أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة














المزيد.....

مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:47
المحور: المجتمع المدني
    


في زمنٍ تتسارع فيه العولمة وتذوب فيه الخصوصيات الثقافية، يقف الإنسان أمام سؤال جوهري: هل يمكن للأمم أن تحافظ على أخلاقها وهويتها وسط زحف المادية الحديثة؟ لقد صار العالم قريةً واحدة تتشابه فيها المظاهر وتختلف فيها القيم، وتُقاس الحضارة بما تملكه الشعوب من تقنية لا بما تملكه من ضمير. ومع ذلك، ما تزال الأخلاق هي المعيار الأصدق لنهضة الأمم واستمرارها، فهي التي تحفظ للإنسان إنسانيته وللمجتمع توازنه.

لقد أثبت التاريخ أن الشعوب التي حافظت على قيمها رغم التحولات كانت أكثر استقرارًا وتماسكًا من تلك التي ذابت في تيار الحداثة. ففي المجتمعات العربية والإسلامية مثلًا، ما زالت مكارم الأخلاق — كالكرم والحياء والصدق والبرّ وصلة الرحم — تشكّل روح الحياة اليومية، وتستمد قوتها من الدين الذي يجعل من الأخلاق عبادةً ومن السلوك مسؤولية أمام الله قبل الناس. وفي المقابل، قدّمت اليابان نموذجًا آخر للالتزام الأخلاقي، قائمًا على الانضباط والاحترام والعمل الجماعي دون مرجعية دينية، فغدت الأخلاق هناك نظام حياة وواجبًا وطنيًا. أما المجتمعات الإسكندنافية، فقد بنت منظومتها القيمية على الصدق والمسؤولية واحترام القانون، وهي وإن ابتعدت عن الإيمان الديني، فإنها حققت نوعًا من الطهارة المدنية القائمة على الضمير العام.

تتعدد مصادر الأخلاق بين الدين والعقل، لكن كليهما يكمل الآخر. فالدين يمنح القيم قدسيتها ودافعها الروحي، والعقل يمنحها وعيها ومرونتها. وحين يجتمع الاثنان، يولد الإنسان المتوازن الذي يعرف أن الحرية لا تكتمل إلا بالمسؤولية، وأن التقدم لا قيمة له إن لم يكن محكومًا بالضمير. غير أن العولمة الحديثة، بما حملته من إعلامٍ متوحش وتكنولوجيا بلا حدود، أعادت صياغة المفاهيم الأخلاقية وفق منطق السوق والمصلحة. فالإعلام اليوم لم يعد ناقلًا للخبر بل صانعًا للرأي، يوجّه الذوق العام ويعيد تعريف الفضيلة بحسب ما تقتضيه أجنداته الاقتصادية والثقافية.

أما وسائل التواصل الاجتماعي فقد منحت الإنسان صوتًا، لكنها سلبته سكينته. صارت “الإعجابات” تقيس القيمة، والمشاهدة تحدد المكانة، وغابت الحدود بين الحرية والانفلات. أصبح الجيل الرقمي يعيش في عالمٍ موازٍ تتلاشى فيه المرجعيات، ويتحول فيه الانحراف إلى أمرٍ مألوف عبر التكرار والتطبيع البصري. وهكذا انتقلت الأخلاق من الميدان الواقعي إلى الفضاء الافتراضي، حيث لا رقيب سوى وعي الإنسان.

وفي خضم هذا الانفتاح، تبرز الأسرة باعتبارها الحصن الأخير للضمير الإنساني. فالبيت هو المدرسة الأولى التي تُغرس فيها القيم، وإذا انهارت الأسرة انهار كل ما بعدها. كما أن التعليم والإعلام مطالبان اليوم بأداء دورٍ تربوي جديد؛ فالتقنية لا تُلغى، لكنها تُوجَّه. والتربية الأخلاقية يجب أن تواكب التطور لتصنع جيلاً رقميًا واعيًا لا منسلخًا.

إنّ العالم بحاجةٍ إلى نهضةٍ أخلاقية شاملة تعيد التوازن بين العلم والروح، بين العقل والضمير. فالإنسان اليوم يعيش وفرةً مادية وفقراً معنويًا، والذكاء الاصطناعي يتسارع بينما الذكاء القيمي يتراجع. لذلك، لا بدّ من مشروع عالمي قيمي، يقوم على ميثاق أخلاقي تتفق عليه الشعوب والأديان، يضع كرامة الإنسان فوق كل اعتبار، ويجعل من الصدق والعدالة والرحمة مبادئ مشتركة لا تخص حضارة دون أخرى.

الأخلاق ليست موروثًا ساكنًا بل طاقة فاعلة، وهي القوة الناعمة التي تبني الاحترام لا الخوف. وإذا كان العالم قد نجح في توحيد الأسواق، فعليه أن يسعى اليوم إلى توحيد الضمائر. فبغير الأخلاق، لا بقاء لحضارة، ولا معنى لإنسان. إن النهضة الحقيقية تبدأ من ضميرٍ يعي، وأسرةٍ تربي، وإعلامٍ يوجّه، وتعليمٍ يغرس، حتى يستعيد الإنسان بوصلته ويعرف أن التقدم بلا قيم إنما هو سقوط في ثوبٍ جميل.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البيروقراطية الأدارية
- التصعيد الأوربي ضد روسيا هل هو اشارة لحرب على الأبواب؟
- من بلفور إلى بلير .دولة أسرائيل الكبرى
- أعمار غزة بين العدوان والأبتزاز السياسي
- التأمر الخارجي والداخلي في مسار الدولة الأسلامية والأمة العر ...
- الأمن الوقائي ودور المواطن
- رمزية الخوف في النفس البشرية
- المملكة العربية السعودية وأنتزاع الأعتراف الدولي بدولة فلسطي ...
- التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)


المزيد.....




- رهائن وسجناء ومعتقلين، وحدود انسحاب: معركة التفاصيل في مفاوض ...
- الجنائية الدولية تدين علي كوشيب في 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب ...
- سوريا: مخاوف من ضعف تمثيل الأقليات والنساء في أول انتخابات ب ...
- المحكمة الجنائية الدولية تدين قائداً في ميليشيا الجنجويد الس ...
- انتخابات برلمان سوريا: هل يعوض ثلث الشرع ضعف تمثيل الأقليات ...
- -الأونروا-: إسرائيل قتلت الأطفال في غزة وهم نائمون
- اعتقال 21 تركيًّا بتهمة الاحتيال على الدولة في مصفاة للذهب
- مجلس حقوق الإنسان يمدد عمل بعثة تقصي الحقائق في السودان
- فيديو.. لبنانيون يتظاهرون ضد استمرار القصف الإسرائيلي والتهج ...
- مصر: محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس لبحث آليات وقف إطل ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رحيم حمادي غضبان - مكارم الأخلاق والقيم عند الشعوب في عصر العولمة الحديثة