أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - بين الدّين والتديّن














المزيد.....

بين الدّين والتديّن


أحمد التاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 23:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الرؤية بسيطة..

التديُّن يتعلق بالتنشئة الاجتماعية وقدر الميلاد (أو عهده، أو مصادفته).. يكون في الغالب مطبوعا بلون المحيط.. يمكن رصده في الطقوس (الصلاة مثلا) وفي العادات (الصيام مثلا) وفي الألفاظ والأذكار الموقوفة (ذكر الله أو يهوه قبل الطعام وقبل النوم ونحو ذلك).. فأنت ولدت في الجزائر، فلن يخطئك التديّن الإسلامي على أية حال إلا لسياق خاص وظروف معلومة.. وإذا ولدت في الهند، فلن تخطئك واحدة من غرائبيات نهر الغانج ونبات اللوتس.
فالدين عندنا، موجود بحكم الإرث الديني العبراني مع الأسف، في كل البلدان والمجتمعات سواء كانت عندنا أو في أمريكا أو حتى بالاتحاد السوفياتي سابقا أو الصين.. تحيله الطبيعة الإنسانية السليمة كل مرة إلى مجرد تديّن. أي نمط ثقافي يميز الشعوب ويثري الوفرة والاختلاف، فيتساوى من المنظور القيمي في كل منها، ليصبح لا معنى لكلمة دين صحيح من عدمه... وهذا أمر يجعل أداه التفرقة والفتنة والبلبلة (الدين الصحيح) غائبة في المجتمع أو عديمة الجدوى.. وهو غياب خطير على الأهداف السادية للديانات العبرانية، ولا ولن ترضاه أبدا.. وهي تعمل كل مرة على إعادة طفح تلك الأداة على السطح من خلال جذوة دينية عبرانية كامنة منسية في أعماق المتدينين.

وسبب بقاء تلك الجذوة هو الكسل العقلي والعجز عن بناء الجديد والراحة إلى السائد الذي طبع مفكرينا.. والخلط الأزلي العامل فينا بين ضرورة الثورة الفكرية والدفاع عن ذاتنا من عدو التاريخ وبين الدفاع عن ذاتنا من عدو الجغرافيا..
لو علمنا بأن العدو الأول عدو وجودي والثاني عدو سياسي لقضي الأمر واستحال العدو الجغرافي منافسا سياسيا واقتصاديا وفقط.. ووجهنا جهدنا إلى دحر العدو الحقيقي، عدو التاريخ.. ولكن منافسنا السياسي يعلم بحقيقة الرهان، ويعلم – بحكم تجربته التاريخية- بأننا إذا قهرنا عدونا الحقيقي، نصبح أندادا له وربما نفوقه.. ولذلك، ومن حسن حظه كان انصرافنا عن قهر عدونا الوجودي يصبُّ في مصلحته... وهذا موضوع آخر.. ولا نطيل فيه.. لأن عدونا التاريخي أنهى مهمته معنا.. وهو متجه اليوم إلى منافسنا السياسي، لا يعدل بمسخه هو الآخر، جبال الألب ذهبا..
فالتدين إذن، حتى وإن كان ذا مرجعية توحيدية، عبارة عن عادات اجتماعية تعود إلى المحيط.. ويختلف من جهة إلى أخرى.. قد نفتخر بها، ولم لا، في نفس الوقت الذي نعجب أيضا بعادات المجتمعات الأخرى من منطق التعايش والاكتشاف وتعلم الجديد ومعرفة الآخر..

فهو عادة اجتماعية إذن..،

أما الدين فهو "حالة نفسية"، تنامت إلى "نمط تفكّر مميّز"، ترجم في الواقع إلى سلوك نفسي شاذ إزاء الآخرين.
وهذا ما عملت على تنميته الديانة العبرانية.. جاء الدين ليفرق بين الناس نفسيا.. فهو ليس ثقافة إنسانية تميز بين الناس اجتماعيا وتثري الحضارات والتجارب الإنسانية.. ومن هنا كان حكمنا على عبثية حوار الديانات.. دماغ الهايدرا برؤوسه المتعددة في حوار نووي مع نفسه منذ أربعة آلاف سنة، وهو ليس من السذاجة أن ينتظر القرن الحادي والعشرين لتعلموه الحوار إلا إذا كنتم جزء من خطته.

صفاء الإنسان، ونقاء سريرته، وبداهة فطرته، ممثلا في مجتمعاتنا الطيبة المنهكة..، تقاوم بكل عفوية، ومن دون أن تدري، الأهداف السادية للدين، بتحويلها كل مرة إلى تديّن اجتماعي.. ثم يعاود الدين ضرباته فيما يعرف بالصحوة الدينية رتيبة الإيقاع على مدى التاريخ، كلما أحس بخطر لا فعالية أدواته وفتورها، ويعيد المجتمع إلى حظيرة الشحن النفسي العقائدي، فتدخل فئات المجتمع في فتن وحروب فيما بينها وتعطل التنمية ويغور العقل، إلى أن تكثر الخسائر وتتعقد الأمور، فيصحو ضمير الإنسان من جديد...
يغفل عنه الدين قليلا ريثما ينسى جرائره..، ثم يعاود الكرة معه... وهكذا.

فالدين على هذا يكون بمثابة جلد أعار خلاياه جسمها.. فانتقل من محترق إلى حارق.. يكسو جسد الشعوب المؤمنة.. رتيب التجدد لدى كل نضج على احتراق الجسم..
والحيلة في ذلك هو نص مؤسّس حمّال أوجُهٍ، ونص مكمِّل "متنوّع" الرواية حد التناقض والتضارب، لا ينفع معه في استنباط السلوك المطلوب، ولا اقل من ذلك، في فرز الفرقة الناجية منه، أحدث برامج الاحتمالات.. حيلة تجعل اللوم منصبا أبدا على الإنسان "المحترق" الذي لم "يُوَفَّق" في قراءة دستوره المقدس. والذي ينضج جلده (دينه) أحيانا قبل نضج التين والعنب.

ثم السلامة والتنزيه، كل التنزيه، للدين الذي يبدو بعد كل كارثة من كوارثه بجلد جديد على واحد من الخيارات اللانهائية لقراءاته.. والتي "هذه المرة"، المرة البليون، "تُؤتي أكلها"...، على الوهم الأبدي، دائم الحضور للمسلمين، بأنهم مع هؤلاء "الثقاة"، أو مع أولئك "الأخيار"، قد وفقوا بحوله وقوته إلى ضبط الإسلام الصحيح، ولم يبق لهم إلا التوكل على الله، والهجوم على الإنسان وعلى الحياة.
لو تعقلنا هذه الصورة جيدا، لعلمنا بان أصحاب هذه الحيلة - وهم حتى نكون واقعيين، دعاتنا العبرانيون بالضبط.. ولا حاجة إلى ذكر أنبياء ليسوا بيننا وليسوا من بيئتنا ولا من عصرنا، فضلا عن كوننا لا نعرفهم، ولا يعرفهم علم التاريخ- لا يريدون بنا خيرا، وإن لم ينتبهوا إلى ذلك.
فعلى غفلة من الدين إذن، يحول الإنسان دينه إلى طقوس وعادات ثقافية، وينصرف إلى بناء حضارته واستقراره.. صدق هذا على الحضارة العربية الإنسانية، وصدق في فترات متقطعة مضيئة بتاريخنا الحديث.. كما صدق أيضا على ما يسميه التاريخ العبراني الرسمي "جاهلية"..، حيث حول الرشد العربي الأول دينه الوثني إلى تديّن وإلى طقوس اجتماعية خادمة للاقتصاد الناشئ بمكة ويثرب والطائف، وانصرف إلى تطوير حياة حضرية إنسانية طبيعية تفاعلا مع حضارة الجنوب وحضارة الشمال.

من كتاب حقوق العصر... طبعة أكتوبر 2016



#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما جنيناه من تسييس البحث الأنطولوجي
- محنة الشعر العربي مع الحرب الأخيرة
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
- من القديم الراهن 3
- من القديم الراهن 2
- من القديم الراهن 1
- المكر الأزلي
- عبور الجزائر.. محاذير في الطريق.
- تحدي الساعة
- خصائص العبور الجزائري الجديد و كيف نحافظ عليه
- المثقف العربي بين النظام و بين بنية النظام
- حقوق العصر.. تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان
- علاقة داعش بالخلافة الأمريكية
- تسامح الجزائر مع اكتساح النشاط الطقوسي/السياسي للمجال العام
- سؤال عن مستقبل الثقافة في الجزائر
- مصر تصحح مسار الربيع
- الإلحاد و الإسلام
- هوس الإعجاز عند المسلمين
- لعنة الاستراتيجيا
- طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري


المزيد.....




- قطر: قمة عربية إسلامية بالدوحة خلال أيام لإقرار رد يردع إسرا ...
- نائب رئيس مجلس الشورى الاسلامي يلتقي نبيه بري
- القدس: الاحتلال يعتقل مدير لجنة رعاية المقابر الإسلامية
- هيومن رايتس ووتش: هجمات تنظيم الدولة الإسلامية تتصاعد في الن ...
- رئيس الشؤون الدينية التركي: نبذل قصارى جهدنا لضمان حرية فلسط ...
- الرئيس الإيراني: على الدول الإسلامية إدانة جرائم الكيان الصه ...
- دعوى ضد مسؤولة أممية بعد اتهامها منظمات مسيحية بتمويل -الإبا ...
- قائد الثورة الاسلامية يمنح عفوًا ويصادق على تخفيف عقوبات للم ...
- خطوات تنزيل تردد قناة طيور الجنة toyour el-janh kides tv .. ...
- جائزة المصطفى (ص) لعام 2025 تُمنح لثلاثة علماء من نخبة العال ...


المزيد.....

- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - بين الدّين والتديّن