|
امتلاك مقومات التطور العلمي المعرفي والتكنولوجي عنصر رئيسي لنهوض بلدان وطننا العربي
غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8433 - 2025 / 8 / 13 - 16:40
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شهد العقدين الأخيرين من القرن العشرين وصولا الى العقد الخامس من القرن الحادي والعشرين متغيرات نوعية لم تعهدها البشرية من قبل ، وذلك من حيث شدة تأثيرها وتدفقها في كل الاتجاهات – على مساحة هذا الكوكب – وفي كل المجالات الحياتية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، علاوة على تسارع عملية تطور تكنولوجيا العلم والمعرفة بصورة نوعية هائلة، اقتصر على دول المنظومة الرأسمالية المعولمة التي جعلت منه أداة في خدمة سياساتها الامبريالية وعدوانها المباشر وغير المباشر ضد الشعوب الفقيرة من اجل إخضاعها والتحكم بمقدراتها وثرواتها ومواردها ، ما يعني ان مجتمعاتنا العربية باتت اليوم بحاجة ماسة لوعي واستيعاب الدور الذي لعبته الانترنت وتكنولوجيا المعلومات في المجالات السياسية والمجتمعية، وآثارها الايجابية على تطور واستنهاض بلداننا عبر امتلاكها لمفاهيم الحداثة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، الى جانب امتلاكها لأسس التقدم التكنولوجي (انترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي والعقود الذكية والاقتصاد الذكي والمدن والمباني الذكية... إلخ ) لتطوير المؤسسات التعليمية والثقافية والصحية والزراعية وغير ذلك من المؤسسات، حيث أننا نتفق أن التقدم التكنولوجي عموماً ، واستخدام الانترنت وتطوره المذهل خصوصاً في هذه المرحلة من القرن الحادي والعشرين عبر التطور الهائل للذكاء الاصطناعي، أتاح لبعض شعوب ومجتمعات العالم مزيداً من التطور والتقدم المذهل خاصةً في بلدان المركز الرأسمالي الامبريالي (الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي واليابان ) إلى جانب روسيا والصين والبرازيل وجنوب افريقيا وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية البلدان المنضوية في المنظومة الرأسمالية العالمية . أما بالنسبة لبلداننا العربية التي ما زالت ترزح تحت نير التخلف والتبعية ، فإن تفاعلها مع متطلبات التقدم التكنولوجي والانترنت عموما ، والذكاء الاصطناعي خصوصا ، لم يتجاوز حتى اللحظة الجانب الاستهلاكي بعيداً عن الجانب المعرفي والعلمي الذي يوفر الخطوات الأولى صوب تجاوز التخلف والتبعية على طريق الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ... إلخ ومجابهة كافة تحديات العولمة الإمبريالية وشريكها الصهيوني في بلادنا بما يمكننا –كعرب- من استخدام التكنولوجيا والانترنت في خدمة أهدافنا الوطنية والقومية، التحررية والديمقراطية. اقدم فيما يلي توضيحا لمفهوم الذكاء الاصطناعي كما ورد في : كتاب أ.طلال أبو غزالة "العالم المعرفي المتوقد" : ركز الخيال العلمي منذ فترة طويلة على مواضيع تتناول آلات معززة بالذكاء الاصطناعي (AI)، قادرة على الخلق والتفكير والتصرف بالطريقة نفسها التي يتصرف بها البشر. تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بوصفها وسيلة لتحقيق ازدياد الإنتاجية والتقدم في جميع مجالات الحياة هي موضوع دراسة دؤوبة. وهي دون شك أحد الأسس الرئيسة للتكنولوجيا المستقبلية. جميع تلك الابتكارات الذكية، "إنترنت الأشياء"، وتكنولوجيا النانو، والمركبات الذاتية القيادة، والعديد من المجالات الأخرى ، تدين بحاضرها ومستقبلها للدماغ الذي كان ولا يزال القوة المحركة لها. ما يعطي أنظمة الذكاء الاصطناعي مركز الريادة هي تلك القدرة على التحليل والربط بين مقادير ضخمة من المعلومات في لحظة واحدة، واستخدام هذه المعلومات لاتخذا القرارات ، وقبل كل شيء للتعلم. الفرضيات والأفكار التي تشكلت في العقل البشري بمساندة الذكاء الاصطناعي سوف تتفاعل مع بلايين المعلومات التراكمية العالمية فاتحة للبشر أبواب التوصل إلى نتائج أكثر دقة ومعلوماتية. دماغ الذكاء الاصطناعي سيتجاوز أدمغتنا البشرية الحالية نظراً لقدراته على تفهم وتوليف ملايين الكتب في موضوع معين خلال ثوان معدودة، ومن ثم تجهيز كافة المعلومات المتاحة أمامنا كما لو كنا نعرفها من قبل. الذكاء الاصطناعي سيغير بشكل جذري أساليب تعاملنا مع الأحداث الطارئة مثل البحث والإنقاذ بعد وقوع زلزال، أو عمليات التنظيف لدى انتشار السموم الضارة للبشر الناتجة عن انهيار المفاعلات الذرية. وسوف يتمكن روبوتات الذكاء الاصطناعي من اللحاق المباشر بمسرح حوادث المرور ورفع المركبات بسهولة، والكشف على إصابات ً حتى الركاب بيسر، وسحب الضحايا للعالج، وتعطيل الحرائق وغيرها من الإخطار نزولاً حتى توفير الإسعافات الأولية. مصانع ومنشآت الصناعة اليدوية ستكون "صناديق سوداء" مغلقة كلياً، تشغلها الروبوتية بالكامل وتسيطر عليها مقومات الذكاء الاصطناعي من البداية إلى النهاية. ريادة الفضاء سوف تصبح شأنا روبوتياً بامتياز موجهاً كلياً بالذكاء الاصطناعي لتعزيز معرفتنا بالفضاء إلى درجة متقدمة. الجيل القادم من تجار الأسواق المالية سيكون عبارة عن آلات يحركها هذا الذكاء والتي سوف تتنافس للتنبؤ بالاتجاهات داخل الأسواق وتحديد الاستثمارات المربحة. علم النفس والذكاء الاصطناعي : يقول أ.طلال أبو غزالة : ان ”الذكاء الاصطناعي“ في جوهره، هو إذن نسخة ممكننة ومبسطة عن الشبكات العصبية البشرية والمعالجة المعرفية. هنا نلاحظ الترابط الكبير بين علم النفس والذكاء الاصطناعي الذي تتفاعل عوامله وتأثيراته بين الإثنين. وهما يحظيان الآن ببالغ الإهتمام والدراسة المنطقية إلى جانب الوسائل المستخدمة كنماذج لتوسيع استيعابنا لما يتعقد من مبادرات في العلوم والفنون. هذا الترابط بين أداء علم النفس الإنساني ومجالات التوسع المتسارعة للذكاء الاصطناعي أصبح من الفعالية بمكان. اكتشاف الشبكات العصبية في الدماغ البشري التي تناهز ال86 بلیونا ً من النورونات أو الخلايا العصبية المترابطة كلياً، مقابل شبكات الكمبيوتر ”العصبية“ التي تقتصر ”الخلايا“ فيها على أعداد قليلة بالمقابل، تزيد من تعقيد هذه المسألة وتشير إلى أنواع مقتصرة من الذكاء معظمها تحليلية، ولغوية وعاطفية ألخ. فمن الطبيعي أن يختلف علماء النفس واختصاصيو الأعصاب ُ في كون هذه الأنواع من الذكاء متشابكة أو ملازمة لشخص معين. ولا يزالون يأملون أن تصل هذه الشبكات العصبية يوما ً إلى تركيبة متطورة تقارب الدماغ البشري. كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تلبية مستلزمات هذا الذكاء البشري؟ في أول سلم الأولويات لا بد أن يأتي حصر وإدارة المعطيات والمعلومات. وهذا في الواقع ما يفعله الذكاء الاصطناعي الآن: إنه يحتسب أفضل المعادلات الرقمية الخوارزمية التي تشرح مقاربات الإدخالات والنواتج . ولعل أفضل ما يقوم به الذكاء الاصطناعي – كما يضيف أبو غزالة- هو التحليل والتصنيف، واستبيان العلاقات بين كميات كبيرة من البيانات أو المعلومات، بسرعة وفعالية للتوصل إلى توقعات دقيقة للغاية: عمليات خوارزمية واضحة ومتقدمة. ويزداد عمل الذكاء الاصطناعي حاليا، كماً وكيفاً، في السعي لتحقيق هذه الأهداف، بالرغم من أن أياً منها محدد وثابت من قبل مهندسيه الذين يمنهجون عبر علم نفس مَوَجَّه ومستقل، كيفية تحديد هذه المهام. هنا بالضبط يكمن الذكاء الحقيقي: القدرة على استخدام الموارد لحل المشاكل التي تم تحديدها في بيئة معينة دون اللجوء لإشراف خارجي. علينا إذن أن نضع في اعتبارنا أن مبرمجي الذكاء الاصطناعي هم أساسا بشر سوف يستمرون متفوقين على ”مخلوقاتهم“ من نواح كثيرة. نحن متفوقون سيكولوجياً بوصفنا نمتلك الغرائز، والحس السليم، والأهم من ذلك، تجارب حياتنا التراكمية. سوف تفتقر أجهزة الكمبيوتر دائما ًإلى الإبداع والخيال والإلهام. لن يتوصل أي منها مثالاً لنظم قصيدة، أو الترنم بأغنية، أو الحلم باختراع جديد. أية مقاربة سيكولوجية لهذا الذكاء تظهر انه صمم ليعكس السلوك البشري بطرق إيجابية وسلبية على حد سواء. من هنا يأتي علم النفس مناسبا ّللشروع في ترسيخ الأسس السليمة للذكاء الاصطناعي، كونه يتقصى العقل البشري والحياة والسلوك، كما أن فروعه المعرفية والاجتماعية والتنظيمية تضع هذا الذكاء على النهج الصحيح لاكتساب مؤهلات الولوج في صفات بشرية لا غنى عنها لدى تخطيط البرامج وتنقيح البيانات. لذا يجري حاليا تطعيم هذا الذكاء "بسيكولوجية إصطناعية“ تهدف إلى استخدام قدراته الخاصة لاتخاذ قرارات دون تدخل إنساني. وسيكون هذا خروجاً عن محاكاة سلوك الإنسان إلى سلوك ذاتي مستقل.. وبوابة التطوير القادم مفتوحة على مصراعيها. هذه التكنولوجيا ستدفع حتما بالعالم إلى مراحل جديدة وغير عادية من التنمية إذا تمت السيطرة عليها واستمر تعهدها بشكل صحيح. كما أنها ستتخلل جميع القطاعات والصناعات ومجالات الحياة البشرية، لقد تم انتشارها في كل مكان، وأصبحت رديفة لشبكة الإنترنت، توفر انطلاق ظاهرة التفرد ”Singularity ”الآتية بقوة في نهاية المطاف. وهنا بالضبط يتجلى امامنا السؤال التالي: كيف نفهم ونتفاعل مع مفهوم المعرفة في ظل منظومة العولمة الراهنة..؟ وجوابنا على هذا السؤال يتحدد في أن المعرفة التي ندعو الى امتلاكها ووعيها ، هي المعرفة المشغولة بالعلم والاستكشاف المرتكز الى العقل والتجربة ، وتخليص البحث المعرفي من سلطة السلف وقدسية الأفكار، كمدخل لا بد منه لتحرير الواقع العربي من حالة التخلف والتبعية والخضوع، وتحرير فكرنا العربي من حالة الجمود والانحطاط ، ذلك ان اعتماد العقل كأداة وحيدة للتحليل ، والعقلانية كمفهوم يستند على المنهج العلمي الجدلي ، سيدفع بفكرنا العربي – ولا أقول عقلنا العربي – صوب الدخول في منظومة المفاهيم العقلانية التي تقوم على أن للعقل دوراً أولياً ومركزياً في تحليل الواقع ، والتحكم في سيرورة حركته ، وهو أمر غير ممكن – كما يقول هيجل – ما لم يصبح الواقع في حد ذاته معقولاً ، أو مدركاً ، عبر الممارسة العملية في سياق تطبيقنا لقوانين ومقولات الجدل ، التي لا تكمن أهميتها في كونها قوانين لتطور الواقع فحسب وإنما هي أيضاً، قوانين لتطور التفكير والمعرفة، خاصة في عصرنا الراهن، عصر العولمة ، الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والأفكار والقواعد المعرفية السائدة، لحساب "رباعية البيانات والمعلومات والمعارف والحكمة " فكما أفرزت تكنولوجيا الصناعة مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة ، كذلك أفرزت تكنولوجيا المعلومات مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة، تمثله الثلاثية التالية : مجتمع المعلومات ، مجتمع المعرفة كأهم مورد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، مجتمع التعلم والذكاء البشري والاصطناعي" فالمعرفة في هذا العصر " هي حصيلة هذا الامتزاج الخفي بين المعلومات والخبرة والمدركات الحسية والقدرة على الحكم ، لتوليد معرفة جديدة ، وصولاً الى الحكمة أو ذروة الهرم المعرفي ، واستخدامها في تقطير المعرفة إلى حكمة صافية ، " وتجاوز " المتاح من المعرفة ، وزعزعة الراسخ ، من أجل فتح آفاق معرفية جديدة لترشيد استغلال الموارد واستخدام الوسائل والموازنة بين تحقيق الغايات وكلفة الوصول إليها " في عالم أصبحت البلدان المتقدمة والمهيمنة فيه ، تتعاطى مع مفهوم العالَم الإدراكي كنظير معرفي للعالَم الفيزيائي ( المادي ) ، فكما حدد أينشتين للفيزيائي معادلته الشهيرة التي تربط بين الكتلة والطاقة ، يقترح بروكز ، في المقابل ، ثنائية " المعلومات – المعرفة " كأساس للعالم الإدراكي ، ومحركاً رئيسياً للاقتصاد الحديث . إذن ، نحن أمام مفهوم جديد للمعرفة، زاخر بالحركة الصاعدة صوب المستقبل بلا حدود أو معوقات، اعتماداً على ثورة المعلومات والاتصالات وعلوم الكمبيوتر والتكنترون ، والميكروبيولوجي ، والهندسة الوراثية، الى جانب العلوم الحديثة في اللغة ، والاجتماع ، والانثروبولوجيا والتاريخ والجغرافيا البشرية والاقتصاد ، بحيث أصبح مفهوم المعرفة المعاصر – في ظروف العولمة الراهنة - شاملاً لكل العلوم الطبيعية والإنسانية في علاقة عضوية لا انفصام فيها من ناحية ، ومحصوراً في كوكبنا - إلى حد بعيد - في بلدان المركز الرأسمالي القادرة وحدها على إنتاج وتصدير العلوم والمعارف من ناحية أخرى ، بحيث بات من غير الممكن تطبيق هذا المفهوم على أوضاعنا العربية وبلدان الجنوب أو العالم الثالث عموماً دون امتلاك جزءاً هاما من مقوماته والتفاعل مع معطياته ، واستخدام آلياته وقواعده ، كمدخل وحيد لجسر الهوة المعرفية ، بيننا وبين تلك البلدان ، آخذين بعين الاعتبار، أن لكل معرفة خصوصيتها المرتبطة والمحددة من حيث شكلها وجوهرها ، بحركة صعود أو بطء آليات التطور الداخلي في هذا المجتمع أو ذاك من ناحية ، وبالعوامل الخارجية المؤثرة في متغيرات ذلك التطور من ناحية ثانية ، حيث أصبح من غير الممكن التعاطي مع هذه المتغيرات أو فهمها أو الاقتراب منها دون فهم واستيعاب ظاهرة العولمة الرأسمالية باعتبارها الإطار المرجعي لكل هذا الانتشار والهيمنة ، لقد استكملت هذه الظاهرة نموها وتراكماتها في نهاية عقد الثمانينات ، وانطلقت بحركتها اللامحدودة خلال عقد التسعينات ، وهي ، اليوم ، مع بداية القرن الواحد والعشرين ، أصبحت قوة من أهم القوى المؤثرة في حقائق العصر الراهن ، قد تدفع نحو القطيعة مع كثير من الأسس والمعطيات الفكرية والسياسية التي صاغت العقل الإنساني في الحقب التاريخية السابقـة من جهة والى القطيعة مع شكل وجوهر العلاقات الدولية التي أقرتها وثائق الأمم المتحدة في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 من جهة ثانية. وبناءً على ما تقدم ، ونظراً لأهمية موضوع العولمة والتقدم التكنولوجي في إطار التطور الهائل للانترنت على الصعيد العالمي ، فقد ارتأيت تناوله باختصار بحكم ضرورته القصوى في استيعاب قضايا التقدم التكنولوجي عموماً والانترنت خصوصاً ، لمناقشة محاور مفصلية تَهُمّ أحزاب وقوى اليسار في بلداننا بما يعزز دورها في بناء مستقبل التطور النهضوي التقدمي الديمقراطي لبلداننا ، والعمل على امتلاكنا للعديد من التكنولوجيات المثيرة لاستباق التحديات واكتشاف الفرص، والكيفية المحتملة التي سيتغير معها العالم نتيجة لكل ذلك، وما ستؤديه تلك المتغيرات على التطور العلمي والمجتمعي العربي من ناحية وعلى أحزاب اليسار العربي من ناحية ثانية. إن تاريخ الإنترنت قد تم توثيقه بدقة، حيث أن بذورها الأولى تم زرعها عن طريق ”وكالة مشاريع البحوث المتقدمة للدفاع“ (DARPA) في الولايات المتحدة، ليتم تطويرها تباعا عن طريق بحاثة آخرين كان أولهم ”تيم بيرنرز لي“ الذي أرسى القواعد الأولى للإنترنت العصرية التي نراها بيننا اليوم، والتي سُمَيت في البداية ”شبكة العالم الأوسع“ أو (Web Wide World). وفي هذا السياق فإن العديد من التساؤلات السلبية تغزو العقل البشري في هذا الزمن: إلى أين نحن ذاهبون مع هذه التكنولوجيا المداهمة؟ وهل سيكون الذكاء الاصطناعي القادم بقوة مؤشرا لنهاية العصر الإنساني؟ ومتى سوف تستسلم ثقافتنا البشرية لهذه التقنيات؟ وهل يعني ظهور هذه التكنولوجيا الترسيم التدريجي لمستقبلنا؟ والأهم من ذلك، هل ستكون هذه نهاية الحلم البشري بأكمله أم؟ بداية لمستقبل أكثر إشراقا؟ والجواب يتلخص في أن البعض من مثقفينا في الوطن العربي قارب ثورة الكمبيوتر بالتفاؤل، والبعض الآخر بعين الشك، والكثيرون بحذر مفرط. لكنه، ومنذ عام 1980 حتى اليوم، تحول الكمبيوتر الشخصي من مجرد حب الاستطلاع، إلى تحفة مكلفة وصعبة المنال، وأخيراً إلى ضرورة قريبة ومتاحة في هذه الأيام. ففي القرن الحادي والعشرين، تنفرد الإنترنت بوصفها القوة الرئيسة للتغيير التي كان من شأنها إحداث ثورة في طرائق عيشنا وعملنا سواء بالنسبة للخروج من واقع التبعية والتخلف الراهن أو بالنسبة لآفاق النهوض المستقبلي. في هذا السياق أشير الى ان المجتمعات المتقدمة تتوقع وتسعى احتياز المعلومات عبر نقرة بسيطة عن طريق محركات البحث النافذة التي أضحت بوابات لملايين المواقع والخدمات المعلوماتية، بعد ان تحول هذا العالم بحق لقرية كونية، وما أتاح لعالمنا المادي التلاقي مع الآخر الرقمي، وتقديم خدمات أفضل وأسرع للمستهلكين الذين يطالبون باستمرار ويتوقعون المزيد. فقد أصبحت الإنترنت الآن ملازمة لحياة الجماهير، وليست هذه سوى بداية الرحلة التطورية القادمة، فالبيانات الرقمية، وليس التكنولوجيا ستكون المحفز الحقيقي للابتكارات والاختراعات في المستقبل. البيانات تحيط بنا من كل جانب. وبالتالي فان التقاط هذه البيانات واستيعابها، وسبر أغوارها، واستخدامها لحل المشاكل الحقيقية لمجتمعاتنا العربية، هو التحدي الحالي للعلماء والمهندسين على حد سواء، حيث أصبحت التكنولوجيا أكثر من مجرد أدوات ولعب أطفال، إنها مستقبل البشرية إنها العامل الرئيسي في تحديد مصير شعوبنا ونهوضها الى جانب عوامل النضال التقدمي الديمقراطي من اجل التحرر والتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لبلداننا. آخذين بعين الاعتبار أن تقدم العصر الرقمي الراهن ، خلق نقلة استثنائية في الحضارة الإنسانية، بما يمثله من أفق حافل وشامل، يُمَكِّن البشرية من تحقيق ثروات من الفرص والنجاحات المذهلة، ما يعني أن عصر التقدم التكنولوجي الحالي سيؤدي لمزيد من التكنولوجيات التغييرية في كوكبنا بشكل مستقبلي متواصل دون توقف عموما وفي البلدان المتقدمة خصوصا. هنا أشير إلى الابتكارات التي سوف تتسبب بتغيّرات أساسية في حياة البشرية عموماً، وفي حياة شعوبنا العربية خصوصاً، من خلال الطرائق التي تنتهجها الحكومات والمؤسسات، والأحزاب والجمعيات، وسبل تقدم الخدمات التنموية الاقتصادية والرعاية الصحية والتعليم... إلخ، نزولاً إلى أنماط الحياة التي يعيشها المواطنون.. والعديد من التداخلات الأخرى، الأمر الذي يفرض على القوى اليسارية العربية مزيداً من الوعي المعرفي الثقافي عموماً ومزيداً من الحرص على امتلاك المعرفة التكنولوجية المرتبطة بكل خصوصيات الانترنت خصوصاً، بما سيضمن بالتأكيد توفير وتزايد عوامل النهوض الحزبي بالمعنى الوطني والديمقراطي ومواصلة نضالنا ضد من اجل الخلاص من كافة مظاهر وادوات التبعية والتخلف والاستغلال والاستبداد في بلداننا ، واستعادة الدور الطليعي لاحزابنا اليسارية في مغرب ومشرق الوطن العربي على طريق تحقيق النهوض الحداثي والتكنولوجي العلمي والمعرفي ،السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق المنظور التقدمي الديمقراطي المنشود.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن رواد الإصلاح الديني رفاعة الطهطاوي والافغاني ومحمد عبده و
...
-
تقديم الصديق والرفيق المؤرخ عبد القادر ياسين للمجلد الثاني ع
...
-
رؤية موضوعية تحليلية ، تاريخية وراهنة لتطور حركة التحرر العر
...
-
بوضوح ....
-
ثلاثة وخمسين عاما على استشهاد الأديب المبدع والقائد المفكر غ
...
-
حاجة المثقف العربي إلى بلورة مفهوم جديد للمعرفة
-
كيف يمكن للعرب أن يبحروا في خضم المجتمع العالمي الزاخر بالتغ
...
-
في حضرة ليلى خالد
-
لماذا أخفقنا كيساريين ماركسيين في الوطن العربي ونجح غيرنا ؟
...
-
بمناسبة الأول من أيار 2025: رؤية وموقف معزز بالبيانات والأرق
...
-
غزة المنكوبة بالقصف والموت والجوع والمرض تستغيث وتستجير باخو
...
-
وجهة نظر حول استمرار انسداد الوحدة القومية في الوطن العربي
-
عن الهوية القومية العربية وفق المضمون الحداثي كشرط لتفاعل ال
...
-
غزة لم تعد قادرة على صراخ الاستغاثة امام القصف والتجويع ومحا
...
-
في الذكرى التاسعة والاربعين ليوم الأرض
-
من وحي العدوان الهمجي على قطاع غزة ... رؤية استراتيجية حاملة
...
-
باختصار، عن العلاقة بين التخلف المعرفي والتخلف الاجتماعي.
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
-
نحو تشكيل حكومة توافق وطني أو حكومة وحدة وطنية
-
ما هي المعرفة ، وما هو دور الممارسة في عملية المعرفة وأساسها
...
المزيد.....
-
رجال الإطفاء يسيطرون على حريق غابات مهول بعد اندلاعه قرب إحد
...
-
حرائق تجتاح أوروبا: دمار واسع وعمليات إخلاء جماعي وسط موجة ح
...
-
ابتكار طبي لافت: زرع أنسجة بشرية مطبوعة بتقنية ثلاثية الأبعا
...
-
عون للارجاني: لبنان منفتح على إيران في حدود السيادة والاحترا
...
-
آخر صانع طرابيش في لبنان..هل تندثر هذه الحرفة التقليدية؟
-
8 شهداء بيوم واحد في مجاعة غزة والاحتلال يستهدف لجان تأمين ا
...
-
احتجاج نادر في الصين يكشف تقاعس الشرطة والسلطات المحلية وينذ
...
-
نيويورك تايمز: روسيا مشتبه بها في اختراق نظام ملفات المحكمة
...
-
كاتب روسي: ازدواجية معايير ترامب بالتعامل مع الدكتاتوريين ته
...
-
هل تنهي العدالة الانتقالية في سوريا الإفلات من العقاب؟
المزيد.....
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|