كفرد مواطن، انطلاقاً من أن تأمين احتياجاته الاقتصادية والاجتماعية له ولأسرته عبر توفير العمل ومصدر الدخل الثابت له، هي المقدمة لكل حرية، فهي التي تكفل حقوقه السياسية ، بمثل ما تكفل تحفيز دوره في المسار الوطني والديمقراطي ، إذ أن من البديهي القول أن الفقر يعد من أهم كوابح المواطنة أو العمل العام او النضال أو أي ممارسة وطنية ومجتمعية على الصعيد العام . لذلك فإن إحدى أهم مساهمات القوى الوطنية عموما واليسارية خصوصاً المطلوبة في هذا الجانب ، تكمن في قدرة تلك القوى على صياغة البرامج التنموية الهادفة إلى تأمين لقمة العيش الكريمة للعاطلين عن العمل، في إطار النضال الديمقراطي المطلبي الحازم دفاعاً عن قضايا جماهير الفقراء والكادحين والمضطهدين ، وذلك من خلال معايشة القوى لهذه الجماهير والتأكيد على شعاراتها وأفكارها السياسية والطبقية المنحازة لهم ونشرها بين صفوفهم. إن وعي القوى الوطنية لهذا الدور، يشكل البداية صوب تنشيط عنصر المواطنة ووعيه داخل كل فرد منهم، على قاعدة الالتزام والوعي العميقين بمبادئ الديمقراطية السياسية والاجتماعية ، التي يجب أن نحرص على تعميمها ونشرها في أوساط الجماهير في الوطن والشتات، وتعبئتهم ليس فحسب ضد العدو الصهيوني وتناقضنا التناحري معه، بل أيضاً في مجابهة تناقضنا الرئيسي السياسي، الديمقراطي ، مع أي سلطة يمينية أصولية تخنق الاستقلال الروحي والفكري للمواطن الفلسطيني، بل وتتغذى من هذه العملية عبر تفريغ المواطن من الوعي والإرادة والضمير والحس النقدي والاستقلال، كي ما تحوله إلى أداة تنفيذ فحسب، يتلاعب بها عقل واحد ، أو "رب" عمل واحد، هو جهاز السلطة أو نظام الحكم بمختلف تلاوينه ومنطلقاته . فبقدر ما يستدعي النضال السياسي والديمقراطي الداخلي أناسا على درجة عالية من الاستقلال السياسي و الفكري وحرية الرأي والمعتقد والإرادة والمسؤولية ، يقوم انحطاط السلطة المستبدة على تعميم الاستلاب والتبعية الشخصية والإلحاق ، فرجل السياسة الاستبدادية لا يقبل بأقل من الخضوع لإرادته الجائرة، ورجل الوصاية الدينية لا يطلب أقل من التسليم الكامل بتفسيره وتأويله وروايته ، فالطغيان الأول يقوم على احتكار السلطة السياسية والدولة، بينما يقوم الطغيان الثاني على احتكار الرأي والفكر. ولذلك فان هذا الواقع يحتاج إلى وقفة تأمل ومحاسبة للنفس من قبل كافة الفعاليات الديمقراطية العلمانية، أحزاباً ومثقفين ومفكرين وسياسيين وفنانين وأدباء وغيرهم . فعلى هؤلاء تقع مسؤولية استعادة المبادرة لتحرير الفرد وانتزاعه التدرجي من الولاءات العصبية والالتزامات ، اللاأخلاقية واللاإنسانية ، التي دفعته إليها الديكتاتورية السياسية والديكتاتورية الفكرية معا. ولكي نضمن تقريب المسافة بيننا وبين هذا الهدف، فإن المطلوب توفير العوامل الذاتية والموضوعية التي تستهدف توعية الجماهير وتحشيدها، لممارسة الضغط السياسي الديمقراطي على السلطة أو النظام أو الدولة ، لكي تنتزع حقوقها والتعامل مع أعضائها بصفتهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، في ظل النظام الوطني السياسي الفلسطيني الموحد تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية من جهة ، وفي ظل مبادئ التحرر والمقاومة والحرية والديمقراطية والعدالة، التي أدى غيابها إلى تعطيل مسار النضال التحرري والتطور الديمقراطي الداخلي لبلادنا وأدخلها في مستنقع الخضوع والتبعية والتخلف والاستبداد .
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بصراحة ، كلمات عن العلمانية والديمقراطية والاشتراكية
-
اين تكمن الطريق الى مستقبل عربي تقدمي وديمقراطي افضل؟
-
الحزب الماركسي والنضال التحرري والديمقراطي الطبقي واهمية عنص
...
-
للتاريخ ... شروط قبول هيئة الأمم المتحدة بعضوية دولة -إسرائي
...
-
خاطرة عن الوالد الصديق والرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش
-
رؤية راهنة ومستقبلية حول الماركسية كمنهج حي وليست عقيدة جامد
...
-
يهودية الدولة ومستقبل الصراع العربي الصهيوني
-
البعد القومي للصراع العربي الصهيوني
-
حديث فلسفي عن الضرورة التاريخية لصياغة منظومة حضارية معرفية
...
-
امتلاك مقومات التطور العلمي المعرفي والتكنولوجي عنصر رئيسي ل
...
-
عن رواد الإصلاح الديني رفاعة الطهطاوي والافغاني ومحمد عبده و
...
-
تقديم الصديق والرفيق المؤرخ عبد القادر ياسين للمجلد الثاني ع
...
-
رؤية موضوعية تحليلية ، تاريخية وراهنة لتطور حركة التحرر العر
...
-
بوضوح ....
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
-
حاجة المثقف العربي إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة
-
كيف يمكن للعرب أن يبحروا في خضم المجتمع العالمي الزاخر بالتغ
...
-
في حضرة ليلى خالد
-
لماذا أخفقنا كيساريين ماركسيين في الوطن العربي ونجح غيرنا ؟
...
-
بمناسبة الأول من أيار 2025: رؤية وموقف معزز بالبيانات والأرق
...
المزيد.....
-
برئاسة السيسي وترامب.. مصر تعلن تفاصيل -قمة شرم الشيخ للسلام
...
-
العراق يعرب عن أسفه للعقوبات الأميركية على جهات مرتبطة بالحش
...
-
نصف مليون فلسطيني يعودون إلى شمال غزة وسط صدمة من حجم الدمار
...
-
ما احتياجات القطاع الصحي بغزة بعد وقف إطلاق النار؟
-
تركيا: لن نسمح لأي تنظيم -إرهابي- بالعمل في أراضي جيراننا
-
الأمن السوري يضبط شحنة صواريخ قبل تهريبها للخارج
-
مقتل عسكري إسرائيلي متأثرا بإصابته في معارك غزة قبل أيام
-
عاجل | الرئاسة المصرية: قمة دولية في شرم الشيخ الاثنين بمشار
...
-
مصر: السيسي وترامب يترأسان -قمة شرم الشيخ للسلام-
-
-يمكننا أن نتنفس أخيرًا-.. الفلسطينيون يشقّون طريقهم بين الأ
...
المزيد.....
-
بصدد دولة إسرائيل الكبرى
/ سعيد مضيه
-
إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2
/ سعيد مضيه
-
إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل
/ سعيد مضيه
-
البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية
/ سعيد مضيه
-
فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع
/ سعيد مضيه
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2].
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة
/ سعيد مضيه
-
رد الاعتبار للتاريخ الفلسطيني
/ سعيد مضيه
المزيد.....
|