أحمد التاوتي
الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 22:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من كتاب حقوق العصر طبعة 2016
ما معنى حفظ الذكر المنزل، إذا لم يُحفظ صحيحٌ من الدين، ليعبث مكانَهُ موضوعٌ على الدين، بعقول المؤمنين طوال أربعة عشرة قرنا، حتى يأتي فضيلة الألباني أو غيره في قرننا هذا، فيعيد إقامة الجدلية على رجليها بعدما كانت مقلوبة على رأسها؟ هل نحن نعاين وحيا جديدا؟
وما معنى حفظ الذكر المنزل، إذا لم يُحفظ مفهوم من الدين، ومعلوم من معنى القرآن، ليعبث مكانَهُ مفهومٌ على الدين، ومرويٌ على معنى القرآن، طوال أربعة عشرة قرنا، حتى يأتي الدكتور شحرور في قرننا هذا، فيبشر باللامفكر فيه لاهوتيا... فهل نحن بصدد تقعيد عبرانيات جديدة، تتناسب مع العالم القرية، واللا- نظام الدولي التوحيدي الجديد؟
ثم هل نفهم من هذا، أن سريان مفعول ذلك الوعد، إنما يبدأ بصورة تنفيذية، بعد أربعة عشرة قرن عندما يأتي جهابذتنا هؤلاء إلى الحياة؟ فمن لأجيالنا السابقة إذن؟ ولمن تُركوا؟ وما دمنا نُقرُ - يا أم عمرو- بأن هناك قبر ونشر وحشر، فعلى ماذا يُحاسبون؟
يؤسفنا على كل حال، أن نعاين بالملموس واحدا من الأمرين، أحلاهما مصيبة. فإما:
- فشل ذلك الوعد بالحفظ.. فيكون الإرهاب صحيحا عن المسلمين.
- أو تدليس وتحريف المبشرين الجدد.. فيكون الإرهاب صحيحا عن الإسلام.
وبما أننا لا يمكننا مساءلة وعد لم نسمعه، بحفظ لا نفهمه، من غيب لا نراه..، فإننا نملك بالمقابل محاسبة المحرفين لتراثنا.
أما إذا كان المقصود بحفظ الذكر، حروف وكلمات القرآن منذ عثمان أو منذ عبد الملك...(؟؟) إلى اليوم، فهنيئا لمعلقاتنا العصماء، وألواح بابل، ورموز الجيزة، بقصب السبق...
نحن نعتمد الروايات التي أيدها التاريخ الإسلامي وكونت مزاجا عاما لدى المسلمين، وبنيت عليها أحكاما بالفقه الإسلامي وتصورات وأفكار بالعقيدة الإسلامية على الروايات اليتيمة التي لا نلاحظ لها خطا لاحقا بالتاريخ ولا بالمزاج العام للمسلمين ولا أحكاما مؤسسة عليها أو على وحيها أو صورتها بالفقه الإسلامي. سواء صححها زيد أو ضعفها عمر.
والفقه الإسلامي الذي يرسم الفعل، والعقائد الإسلامية التي ترسم الموقف، هما أوثق المصادر بهذا الصدد. لأنهما يمثلان المرحلة الأخيرة لتطور الأفكار من التعاليم المؤسسة إلى التصور إلى التصميم إلى الواقع. هما المدرسة الواقعية التي نستشف من تفاصيلها طبيعة الديانة أو المعتقد أو الايدولوجيا.
وقد نرى المحرفون الجدد – بنوايا حسنة في الغالب – يجبون أحكاما بالفقه الإسلامي بدعوى أن الفقه من الفروع وهو مختص بزمانه وسياقه. أو يجبّون عقائد إسلامية بدعوى ارتباطها بذلك السياق السياسي أو ذاك. ونحن لا ننكر ذلك. بل نؤيده. إلا أننا نختلف مع أصحاب النوايا الحسنة هؤلاء، في الحكم على الديانة من خلال فقهها أو تطبيقاتها إن جاز التعبير. فهذا الذي اختص بزمانه وسياقه، اختص أيضا بفظاعته وبلا إنسانيته في كثير من المواضع. أفلا يحق لنا أن نضع مرجعيته المزعومة إلى " الحق المطلق" موضع التحقيق؟
نلح على هذا التساؤل خصوصا ونحن نرى أصحاب النوايا الحسنة، ومنذ ما يقارب القرن، يحكمون على كل المآلات المؤسفة في الغرب بإسقاط كل ذلك على الإيديولوجيات القابعة وراءها.
أفلا يرضون بنفس هذا المعيار - الذي اعتمدوه لتقييم غيرهم- على أنفسهم أيضا؟
أكثر من ذلك، كانوا سيكونون أكثر انسجاما مع أنفسهم في تعاملهم مع واقعهم وتراثهم لو حكموا على تلك الإيديولوجيات من خلال القوانين والتشريعات المدنية المعاصرة وليس من خلال مآلات اجتماعية أو سياسية بائسة.
هل يكفي أن تكون أحاديث نبوية مثلا، مصنفة ضمن الأحاديث الضعيفة أو حتى الموضوعة لكي نبرئ ساحة الدين و ساحتنا منها، و ننسى بأنها حتى و لو كانت بالفعل مكذوبة، كانت قد عملت عملها تاريخيا على امتداد أربعة عشر قرنا في تخريب فطرة المؤمنين بها، و هم سواد الأمة و ليسوا جماعة أو أقلية، و بالتالي صنعت أحداثا و صاغت عقولا و طبعت مجتمعات و أجيالا بمنطقها، و كان لها دورا تاريخيا أكبر مما صنفوه حديثا صحيحا..، و كثير منها نجم عنه كوارث، ليأتي المحرفون الجدد، سدنة الإسلام الإشهاري في القرن الواحد و العشرون، و يقرروا بأنه لا علينا من كل تلك الكوارث، لأن هذا الحديث أو ذاك مكذوب و غير صحيح.
هكذا بكل برودة.. وكأن الأمر يتعلق بخلل تقني بسيط جدا، حدث للحظات فقط، في مطهرة وضوء وقفية، ولم يسبب أية خسارة.
سؤالنا هنا..، التضحية بأحاديث مكونة من بضع كلمات، عملية سهلة..
فهل هؤلاء المحرفون الجدد لهم الشجاعة الأدبية ليضحوا بالتبعات السياسية والاجتماعية والفكرية لأحاديث كثيرة، انقلبوا عليها اليوم، والتي صاغت عقائد ومواقف للمسلمين من أنفسهم وإزاء غيرهم طوال أربعة عشر قرن؟؟
لا يريدون ذلك مع الأسف.. لأن ذلك معناه إخضاع التراث، كل التراث، والتاريخ الإسلامي، كل التاريخ إلى مشارح العلم الحديث، وإلى المساءلة.. وإلى العودة الجماعية من ردة الدين إلى رحاب الإنسان.. وإلى تعويض المتضررين أيضا ولو بالاعتراف بأخطائنا المقدسة...
لا يريدون ذلك.. لأن ذلك معناه أيضا، إعادة النظر في منظوماتنا التربوية وإحداث ثورة بمعنى الكلمة بمناهجنا في المدارس والجامعات.
لا يريدون ذلك، لان ذلك معناه صحوة ضمير، وربيع إنساني باهر يعم مجتمعاتنا، ويجعل الناس يخرجون من قبضة الحكام والكهان أفواجا.
ولذلك نفضل التعتيم والتعمية.. وهذا التعتيم.. يجعل من المسلمين، كل المسلمين إرهابا... ظاهرا ومستترا.. لأن الحسم على مستوى الوعي في مسلماتنا لا نريده الآن.. وهذا حقنا وخيارنا على كل حال.. ولكن أخشى أن نأتي على زمن يريده لنا غيرنا بالاستعباد أو بالنسف من الوجود.
قال الأزهر بعد الزوبعة التي أثيرت حول برامجه ومقرراته "العلمية" بأنه لا علينا من كل تلك الكوارث التي أماط اللثام عنها عدد من الذين ليس لهم " أدوات" الفهم في الدين.. والسبب هو أن فريقا جليلا من أصحاب الفضيلة قام بتغيير المناهج و الحمد لله كل شيء أصبح على ما يرام الآن.
وبيني وبينك..، واحسب أننا في حوار إسلامي/إسلامي مغلق.. فلا يوجد بيننا "صهيو-صليبو-شيوعي" حاقد..، هل فعلا مشكلة ديننا هي مناهج؟؟ ثم هل بإمكان مشايخ الأزهر أن يبدعوا وحيا جديدا؟؟
والعجيب أن أصحاب الفضيلة، يفترض على أدنى واجبات اللياقة والأدب أن يشكروا المناضلين المدققين في تراثنا. لا أفهم حتى اللحظة لماذا غيروا "المناهج" – إذا غيروها فعلا، على افتراض أن هناك مناهج من الأصل- وأقاموا في نفس الوقت حملة تشهير وتفتيش وتخوين وتكفير لجميع من نبههم إلى ذلك..
وهذا سلوك إسلامي بامتياز...
ينظرون إلى تحليلات الكتاب والمفكرين حول الإسلام، يتدارسونها، يأخذون منها كل العبرة، ويفيدون منها عظيما في " تغيير" أساليبهم في التغرير وإعادة حبكها بما يتلاءم مع العصر، ثم ينطلقون من جديد في سب أولئك الكتاب والمفكرين (الذين لم يكن جرمهم سوى أنهم نبّهوهم) بدعوى أنهم "يجهلون" على الدين، ويحاربون الإسلام، ويتقاضون من الموساد!
كان هذا ديدنهم منذ التهم العبرانية الأولى التي لحقت بالمصلح عيسى المسيح، عندما لم يمنع ذلك اليهود من استغلال التنبيهات الإنسانية التي أثارها الرجل على ديانتهم، وتدليس ديانة جديدة تأسيسا على تلك التنبيهات، تعتمد الأخلاق بدل الإرهاب... "قتلوا" الرجل، واستعملوا بضاعته.. ولذلك سرعان ما عادت كنيستهم بعد ذلك إلى التجهيل والإرهاب، واستمرأته لمدة عشرة قرون.
فليس من السهل كما نلاحظ، معالجة سرطان يسرى منذ أربعة آلاف سنة.. ولكن ليس أمامنا وليس بمقدورنا إلا القراءة غير المرتزقة، والتحليل غير المؤلف قلبه.. فعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.. إذا لم يكن شعوبنا المغرر بها، فأطفالنا.. لا يمكن القبول بجريان هذا الكابوس العبراني على أجيالنا القادمة أيضا.
#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟