|
الحزب الماركسي والنضال التحرري والديمقراطي الطبقي واهمية عنصر الوعي
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8465 - 2025 / 9 / 14 - 20:14
المحور:
الارشيف الماركسي
أهدي هذه الدراسة الى روح صديقي العزيز ورفيقي المفكر الماركسي الراحل سلامة كيلة مؤكداً استلهامي لبعض أفكاره ونصوص كلماته في اعدادها. يبدو أننا جميعاً –كما يقول المفكر العربي محمود العالم- "لا نملك المعرفة الحقيقية بالماركسية" وعلينا أن نعترف بأن "معرفتنا الحقيقية بالماركسية، معرفة محدودة، مسطحة، واليوم ونحن نتساءل عن مصير الماركسية وأزمتها، فإن تساؤلاتنا وإجاباتنا ستكون بالضرورة محدودة بحدود معرفتنا بالفكر الماركسي. لقد غلب الفكر العملي (البرجماتي) والفكر النظري الانتقائي والتوفيقي في ثقافتنا الراهنة، وهذا هو بداية الارتداد أو التناقض الرئيسي (أو الطلاق) مع الماركسية، فالماركسية تقف من حيث جوهرها ضد أمرين : ضد التجريد المطلق من ناحية، وضد التجريب البرجماتي من ناحية أخرى ، ذلك إن مادية ماركس، تعني معرفة الأشياء والوقائع كما هي في تحققها الفعلي لافي تصوراتها الوهمية ولا في جزئياتها المنعزلة عبر النقل الميكانيكي لها. على أنه – كما يضيف محمود العالم بحق – "برغم ما حدث خلال السنوات الماضية، وبرغم البلبلة الفكرية التي تغذيها ترسانة البلاد الرأسمالية ضد الفكر الاشتراكي عامة، والماركسي خاصة، فلم تبرز الحاجة إلى الاشتراكية وإلى الفكر الماركسي كما تبرز إليه هذه الأيام، فالحكم على الاشتراكية لايكون بما أصاب التجربة السوفيتية من انهيار، وإنما الحكم الصحيح على الاشتراكية والماركسية يكون بما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم من عجز عن تقديم حلول للمشكلات الأساسية للواقع الإنساني، بل وبشراستها العدوانية والاستغلالية إزاء شعوب العالم الثالث بوجه عام"، وهكذا تبرز الماركسية كضرورة تتطلع إليها هذه الأوضاع التي تزداد تردياً في حياة شعوب البلدان المتخلفة والنامية عموماً وبلدان وطننا العربي على وجه الخصوص. لكننا في مواجهة هذه الضرورة، لابد لنا من طرح السؤال التالي لكي نحاول ونجتهد في الإجابة عليه عبر تحليل أسباب أو أوجه القصور فيما يتعلق بالجانب النظري أو الوعي بالماركسية عبر المسار النضالي لحركة ونشاط أحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي منذ التأسيس إلى المرحلة الراهنة، والسؤال هو: إذا كانت الأوضاع الراهنة المتمثلة في استلاب الوطن، واستمرار هذه الغطرسة والعدوانية الهمجية الصهيونية/ الامبريالية ضد شعوبنا من جهة والفساد والفوضى والمحسوبيات ونهب الخيرات وسرقة قوت الشعب والعديد من المظاهر الأخرى المرتبطة بمعظم الأنظمة العربية من جهة أخرى تشكل أرضية ومناخاً محفزاً ودافعاً للانتساب إلى الحزب، فلماذا لم تتوسع أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا تنظيميا كما ينبغي في هذه المرحلة من الصراع والتناقض التناحري مع العدو الامبريالي/الصهيوني ولماذا أيضا لم نستطع توفير الكوادر اللازمة للبناء التنظيمي ومتابعته؟. بداية لابد من الإقرار أن فصائل وأحزاب اليسار العربي تعيش اليوم اضطراباً حول العديد من القضايا الهامة، جعلها تتعثر، ثم تتراجع، وبالتالي تؤول إلى الانهيار إذا سمحنا باستمرار تراكمات العوامل المسببة لكل من التعثر والتراجع. وإذا كان الخلاف الجوهري حول الرؤية التي تحدد مسار الحركة، وبالتالي أهدافها النهائية، فإن هناك مسائل محددة يكتسب الخلاف حولها مغزى هاماً، من ابرز واهم هذه المسائل الاختلاف الخفي حول أهمية عنصر الوعي، والاختلاف الآخر حول كيفية اكتساب هذا الوعي، ذلك إن هذه الإشكالية -الممتدة حتى اللحظة- كانت مجال اختلاف في النضال العملي التاريخي والراهن. ويمكننا القول، أن مجمل أحزاب اليسار العربي، لم يكن ينقصها النشاط، ولا الهمة، فقد مارست هذه الأحزاب دوراً هاماً في إطار الحركة الشعبية في كل مراحل النضال ضد الاحتلال والسيطرة الخارجية، وضد الفئات المستغلة والمضطهدة الداخلية، وتنوع نشاطها وفق الظروف العينية. لقد كان النشاط السياسي والكفاحي والجماهيري التاريخي في معظم الأحزاب الشيوعية وفصائل اليسار العربي كبيراً، لا يمكن إهماله أو تخطيه بأي حال من الأحوال، ولكن رغم كل ذلك، يمكننا القول أن كل هذا النشاط لم يؤد إلى تحقيق التغيير الجذري المنشود، بدليل ما تتعرض له أحزاب وفصائل اليسار في هذه المرحلة من أوضاع داخلية غير سوية تماماً على الصعيد التنظيمي والسياسي عموما، وعلى صعيد الوعي أو الهوية الفكرية خصوصاً إلى جانب الأوضاع السياسية الاقتصادية الاجتماعية المتردية والهابطة، التي لا تقل سوءاً عما عانته الجماهير الشعبية منذ اكثر من ستة عقود مضت . وهنا يثار السؤال: لماذا حدث ذلك؟. ويمكن أن نجيب بلا مواربه، وبصورة مباشرة، أن كافة قوى اليسار العربي لم تكن على قدر من الوعي يؤهلها تحقيق التغيير الجذري، فإذا كان للفئات البرجوازية الوسطى والصغيرة أهدافها، التي سعت لتحقيقها، فإن القوى التي طرحت نفسها معبرة عن مصالح الطبقة الأكبر جذرية، أي عن العمال والفلاحين وعموم الكادحين والفقراء، لم تكن على قدر من الوعي يؤهلها قيادة النضال الجماهيري في اتجاه التغيير الجذري، رغم إدراكنا بأن هذه القوى امتلكت إرادة الدفاع عن الجماهير الشعبية، هذه الإرادة التي جعلتها تتحمل كل قساوة القمع الذي صبته القوى الحاكمة العربية من ناحية، وقوة الاحتلال والقمع الصهيوني من ناحية ثانية. كذلك يمكن القول إن إطار الحركة اليسارية العربية، عانى من غياب إستراتيجية التغيير الجذري، ومن القوى المؤهلة لتحقيقها. وهنا تبرز قضية الاختلاف حول أهمية عنصر الوعي، -موضوع هذه الدراسة- دون التقليل من أهمية وضرورة النشاط العملي الذي استحوذ على جل اهتمامات المناضلين، وكان ومازال مقياساً أولياً أو وحيداً، مما جعل الاهتمام بالوعي ثانوياً بسبب تبعات وظروف النضال الوطني ضد العدو الصهيوني/ الامبريالي /الرجعي ، وتمحوره عند البعد السياسي والنضالي العملي بصورة رئيسة في الساحة الفلسطينية بوجه خاص، بحيث يمكن القول أن اليسار الفلسطيني تشكل في قلب النضال الوطني السياسي التحرري بعيداً عن ظروف الصراع والنضال الطبقي الى حد كبير. لهذا جرى "إهدار النظرية" وإهمالها أو استبعادها كأولوية، مما أبقى الحركة السياسية لمجمل فصائل وأحزاب اليسار ذات طابع عفوي في جانبها الطبقي/الاجتماعي، وبالتالي أبقى الحركة الجماهيرية حركة عفوية سرعان ما تم استيعاب المساحة الأكبر منها لحساب الفكر السياسي السائد في السلطة أو لحساب أفكار فصائل وحركات التيار الديني بمختلف مدارسها المناضلة والنصية المحافظة. ورغم قناعتنا بأن الوعي لا يكتسب إلا من خلال الدراسة، إلا أننا لا نلغي الاختلاف حول كيفية اكتساب الوعي، فهل فعلاً يكتسب من خلال الدراسة؟، أم من خلال الممارسة؟، أم منهما معاً؟ هذا ما لم يجر الحسم به بعد، رغم أن القضية الهامة في هذا المجال هي، من أي منظور تتم الدراسة؟ وبأي القضايا يجري الاهتمام؟ إن الدارسين الأكاديميين، يقومون بالدراسة، وربما يقدمون دراسات هامة، لكنهم لا يحققون التغيير الثوري، لأن هذا ليس هدفهم، في المقابل فإن كل النشاط الجماهيري، ونشاط الحركة السياسية وفق السمات العفوية، لم يؤد إلى تحقيق التغيير الثوري، بل عاش حالة من التراجع والهبوط ، وهذا يحتم على قوى اليسار في الوطن العربي، تعميق عملية الدمج بين حركة "الانتلجنسيا"، ونشاط الكادحين والعمال الثوري، وبالتالي تحديد أهمية كل قضية من القضايا في النشاط الثوري، أي أهمية الدراسة والتثقيف، أهمية الوعي، أهمية النظرية، وأهمية الممارسة الثورية، أهمية بناء الخلايا، العمل السري، مقاومة أجهزة القمع، تنظيم نشاط الجماهير (الإضرابات، المظاهرات ….)، الخ. إن كل نشاط من هذه الأنشطة، يغني التجربة، ويسهم في بناء الثوريين المحترفين، القادرين على أن يكونوا قادة الحركة الجماهيرية، وزعماءها، خاصة وأن قوى اليسار في بلداننا عجزت –والى حد كبير- عن بناء ومن ثم تقديم القادة الجماهيريين على المستوى الوطني ، خاصة من الكوادر الشابة في صفوف احزابها وفصائلها.
إشكالية الوعي في ضوء تجربة القوى والأحزاب اليسارية القومية في بلدان الوطن العربي: لتوضيح هذه المسألة، من الضروري، دراسة كيف تعاملت الحركات اليسارية القومية العربية مع هذه القضية؟ هل شكلت وعياً ثورياً جديداً؟. إن ما يمكننا قوله هنا، أنها حاولت ذلك، طرحت مفاهيم الديمقراطية والقومية والاشتراكية، مفاهيم التحرر والاستقلال، (خاصة في تجربة ما كان يسمى بالأنظمة الوطنية التقدمية العربية)، لكنها ظلت موصولة بالأيديولوجيا السائدة، فقد تبنت بعض مفاهيم الثورة الديمقراطية البرجوازية والثورة الاشتراكية، لكن لم تتأسس بالرؤية الماركسية، حيث ظلت طريقتها في الرؤية هي هي الطريقة السائدة، أي أنها لونت أفكارها، ولم تؤسس وعياً جديداً، انطلاقاً من رؤية منهجية جديدة ولهذا هزمت. وهنا يمكن تلمس نقطة عجز القوى اليسارية العربية، أنها لم تؤسس وعياً جديداً، ولهذا لم تؤسس نظرية مطابقة لمصالح الجماهير الشعبية الفقيرة ، و لم تؤسس مفاهيم الثورة القومية الديمقراطية في الوطن العربي، لأنها لم تمتلك رؤية في التحليل، لان رؤيتها في التحليل كانت موصولة بالأيديولوجيا السائدة، ولهذا كانت تعيد إنتاج الواقع الراهن، بأشكال مختلفة، لقد افتقدت الرؤية العلمية التي تجعلها قادرة على تأسيس أيديولوجية ثورية، تعبر عن مصالح ومطامح الجماهير الشعبية العربية. وبذلك تكون المشكلة هي مشكلة الوعي، الوعي القادر على تأسيس أيديولوجية ثورية تعبر عن مصالح ومطامح الجماهير الشعبية، والقادر على تأسيس التنظيم القادر على أن يكون طليعة هذه الجماهير، وبالتالي القادر على تحقيق التغيير الجذري.
والسؤال هنا : ما هي إشكالية هذه القوى؟، أين موقع الوعي والنشاط الثوري من كل ما حدث؟ في محاولة الإجابة على هذين السؤالين أقول ، ان النشاط الثوري في الوطن العربي لم يتوقف منذ نهاية الدولة العثمانية إلى اليوم وكان دائماً هناك ثورات وانتفاضات، وحركات سياسية وعمل مسلح، لكن الأهداف التي طرحت منذ بداية القرن العشرين، على اقل تقدير، لم تتحقق. ويمكننا تلمس مرحلتين، فيما يتعلق بالإشكالية التي نحن بصددها، في التاريخ العربي الحديث. المرحلة الأولى: هي المرحلة الممتدة إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. المرحلة الثانية: هي الممتدة منذ نهاية الحرب الثانية إلى الآن. اتسمت المرحلة الأولى، بثلاث سمات في هذا المجال، السمة الأولى، حيث ظهرت اتجاهات ثقافية متعددة، دعت للتغيير والتطور وحاولت تأسيس أيديولوجيا مناهضة للأيديولوجيا السائدة، أي الأيديولوجيا اللاهوتية، كان أهمها: الاتجاه الليبرالي، الذي تبنى مفاهيم الثورة البرجوازية في أوروبا. والاتجاه الشيوعي، الذي سلك طريق الثورة الروسية. ولقد انعكست هذه الاتجاهات على الأيديولوجيا السائدة ذاتها، فظهر اتجاه ليبرالي فيها واستمر وجود هذين الاتجاهين إلى اليوم. أما السمة الثانية، فكانت انتشار الحركات الجماهيرية العفوية، التي كانت تتخذ في بعض الأحيان شكل انتفاضات مسلحة، وأدت إلى حصول الدول العربية على الاستقلال الشكلي. أما السمة الثالثة، فهي بداية تشكل الأحزاب السياسية، التي كان بعضها يعبر عن مصلحة الفئات الحاكمة، أو الفئات الطامحة للحكم، التي أسهمت في قيادة الحركة الجماهيرية، بهدف الوصول إلى مساومة مع الاستعمار، ولقد نجح بعضها. وكان واضحاً أن نشاط المثقفين كان معزولاً عن الحركة الجماهيرية، وتركز في العمل التربوي، بهدف إيجاد نخبة مثقفة بينما كان النشاط الجماهيري عفوياً، ومحكوماً بالفكر السلفي والديني تحديداً، وتقوده فئات لها مصالحها الخاصة، المختلفة عن مصالح هذه الجماهير، بل المتناقضة معها، لهذا لم تنتصر الجماهير، وظلت المشكلات الأساسية التي تعانيها دون تغيير ملحوظ. واتسمت المرحلة الثانية، بوجود أحزاب طرحت قضايا الجماهير وتناضل من اجل تحقيقها، كما اتسعت رقعة الفئات التي تتعاطى مع الثقافة، وكذلك استمرار النشاط الجماهيري. لكن هل استطاعت الحركة السياسية (اليسارية والقومية) أن تخرج الجماهير من عفويتها، وبالتالي أن "تعقلن" النشاط الثوري؟. من الطبيعي أن يكون الجواب بالنفي، على ضوء ما آلت إليه الظروف حيث انهارت معظم هذه الأحزاب، وتراجع دورها جميعاً، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه في السابق، فظلت أهداف الجماهير، وأهداف الأمة لم تتحقق، وأعيد إنتاج أنظمة هي في جوهرها كالأنظمة السابقة. فالبعث مثلاً، وهو أهم الأحزاب القومية، تأسس على أساس رؤية فكرية سياسية محددة، حكمت نشاط الحزب وأثرت في جيل من المفكرين القوميين كما ضم فئات من المثقفين والقطاعات الشعبية المختلفة (الطلاب الموظفين، الجنود، العمال والفلاحين) وسعى لقيادة الجماهير الشعبية، والتعبير عن أهدافها في "الوحدة والحرية والاشتراكية". ولكنه، رغم كل ذلك لم يستطع تطوير مفاهيمه النظرية، ولا استطاع تطوير وعي أعضائه، مع تطور دوره العملي وتزايد دوره في قيادة الحركة الجماهيرية. (وكذلك الأمر بالنسبة لحركة القوميين العرب التي رفعت نفس الشعارات ارتباطا بسقفها الذي لم يتجاوز الحركة الناصرية حتى هزيمة حزيران 67). لقد حاول حزب البعث أن "يعقلن" الحركة العفوية للجماهير، وان ينظمها، لكنه حين التقى فيها، غرق في عفويتها، لهذا أصبح كلما اتسع وضم فئات جديدة؛ قل وعي أعضائه وتفكك تنظيمه. ولا شك أن السبب الجوهري في ذلك يتعلق في رؤيته المنهجية، هذه الرؤية، التي كانت رؤية مثالية، انطلقت من قناعات مسبقة، تنطلق من أفكار مثل "الأمة قدر" و"الأمة جوهر". أما الناصرية، وهي القوة القومية الكبيرة، فقد كانت حركة عفوية بطبيعتها لأنها لم تمثل حزباً، وكانت ضد العمل الحزبي أساساً، رغم المحاولة التي قام بها جمال عبد الناصر في أواسط الستينات، تحت اسم "التنظيم الطليعي"، أما على الصعيد النظري، فكانت حركة عفوية تجريبية، طورت مفاهيمها على ضوء التجربة العملية، لكنها لم تبلور نظرية ثورية، لتشكل دليل عمل لمناصريها. لهذا ظلت سلطة حاكمة من جهة، تعتمد أجهزة الدولة (وخصوصاً المخابرات) في علاقتها مع الجماهير، وكان الاتحاد الاشتراكي العربي، جزءاً من ذلك، لكنها ظلت من جهة أخرى، جماهير عفوية، بلا تنظيم، تؤيد عبد الناصر، ولكنها لا تفعل أكثر من ذلك. ولما كانت الناصرية القوة الأهم على الصعيد الجماهيري، فقد عكست تجربتها على كل الحركة السياسية، وأسهمت في التصدي للعمل المنظم، مما أسهم في تكريس العفوية لدى الجماهير، وحولها إلى قوى "متفرجة" تنتظر الانتصارات وتنتظر التغيير، دون أن تبذل أي مجهود. في الجانب الآخر، نشطت الأحزاب الشيوعية، وهي الأحزاب التي تتبنى الماركسية ، هذه النظرية التي تطرح موقفاً صحيحاً في العلاقة بين الوعي والنشاط الثوري، إلا أنه على صعيد الوعي بهذه النظرية اتسمت هذه الأحزاب بالعديد من السلبيات أو مظاهر الضعف والخلل: أن وعي قادتها وأعضاءها كافة محدود، واعتمد هذا الوعي على "نقل" نظرية في الماركسية تبلورت في الاتحاد السوفيتي ورددتها، وهذا الوضع جعل الوعي ليس محدوداً فقط، بل ومتغرباً أيضاً. أن اهتمام معظم الأحزاب الشيوعية الأساسي تركز على خوض النضال النقابي والمطلبي وكان الجزء السياسي في برنامجها محدوداً، وعاماً. وهي بهذه وتلك ظلت عفوية، لان محدودية الوعي، وعدم القدرة على بلورة الإستراتيجية الثورية، تجعل العمل العفوي هو الطاغي، ولان النضال النقابي المطلبي، يعزز عفوية الجماهير، ولا ينقلها إلى مرحلة النضال السياسي. كما وفشلت في بلورة نظرية ثورية، تعبر عن الواقع الموضوعي، وتبنت أهدافاً "اقتصادية" مطلبية، أو سياسية عامة. لهذا يمكن إجمال السمات التي حكمت المرحلة الثانية، بأن القوى التي تصدت للنضال، لم تستطع أن تبلور تصوراً نظرياً شاملاً، يمثل الأيديولوجيا النقيضة للأيديولوجيا السائدة، هذه الايديولوجيا النقيضة التي تعبر عن مسار الحركة التاريخية الصاعدة، حركة النهضة القومية التقدمية العربية، المطابقة لوعي العمال أساساً، والفئات الأكثر سحقاً بشكل عام (الفلاحين والعمال الفقراء، والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة). أما السمة الأخرى التي حكمت المرحلة الثانية، وهي ناتجة عن السمة الأولى، فهي أن هذه الأحزاب لم تستطع أن تنظم الجماهير، وإكسابها وعياً مطابقاً لمصالحها، ورص صفوفها خلفها، لكي تخوض النضال السياسي الثوري، من اجل تحقيق أهدافها. على العكس من ذلك، تأثرت هذه الأحزاب، بعفوية الجماهير، أصبحت محكومة بها، خاضعة لها، مما أفقدها صفتها الطليعية الريادية. واليوم، رغم استمرار سمات المرحلة الثانية، وتفاقمها، لأننا لم نتجاوز هذه المرحلة بعد، فإن ظروفاً محددة تحكم الوضع في الوطن العربي في هذا المجال، أهمها غياب او ضعف الاحزاب القادرة على رؤية الواقع، وبالتالي بلورة "النظرية الثورية"، "الإستراتيجية الثورية"، "الإيديولوجية الثورية"، فإذا كانت الماركسية تمثل بشكل أساسي، نظاماً معرفياً ومنهجا ماديا جدليا، ومجموعة من القوانين العامة التي أثبتت التطورات العالمية صحتها. وإذا كانت الماركسية قد "تطبعت"، أي اتخذت سمات أوضاع محدده، مثل الماركسية السوفياتية (الستالينية)، الماركسية الصينية (الماوية)، الماركسية الفيتنامية، التروتسكية، الشيوعية الأوروبية…الخ، الا أن كل ذلك لا يجيب أساساً على ما يطرحه الواقع الاقتصادي الاجتماعي في بلداننا، وهذا منطقي في إيديولوجيا تنطلق من منطق "التحليل الملموس للواقع الملموس". إن ما نحتاجه اذن ، هو تحليل واقعنا تحليلاً علمياً، بما يسمح لنا استخلاص نظرية ثورية، تصلح لأن تكون قاعدة رئيسية ومرتكزا لمسيرة النضال التحرري والطبقي في بلادنا. والقضية الثانية، هي استمرار الحركة العفوية، لا بل اتساعها، بعد تراجع حركة اليسار العربي، تحولها إلى قوة هامشية من جهة، واتساع الفئات الاجتماعية المتضررة من هذا التراجع، والمستعدة للمشاركة في النضال الجماهيري من جهة أخرى. وإذا كانت هذه الحركة طوال المرحلة الماضية قد عجزت عن تنظيم وقيادة الحركة العفوية، فهي غير قادرة اليوم على قيادة الحركة العفوية الجديدة، مما يفرض على القوى اليسارية في الوطن العربي التي تعمل على التصدي لعملية التغيير الثوري الديمقراطي أن تمتلك وعياً عميقاً، ورؤية شاملة، وأيضاً وقبل كل شئ حزبا ماركسيا طليعيا في تفاعله بالجماهير الشعبية الفقيرة ، متراصاً تنظيميا ومحكوما للديمقراطية الداخلية وحرية النقد والنقد الذاتي كمنطلق رئيسي راهنا ومستقبلا. لقد كان وعي الحركة اليسارية العربية قاصراً بهذه الدرجة أو تلك، في مقابل الحالة العفوية الجماهيرية القوية، مما أدى إلى إعاقة خلق وتبلور الحركة الجماهيرية المنظمة، حيث أن العفوية لم تدفع ولن تدفع صوب بلورة وعي الجماهير وتطويره، وهذا ما يؤكد أن الممارسة العفوية لا تنتج الوعي الثوري، وأن الذي يبلور الوعي و"يدخله" للجماهير هي فئات من المثقفين. لذلك، ظلت العفوية أساس العمل الثوري، بشقيه، الحركة السياسية والحركة الشعبية، وأن الاتجاه نحو تطوير الوعي والتثقيف ظل محدوداً، وهنا لن ينتقص من الدور الذي لعبته معظم أطراف حركة اليسار العربي ، التي نشطت ولعبت دوراً مهماً في مسيرة نضالها، وقدمت الشهداء و المعتقلين، واكتسبت بعض خبرات الصمود في السجون، وكيفية الاستفادة من الحركة الجماهيرية، لكنها أخفقت في القضية الأهم، قضية الوعي بالماركسية ومنهجها ، وكان سبب ذلك تخلف الوعي، نتيجة قلة الدراسة والبحث، ضعف القراءة والتثقيف. لقد اكتفت معظم قوى اليسار بالشعارات العامة، والشعارات لا تنتج ثورة أو حالة ثورية منظمة ومدركة لأهدافها ومؤثرة في أوساط الجماهير الشعبية التي كان - وما يزال - ينقصها الوعي، ولم تكن الممارسة لتنقصها، حيث خاضت معمعان النضال الثوري، ونظمت وأسست النقابات، واستقطبت جماهير حاشدة ، لكن نقص الوعي بالنظرية، مقتل الحركة اليسارية، وبسبب هذا النقص تمكنت الأيديولوجيا السائدة من السيطرة والانتشار، الى جانب سيطرة الأيديولوجيا اللاهوتية في هذا المناخ العربي المهزوم والمأزوم ، وباختصار، لقد كانت الحركة الجماهيرية قوية عنيفة، لكن غاب عنها الوعي، غابت القيادة الفكرية والسياسية، وغاب التنظيم الطليعي الماركسي الديمقراطي المتماسك .
الإشكالية على الصعيد النظري: هل ترانا نبالغ في الحديث عن الوعي؟. وهل هذا يقود إلى موقف مثالي يُغلب الفكر على الواقع؟. لكي نحدد ماذا نطرح بقدر من الدقة، لا بد لنا من التمييز بين أكثر من صيغة تطرح بها القضية مدار المناقشة، فهناك أولاً قضية الواقع والفكر، وفي هذه المعادلة، حسمت الماركسية، في أن الواقع هو محدد التصورات والأفكار، ولا نستطيع تجاوز ذلك،إلا إذا قررنا الانتقال إلى موقف إيديولوجي مثالي (غير علمي). وهناك ثانياً قضية الوعي والعمل، وهنا يحدث عادة خلط ، فهل ينتج العمل الوعي؟ . فإذا كان الجواب إيجابياً، إذن أي عمل هذا الذي ينتج الوعي ؟. العمل الإنتاجي أو العمل الفكري؟. العمل السياسي أو النشاط الجماهيري؟. وإذا كان الجواب نافياً، فكيف إذن يتكون الوعي؟ وهناك ثالثاً قضية النظرية والممارسة، ولا شك أن للوعي علاقة بالنظرية، في حالة أن الوعي مطابق لواقع محدد، فالوعي العلمي هو رؤية الواقع، والنظرية هي نتاج ذلك. إذن ما هي علاقة النظرية بالممارسة؟. وهنا ترتبط هذه القضية بالقضية السابقة إلى حد معين، وهذا يعني أن الواقع المحدد يفرز أفكاراً معينة. والوعي هو معرفة هذه الأفكار المطابقة للواقع. هذا هو الوعي العلمي، المرتكز إلى المنهج المادي الجدلي، كطريقة في الدراسة والبحث والعمل. وهذا يعني مسألتين، وليس مسألة واحدة، الأولى أن الوعي العلمي يفرض التفكير في الواقع، دراسته والبحث فيه، والثانية أن كل ذلك يحتاج إلى ممارسة، والسؤال هنا: ماهي الممارسة؟. وهل الممارسة الاجتماعية تقود إلى اكتساب الوعي؟. لمحاولة توضيح القضايا بشكل دقيق، من الضروري أن نفصل بين قضية فلسفية عامة، وقضية أخرى تتعلق بالنشاط الثوري والعمل الثوري ،لأن هذا الفصل هو الذي يجعلنا نضع قضية الوعي في موضعها الصحيح، فلا ننزلق إلى المثالية، أو نخلط القضايا بما يؤدي إلى سيادة النزوع العفوي، لأن الوعي الذي نقصده هو وعي الواقع، أي فهم الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية المحددة، في فلسطين وفي كافة بلدان وطننا العربي، وليس أي وعي آخر. الوعي الذي ينتج النظرية، وليس "الوعي" الذي يقود إلى اجترار النصوص، وتكرار الأفكار. ولكن هذا الوضوح في تحديد القضية، يخفي إشكالية معقدة، إذا لم نستطع فهمها غلب عندنا اتجاه التركيز على الواقع، مما يبرز اتجاهاً مادياً مبتذلاً، تجريبيا، ً والإشكالية تتمثل في كيفية انعكاس الواقع في قالب نظري، أي تحوله إلى وعي، فهل الانعكاس مباشر؟. هل تتولد الأفكار من الممارسة مباشرة؟. هل تتولد من الواقع (المادة، الطبيعة) مباشرة؟. لقد "برهنت (الماركسية) على أن العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي ليست بسيطة، وإنما مركبة ومرنة"، حيث إنه "مع تقسيم المجتمع إلى طبقات وظهور السياسة والقانون والصراع السياسي، أخذ الوجود الاجتماعي يؤثر - بطريقة حاسمة - في أذهان الناس، من خلال حشد من الروابط المتوسطة، مثل الدولة ونظام الدولة، والعلاقات القانونية والسياسية الخ...في هذه الظروف يفضي الاستنباط المباشر للوعي الاجتماعي من العلاقات المادية، إلى الفجاجة والتبسيط…" (1). لقد أثيرت قضية العلاقة بين الفكر والواقع، الوعي والممارسة، في مواجهة الفلسفة المثالية. هذه الفلسفة التي اعتبرت أن الفكر (الوعي) هو محدد الواقع. ولهذا شدد ماركس على أن الواقع هو الذي يحدد الوعي, ومن هنا كان ماركس يتحدث عن الواقع الاجتماعي الذي ينتج الوعي الاجتماعي، ولم يتحدث عن الممارسة الفردية التي تنتج الوعي الاجتماعي ،لأن انعكاس الواقع النظري لا يأتي مباشرة، بل يمر عبر طرق متعرجة، ويحتاج إلى وسطاء، ولهذا يجري الحديث عن الوعي في المجتمع عموماً، حيث تعود جذور الأفكار السائدة إلى الواقع الاجتماعي، وترتبط بطبقات، رغم أن غالبية هذه الطبقات لا تعي إيديولوجيتها ، هذه الأيديولوجيا التي هي انعكاس وجودها، في ظل علاقات اجتماعية محددة. بل إن الواقع يفرض على الطبقات الفقيرة المضطهدة القبول –بصورة إكراهية وعفوية في آن معا- بالأيديولوجيا السائدة، ما دام المفكرون لم "يكتشفوا" أيديولوجيتها المستقلة، لأن هذه الإيديولوجيا السائدة، تتغلغل في صور شتى، منها العادات والتقاليد، الدين، والأفكار السياسية الاجتماعية المنتشرة الى جانب تأثير أجهزة الإعلام والقمع. وهذا يسمح لنا بالحديث عن وعي زائف لدى طبقة محددة، أي اكتسابها وعياً غير مطابق لواقعها (لمصالحها)،بل مناقض له،وهو عموما الوعي السائد، الإيديولوجيا السائدة، حيث "تعكس معرفة الإنسان الاجتماعية (أي مختلف الآراء والمذاهب الفلسفية والدينية والسياسية…الخ)،نظام المجتمع الاقتصادي"(2) ،إن الإيديولوجيا السائدة، وهي الإيديولوجيا الحاكمة على كل حال (3) تنتقل إلى الجماهير عن طريق أجهزة ومؤسسات النظام المعبر عن مصالح الطبقة السائدة، الى جانب العادات والتقاليد المتوارثة، وكذلك عن طريق الطقوس الدينية، ولكن أيضاً المدرسة. وإذا لم يؤسس المفكرون والفلاسفة طريقاً جديداً، يقوم على أساس مصلحة الأكثرية في المجتمع، ضد الأقلية الحاكمة، يبقى الوعي زائفاً، مهما خاضت الجماهير من نضالات ثورية، ومهما تلونت الفئات الحاكمة. وفي هذا الجانب، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الأفكار والنظريات المعبرة عن مصلحة الأكثرية، تنمو على هامش المجتمع في البدء، لدى رواد التنوير والنهضة من المفكرين ورجال العلم، ومن ثم تأخذ بالاندماج بالطبقة التي تعبر عنها، من خلال المناضلين، الذين يجعلون من الدفاع عن مصلحة هذه الطبقة وتلك الفئة، شغل حياتهم. لقد كان هذا هو حال الفكر البرجوازي الأوروبي، الذي نمى على هامش النظام الإقطاعي، وفي التعارض معه، وشكل أساس نهضة جديدة، وهو حال الماركسية التي نمت لدى مفكرين ليسوا من الطبقة العاملة. لقد انبثقت التعاليم الاشتراكية "عن النظريات الفلسفية والتاريخية والاقتصادية التي وضعها المثقفون والمتعلمون من ممثلي الطبقات المالكة. إذن، يمكن التلخيص أن الواقع هو مصدر الأفكار. لكن هذه الأفكار لا توجد كانعكاس مباشر للواقع، بل إن وجودها وتبلورها (وإن شئنا الدقة اكتشافها) يحتاج إلى وسطاء، وهم عادة الفئات الأكثر وعياً وثقافة، والذين يقررون التعبير عن مصلحة طبقة غير طبقتهم، بسبب اكتسابهم وعياً مناقضاً لوعي هذه الطبقة، هذا الوعي الذي يفرض عليهم النضال من اجل خدمة الجماهير الشعبية. ولقد أثبت التاريخ أن الطبقات المضطهدة (بفتح الهاء) لا تستطيع - اكتشاف- وعيها (أو لنقل أيديولوجيتها)،بسبب تخلفها الثقافي. وهذا يدخلنا في القضية الثانية، قضية العلاقة بين الوعي والممارسة في النشاط الثوري. والمسألة الهامة هنا، هل أن ممارسة النشاط الثوري من قبل الجماهير تقود إلى اكتسابها الوعي الثوري؟. إن النشاط الثوري للجماهير مستمر منذ أقدم العصور، ولقد خاضت الجماهير دائماً وفي مختلف المراحل معارك ضد مستغليها، وقامت بثورات كبيرة لكن كل هذه المعارك والثورات لم تحقق انتصارها، ولهذا ظلت مستغلة مضطهدة، تثور مرة، ثم تعود إلى سباتها سنوات، وربما قرون، ثم تعود ثائرة مجلجلة، تطالب بحقوقها (أو ببعض هذه الحقوق)،وقد يستفيد مضطهد (بكسر الهاء) آخر من نشاطها، فيقود ثورتها، ويحقق مصالحه، ثم يعيد لجمها، وربما بشكل أشد. والسبب الجوهري الذي يسمح بتكرار ذلك منذ آلاف السنين، هو أن الجماهير لم يتطور وعيها، من خلال نشاطها الثوري، رغم شمول هذا النشاط وتعمقه في حالات كثيرة، فظلت أسيرة "وعي" مستغليها، وظلت تحمل الإيديولوجيا التي تبقيها أسيرة العلاقات الاجتماعية القائمة (الوعي الديني في العصور القديمة والوسطى، وفي العصر الحديث عندنا، والوعي البرجوازي في العصر الحديث في أوروبا وأميركا). إن هذه الواقعة، فرضت على لينين، أن يتحدث عن أن الوعي الاشتراكي الديمقراطي، لن يأتي العمال "إلا من خارجهم"(4) . وهنا نصل إلى قضية الوعي، "فالوسطاء" أو(كوادر وأعضاء الحزب الثوري في أيامنا هذه)هم الواعون، الذين يعتنقون إيديولوجيا محددة، ويحاولون إيصالها -لأصحابها-،الذين لا يستطيعون الوصول إليها مباشرة. وهذا يعني رؤية أكثر الجماهير جذرية، في المراحل التاريخية المختلفة للنضال الثوري، أي رؤية دور المثقفين الثوريين، القادرين على استيعاب وتمثل النظرية الثورية. وبالتالي التأكيد على أن مهمتهم الأولية هي إيصال الأفكار التي يحملونها للجماهير، عبر الحزب أو التنظيم المعبر عن اتحاد الفئات الطليعية من العمال والفلاحين الفقراء، والفئات الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة. وهذه المهمة تحدد مجموعة كاملة من المهام البسيطة والمعقدة، منها مثلاً الدور الدعاوى التحريضي الذي يفرض نفسه، كشكل من أشكال مواجهة الأيديولوجيا السائدة، وبالتالي "إدخال" الوعي المطابق للجماهير، ومنها أيضاً تنظيم الحركة الجماهيرية، واكتساب خبرات العمل السري…الخ. إن قضية الوعي الثوري، ليست قضية هينة، فمنذ غدت الاشتراكية علماً،" تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم، أي تتطلب أن تدرس"(5). ولهذا فإن موقعها في العمل الثوري، ليس محدوداً، بل إن على حلها يتوقف تطور النشاط الثوري، وإن كانت بدون النشاط الثوري لا تؤدي إلى النتائج المرجوة، أي إلى الانتصار. فالحزب السياسي الثوري، ليس المنظم والقائد والطليعة للجماهير فقط، بل إنه أساساً "مُدخل" الوعي لها. لأنه بذلك فقط، يجعلها قادرة على فك عرى الارتباط بالفئات المستغلة، وبالتحول إلى النضال الجذري ضدها، أي التحول من النضال من اجل تحسين الظروف الحياتية المعيشية،وإصلاح الوضع الاجتماعي إلى النضال من أجل إسقاط السلطة، كمعبر عن مصالح طبقة،وإلغاء الاستغلال. وبالتالي تحقيق أهداف الأمة كلها. وهذا يعني التحول من النضال المطلبي، إلى النضال الثوري، وهذا لا يتعارض إطلاقا مع مهام ودور الحركات الوطنية التقدمية في الصراع التناحري ضد العدو الصهيوني من أجل التحرر الوطني من ناحية وفي الصراع السياسي الديمقراطي المطلبي الداخلي من ناحية ثانية. إننا هنا، أمام شكلين من الممارسة، لا يجوز لنا الخلط بينهما، وإن كنا مع تأكيد أهميتهما معاً. لكن تنبع- أهمية قضية الوعي بالنسبة لنا في أن النشاط الجماهيري العفوي قضية تفرضها الظروف الموضوعية، ولهذا فهي عفوية تحدث كلما وصلت الجماهير إلى مأزق بسبب الاضطهاد الوطني أو الاستغلال الطبقي أو كلاهما معا كما هي الحال الذي تعيشه جماهيرنا اليوم في فلسطين والعراق. وكلما كانت الظروف صعبة، كلما كانت ردود الفعل قوية، أما قضية الوعي، فهي عامل إرادي لا تنتجه ظروف موضوعية بشكل عفوي، بل يقرره مناضلون عبر حزبهم الثوري، ذلك أن النشاط الجماهيري العفوي لا يمكن أن يقود إلى تغييرات جذرية. أما نشاط المناضلين في أحزاب اليسار في الوطن العربي، فهو نشاط أكثر تعقيداً، وتتحكم الإرادة فيه إلى حد كبير عبر هؤلاء المناضلون الذين يتسلحون بالوعي الثوري، ويسعون لإدخال هذا الوعي للجماهير. وهم هنا يقومون بنشاط مزدوج، يقوم جانب منه على اكتساب الوعي والمعرفة النظرية عموماً، ومعرفة الظروف المحددة تحديداً، وبالتالي يسعون إلى بلورة نظرية ثورية ، تعبر عن مصلحة الجماهير الفقيرة، وتشكل سلاحاً أيديولوجيا في يدها، في حربها ضد الوجود الصهيوني/الأمريكي وضد كل مظاهر التخلف والتبعية والاستغلال والاستبداد الكومبرادوري في آن واحد، علما بأن تحقيق ذلك، يفرض الحرص على تعميق الوعي النظري وبقضايا الجماهير الشعبية الفقيرة بشكل مستمر، والجد في الدراسة والبحث على الصعيد الداخلي في كافة الأحزاب ، وفي جميع مستويات الحزب ومراتبه ، إن بصورة منهجية عبر التثقيف الحزبي، أو عبر المبادرات الذاتية. أما الجانب الآخر، فيقوم على دور هؤلاء المناضلين في إدخال الوعي للجماهير، الى تعريفها بمصالحها، والى تنظيم معاركها الوطنية والطبقية. وهذا بالضبط ما يفرض على القوى اليسارية تعميق الوعي بالنظرية الماركسية ومطابقتها مع واقع بلداننا، بمثل ما يفرض أيضا العمل على تفعيل الضرورة الموضوعية للمساهمة في تأسيس الأحزاب الثورية في بلدان وطننا العربي على قاعدة منطلقاتها القومية اليسارية الهادفة الى توحيد فعلها وهيكلها في إطار الحزب الاشتراكي العربي كضرورة راهنة تستجيب لمعطيات وظروف هذه المرحلة من أجل تجاوز وتغيير هذا الواقع العربي المهزوم والمأزوم، وهذه الخطوة مرهونة في تقدمها بامتلاكنا للوعي بكل مكونات واقعنا إن على الصعيد الوطني الفلسطيني أو على الصعيد القومي العربي. فالواقع هو الذي يحدد الوعي، وهو مصدر الوعي في نفس الوقت. ذلك أن النشاط الثوري غير المنظم قد يُكسب الطبقات المضطهدة (وهو يُكسبها بالضرورة)، خبرات في التخريب، وفي التظاهر، والقيام بالإضرابات... الخ، لكنه لا يكسبها الوعي الثوري، بل انه يكسبها "وعيا أخلاقيا" ليس إلا. هذا الوعي هو الذي يجعلها تتمنى على مستغليها ومضطهديها تقديم بعض الهدايا و "الهبات" لها. وغالبا ما تسير الحركة الجماهيرية في هذا المسار، ليس حين تخوض المعارك الطبقية فقط، بل وحين تخوض المعارك الوطنية، لهذا فهي تسلم قيادها للفئات المساومة المترددة. وهنا تطرح إشكالية الوعي والممارسة، حيث إن العمل الثوري يفترض عملا تثقيفيا فكريا، وكما يفترض عملا" تنظيميا" و"واعيا وثوريا"، فالحاجة الى النظرية الثورية قضيه تقرر مصير العمل الثوري كله، فلا إمكانية لتأسيس أو لتواصل حزب ثوري بدون نظرية ثورية... هذه المقولة التي أصبحت بديهية ، الى متى سنظل نرددها في كل أحزاب اليسار بلا نشاط فكري مكثف وفعال؟! الوعي والممارسة، ومحاولة تحديد الاشكاليه : اننا نتحدث هنا عن الوعي والممارسة ونتحدث عنهما في تنظيمات تقدمية هي أحزاب وفصائل اليسار في الوطن العربي، فالحديث عن الوعي والممارسة في تنظيم ثوري تحديدا"، يطرح أكثر من قضية هامة. لهذا وجب علينا أن نتساءل حول قدرة هذه الجماهير على وعي مصالحها وتحديد أهدافها. ثم هل إنها، بأشكال تنظيمها التي تقيمها، قادرة على تحقيق هذه الأهداف؟ في المقابل، ولكي تكون الامور واضحه، والاجابه على هذه التساؤلات دقيقة، من واجبنا ان نفهم طبيعة القوى التي تستغل الجماهير وتضطهدها، وتسيطر عليها، وتحكمها ولكي لا ندخل في موضوع طويل يمكننا الحديث بشيء من الاقتضاب، عن هذه القضايا، من الزوايا التي تتعلق بموضوعنا، مدار النقاش: في معادلة الصراع بين الجماهير ومستغليها، يكون الفارق في أن هؤلاء المستغلين (بكسر الغين) يملكون القوة والجبروت، حيث لديهم قوى منظمة تستطيع البطش. ولقد وجدت من أجل ذلك أجهزة أمنية متعددة (الجيش، والمخابرات، والاستخبارات، والشرطة والامن بأنواعه وفرقه القمعية بأنواعها ومسمياتها المختلفة)، ولديهم ايضا" في قوة الأيدلوجيا السائدة، أداتهم الفكرية، ومكمن قوتها في أنها تغلغلت في أعماق الجماهير، الى الحد الذي يسهم في شل حركتها حيث أن هذه الايديولوجيا تعلم الجماهير كيف تقبل الاستغلال والاضطهاد، وكيف تتجه صوب العمل الاصلاحي، والتطوير التدريجي، وهذه وتلك (القوى المنظمة و الايديولوجيا)،هما الجبروت الذي يواجه حركة الجماهير، ويجعل تأثيرها محدودا" في اغلب الاحيان. بينما في المقابل، لا تمتلك الجماهير قوى منظمة فعالة، وبالتالي فإن (وعيها) يوصلها بالفئات الحاكمة، فهو ((الحبل السري)) الذي يجعلها، مهما تمردت، تعود لتقبل الوضع القائم، ويخرج من أيديولوجيتها _ التي هي ايديولوجيا الفئة الحاكمة _كل مبررات ((العودة إلى السكينة والهدوء)).و ((حمدالله))على نعمته… الخ. إن فقرها يدفعها للتمرد، لكن ((زعيمها)) يدعوها للسكينة، مما يجعل حركاتها تفور سريعا" وتغور سريعا" وهكذا دواليك، حالات سكون وهدوء ثم ثورات وانتفاضات ومن جديد عودة إلى الهدوء والسكينة، ولقد عرف تاريخ الحركات الوطنية في العديد من بلدان الوطن العربي وفي فلسطين منذ ما قبل نكبة 1948 الى اليوم أمثلة صارخة على هذه الممارسات الطبقية . والجماهير في كل ذلك تواجه قوى الاستبداد في النظام العربي بكتل متفرقة، وتواجه الاسلحة بالايدي. ولكنها ايضا في كل ذلك تعجز عن مواجهة الايديولوجيا السائدة بل أحيانا تتمسك بها،وتدافع عنها بحكم ظروفها المعاشية الصعبة وعفويتها. ويطرح هذا الوضع قضيتين نقيضتين : الوعي والتنظيم، فهل تستطيع الجماهير تطوير وعيها و تنظيم صفوفها ؟. إنها عاجزة عن ذلك، لأن التنظيم والعمل التنظيمي، وكذلك مواجهة القوى الحاكمة، بحاجة إلى تقنية عالية وإلى الوعي، بحاجة إلى الثقافة، والدراسة والاضطلاع، فالجماهير لا تستطيع هذا ولا ذاك، بسبب من ان الفقر والاضطهاد، يمنعانها من تلقي العلم، خصوصا في بلادنا كما في البلدان المتخلفة عموما. وفي هذا الاطار تبرز أهمية الوعي والتنظيم، الوعي الذي يرسم أفاق الطريق، الذي يسير بالجماهير حتى نهايات هذا الطريق، عاملا" على توحيد الحركة الجماهيرية، وتبصيرها، وهنا يبرز دور الفئات الواعية والمناضلة والمثقفة ، لأنها القادرة على تأسيس الإيديولوجيا المناهضة للإيديولوجيا السائدة، والقادرة على هزيمتها والمعبرة عن حركة المجتمع الصاعدة، وعن الفئات الأكثر فقرا" فيه، أي عن العمال والفلاحين الفقراء والشرائح الأخرى من الفقراء والكادحين. فهي التي تتعامل بالفكر، وتدرس النظريات، وتمحص بما هو سائد من أفكار، وتدقق بالواقع العيني المحدد، لتؤسس من كل ذلك تصورا "نظريا"، يصلح لان يكون أساس منعطف جديد ، إذ أن هذه الفئات الواعية، المناضلة والمثقفة هي الأقدر أيضا" على تعميق وعي الحزب كعقل جمعي، وهي الاقدر على اعادة بناء التنظيم، لسعة افقها، وقدرتها على الاستفادة من تجاربها وتجارب الآخرين، ولقدرتها أيضا على تجاوز ((البنية التكوينية)) للجماهير التي تصاغ بها، خلال مسيرة تربيتها و ((تشذيبها)) وهذا ما يوفره لها الوعي الجديد. في هذا الإطار يمكن تحديد إشكالية الوعي والممارسة، وجوهر هذه الاشكالية يبرز في شقين، الشق ألاول: يتعلق بتوفر الوعي العميق بالنظرية الماركسي وبالواقع الاجتماعي الاقتصادي المعاش في هذا البلد او ذاك لدى الفئات الطليعية من كوادر وقواعد اعضاء أحزاب اليسار ، كما يبرز لدى الفئات الطليعية العربية الساعية لتأسيس تنظيم ثوري، حيث لا تنظيم ثوري بدون وعي ثوري، والشق الثاني: يتعلق بكيفية استمرار تطور الوعي الثوري وتعمقه، مع تطور نشاط التنظيم وتزايد ارتباطه بالحركة الجماهيرية. إن الوعي دون ممارسة ثورية، لا يؤدي الى انتصار. وكذلك فإن الممارسة الثورية دون وعي ثوري،لا تحقق نفس الغرض. انهما معا" طريق الانتصار، لان الوعي الثوري يضيف للحركة العفوية، العقل والتنظيم، وهما مكمن قوة. ولان النشاط العفوي، يوجد الازمة الشاملة التي تحاصر الفئات الحاكمة، وتجعل الهجوم لاسقاطها ممكنا، بل وضروريا"، لانه يعطي التنظيم القوة الجبارة التي تدعمه وتجعل انتصاره محتما". ثم ان لاكتساب الوعي طريقا"، كما ان لتنظيم النشاط الجماهيري طريقا"، لكنهما متحدان، متراصان،إذا ما انفصل احدهما عن الآخر برز لنا موقفين متناقضين وضارين بالحزب ونشاطه، اولهما ما يمكن ان نسميه (نزعة المثقفين)، هذه النزعة الانعزالية، التي ترى ان الانتصار ممكن، فقط في التطوير الثقافي العام، وثانيهما الاتجاه العفوي، الذي يقدس النشاط الجماهيري، ويعتقد ان هدا النشاط سوف يقود الى انتصار محتم، وهنا ربما نكون وصلنا الى النقطة الجوهرية وهي أهمية الوعي في النشاط الثوري هل يقود الى تقديس الفكر ؟ وهل يقود الى اهمال النشاط الجماهيري ؟. لقد حاولنا في الفقرات السابقة، التحديد الدقيق لهذه الاشكالية، حيث اكدنا على ضرورة ان يخدم الوعي الثوري، الحركة الثورية، واننا نرى ان هذه النقطة هي فعلا" النقطة الجوهرية، لانها (مفتاح) التطور الثوري أي ((مفتاح)) الانتقال من الحركة العفوية، الى الحركة المنظمة . ان ما ينقصنا هو الوعي، العلمي الثوري في صفوف قواعد وكوادر احزابنا، فبينما تتوفر الهمة ويتوفر النشاط في أوساط الجماهير الشعبية التي تتعرض لكل أشكال الاضطهاد والعدوان الهمجي الصهيوني شبه اليومي كما هو حال شعبنا العربي الفلسطيني ، الى جانب الاضطهاد والاستغلال والمعاناة والبطالة والفقر على الصعيد الاجتماعي الداخلي في معظم بلداننا العربية، إلا أن الجماهير مستعدة دوما للمشاركة في النضال الوطني والطبقي بأشكاله المختلفة، وهي تنفجر من حين لأخر، ولقد اثبتت انها على استعداد للقتال في مختلف المراحل. لكن مجمل حركات وأحزاب اليسار العربي عجزت عن استثمار كل ذلك، ولم تستطع إنجاز القضية الأهم في الثورة، أي قضية الوعي والتنظيم... كشرط أولي صوب التقدم والانتصار. وهنا يبرز السؤال : أي وعي واي ممارسة ؟ ما دمنا على قناعة بان النشاط الجماهيري لا يؤدي الى اكتساب الوعي الثوري، وما دامت الاشكالية القائمة، في مجتمع متخلف، تتمثل في تقدير أهمية عنصر الوعي، فان السؤال، الذي يطرح نفسه هنا، هو كيف يتكون الوعي ؟. ان المعادلة المصاغة في هذا المجال، تتمثل في ربط الوعي بالممارسة، واعتبار ان الممارسة جزء عضوي من تكوين الوعي ؟. وتعني الممارسة هنا النشاط العملي، حيث من الواضح انه يجري القفز عن ان النشاط الفكري ممارسة، لهذا من الضروري تحديد كيف يتكون الوعي، وما هي الممارسة في النشاط الثوري ؟. انطلاقا من ان الوعي هو اعلى اشكال انعكاس الواقع الموضوعي في دماغ الإنسان(6) . إذن، يفرض البحث عن إجابة لسؤال كيف يتكون الوعي، صياغة جديدة، قد تسهم في استيعاب الإشكالية مدار النقاش، حيث يمكننا التساؤل: كيف نفهم الواقع؟. لقد أكد كارل ماركس" أن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا العالم بأشكال مختلفة، ولكن المهمة تتقوم في تغييره"، وهو بذلك يربط بين الوعي والممارسة، بين وعي الواقع وتغييره،. إذن كيف نفهم الواقع؟. إن للاضطلاع والدراسة والبحث، أي للثقافة عموماً، دوراً أولياً في هذا المجال، ما دام النشاط الجماهيري لا يقود الى اكتساب الوعي، وما دام خوض النضال الثوري لا يؤدي الى اكتساب الوعي الثوري وبشكل منطقي لا يقود الى تحديد الاستراتيجية الثورية. إن معرفة الواقع تفرض عمقاً ثقافياً، وسعة اضطلاع، ودراسة مستمرة، للسببين التاليين: أولاً: إن دراسة الواقع تفترض وجود منهج معين، نظام معرفي معين، كي نرى الواقع من خلاله، وامتلاك المنهج، -وهذه قضية فلسفية- يفترض الدراسة. إن امتلاك المنهج الماركسي (المادية الجدلية) يتطلب قراءة كل ما جاءت به الماركسية، ولكن أيضاً الاضطلاع على جذورها، أي على كل ما جاءت به البشرية، ما دامت الماركسية استكمالاً، واتماماً للتيارات الفكرية الرئيسية، التي نشأت في الدول الأكثر تقدماً، في القرن التاسع عشر. وامتلاك المنهج المادي الجدلي قضية بحاجة الى الدراسة الجادة، وليس الى اعتماد نصوص محنطة، أو كتب مدرسية،لأن الهدف من كل ذلك، ليس ترداد الجمل والشعارات، واقتباس النصوص، بل اكتساب طريقة علمية في التفكير، تساعدنا في فهم الواقع فهماً علمياً. ثانياً: كما أن دراسة الواقع تفترض توفير " مادة خام "، أي توفر المعلومات، والإحصاءات، والدراسات، التي تسمح بالخروج باستنتاجات دقيقة نسبياً، وفي إطار ذلك تجري دراسة التاريخ، ما دام الحاضر استمراراً للماضي، وتكثيفاً له، ويجري البحث في الظروف الاقتصادية- الاجتماعية- السياسية، والتطور الفكري... الخ، وكل ذلك يوجد في الكتب وليس للرؤية العيانية أي دور فيها. وهنا يكون امتلاك المنهج ودراسة الواقع طريق رسم الاستراتيجية الثورية، التي هي بالضرورة أساس العمل الثوري، و بدونهما لا يمكن رسم هذه الاستراتيجية. من هنا يمكن القول، إن تكون الوعي يتم بشكل أساسي من الدراسة والتثقيف المستمر، لأن اكتساب الوعي، مرتبط بالفكر، والفكر موجود في الكتب، حيث ترجم دماغ الإنسان، الواقع الى أفكار، في المراحل التاريخية المختلفة، وبأشكال شتى، مما كون هياكل (أشكال، إفرازات) وسيطة، بين الإنسان والواقع، فأصبحت معرفة الواقع تقتضي دراسة هذه الأفكار. إن " وعي المجتمع ككل " يتكون من " المعرفة المتراكمة بالتاريخ والأفكار السياسية والقانونية، والمنجزات الفنية والأخلاقيات والدين وعلم النفس الاجتماعي ". وهذا ليس تقديساً للكتب، بل طريق معرفة الواقع، هذا الواقع الذي نعيشه، لكن تمنعنا التعقيدات التي تقولبه، من معرفته عيانياً، رغم أن للمعايشة والمشاهدة- أي للإحساس- دور محدد في تكوين الوعي، لكنه دور بدائي لا يؤدي الى المعرفة العلمية للواقع. ولهذا فإن معرفة الواقع تقتضي دراسته. لكن المشكلة التي قد تتأسس على ذلك، في حال الإخلال في الفهم الصحيح، تتمثل في موقفين: الأول: قد تؤدي دراسة الفكر العالمي- ما دمنا نسعى لاستيعاب أرقى الأفكار الفلسفية، وأكثرها تعبيراً عن مصلحة الجماهير الفقيرة- الى أن ننقل الفكر من الآخرين، وبذلك لا نكون قد أسسنا نظرية ثورية، ولا تكون قد حددنا إستراتيجية لثورتنا، لأننا لا نكون قد عرفنا واقعنا. وعندها لا تكون قد جعلنا الوعي جزءاً من العملية الثورية، من النشاط الثوري في وطننا، بل نكون قد تحولنا الى مرددين لا دارسين، ناقلي شعارات لا محللين. لنعاني من جراء ذلك من حالة " فصام "، حيث نردد ما ليس له علاقة بواقعنا في المجال النظري، وننساق وراء الحركة العفوية في النشاط العملي. أما الموقف الثاني: فيتمثل في أن تقودنا الدراسة الى أن نعي واقعنا. لكن لا نكون ثوريين بما فيه الكفاية فلا نخوض النشاط الثوري، لتحقيق التغيير الثوري المطلوب. وهنا يكون وعينا، عاملاً مساعداًً في التغيير، وإن لم نكن نحن المعنيين بذلك. ونحن حين نتحدث عن الوعي، من الضروري أن نرفض الموقفين، وأن نصر على أن نفهم الواقع وأن نغيره، وهذا يقتضي أن نطور وعينا، وأن نخوض غمار النشاط الثوري. إننا هنا أمام ثلاث مهام مترابطة، يمكن تلخيصها بالتالي: الاهتمام الجدي بالدراسة والبحث ومعرفة الواقع. فالمطلوب تكوين وعي جديد، انطلاقاً من رؤية منهجية جديدة (نظام معرفي جديد)- ونقصد بالجديد هنا أن يكون جديداً بالنسبة لواقعنا- يتناقض مع الرؤية المنهجية السائدة، وكذلك انطلاقاًِ من معرفة علمية للواقع الراهن، الواقع بمختلف أوجهه الاقتصادية الاجتماعية والفكرية السياسية. إن التغيير لا يقتضي القراءة والدراسة فقط، بل يقتضي " العمل " أيضاً، العمل التنظيمي أولاً، هذا العمل الذي يقوم على أساس بناء الحلقات والخلايا والروابط، تطوير وعي الأعضاء، وتأسيس حياة داخلية ديمقراطية، أي باختصار تأسيس تنظيم متماسك، صلب وديمقراطي. ولكن يعني" العمل " أيضاً العمل النقابي الجماهيري، أي الاشتراك في النشاط الجماهيري، الديمقراطي والثوري، من خلال العمل في النقابات واللجان الشعبية الجماهيرية، وكذلك من خلال الاشتراك في الاضرابات والمظاهرات، وكل أشكال الاحتجاج الجماهيري، والعمل على إيجادها وقيادتها. ويستتبع كل ذلك، الاهتمام بالعمل التربوي التثقيفي، الهادف الى تطوير وعي القطاعات الجماهيرية، وتعريفها بمصالحها، والاهتمام أيضاً بالعمل السري، القائم- إضافة الى بناء التنظيم، والعمل السري في النقابات وبين الجماهير- على توزيع النشرات، والبيانات، والكراسات، حاملة وجهات نظر أحزاب اليسار في بلادنا. إن ارتباط هذه وتلك، يقود الى أن تطرح أحزاب اليسار في الوطن العربي رؤية نظرية شاملة، تتحدد مصادرها النظرية الموثوقة من الكتب والتراجم الأجنبية والعربية، وتسمح بتحديد الاستراتيجية الثورية، القادرة على هزيمة الإيديولوجيا اليمينية والرجعية السائدة، بحيث يصبح كل حزب من أحزاب اليسار في بلادنا قادراً على استقطاب فئات واسعة من الجماهير الشعبية الفقيرة من العمال والفلاحين والكادحين والمضطهدين الى جانب الفئات الطليعية التقدمية من المثقفين في المجتمع، وذلك لكي يتمكن الحزب أن يكون قادراً على قيادة النشاط الجماهيري على طريق الانتصار. وإذا كانت معرفة الواقع تعتمد، بشكل كبير، على الدراسة والبحث والتثقيف، فإن " التجربة الثورية "، والمهارة التنظيمية أمران يكتسبان اكتساباً"(7) . دور الظروف العينية: وهنا نطرح السؤال التالي هل يكفي الحديث المجرد عن الوعي والممارسة؟ أليس لظروف العمل الثوري دور محدد في تعيين أهمية هذا أو ذاك ؟ فإذا اعتبرنا أن هناك علاقة جدلية بين النظرية والممارسة، خلال العمل التنظيمي، فإن الظروف العينية، تحدد لأي منهما الأولوية، والذي على حله يتوقف تقدم النشاط الثوري، وهذا ما أشار إليه لينين مراراً، وحاول تأكيده، حيث " إن الثوروية المبتذلة لا تدرك أن الكلام هو أيضاً عمل، وهذه الحقيقة ثابتة لا جدال فيها، مطبقة على التاريخ بوجه عام، وأعلى المراحل التاريخية التي ينعدم فيها نشاط الجماهير السياسي السافر. وهذا النشاط لا يمكن اصطناعه، ولا الاستعاضة عنه بالفتن التآمرية. إن (الكلام) عمل وهذه حقيقة لا يمارى فيها، وهذه من المهام الأولية (الأساسية، البديهية) للتنظيم، حيث إن العمل الدعاوي التحريضي، أساسي وضروري، طيلة مسيرة النشاط الثوري، وخصوصاً في المراحل الأولى للنشاط، لأن هذه الأشكال من العمل الثوري، هي مدخل " تطوير " وعي الجماهير، واكسابها وعياً ثورياً. إن (الكلام) عمل، وله دور أساسي في مرحلة التأسيس والبناء والاشتراك في النشاط الثوري، والعمل على تنظيمه والسعي لقيادته، وله دور أساسي في مرحلة أخرى متصلة بما قبلها وهي مرحلة الدراسة والبحث والتثقيف والتنظير والدعاية والتحريض لاخراج الجماهير من ركودها، كما يعطي الأولوية، ويوفر الظروف، لإعداد القادة، وتنظيم الحلقات والخلايا والروابط والمناطق، وتطوير فاعليتها ونشاطها، وإكسابها خبرات جديدة، ووعي جديد، كما يوفر الظروف لتصعيد النضال الإيديولوجي بالتصدي للايديولوجيا السائدة، وإعمال معول الهدم فيها لتفسيخها، وإضعاف تأثيرها في الجماهير. اما حين تتقدم الجماهير الصفوف، فيكون لزاما علينا ان ندخل المواجهة، لا منعزلين، بل مدججين بحشد هائل، وصفوف طويلة من الجماهير، وحماس لا يضاهيه حماس. وهنا تكون الاولوية "للعمل"، حيث من الضروري ان تكون القوى الثورية على رأس النشاط الجماهيري، ان تندفع بحماس، وان تقاتل لكي تنتصر هذه الجماهير في الصراع الوطني أو الطبقي المتأجج أو كلاهما معا تجسيدا لطبيعة المرحلة ( تحرر وطني أو تحرر وطني وديمقراطي بالمضمون الطبقي ) وفق برامج وسياسات ورؤى كل حزب من أحزاب اليسار . لقد أكد لينين، منذ بدء نشاطه الثوري، على أهمية عنصر الوعي الثوري، وخاض صراعا ايديولوجيا ضد اتجاهات مختلفة، لكنه مع انفجار ثورة 1905 دعا الى خوض غمارها، ثم حين فشلت الثورة، رأى انه من الضروري المشاركة في الانتخابات ودخول البرلمان الرجعي. وبعد فشل الثورة، وخفوت النشاط الجماهيري، اكد "ان ديالكتيك تطور التاريخ قد ارتدى –في روسيا- في المرحلة الاولى شكلا، وضعت معه على جدول الاعمال، مسألة تحقيق تحويلات مباشرة في جميع ميادين الحياة في البلاد، كما ارتدى شكلا في المرحلة الثانية وضعت معه مسألة صياغة التجربة المشتركة، واستيعابها، وادخالها إذا جاز التعبير، في باطن الارض، في الصفوف المتأخرة من مختلف الطبقات"(8) . اذاً، لكل مرحلة سماتها، التي علينا ان نقوم بتحديدها، لكي تتحدد على ضوءها مهماتنا، واولويات عملنا. ويمكننا ان نؤكد انه في مرحلة النشاط الثوري للجماهير، ما علينا سوى خوض الحرب أو الصراع. واي موقف غير هذا الموقف، ضارٌ، وربما يكون مدمراً. اما في مرحلة الركود والتراجع فإن نشاط التنظيم يتمحور في ثلاث طرق، تبرز واضحة للعيان وتكون ملحة الى الحد الذي يجعل تجاوزها امرا ضارا ومدمرا ايضا، فهناك اولا طريق النضال الايديولوجي، وهناك ثانيا طريق البناء التنظيمي، وهناك ثالثا طريق النضال السياسي والاقتصادي والاجتماعي المطلبي. فالحروب تخاض بالجماهير المهيئة، والجماهير لا تكون مهيئة دائما "انها تنفجر حينما تشعر انها لا تستطيع العيش، ثم تعود راكدة، حتى لكأنك تحسبنها جثة ميتة. بداية النشاط الثوري : ما زال الحديث في العام، كما يبدو، رغم تحديد معنى النظرية، ومعنى الممارسة، ثم ربط أهمية هذه وتلك في المراحل المختلفة. ولكننا نريد ان نعرف اهميتها في ظروف العمل الثوري المنظم على صعيد الوطن العربي بشكل عام، فأية أهمية تكتسب هذه أو تلك في هذا الوضع ؟ لنلاحظ اولا، ان هناك سمتين تبدوان واضحتين في الوطن العربي، السمة الاولى هي ان الاتجاه العام يسير نحو التراجع، حيث تسيطر القوى البيروقراطية والكومبرادورية والطفيلية، وتحكم قبضتها، ويضعف دور الحركة السياسية الوطنية عموما واليسارية الديمقراطية خصوصا، وتتعرض الحالة الجماهيرية العامة للركود، رغم الصراع التناحري المحتدم مع العدو الصهيوني في بلادنا، ورغم بعض التحركات الجماهيرية العابرة في هذا البلد العربي أو ذاك. والسمة الثانية : ان الحزب المعبر عن مصالح ومطامح الجماهير الشعبية، وعن قواها الاكثر فقرا، غير موجود بصورة فعالة وواسعة على الصعيد الجماهيري العام، كما هو الحال مع أحزاب وحركات اليسار في الوطن العربي رغم تطلعها – نظريا - الى تعزيز دورها الطليعي على الصعيد الجماهيري الوطني في مجتمعها أو على الصعيد القومي العربي والأممي ، لكن دون أن نغفل ان عموم الأحزاب اليسارية العربية أو ما تبقى منها تعيش حالة من الفقر المعرفي والتبعثر وعدم التبلور من حيث التوجه الفكري والسياسي. لذلك فإن اعادة بناء الحزب بهدف تجسيد وحدته الفكرية والسياسية والتنظيمية تشكل العنصر الرئيسي في الترابط الوثيق –راهنا ومستقبلا- بالجماهير بما يحقق اهدافها وتطلعاتها في التحرر الوطني والديمقراطي. وهنا يتصاعد الاختلاف حول أهمية الوعي، وضرورة الممارسة، ويثور النقاش حيث يؤكد البعض على أهمية الوعي، فيتهمه البعض الآخر بانه يمثل "ظاهرة مثقفين"، فيما يؤكد البعض الآخر على "العمل... العمل" فيتهمه البعض بانه تجريبي عفوي. فلمن الأولوية إذن؟. لقد اسبقنا في الصفحات الماضية، الوعي على "العمل"، وإن بتحفظ محدود حيث لا تنظيم ثوري دون وعي ثوري، وحيث ان الممارسة تغني النظرية وتصوبها، وحيث ان للظروف العينية دورا في تحديد اولويات هذه "الوحدة الجدلية" وها نحن نعود الى نفس الاشكالية. لقد اثير هذا النقاش في روسيا عند تأسيس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي، وحاول كل طرف ان يدعم وجهة نظره بتحليلات ونصوص وأدلة. فاستشهد بعضهم بفقرة من ماركس كتبها في كراس "نقد برنامج جوتا"(9) ، تقول الفقرة "ان كل خطوة تخطوها الحركة العمالية اهم من دزينة من البرامج"، فيعلق لينين على ذلك ساخرا "ان تكرار هذه الكلمات في مرحلة التفكك النظري يشبه صراخ من يصرخ عند رؤية جنازة" ثم يستطرد لينين مؤكدا "انه لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية، حيث تزداد أهمية النظرية بالنسبة للاشتراكية-الديمقراطية الروسية لثلاثة اسباب كثيرا ما ينسونها، أولها: ان حزبنا ما يزال في دور التأسيس، ما يزال في دور تشكيل سماته، وهو ما يزال بعيدا عن ان يصفي اتجاهات الفكر الثوري الأخرى التي تهدد باخراج الحركة عن الطريق القويم. وثانيها: دراسة تجارب البلدان الأخرى والتمحيص فيها والتحقق منها. وثالثها: المهام الوطنية للثورة الروسية "(10). ان لمرحلة التأسيس الحزبي ظروفها ، وتكون النقطة الهامة فيها هي الانتقال من العفوية الى الوعي والتنظيم في ظروف ضعف القوى الثورية وغياب افكارها، الى جانب قوة الاتجاهات الأخرى سواء المعبرة عن الأيديولوجية السائدة أو التوفيقية أو التي لا تستطيع تحقيق القدر الكافي من الوعي والتنظيم، فتكرس عفوية الجماهير وبالتالي لا يؤدي ذلك الى انتصار حركتها. على أي حال فان قوى اليسار العربي تشهد – بدرجات متفاوتة - فيضا من الاتجاهات الفكرية، بعضها قوي وله جذور عميقة وبعضها الآخر يرى ضالته في الجمع بين الليبرالية والاشتراكية وبعضها يرى في الليبرالية أو العلمانية منهج، وبعضها اصبح يرى هويته في الجمع بين الدين والليبرالية والعلمانية عبر خليط لا يمكن إلا ان نسميه أو نطلق عليه حالة من الانتهازية أو الفوضى الفكرية العفوية بصورة عامة التي لا تملك –في معظمها- وعيا متكاملا لوجهتها. وبذلك يكون من المحتم على الكوادر الماركسية الطليعية في احزابنا وفصائلنا اليسارية في الوطن العربي ان تخوض المعركة الأيديولوجية –بعقل مفتوح وبصورة ديمقراطية تحترم الرأي والرأي الآخر بعيدا عن التكتلات وآثارها الضارة- باعتبارها ضرورة اولية وماسة في هذه المرحلة، ولكن لكي نخوض هذه المعركة الأيديولوجية، من الضروري أن نؤسس خطنا الفكري، اذ أنه لن يكون ممكنا انجاز بناء تنظيمي صلب دون تأسيس هذا الخط، حيث التنظيم انعكاس للفكرة، وهو شكل التوسط بين النظرية والممارسة(11) . وبالتالي فإن مرحلة اعادة البناء وتعميق الهوية الفكرية لهذا الحزب أو ذاك من أحزاب اليسار في بلدان الوطن العربي تفرض علينا بلورة الاتجاه الفكري الماركسي المعبر عن حركة المجتمع الصاعدة، وحركة كادحيه وعماله وفلاحيه الفقراء، والشرائح الديمقراطية الثورية من البرجوازية الصغيرة في المدن والارياف أو القرى أو مخيمات اللجوء في الوطن والشتات بالنسبة لنا كفلسطينيين . ان مرحلة الاعداد التنظيمي تفرض أيضا، العمل على تأسيس الخلايا المتماسكة الصلبة، والقادة الأشداء بروح وممارسات ديمقراطية داخلية بعيدة عن المركزية ، وكذلك ايلاء القضية النظرية الماركسية ومنهجها اهتماما خاصا. وهنا لا يكون التركيز على هذه القضية، تعبيرا عن "اتجاه ثقافي"، أو "دعوة حزبية ضيقة"، بل تعبر عن حاجة موضوعية، تفرضها الظروف العينية، انها العمل الأكثر أهمية في هذه المرحلة، من أجل فتح آفاق مرحلة ثورية جديدة، فالمطلوب بلورة الدليل المرشد لحركة الجماهير العفوية. وهو ما لم يستطع احد بلورته بعد، رغم الجهود الكبيرة التي بذلها، ويبذلها مثقفون ثوريون كثر. ان الخطوة الأولى، تبدأ بالنظرية، الرؤية العلمية لواقعنا الراهن، لكي نكون قادرين على مواجهة القوة الأخطر، ونعني بذلك أيديولوجية الطبقة السائدة أو السلطة، الى جانب الأيديولوجيا اللاهوتية السائدة بمختلف تفرعاتها وألوانها، سواء الدينية-الطائفية، أو البرجوازية المثالية، أو الماركسية الجامدة. وهذا يعني السعي لتأسيس رؤية علمية محددة، تنطلق من المنهج المادي الجدلي، وتحليل الظروف الواقعية في كل قطر من اقطار الوطن العربي، لنخرج بتصور نظري علمي، يصلح لأن يكون مرشد عمل لأحزاب وحركات اليسار العربي على مساحة الوطن العربي كله. واذا كان الواقع هو الذي يحدد النظرية، فإن "اكتشاف" النظرية، ليست قضية آلية (ميكانيكية)، ولا تأتي من الممارسة –بمعنى العمل الجماهيري-، بل تاتي من الدراسة والبحث، وفتح آفاق الحوار والنقاش، والصراع الأيديولوجي. إن اي تنظيم، من المفترض أن يعمل من أجل أن يبلور النظرية الثورية، وفي خضم ذلك تطوير وعي الأعضاء بما يؤهلهم، أو يؤهل مجموعات كادرية منهم، لأن يكونوا طليعة واعية، قادرة على اكتشاف الحركة التاريخية في المجتمع، والدفع بها الى الأمام (دون أن نغفل الاهتمام بتأهيل الأعضاء الجدد بكافة الثوابت الفكرية والسياسية والتنظيمية كمدخل رئيسي وأولي وضروري لتأهيلهم لدورهم كأعضاء فاعلين في هذا الحزب او الفصيل او ذاك). اننا لا نتحدث عن الوعي والممارسة (أو النظرية والممارسة) في اللامكان واللازمان، ولا ندرس قضية فلسفية من أجل الدراسة فقط، بل اننا نحاول اساسا أن نؤسس عملا ثوريا في واقع محدد، كما في زمان محدد أيضا، وفي هذا الوضع يكتسب عنصر الوعي أهمية محددة، ومعنى محددا. إن العمل الثوري، ما دام يهدف الى تنظيم حركة الجماهير، واعطائها وعيا ثوريا شموليا، يقطع "الحبل السري" الذي يربط "وعيها" بالأيديولوجيا السائدة "هذه الحركة العفوية، والتي غالبا ما تكون راكدة هامدة، لكنها تنفجر بين الحين والآخر بشكل عفوي، ولسبب قد يكون بسيطا، وبالتالي ما دامت هذه الحركة تعاني من العفوية والتخلف، وما دام العمل الثوري يهدف الى التصدي للقوى الحاكمة، بكل أجهزتها العسكرية والأمنية فإن هذا العمل يحتاج الى توفير مسألتين مترابطتين: أولهما: الوعي، أي اكتساب الوعي الثوري القادر على تأسيس نظرية ثورية جديدة، وبذلك يكون الوعي اساس العمل الثوري. وثانيهما: التنظيم السري، القادر على العمل "غير الشرعي" ما دام الهدف تحقيق التغيير الجذري للوضع، دون الغاء الدور العلني الجماهيري الذي يجب العمل على تطويره واغنائه في مقابل وعينا بدور العمل السري في خدمة القضايا العلنية في النضال الجماهيري. ولهذا فإن تأسيس العمل الثوري أو اعادة البناء والتجدد كما هو مطلوب في معظم أحزاب اليسار، يفرض ايلاء القضايا النظرية اهتماما خاصا. ما دام المطلوب "عقلنة" الحركة الجماهيرية وتنظيمها، لأنه من باب أولى ان يجري العمل على تفعيل واستكمال الوعي الايديولوجي الماركسي بما يتطابق مع ضرورات واقعنا وتحولاته ومتغيراته في اللحظة الراهنة، انطلاقا من أن التغيير المنشود لا يتحقق إلا من خلال اكتساب الجماهير وعيا مطابقا. ان تأسيس الأيديولوجيا المعبرة عن الحركة التقدمية للمجتمع تغدو المهمة الملحة أو بشكل أدق المهمة الأكثر الحاحا في ظروف الانحطاط الراهنة . ولذلك فإن المطلوب –بالتسيق مع كافة الأنوية والأحزاب اليسارية في كل ساحات الوطن العربي- وضع أسس صحيحة لعمل ثوري كبير، وهذا يعني تحديد الاستراتيجية ، وتكوين وبناء الثوريين القادرين على تحقيق هذه الاستراتيجية، ذلك ان الذي يجعل المشكلة ذات أبعاد معقدة بسبب كون عملنا ونضالنا الثوري ينطلق دون تراث فكري أو ايديولوجي كبير وعميق، ودون وعي كاف بالظروف والتفاصيل المرتبطة بواقع بلداننا ومجتمعاتنا العربية في اللحظة الراهنة. ولهذا تجد معظم أحزاب وفصائل اليسار العربي كثيرا من الصعوبات في مواجهة تقدمها ووحدتها الفكرية والسياسية والتنظيمية من ناحية، أو في تماسك هويتها الفكرية من ناحية ثانية، علما بأن هذه الاحزاب ان لم تميز نفسها عن كل التيارات والاتجاهات اليمينية القائمة، وان لم تستطع التحديد الدقيق لمبررات وجودها الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية بالمعنى الماركسي، الى جانب الديمقراطية الداخلية كشرط رئيسي من شروط تقدمها وتوسعها التنظيمي بعيدا عن كل مظاهر الشللية من ناحية ، وكشرط أيضا لانتشارها في اوساط الجماهير الشعبية ، وبدون ذلك لن يكتب لها التطور والتقدم.
الضرورة الملحة لمراجعة مفهوم المركزية وتعميم الديمقراطية منهجاً وسلوكاً في كافة أحزاب اليسار في مغرب ومشرق الوطن العربي: إن مفهوم «المركزية الديمقراطية» الذي مثّل أسس الحياة الداخلية، كان الشعار الذي أسس لممارسات التفرد والاستبداد وعبادة الفرد في العديد من الأحزاب الشيوعية، لأن كلمة الديمقراطية في هذا المفهوم لم تكن ذات معنى، سوى بالممارسة الشكلية لحق الانتخاب، بينما عنت المركزية –في تلك الاحزاب- سيطرة «الهيئات الأعلى» فالأعلى، والأعلى هو الأمين العام و المكتب السياسي. وإذا كان لينين هو الذي انتج هذا المفهوم، فقد عنى به اتحاد إرادات حرّة. في الممارسة من أجل تغيير الواقع. لهذا إشتمل عنده على مبدأ حق إبداء الرأي وحق الاختلاف، ومبدأ تقرير سياسات الحزب من خلال الحوار المكتوب، والعلني، ومن خلال إقرارها في مؤتمرات حقيقية. تشهد صراعات حقيقية، وتأتي نتيجة الانتخاب كتعبير عن هذه الصراعات. لاشك أن الصيغة اللينينية للمفهوم لا تزال راهنة، وهي، صحيحة، ومهمة أيضاً، لكن لابد من أن نلاحظ، أولاً أن هذا المفهوم يمكن تفسيره بصورة أحادية انتهازية ومن ثم توليد الاستبداد اعتمادا على لفظ أو مصطلح المركزية ، وبالتالي اعترى المفهوم حالة من التشويه، عبر أساليب حزبية بيروقراطية في إطار العلاقة الميكانيكية والتابعة لأحزابنا الشيوعية مع المركز في موسكو، دون أي تفكير جدي موضوعي بانتقاد التجربة البيروقراطية وصيغ الاستبداد الحزبية واستبدالها بالمفاهيم والصيغ الديمقراطية الكفيلة بتطور واستنهاض وانتشار الحزب الماركسي/ الشيوعي الثوري. ففي ضوء المتغيرات النوعية في حياة الأحزاب الشيوعية منذ ثورة أكتوبر 1917 وخاصة بعد وفاة لينين ، وتفشي مظاهر عبادة الفرد والاستبداد بذريعة أسبقية المركزية على الديمقراطية في معظم تلك الأحزاب – بدرجات مختلفة- استمرت حتى لحظة انهيار الاتحاد السوفياتي 1991، الأمر الذي يعني إن مختلف تلك التجارب قد أثبتت أن على كافة أحزاب وفصائل اليسار الماركسي إعادة النظر في كيفية تطبيق مفهوم المركزية الديمقراطية، ليس بمعنى نفيه، بل بتمحيصه، ومحاولة إعطائه معنى أشمل مما كان عليه خلال الحقبة الماضية، بما يجعل من هذا المفهوم أداة لتطور وتجدد الحزب ديمقراطياً على قاعدة الالتزام الخلاق بالماركسية اللينينية، بعيداً عن كل أشكال البيروقراطية والتفرد والجمود من ناحية، وبعيداً عن كل الممارسات التوفيقية أو المجاملة أو الحلول الوسط من ناحية ثانية، لكنني ادرك ان هذا المطلب مرهون بعمق التربية الحزبية المستندة الى الروح والأخلاق الرفاقية من جهة والى الوعي بالنظرية ومبادئ الحزب الى جانب مكونات الواقع السياسي الاقتصادي الاجتماعي في كل قطر من جهة ثانية. إن تناولي لمظاهر الخلل في احزابنا وفصائلنا اليسارية الماركسية ، يفرض علينا، لا أن نعرف مكامن الاختلال فقط، بل أن نسعى عبر تزايد الوعي بالنظرية ومكونات الواقع المعاش بصورة نوعية، جنباً إلى جنب مع ممارسة الأخلاق الثورية الرفاقية، لأن يصبح مفهوم الديمقراطية، والمركزية الديمقراطية ذا معنى أشمل، يؤدي إلى الخروج من الأزمة التي تعيشها أحزاب اليسار راهنا إلى النهوض المأمول في استعادة دورها الطليعي ، بما يضمن منع الاختلال مستقبلاً، ويؤسس لبنية ديمقراطية حقاً في قيادة وقواعد الاحزاب، تكفل استقرار وحماية الحزب وصعوده وانتشاره في أوساط العمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين في المرحلة الراهنة بما يعزز صعود مسيرته النضالية وانتصاره المستقبلي ، وهذا التوجه مطلوب بالضرورة لكافة الأحزاب في كل بلدان العالم عموما ، وفي البلدان المتخلفة في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية وبلدان مغرب ومشرق الوطن العربي خصوصا ، التي تعيش حالة من التطور الطبقي غير المتبلور والمشوه في ظل مجتمع محكوم حتى اللحظة بعوامل التخلف والتبعية والاستبداد والاستغلال، الى جانب غياب الوعي الطبقي لدى العمال والفلاحين والفقراء الكادحين والمضطهدين في بلادنا. وفي هذا السياق، أشير إلى أنه إذا كانت الطبقة العاملة في البلدان الصناعية مارست تقاليد الديمقراطية التي اكتسبتها من خلال البنية التحتية التي أوجدتها البرجوازية (التقدم الصناعي والعلمي والتنويري)، فإنها عندنا لم تعرف ذلك بل عرفت –وما زالت- بنية بطركية بلباس حداثي شكلاني رث، هي أساس التسلّط، إلى جانب استمرار هيمنة الفكر التقليدي التراثي السلبي بذريعة الدين والعادات والتقاليد في خدمة مصالح الأثرياء القدامى منهم والجدد الكومبرادوريون، وفي ظل عفوية جماهيرية تكاد تكون مستسلمة لهذا الفكر ورموزه الطبقية والتراثية، وهو ما يجعل مسألة التنظيم في بلدان مغرب ومشرق الوطن العربي أكثر صعوبة، أو كمن يحفر في الصخر، ولا خيار لنا – من اجل التغيير الديمقراطي وتحقيق أهداف شعوبنا عموما وجماهيرنا الشعبية خصوصا- سوى مواصلة ذلك الحفر بإرادة جماعية واعية تتخطى كل المعوقات ، وتوفير الأسس والبرامج والاليات السياسية والفكرية والثقافية والتنظيمية اللازمة لتكريس الديمقراطية في مجتمعاتنا، فالديمقراطية عندنا تعتمد على الوعي أكثر من إعتمادها على الأطر والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية التابعة والمتخلفة الراهنة، وهذا ما له علاقة بالظروف الموضوعية ارتباطاً بأوضاع التبعية والتخلف التي نعيشها، وبالتالي فإن كل حزب او فصيل ماركسي في بلداننا ، يجب أن يجسد المعنى الحقيقي للمثقف العضوي – بالمعنى الفردي او الجمعي - الى جانب تجسيده الفعال لمفهوم المثقف العضوي الثوري الحامل الاجتماعي البديل للطبقة الغائبة أو غير المتبلورة. أما الجانب المتعلق بالظروف الموضوعية، فإننا نتفق على أن تغيّر الظروف الموضوعية يؤدي إلى تأثيرات مختلفة في بنية التنظيم أيضاً. وما دامت الظروف الموضوعية ليست ثابتة بل تتطور باستمرار، فإن تأثيرات تطوّرها الاجتماعي أو الطبقي ، تنعكس أيضاً على البنية الديمقراطية في التنظيم، وبما أن تناول الوضع الطبقي في مجتمعاتنا ، تناول متعدد ، حيث ينقسم هؤلاء إلى مجموعات لكل منها وضع طبقي خاص، نتيجة الظروف "السياسية" التي تحكم كل مجموعة في كل بلد او مجتمع (كما هو الحال في الاختلافات التطورية الاجتماعية بين مصر و المغرب والجزائر وموريتانيا واليمن وبلدان الخليج والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا ...الخ وما بينها من خصوصيات اجتماعية مختلفة) وبالتالي اختلاف ظروف كل منهما، رغم أنه ليس اختلافاً نوعياً في كل الأحوال ، حيث أن هذا التطور المشوه في مجتمعاتنا ، أدى إلى تكوين شرائح اجتماعية طبقية كومبرادورية جديدة مرتبطة ومتكيفة بدرجات متفاوتة مع شروط التبعية والتحالف الامبريالي الصهيوني ، وما يحمله هذا التكيف من مفاهيم مجتمعية، تابعة ومتخلفة ورثة في آن واحد ، ترى في الديمقراطية الحقيقية وممارستها، في ظل وحدة الموقف والنظام السياسي ، نقيضاً لمصالحها الطارئة والمستحدثة ، وقد يعود السبب في ذلك إلى أن بلداننا المتخلفة لم تشهد تجربة الثورة الديمقراطية البورجوازية ، وظل التسلط والقمع والاستبداد، جنباً إلى جنب مع العادات والتقاليد الاجتماعية والتراثية الأبوية أو البطركية السالبة ما قبل الرأسمالية، مكوناً جوهرياً في بلادنا ، فالوعي السائد لم يستطع تجاوز "العادات الاجتماعية" القديمة، الأمر الذي أدى إلى تسرب مظاهر التخلف الفكري والإداري والتنظيمي والاقتصادي إلى داخل معظم أحزاب وفصائل اليسار في بلادنا، حيث ظل دور المثقفين هامشياً في العديد من هذه الأحزاب، في مقابل استمرار حالة الارتباك والتشوش الفكري والهيمنة البيروقراطية عليها. فإذا كان المفكر والقائد الشيوعي العبقري لينين قد رّكز على المركزية ، وعلى خضوع الأقلية للأغلبية، والأدنى للأعلى، فإننا –في كل أحزاب اليسار في الوطن العربي- بحاجة إلى وضعها في إطارها الحقيقي ضمن مفهوم أكثر شمولاً للمركزية الديمقراطية، وهو مفهوم يعتمد أساساً على الديمقراطية الواسعة ضمن تراتبية الأطر التنظيمية ووفق الالتزام الخلاق والمتجدد بهوية الحزب الفكرية وبرنامجه السياسي التحرري والطبقي، لأن التركيز على المركزية وحدها مرادفاً للانضباط والالتزام التنظيميين، وبتجاهل كامل للديمقراطية، سوف يقود إلى إختلال أساسي في مجمل العملية التنظيمية، خاصة في ظل ضعف وتراجع الدافعية الذاتية، والأخلاق الرفاقية التي تقوم على الاحترام المتبادل، ومن ثم ضعف تطبيق مفهومي الالتزام والانتماء الحزبي، الأمر الذي يؤدي إلى نشوء الظواهر السلبية والانتهازية التي أشرنا إليها. اذن المركزية كما افهمها وادعو الى الالتزام بها، يجب أن تترافق مع الديمقراطية الواسعة. وبالتالي فإن الممارسة الفعلية الواعية للديمقراطية داخل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلادنا، هي أحد الضمانات الكفيلة بتطبيق مبدأ المركزية تطبيقاً خلاقاً يوفر التناسق والانسجام الرفاقي بين الهيئات القاعدية والوسطى والعليا في الحزب، بمثل ما يضمن صيرورة التجدد النوعي في صفوف الحزب وهيئاته بعيداً عن كافة المظاهر البيروقراطية والشللية، بما يحقق الحفاظ على مركزية الحزب وجوهرها الديمقراطي وتماسك هيئاته عبر التفاعل الرفاقي بينهما بعد طرد وإزاحة مظاهر وأدوات الخلل فيه. ولنلاحظ، ثانياً، أن المفهوم، أي مفهوم، محدّد في الزمان والمكان الذي أنتج فيه، وبالتالي فهو يخضع لتحوّلات الزمان والمكان، لذا يكون من الضروري عادة ، إعادة إنتاجه على ضوء التجربة الواقعية، ولاشك أن تجربة ثلاث أرباع القرن أو أكثر من الممارسة ، يجب أن تسمح بتحديد أعمق للمفاهيم، وإعادة إنتاجها لتغتني بثراء تجربة طويلة، ومفهوم المركزية الديمقراطية خاضع لإعادة الإنتاج هذه من أجل تطوير وتكريس العلاقات الداخلية في فصائلنا واحزابنا على أسس ديمقراطية أولا بالاستناد إلى أسس تشكيل الحزب الماركسي اللينيني الديمقراطي. هذه هي المسألة التي يجب أن تشغلنا، وهي مسألة تتعلق بالبنية العامة للحزب (بالعضوية، بتطوير الوعي، وبتكوين الفرد)، مع التأكيد على جملة حقوق بديهية ، وهي حق إبداء الرأي، حق الاختلاف، حق الانتقاد، وحق إعلان كل ذلك، حق أن يعبر العضو عن آرائه بحرية تامة، وان يعلن اختلافه مع سياسات الحزب ، وأن ينتقد هذه السياسات ، وهي خطوات أو توجهات مقترحة تحتاج إلى جرأة معرفية من الرفاق عموماً وقيادات وكوادر أحزاب وفصائل اليسار الماركسي محكومة ومشروطة بالوعي العميق بالماركسية اللينينية ومنهجها وبكل جوانب الواقع السياسي الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في هذا البلد أو ذاك من بلدان الوطن العربي . أخيرا لا بد أن نؤكد ان النظرية تتأسس من دراسة الواقع، لكن انتصار احزابنا وفصائلنا في تحقيق أهدافها الوطنية التحررية والاجتماعية الطبقية الديمقراطية ، لا يتم إلا بالعمل الثوري الديمقراطي الواعي والمنظم والمدرك لأهدافه الوطنية والقومية والاممية بصورة واضحة لا لبس فيها. ولذلك فإن مهماتنا الآن تتمثل في دراسة الواقع الذي نعيشه جنبا الى جنب مع العمل من أجل انتصار اهدافنا في التغيير الديمقراطي الذي تتطلع اليه جماهيرنا الشعبية، لإن تكوين واعداد المجموعات الكادرية من الثوريين الأكفاء والواعين هو الطريق لتدعيم النشاط الثوري من ناحية وتطوير الحركة العفوية للجماهير وارتباطها الواعي باحزابنا من ناحية ثانية، الأمر الذي يفتح الآفاق الحقيقية عبر مسيرة النضال التقدمي الديمقراطي صوب تحقيق الأهداف المنشودة.
****
(1) مجموعة من الفلاسفة السوفيات "الموسوعة الفلسفية" ترجمة سمير كرم،دار الطليعة (بيروت)ط4 كانون الأول 1981،(ص578) (2) المصدر السابق (ص7-8). (3) سمير أمين "علاقة التاريخ الرأسمالي بالفكر الأيديولوجي العربي" دار الحداثة (بيروت ط1،1983 (ص34). (4) لينين "ماالعمل؟" مصدر سبق ذكره (ص39). (5) إنجلز "حرب الفلاحين في ألمانيا" تعريف محمد أبو خضور،دار دمشق (دمشق) دون تاريخ (ص23). كما ورد النص في لينين "ما العمل؟." مصدر سبق ذكره (ص35). (6) الموسوعة الفلسفية، مصدر سبق ذكره ص587. (7) لينين، ما العمل؟ مصدر سبق ذكره(ص42-3) (8) لينين "بعض خصائص تطور الماركسية التاريخية"-دار التقدم-موسكو-ط1-1978-ص8. (9) ماركس "نقد برنامج جوتا" دار التقدم-موسكو-دون تاريخ-ص10. (10) لينين "ما العمل؟" مصدر سبق ذكره-ص31-32. (11) لوكاش، وآخرون "في التنظيم الثوري"-دار الطليعة (بيروت)-ط4-ص18.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للتاريخ ... شروط قبول هيئة الأمم المتحدة بعضوية دولة -إسرائي
...
-
خاطرة عن الوالد الصديق والرفيق القائد المؤسس الحكيم جورج حبش
-
رؤية راهنة ومستقبلية حول الماركسية كمنهج حي وليست عقيدة جامد
...
-
يهودية الدولة ومستقبل الصراع العربي الصهيوني
-
البعد القومي للصراع العربي الصهيوني
-
حديث فلسفي عن الضرورة التاريخية لصياغة منظومة حضارية معرفية
...
-
امتلاك مقومات التطور العلمي المعرفي والتكنولوجي عنصر رئيسي ل
...
-
عن رواد الإصلاح الديني رفاعة الطهطاوي والافغاني ومحمد عبده و
...
-
تقديم الصديق والرفيق المؤرخ عبد القادر ياسين للمجلد الثاني ع
...
-
رؤية موضوعية تحليلية ، تاريخية وراهنة لتطور حركة التحرر العر
...
-
بوضوح ....
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
-
حاجة المثقف العربي إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة
-
كيف يمكن للعرب أن يبحروا في خضم المجتمع العالمي الزاخر بالتغ
...
-
في حضرة ليلى خالد
-
لماذا أخفقنا كيساريين ماركسيين في الوطن العربي ونجح غيرنا ؟
...
-
بمناسبة الأول من أيار 2025: رؤية وموقف معزز بالبيانات والأرق
...
-
غزة المنكوبة بالقصف والموت والجوع والمرض تستغيث وتستجير باخو
...
-
وجهة نظر حول استمرار انسداد الوحدة القومية في الوطن العربي
-
عن الهوية القومية العربية وفق المضمون الحداثي كشرط لتفاعل ال
...
المزيد.....
-
آلاف المتظاهرين في برلين: أوقفوا الإبادة في غزة
-
آلاف المتظاهرين في برلين يطالبون بوقف الإبادة الجماعية في غز
...
-
آلاف المتظاهرين في برلين يطالبون بوقف الإبادة الجماعية في غز
...
-
لندن.. عنف واعتقالات بين الشرطة ومتظاهرين من اليمين المتطرف
...
-
م.م.ن.ص// إنزال الدبابات للشوارع هو جواب معقل ديمقراطية رأس
...
-
فرنسا: رئيس الوزراء الجديد يتخلى عن إلغاء عطلتين رسميّتين وي
...
-
مباشر: ندوة “استلهام وتطوير الخط الثوري لمنظمة إلى الأمام ال
...
-
بيان الحزب الشيوعي العراقي لمناسبة انعقاد مهرجان اللومانتيه
...
-
وكالة حماية البيئة الأميركية تمهّد لوقف الإبلاغ الإلزامي عن
...
-
جنازة أحمد الزفزافي : محطة أخرى مشرقة في مسلسل نضال الريف من
...
المزيد.....
-
الحزب الماركسي والنضال التحرري والديمقراطي الطبقي واهمية عنص
...
/ غازي الصوراني
-
حول أهمية المادية المكافحة
/ فلاديمير لينين
-
مراجعة كتاب (الحزب دائما على حق-تأليف إيدان بيتي) القصة غير
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مايكل هارينجتون حول الماركسية والديمقراطية (مترجم الي العربي
...
/ أحمد الجوهري
-
وثائق من الارشيف الشيوعى الأممى - الحركة الشيوعية في بلجيكا-
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
الثقافة والاشتراكية
/ ليون تروتسكي
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
المزيد.....
|