أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - من القديم الراهن 3















المزيد.....

من القديم الراهن 3


أحمد التاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 7419 - 2022 / 11 / 1 - 06:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أسئلة الحداثة*

منذ البدء تواجهنا قضايا منهجية في الحديث عن الحداثة. هل نرصدها كظاهرة حضارية تفاعلت مع الواقع العربي في هذا العصر.. أم نتبين دلالاتها و لوازمها أولا. و نحدد لها إطارا نظريا يساعدنا على اكتناه مدا تحققها و انتعاشها في الحياة العربية. هل للحداثة نظرية واضحة و مفارقة أم أنها أسلوب في الحياة و نمط في التفكير فحسب..، ميزتها التغير و الجدة و النقلة النوعية أبدا.. لا تضبط على شكل في حقبة، حتى تنقضه في حقبة لاحقة.
إذا رجعنا إلى أدبيات النهضة.. الأولى و امتداداتها المستمرة، تبدو لنا المسألة محسومة بصورة من الصور.
فالحداثة هي من الجانب التأسيسي التقني للدولة الوطنية، عقلنة الحياة.. كل الحياة.. علاقات العمل، النظام الاجتماعي، تنظيم الاقتصاد، نظام الحكم، و ما إلى ذلك.
و هي فضلا عن وضوحها نظريا، تقوم في الغرب بمثال واقعي يعين إلى حد بعيد على سهولة الأخذ بها.
و هي في الجانب السياسي و الأيديولوجي ليست أقل وضوحا و إن تشعبت فيها الاتجاهات.
فباعتبار أن الحداثة أصالة في موضوعها تميزه و تفرده عن الآخر، نجدها تعني عند فريق، بعث جديد للذات عن طريق الإحياء الحضاري. و تمديد و تطوير و تشعيب للتراث الذي يسكننا كي يستوعب جميع مناحي الحياة الجديدة بمقتضيات العصر.
و ربما أنها من جهة أخرى، صدمة حضارية واقعية غمرتنا – طوعا أو كرها – من الغرب. و لمسنا – أقررنا أو أنكرنا – ضعفنا إلى قوتها، و اهتراءنا إلى صرامتها، غدت عند فريق آخر تعني تأسيس الحاضر على أفق المعاصرة و الثقافة العالمية الراهنة.
ثم باعتبار أن الحداثة تغمرنا و التراث يسكننا، نجدها عند فريق ثالث، هي المزاوجة و التوفيق بين ثوابت الماضي و توجهات الحاضر.
هكذا تكون الحداثة واضحة المعالم جلية الهوية عند كل فريق.. و هكذا ينطلق كل فريق في نضاله.
طبعا ليس في نيتنا الآن الفصل في تعريف الحداثة. أو تحديد نظريتها. فاختلاف الفرقاء في هذه المسألة بالذات، لا يزال منذ فجر النهضة يشوش على العمل في الفكر و السياسة و الاجتماع على سواء.
بيد أننا لا نستطيع تجاوز السؤال/الحيرة، (لماذا؟)... هذا اللماذا البريء الذي نلمحه يوميا يغتسل في عيون الوطن العربي الكبير.
في الواقع، لم يبق في لغتنا اليومية كلمة أصدق لهجة من: لماذا؟

لبلورة الإجابة، علينا منذ الآن التنبيه إلى أنه فيما عدا مستوى الخطاب، لا يمكننا حتى اللحظة، الفصل بصفة نهائية في وجود استقلال و تفرد حقيقي و تمايز للهويات الفكرية و حتى السياسية للاتجاهات الثلاثة فيما بينها.
ذلك أنها تتموقع في هذا العصر و ليس في غيره.. عصر مطبوع بشكل طردي و غامر بالمدنية المعاصرة و الثقافة الغربية الحديثة. الأمر الذي يؤشر على وجود رابط مشترك بين جميع الاتجاهات على اختلافها. و تداخل قسري فيما بينها. هذا من جهة.
و من جهة أخرى نجد بأنها، بما فيها الرافضة للتراث و الأصالة، ليست في حقيقتها سوى التراث نفسه، و بكل ثقله... تراث ينطلق نحو المستقبل، و يستبق المجهول.. و هو في انطلاقه ذلك، يتصدع و ينقسم على نفسه منذ البداية. و هذا ما يؤشر مرة أخرى على قاعدة خلفية مشتركة و تداخل قسري موجود بين الاتجاهات المختلفة.
أمر ثان، هو أن الثقافة العربية الإسلامية كما هي عليه الآن منذ ثمانية قرون تقريبا، مسيجة بقطيعتين معرفيتين، بداية و نهاية.. إذا عرفنا لها نهاية.
فبدايتها القطيعة الحاصلة مع الفكر المفتوح و ثراء الثقافات و انسجامها في بوتقتي المطلق فلسفيا و الإسلام حضاريا.. المرحلة التي تمثل حضارة المسلمين بكل بريقها الذي عرفه الشرق أيامئذ.
فاستقرار العقيدة، و بالتالي ضروب الفكر عموما على المذهب الأشعري لدى السنة و الإمامي لدى الشيعة، و الإقصاء العنيف لجميع أنواع التواصل الأخرى، و انطباع الثقافة عموما بطابع الشرح و الإيضاح و التكرار و الاجترار و وضع الحواشي على الحواشي، كل ذلك مثل قطيعة مع المرحلة التي سبقتها.. مرحلة الإبداع العربي الإسلامي في الفقه و الفكر و العلوم.
و جلي للنظر أن العودة إلى الإبداع هي الكفيل الوحيد الذي يضمن نهاية لثقافة الحواشي.. و إلا فإنها تتواصل إلى اليوم. و إن غيرت ثوبا إثر ثوب.
و ألمع ثوب منها في ثقافتنا المعاصرة هو ما يملأ السوق من ترجمات و حواشي على كتابات و إبداعات الغرب.
و أشرف ثوب منها هو ما تغص به المكتبات من حواش تبجيلية على هامش تراثنا الحضاري الأول عموما.
و القاعدة الخلفية التي تربط بيننا اليوم هي التراث الأخير هذا و ليس التراث الحضاري الأول. فعدميتنا اليوم، و عقلية الحواشي التي تطبع ثقافتنا اليوم، لا يمكن بحال أن يكونا امتدادا لذلك التراث الخلاق. لذا يلاحظ "بعض" المستشرقين غير المسيسين، و "كل" المسلمين المسيسين، بأن الفكر العربي الإسلامي الأول، يشكل اللبنة الأساس في انطلاق فكر الأنوار و حضارته.
هذا بشكل عام ما يطبع الحياة الثقافية العربية بمفهومها الواسع. و يشكل سياجها المغلق إلى إشعار آخر.

لقد ساعدت مقاومة الاستعمار و حركات التحرر السياسي و نشوء المدارس الأدبية و الفكرية و الإصلاحية على تحول جديد في حدود هذا السياج يشمل جميع الأقطار العربية الإسلامية. حيث انطلقت الأمة في ثلاث تجارب.. و نبعا لذلك، راح الوعي الجماهيري العام يتفاعل مع ثلاثة أنواع من الاهتمامات. مع ملاحظة تقلص واضح في حجم هذا التفاعل مع التجربة اللبرالية الأولى لعدم تمايزها تماما عن الاستعمار.
أما التجربة الثورية اليسارية، و خصوصا مع الظاهرة البعثية و الظاهرة الناصرية و الظاهرة البومديينية، فقد أخذت كثيرا من حماس الجماهير و تفاعلها، لتزامنها مع قهر الاستعمار سياسيا و استعادة العزة القومية و الحضارية و التعبئة المقدسة ضد إسرائيل.
ثم استمرت هذه الأنظمة في الحكم -أي أنظمة التجربة الثانية- رغم انحرافها عن الخط السياسي الأول، و بالرغم من العودة القوية لمعنويات الغرب السياسية بعد عقدة الاستعمار، و طول قضية فلسطين..، مما جعل الشعوب تفقد كثيرا من حماسها، و تدخل في دوامة من الانكفاء و من اللامسؤولية الحضارية و السياسية.
و في غمرة هذه العدمية الخانقة، كانت تجربة ثالثة تعد لها. لقد انتفض الشعور الديني الإسلامي في كل مكان. و لوح بمشروع الخلاص لهذه الشعوب، ليقذفها في تفاعل آخر مع وعي جديد قديم.
جديد قديم، لأنه يمكننا رصده في الوطن ابتداء من حركة محمد عبد الوهاب السلفية التي عاصرت فكر الأنوار، مرورا بالحركة السياسية و الإصلاحية مع جمال الدين الأفغاني و محمد عبده، ثم تنظيم الإخوان المسلمين في مصر مع حسن البنا، و جمعية العلماء المسلمين في الجزائر مع ابن باديس مثالا لا حصرا..، إلى المد الأصولي و التنظيمات الدولية المعاصرة. كما يمكننا رصده أيضا على شيء من غلبة العزة الحضارية على العزة العقائدية في الفكر القومي العربي و مع جميع الأنظمة العربية.
و إذا تموقعنا داخل هذا الاتجاه، نجد يناضل على ثلاث جبهات: إصلاح التراث/الأمة و تجديده، بعث التراث الحضاري و إحياؤه، و مقاومة الغزو الفكري بجميع أنواعه.
إصلاح التراث/الأمة يعني بنحو من الأنحاء دغدغة الشعور الباطن و الخلفية المشتركة لنا جميعا... و هذا ما يفسر راحة نوع من العاملين بهذا الحقل و نصب نوع آخر. فالأول تحدوه التعبئة و التكتيك و مهادنة المتخيل المشترك لأهداف شخصية أو اجتماعية أو أهداف سياسية ضمن استراتيجية شاملة مدروسة. و الثاني يحدوه الإصلاح الاجتماعي أو العقائدي.
و رفض التغريب يعني عند أصحابه، رفض جميع الفلسفات الجديدة المنبثقة من عصر الأنوار.. باعتبارها ليست سوه رد فعل " العقل العلماني الإلحادي" على العقل الكنسي الكهنوتي القديم.
و لكن معالجة الوعي الباطن و تنمية جذوره في بعث جديد نحو اتجاه سليم كان يحتاج إلى أدوات على صعيد ممارسة التشخيص أولا.. جماع هذه الأدوات هو العودة بجميع الأسئلة الفلسفية إلى محور رئيسي هو الإنسان. فالإنسان هو الضحية في كان ما كان يحدث. الإنسان هو القضية و السؤال.
لقد كان انطلاق فلسفات الأنوار إلى الثورة الفرنسية، فحركات البروليتاريا و ما رافقها من تنظير يصب كله في هذا المحور مما أدى إلى ميلاد العلوم الإنسانية الجديدة، و تشعبها منذ بداية القرن. [ ق 20]
و مع تغييب المناهج التطبيقية لعلوم الإنسان، راحت معاملتنا للتراث/الأمة مغازلة أكثر منها معالجة... نتبين ذلك إذا فتحنا أي كتاب من كتب "الصحوة" الأخيرة يتناول مسألة "الفطرة السليمة " للشعوب الإسلامية مثلا.. و في مستوى مواز، إذا فتحنا أي كتاب حول الأدب الشعبي أو الأمثال الشعبية أو عادات و تقاليد منطقة كذا، أو شخصية الشعب الفلاني أو ثورة فلان و عشيرة فلان...الخ
و الجبهة الثالثة في الاتجاه هي بعث التراث الحضاري الأول. و هو عمل يعني في أعمق ما يعنيه محاولة لخرق جدار القطيعة بين عقلنا المقلد المستمر، و عقلنا المبدع المنقطع.
و لم يسلم لنا هذا أيضا لعدم تجاوزنا أدوات الفيلولوجيا في أكثر الممارسات طليعية.. و طول الوقوف عندها جرفنا في بحر من الإدمان على معاقرة الذات..، لما لهذه الأدوات، فضلا عن ضبطها الاستقصائي للنصوص جمعا و نسبة و مقابلة، من خصائص كاشفة عن تفاعل الأفكار فيما بينها.. و بالتالي تسهل عملية رد جميع أفكار الدنيا و نظريات الدنيا – "الجميلة طبعا"- إلى مركزيتنا العريقة.
و هكذا، فبعد أن كنا نريد خرق جدار القطيعة بين عقلنا المقلد و عقلنا المبدع، لم نزد على أن قمنا بتوسعة الهامش الإيضاحي و التمجيدي على متن حضارتنا الأولى.. و بالتالي، كرسنا – و برشد أكبر هذه المرة – ثقافة الحواشي.
أسلمت هذه الثقافة إلى تكرار نفس النماذج الفردية و الجماعية و المؤسساتية.. و بالتالي تكرار نفس الثغرات التي سرت منها قابلية الاستعمار إلى إنسان ما بعد الموحدين.
و على خط مواز و مفارق إزاء هذه الجبهات الثلاثة، يفتتح جبهة رابعة مناضلون لا يثقون كثيرا في التراث/الأمة و لا حتى في التراث الحضاري.. و لذلك لجئوا إلى الإسلام المعياري الصرف. انطلقوا من النصوص في تأملاتهم مع إصرار دائم على عدم إخضاعها لأدوات التحليل المعاصرة، من نقسية بدعوى إلحاديتها، و اجتماعية بدعوى وضعيتها و انتربولوجية بدعوى استعماريتها و بنيوية بدعوى عبثيتها و نحو ذلك من الإقصاء المبرر و غير المبرر.
كان لذلك نتائج.. لعل أخطرها هو وقوعنا في الإسقاط المتعسف الذي يؤخذ على هواة الاستعارة الغربية. فالمجتمع العربي الآن كما يرفض الإسقاطات الأيديولوجية الغربية لأنها ليست من بيئته، فإنه يرفض أيضا الإسقاطات المعيارية النصية الأولى. لأنها لم تعد هي أيضا من بيئته بعدما انحرفت الثقافة الحضارية عنها (كما يرى أولائك المناضلون أنفسهم) و بعدما انحرفت عن هذه ثقافتنا التراثية.
فماذا نصنع الآن، و داؤنا الآن و النصوص المقدسة قطيعتين؟
توجد مسافة بين النص و المجتمع.. و ليس من جسر يربط بينهما سوى تشريح النص و المجتمع معا بأدوات علوم الإنسان الحديثة. ذلك أن المجتمع يعيش بهذا العصر. و النص يراد منه إضاءة لهذا العصر.. أو هكذا صنع أسلافنا في الدورة الحضارية الأولى عندما اضطروا لتشعب الحياة و الثقافة الإسلامية إلى توسيع حقل الممارسة النقدية على النصوص.
و حتمية اللجوء إلى أدوات علوم الإنسان التطبيقية و ممارستها ( و ليس دراستها فقط و الحكاية عن الغرب في توضيحها كما يغلب على وحداتنا الدراسية في الجامعة)..، فحتمية ممارستنا على واقعنا و على نصوصنا الأولى يقتضيها اندفاعنا القسري في مجرى المعاصرة العامة منذ تحررنا السياسي.
فلقد كان من طبيعة الأمور أن ينجب هذا الاندفاع، اندفاعا آخر للعقل العربي في مجرى التطبيقات العلمية لتشريح البنية العربية المجتمعية الجديدة من جهة، و تشريح التراث/الأمة و التراث الحضاري و النصوص المقدسة من جهة أخرى لإعادة ترتيب تفاعل وعي البنية الجديدة مع النصوص و الثوابت... و لكن :
- حالت الأنظمة السياسية دون التشريح الأول بتقنينها لشروط الإبداع المشروع.
- و حالت الأنظمة الدينية و الطائفية و العشائرية دون التشريح الثاني بتقنينها لشرعة الإتباع المشروط.
و هذا التشريح الأخير أصبح اليوم ضرورة كأشد ما تكون الضرورات.. لزئبقية المعاني تبعا لزئبقية الرؤوس. فالنصوص المقدسة ليست محترمة، و لن تكون محترمة. و لن يسع الجميع في مختلف الاتجاهات [ الدينية قبل العلمانية] إلا التعسف في استعمالها طالما استبعدناها عن تحاليل الفيلولوجيا و البنيوية و السيميائية التي يمكن أن تقابل، مع تقدير الفارق، عند سلفنا الصالح علوم اللغة من سماع و اشتقاق و دلالة و نحو و بلاغة و قياس و نحوها.. و تحاليل الانتربولوجيا التي تقابل، مع تقدير الفارق أيضا، أحوال العرب و أسباب النزول و معرفة السياق. و الاتنولوجيا التي يمكن ان تقابل معرفة ما يمايز القبائل و البطون العربية.
فكيف و قد خاض السلف الصالح في النصوص بكل هذه الأدوات و أكثر. وهي علوم لو قدر للأمة عدم انقطاعها الحضاري لكانت جميع العلوم الحديثة المذكورة امتدادا طبيعيا لها داخل رواق الأمة. و هي امتداد لها دون شك، و لكن خارج رواقنا، و ذلك لانقطاعنا الحضاري و ليس لسبب آخر.. و هي باقية على حيادها بوصفها أدوات ليس إلا. فلا يغير من طبيعة حياد الاثنولوجيا مثلا توظيف الاستعمار لها في عملية تفتيته للوطن العربي.. و إلا فنحن مدعوون أيضا إلى رفض التكنولوجيا الحربية، بل التكنولوجيا عامة لتوظيف الاستعمار لها في عملية تدميره للحصون العربية و استعباده للمنطقة.
لا يزال الاستبعاد الجزافي و التغييب الكلي للروح العلمية المتعالية يطبع الروح العربية كاملة و بسائر أطيافها، إن على مستوى العلمانيين حفاظا على شعرة معاوية مع الشعوب أو على مستوى الأصوليين لضمان قداسة للماضي على مقاس نرجسية الحاضر، أو على مستوى الأنظمة لضمان وحدة رقعة قومية قسرية.
و تبقى لهذه الأسباب و غيرها..، تبقى المجتمعات العربية مادة خام لم تدرس بعد.. توجد دراسات جليلة تعالج التراث بأدوات و مناهج حديثة بهدف المقاربة نحو فهم سليم للبنى الأولى في التراكيب النفسية و الاجتماعية و العقلية المعاصرة.. و هو هدف أخطأته مع الأسف. لأنها عكفت في معظمها على التراث الحضاري الأول الذي نمثل معه قطيعة حقيقية. و لو بذلت كل تلك الجهود في دراسة إنسان ما بعد الموحدين و ثقافة ما بعد الموحدين الذي هو ضميرنا الخلفي المشترك، لأفادت كثيرا في هذا المضمار. أي في تسليط الضوء على سلوكنا المعاصر فكرا و ثقافة و اجتماعا.
نحن منذ فجر النهضة، منخرطين في معركة وهمية بين وضع حاشية تمجيدية على متن الحضارة الإسلامية، أو وضع حاشية تزيينية على هامش الغرب الحديث. و بينهما هم ثالث يحمله التوفيقيون الذي يجتهدون في تحيل حاصل بين صنفين مفترضين.
و هكذا تكون المعركة وهمية لأن حضارة الغرب امتداد للحضارة الغربية و لم يختصما إلا في خيال السياسيين و الإيديولوجيين من الطرفين. و بالتالي في واقعهم الذي يمثل التاريخ الرسمي المعروف.
و تكون اللعبة بعد ذلك، و إن أردناها نحن، خارج رواقنا لأننا لسنا التاريخ و لسنا الغرب.. لسنا الحضارتين معا لتجذر القطيعة المعرفية بيننا و بين كليهما.
و نحن في انخراطنا في هذه المسرحية، نغيب أنفسنا عنا.. ننسى دراسة مجتمعنا ثقافتنا و سلوكنا و جميع أنظمتنا الدينية و الفكرية و السياسية كما هي عليه الآن.
يقول د. رضوان السيد في الفكر العربي. عدد 19 فبراير 1981: ( لقد أوضح ابن خلدون قواعد الاجتماع العربي الإسلامي و خصوصياته، لكن اتجاهه الكاشف هذا لم يتابع بالحس النقدي نفسه في عهد الاستعمار و الامبريالية عندنا. و ربما يكون علينا تقديم إسهام عربي إسلامي في هذا المجال، لا من أجل العزة الحضارية، بل من أجل مسألة المنهج نفسها. ذلك المنهج الذي يستفيد من المنطق الداخلي لبنى الحضارة و الاجتماع لفهم هذه البنى ذاتها ).
هذا التنبيه مر عليه أزيد من عقد.. و معلوم أننا لم نر بعد إلى اليوم محاولة جريئة و عميقة في هذا المضمار من عيار محاولة ابن خلدون تكشف لنا عن قواعد اجتماعنا و عن المنطق الداخلي الذي يحكم بناه... و هذا ما جعل الأمة تتكرر و لا تتجدد.. و التخلف يتغير شكلا و لا يغور.. و الاستعمار يتلاون و لا ينسحب.. و جعل أسئلة النهضة تتأبد باستفهاماتها الأولى بوقع ثقيل و رهيب على العقل العربي المعاصر.

*تيسر نشرها في الوقت الأسبوعية. عدد 83. بتاريخ 17 جويلية 1995



#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من القديم الراهن 2
- من القديم الراهن 1
- المكر الأزلي
- عبور الجزائر.. محاذير في الطريق.
- تحدي الساعة
- خصائص العبور الجزائري الجديد و كيف نحافظ عليه
- المثقف العربي بين النظام و بين بنية النظام
- حقوق العصر.. تحقيقات في جريمة ازدراء العقل و معاداة الإنسان
- علاقة داعش بالخلافة الأمريكية
- تسامح الجزائر مع اكتساح النشاط الطقوسي/السياسي للمجال العام
- سؤال عن مستقبل الثقافة في الجزائر
- مصر تصحح مسار الربيع
- الإلحاد و الإسلام
- هوس الإعجاز عند المسلمين
- لعنة الاستراتيجيا
- طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري
- الربيع الأمريكي بالمنطقة العربية
- اليسار العربي، من تشخيص الأنظمة إلى تثقيف المجتمعات
- موسم العودة إلى الحجاز
- العهد البوعزيزي الجديد و الخطر المسيحي القادم


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد التاوتي - من القديم الراهن 3