غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني
الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 22:47
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ـ بصراحة ، كلمات عن العلمانية والديمقراطية والاشتراكية :
العَلْمانية هي : مفهوم يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، الدولة لا تمارس فيه أية سلطة دينية، كما أن المراجع الدينية لا تمارس أية سلطة سياسية، بمعنى الفصل بين الزمني والروحي، بين الدولة والدين ، أي بين الاختصاصات الدنيوية والاختصاصات الدينية، كما أن الدولة العلمانية ليست دولة لا دينية ، بل هي دولة لا طائفية ، فالدولة العلمانية الديمقراطية ليست هي الدولة التي تنكر الدين ، بل هي الدولة التي لا تميز دينا على دين ، ولا تقدم أبناء طائفة على أبناء طائفة أخرى، ولا تخص بعض وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف .
هذا من الناحية القانونية ، أما من الناحية الفلسفية و المعرفية ، فإن ما تعنيه العلمانية " تأسيس حقل معرفي مستقل عن الغيبيات و الافتراضات الإيمانية المسبقة".
و بكلمة واحدة ، إن العلمانية _ من وجهةنظري _ ليست نفيا للاعتقاد ، بل هي تحرير له من القيود و الإكراهات الخارجية.
ولا غرو بالتالي أن يكون الفكر الديني الحديث قد عرف في ظل العلمانية تطورا في العمق ما أتيح له أن يعرفه في ظل الأنظمة الثيوقراطية .
ووفق هذه الرؤية، فإن موقفي الموضوعي تجاه مفهوم العلمانية يقوم على الأسس التالية:
1- تامين مباديء الحريات العامة وحقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير والعقيدة
2- فصل الدين عن الدولة.
3- اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر التشريع و القوانين .
4- تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامةبين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.
5- عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقلانية وفق آلاليات الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية.
6- تحرير الدين من سيطرة الدولة وإساءة استعماله لأغراض سياسية، وكذلك تحرير الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية.
فالعلمانية بالنسبة لي تعني أيضاً، على الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات، والمطلقات، او تحرير الفكر من الاوهام والخرافات وتحرير الانسان من العبودية التي تمتد جذورها الى تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وتركز الثروة وظهور الطبقات (تحريره من نظام الاستغلال) ... العلمانية ليست ضد الدين، لكنها ضد الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة الانسان، فالعلمانية عملية تاريخية او سيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة، وهي لغوياً مشتقة من العالم الدنيوي او عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم، وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق، وتعلن نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها، وذلك هو جوهر الحداثة التي ندعو رفاقنا إلى وعي جوهر حركتها اللانهائية من ناحية، ووعي سماتها الرئيسية المرتبطة -كما يقول الصديق د.هشام غصيب - باكتشافين جوهريين هما:
- اكتشاف الطبيعة بوصفها كياناً مادياً مستقلاً.
- واكتشاف الإنسان بوصفه فرداً خلاّقاً وتاريخاً ومجتمعاً.
هكذا نفهم أن مفهوم الدّولة الإسلاميّة الذي ترفع شعاره قوى الإسلام الطّائفي السّياسي، لا علاقة لها بمعتقد الشّعب المقهور المسلم، أي لا علاقة لهذه القوى بالإيديولوجيّة الدّينية، بل هي ممارسة سياسيّة تستهدف فرض التّمثيل السّياسي بأقنعة دينيّة، كالحاكميّة والشّريعة والخوف من الله، على الفئات الشّعبيّة التي دفعتها ظروفها الاجتماعيّة الصّعبة، وأوضاعها الاقتصاديّة المزرية، إلى إلغاء وجودها السّياسي وتطلعها إلى الثّورة والتّغيير. وكما يقول المفكر الراحل مهدي عامل " إن ما تهدف إليه الطّبقة البرجوازيّة: أن تظلّ هذه الطّبقات الكادحة بلا قوّة سياسيّة، من غير أن تعي ذلك، أي من غير أن تكتشف بوعيها انعدام وجودها السّياسي الذي يُوَلدِّ عند تلك الطّبقات الكادحة الوهم الطّبقي بأنّ لها قوّة سياسيّة".
وعلى الرغم من كل ما تقدم ، علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتلاحقة راهناً، إلى أننا سنواجه –مع القوى السياسية الرجعية الغيبية- ظروفا وأوضاعاً معقدة, ما يفرض على قوى اليسار العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العلاقة الديموقراطية وقضايا الصراع الطبقي والسياسي، ومفاهيم الاستنارة والعقلانية مع هذه القوى بمختلف مذاهبها، كما عبر عنها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين .. وغيرهم، بحيث نحرص على أن لا تصل الاختلافات معها ، إلى مستوى التناقض التناحري، وأن تظل الخلافات محكومة للعلاقات الديمقراطية.
وفي هذا السياق، نؤكد على أن احترامنا للأديان عموماً والتراث الديني الإسلامي خصوصاً، يتطلب منا –عبر الحوار الديمقراطي- رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر والإبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي الآخر، وكذلك رفض اختزال الإيمان الديني إلى تعصب حاقد ضد الآراء والأفكار والعقائد الأخرى.
وفي كل الأحوال ، يجب أن تظل علاقة اليسار العربي مع قوى الإسلام السياسي ، علاقة متحركة وجدلية تبعاً لتناقضات الواقع والصراعات الطبقية الاجتماعية والسياسات الداخلية، وطبقاً للموقف من العدو الامبريالي الصهيوني ، دون أن نتجاوز مخاطر تطبيق الرؤية الأيديولوجية الدينية على الصعيد الاجتماعي، حيث يتجلى التعارض والتناقض بصور أكثر حضوراً، سواء على صعيد فهم الديمقراطية كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا الاجتماعية الرئيسية للعمال والفلاحين ، والشباب، والمرأة، وحرية الاعتقاد والرأي والتعبير والاجتهاد والإبداع الثقافي وقضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية بمختلف تجلياتها.
إن وضوح هذه الرؤية، ومن ثم البناء عليها بالنسبة لعلاقة القوى اليسارية مع القوى الإسلامية (بدون شرط التحالف معها) يتطلب من هذه الأخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية:
أولا: تكريس أسس النظام الديمقراطي ، والالتزام بمفاهيم وآليات الديمقراطية السياسية والاجتماعية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية المعتقد.
ثانيا: رفض التبعية للقوى الامبريالية بأشكالها المختلفة السياسية والاقتصادية والثقافية .
ثالثا: رفض الاعتراف أو التطبيع مع دولة العدو الصهيوني .
رابعا: تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية، والالتزام بقواعد الحوار الديمقراطي ، والاحتكام للجماهير، مع نبذ استخدام العنف وكل وسائل وآليات الجبر والإكراه في إدارتها .
في ضوء ما تقدم، فإن مفهوم الوطن ومقتضيات الدفاع عنه وتحريره من العدو أو الإسهام في بنائه وتطوره، لا يتحقق موضوعياً من دون الممارسة الفعلية في تطبيق مفهوم المواطنة، وبالتالي فان حرية الوطن واستقلاله لا تعني شيئاً إذا لم تتأسس على حرية المواطن، التي تكفل وتعزز بدورها تأجيج وتوسع والمقاومة بكل أشكالها الكفاحية والسياسية- كتجسيد لحرية المواطن باعتبارها المدخل الأول أو الأصل في أية ممارسة نضالية تحررية أو ديموقرطية، فإذا ما بقيت شعوبنا –على المستوى الفردي فاقدة لحريتها، فإنها ستعيش حالة من الاستبداد والخوف الكامن في صدورها، لن يمكنها من الدفاع عن الوطن أو عن حقوقها الديمقراطية أو حقوقها في العدالة الاجتماعية ، لذلك لا بد من كسر هذه الحالة كشرط أول لمراكمة مقومات ومضامين مفهومي المواطنة والديمقراطية وتطبيقاتهما، فالعلاقة بين المواطن والوطن تناظر العلاقة بين الحرية والقانون.
فالديمقراطية في المقام الأول صيرورة اجتماعية تاريخية موضوعية لا سبيل إلى فهمها إلا بتسليط الضوء على منابتها في التشكيلات الاجتماعية التي شهدتها ، بمعنى أنه علينا تحديد القوى الاجتماعية المؤيدة والأخرى المناهضة للديمقراطية وأسباب ذلك .
وللنفاذ إلى جوهر الديمقراطية الليبرالية (البرجوازية ) ، قد يكون من المفيد أن نبدأ بالقول إن وجود برلمان ليس ضمانة في حد ذاته على وجود ديمقراطية في المجتمع ؛إذ يمكن أن يسخر البرلمان أداة لطمس الديمقراطية وقواها في المجتمع .
والنقطة المهمة هنا هي أن أهمية البرلمان لا تكمن في شكله المؤسسي ، وإنما تكمن في مضمونه الطبقي.
إذ أن جوهر الديمقراطية ، وآلياتها التطبيقية في أي مجتمع ، يقوم على إدراك الرئيس المنتخب بأنه سيعود بعد انتهاء مدتهِ، مواطناً عادياً من ناحية ، وإدراك كل مواطن أن من حقه ترشيح نفسه ليكون رئيساً من ناحية ثانية ، هذا ما يتوجب أن تدركه الحركات والقوى السياسية في بلادنا، خاصة حماس والتيارات الدينية، حتى لا تتحول الديمقراطية من مهد للآمال في التحرر والتغيير والتقدم إلى لحدٍ لكل هذه الآمال.
وهنا تتجلى الاشتراكية والعلمانية والديمقراطية كشرط اساسي في مجابهة التخلف وانهاء كافة مظاهر التبعية والاستبداد في بلداننا .........
ففي مواجهة الواقع العربي الذي يشله التخلف الثقافي والاجتماعي، الغارق في ظلامات التبعية والتطبيع والاستبداد ، إلى جانب غرقه في مستنقع الغيبيات والصراع و الانحطاط الطائفي، يصبح التأكيد على الاشتراكية والجانب العلماني من الماركسية ضرورة لا بد منها لمواجهة هذا الواقع مواجهة جذرية شاملة.
وبالتالي فإن النضال الاشتراكي في مجتمعاتنا مطالب بتحقيق الثورتين معاً: ثورة ديمقراطية علمانية على الصعيد الفكري والثقافي، وثورة على الصعيد الاقتصادي تغير علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية، وشبه الرأسمالية التابعة والرثة، بعلاقات إنتاج اشتراكية، لتركيز قاعدة مادية لانطلاق اقتصادي جدي يعتمد قواعد التنمية المستقلة. ما يعني أن الثورة الاشتراكية في بلادنا ستكون- كما قال بحق المفكر الراحل ياسين الحافظ- هجينة ومشوهة ومبتورة إذا تناولت بالتغيير الجانب الاقتصادي، بدون أن يترافق هذا التغيير بثورة علمية- علمانية ديمقراطية على الصعيد الفكري والثقافي. فالاشتراكية ليست مجرد خلق وضع اقتصادي مطابق للعدل فحسب، بل هي أيضاً –وقبل كل شيء- نظرة إلى الإنسان والمجتمع تستند إلى منطلقات علمانية وعقلية كرست الإيمان باقتدار الإنسان على صنع مصيره وتشريع نظمه وتنظيم أمور المجتمع الإنساني تنظيماً عقلانياً ديمقراطيا وحراً، دونما أطر مسبقة تشله أو تقاليد محافظة تشوهه أو تعاليم ثابتة تشده إلى وراء.
#غازي_الصوراني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟