أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - أحمد التاوتي - طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري















المزيد.....

طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري


أحمد التاوتي

الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 01:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


حدث أن تزامن الربيع العربي المغتصب، مع أوضاع بالشارع الجزائري أقل ما يقال عنها أنها كانت مرشحة للانفجار. فهل كتمت أنفاسه رضيعا و" ألفت قلوب" مرضعاته..، أم أجل..، أم أنه ببساطة ليس واردا على المنظور القريب لمؤشرات موضوعية بالسياق.

هناك اعتبارات عدة،

الاعتبار الأول هو الشائع و الذي جرى تقليدا على أفواه جميع المسئولين و المستفيدين من عشرية المال المباح و الردة البواح، و كثير من عموم المواطنين البسطاء، و هو أنه حدث ذات يوم من أيام أكتوبر 1988 ربيع الجزائر الذي اسلم إلى التعددية تم كالعادة مع المجتمعات العربية أسلمت التعددية إلى فوز الإسلاميين الذين لا يؤمنون بالديمقراطية و إن استعملوها من باب "الحرب خدعة" .. تم أوقف المسار الانتخابي لدى ظهور النية المبكرة للعدوان المدني و الإرهابي في تصريحات قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ آنئذ.
طبعا هذا المبرر لا يستقيم إلا إذا تعقلنا التجربة المريرة التي عاشها الجزائريون بفترة التسعينيات.. و التي جعلتهم لا يرتاحون كثيرا لا إلى الإسلاميين و لا إلى التغيير بالعنف. و على هذا الأساس أميل إلى هذا المبرر، و إلا فانه مبرر هزيل في ذاته، إذ أن الثورات، سلمية كانت أو غير ذلك، و في كل المجالات، ضرورة إنسانية من اجل تطور الجنس البشري و من اجل تطور المجتمعات المدنية.. فلا يمكن أن نعترض مثلا على جدوى ثورة نوفمبر بدعوى أن ثورات كثيرة سبقتها. فلكل زمن ضروراته و مبرراته.

الاعتبار الثاني هو عدم وجود طبقة سياسية في مستوى وعي المواطنين.. و لا حتى أدنى منه بقليل..،
و هذا ما يفسر كون المواطن الجزائري لا يساق كالخروف من طرف مفوهين بلغة خشبية، خضراء أو حمراء أو حتى صفراء انفصالية أو دكناء شبه وطنية...
توجد مؤسسة صامتة من التضمينات المتعلقة بالسلوك الاجتماعي و السياسي ناتجة عن الميزة التي تميز الجزائريين و هي الموقع الجغرافي المتوسطي و تفاعلهم منذ القدم و إلى اليوم مع دوار ثقافي مزمن متعدد الروافد.

يبدو للملاحظ أن طبقتنا السياسية نشأت و منذ الاستقلال خارج هذه الحالة الجزائرية بامتياز.

والسبب جلي هو أن الاستقلال قبل 50 سنة أنجب لنا ثلاث تشكيلات تكاد تكون اعتبارية لجنينية الأدوار و الصلاحيات.، و هي الجيش و الإدارة و الحزب.. الجيش باشر السلطة، و الإدارة باشرت التسيير، و الحزب باعتباره الرافد الوحيد للمناصب و المسؤوليات باشر بطبيعة الحال عملية تلميع صورة النظام..
هذه المهمة، أضعفت نجاعته النظامية و قللت من تجربته لعدم استغراقها لبعد المعارضة الحقيقية ..و هذا من النتائج الكارثية لوجوده وحيدا و مطلقا في الساحة السياسية. إفلاس معنوي رهيب أدى به إلى الاشتغال على المهمة الأساسية و الغالبة في نشاطاته و هي حراسة ايدولوجيا النظام بأسلوب اقرب إلى مراقبة ضمائر المواطنين منه إلى محاسبة المسيرين، مع تعميم صورة نمطية عن خطاب سياسي شعبوي ماضوي استأنفها فيما بعد الكثير من الأحزاب الإسلامية و الأحزاب المدعاة وطنية، و حتى المدعاة ديمقراطية مع حفظ الفارق في اللون...

طبعا لا ننكر بأن المرحلة الممتدة من الاستقلال إلى سنة التعددية 1989 لم يعدم الحزب الكثير من الفرديات المخلصة من المجاهدين الأول، و الذين هم برأيي لا يمثلون بسلوكهم السياسي التوجه الأساس الغالب و الواقع بالفعل للحزب، و إن نهضوا بديباجته و شعاراته المنبوذة تقليدا في سائر أحزاب الأنظمة المقدسة..، هؤلاء اندفعوا في عملية بناء الترسانة الثقافية و المعنوية للدولة الفتية و سيادتها و ليس للنظام.، و كثير منهم عانوا تهميشا و عمليات إبعاد وضيعة خصوصا بعد التعددية و أشهرهم طيب الذكر عبد الحميد مهري.

فالتيار الغالب إذن، تيار حراسة ايدولوجيا النظام إلى غاية التعددية، ثم حراسة النظام كيفما كان بلا ايدولوجيا بعد التعددية، هو المرجعية الروحية للثقافة السياسية التي تفاعلت بها و معها الأجيال السياسية و هي المدرسة الأولى لها بامتياز..
هذه المدرسة الحزبية الكبيرة و التي تكونت و شبت أساسا على تلميع صورة الأنظمة، خلفت لنا اليوم طبقة سياسية مشكلة من أحزاب أخرى وليدة، صغيرة و متوسطة، إذا نظرنا إليها من خلال حملة الانتخابات التشريعية الأخيرة نجد بأنها تشي بدلائل اقل ما يقال عنها أن أطفال المدارس وجدوا أخيرا مادة للتسلية و الضحك.

و الانتخابات التشريعية الأخيرة ليس لها علاقة تفاعلية بمسألة التغيير أو الربيع أو غيره.. أعتقد بأنها جرت كالعادة، و كسابقاتها، و كلعبة روتينية.
و الإعلام الدولي هو الذي أعطاها تلك الصورة نظرا للظروف و السياق العربي الشامل.. و المفاجئة الوحيدة بها، بالنسبة للعالم العربي و ليس للجزائريين، هي تقهقر الإسلاميين.. أما الحدث في النتيجة بالنسبة للجزائريين و بالنسبة لأوربا أيضا و أمريكا فهو الاستقرار.

إذا كان اعتقاد وجود رعاية غربية خفية للربيع صحيحا، فان هذه الرعاية تعلم بأن حزب النظام أكثر إسلامية من إسلاميي الجزائر.. فالاستثناء الجزائري لا يكمن في فوز حزب النظام.. لأن هذا الحدث متناغم تماما مع النتائج المطلوبة من الربيع العربي.. الاستثناء يكمن في تعقل الشعب الجزائري و عدم انسياقه وراء الفوضى للأسباب المسوقة أعلاه.



الاعتبار الثالث هو تمنع الجزائريين في سوادهم عن الانخراط الجدي في الهيكلة التنظيمية للمجتمع المدني استنكافا عن الانتظام وراء طبقة سياسية لا ترقى إلى مستوى وعيه كما أوضحنا أعلاه من جهة.،
و من جهة أخرى استفحال النزعة الفردية بأوساط المواطنين و اعتماد السلوك الظرفي التجزيئي في تدبير و تسيير شؤونهم بالتعامل مع القوانين و واقع المؤسسات كمعطي خارجي ليسوا مسئولين عنه و ليس من مهمتهم تغييره. و هذه النزعة، و إن عزلت المجتمع عن الطبقة السياسية – و في ذلك كل الخير-، أيضا، و إن عطلت بعض المشاريع الضرورية الخاصة بالتدريب و التربية المواطنية بمفهومها الحديث..، تبقى ضرورة مرحلية لا يمكن حرقها في تشكيل المزاج السياسي للمجتمعات الناهدة نحو الدخول في الشرعية السياسية الدستورية.

فالشرعية الدستورية تقابل الشرعيات المقدسة بنوعيها، الثوري أو الديني.. و الانتقال من المقدس إليها بجرة قلم استجابة لثورة طوابير، أو بمجرد استفتاء أو انتخاب لا يستقيم ما لم تتجذر تلك النزعة الفردية التي تجتاحنا اليوم و تحيل كل فرد إلى كتلة من الإحساس و الوعي العميق و المكثف بذاته.
الأمر يبدو تسيب أو نزق اجتماعي و لكنه إرهاصات جنينية لميلاد المواطن باعتبار أن المواطن هو الخلية الأساسية للمجتمع المعاصر و ليس القبيلة و العشيرة و لا حتى العائلة الأسرة. و ليس أدل على وضوح هذه الإرهاصات مثل هذه النزعة الفردية المبشرة بكل الخير.
حينها يستحيل المجتمع من مجموعة طوابير إلى عدد لا متناهي من الأفراد الأنداد بكامل القابلية لممارسة أنواع التعاقد الاجتماعي و السياسي.. هنا و فقط هنا، يبدأ الحديث عن ميلاد مجتمع مدني مؤسس على التعاقد الحديث..، و حينها فقط، يمكن أن تحدث ثورة تقدمية حقيقية، لا تقوم على العنف بالضرورة.، كما أنها قد تقوم عليه حسب السياق الموضوعي.. أما الثورات التي تتم قبل أن يصهر أفراد المجتمع قي النزعة الاجتماعية الفردانية، أي قبل تشكل الوعي الفردي الكامل بالذات و ما يتبع ذلك من تجسيد المواطنة، فالحقوق الفردية، فالحقوق السياسية..، فإنها تسلم كما تدل التجارب عندنا و من حولنا إلى مقدس أكثر أو اقل سوءا ليس إلا.

و ما يميز هذه النزعة الفردانية التي تجتاح الأجيال الناشئة خصوصا، هو وجودها في سياق تنعدم به العدالة و ينعدم به التعليم الجيد و لكن من جهة أخرى تتدفق فيه القروض مع الإعفاءات الضريبية للشباب المقاولين و رجال الأعمال. قد يكون هذا أمرا صحيا من حيث كونه يحدث خلطة جديدة تطرأ على البنية المجتمعية.. جيل يصنع عدالته "بالمتعارف" مع عدالة فاسدة.. و يتعلم كدحا مع النوائب و بتصاريف إدارة فاسدة..، و يمضي في طريقه رافضا لأي خرق لهذا الفساد الذي يراه استقرارا نشأ عليه و استطاب الروغان معه...و مع تكافؤ القوى الفردانية أفقيا، يضطر الجميع يوما ما إلى التعاقد من أجل انقاذ سفينة تجري بهم جميعا و الخضوع إلى قوانين ميزتها هذه المرة أنها نشأت من حاجة راهنة و محلية، قوامها عراك فكر أصحابها "و هم أفراد متكافئون" مع واقعهم و ليست مستوردة أو مسقطة بتدابير إدارية باردة..

ولكن مع ذلك توجد اليوم إضرابات و قطع طرق و فوضى و غزوات بين الأحياء و غيرها..

و الأمر عادي أيضا و في الطريق السليم..

فعدا السبتيات الأولى بفيفري و مارس 2011، أغلب الإضرابات و الاضطرابات الشعبية للسنتين الأخيرتين لم تسفر قي أية واحدة منها عن استهداف نظام لم يعد من أولويات الشعب .. كلها كانت لمطالب محددة يعرفها المتظاهرون جيدا.. و هذا في اعتقادي تطور و ذكاء سياسي شعبي بالرغم من أن بعض تصرفات المسئولين على مستوى كثير من المحليات تبدو و كأنها مقصودة لتفجير الوضع. إلا أن الشعب أكثر وعيا و تحضرا من مسئوليه و سياسييه كما قدمنا..
و عليه، و اذا علمنا بأن المطالب المعيشية تصنع الإحساس بالذات لدى الأفراد.. و هذه تسلم الى مطالب الحقوق التي تصنع المواطن..،
فان المجتمع الآن ينوء بعملية التغيير الديمقراطي بنفسه و على الطبيعة.، كما في التحولات الاجتماعية الكبرى، حين خذلته مؤسسات و هيئات رسمية مخولة لذلك و لكنها لم تعد وطنية بأي وصف .



#أحمد_التاوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الربيع الأمريكي بالمنطقة العربية
- اليسار العربي، من تشخيص الأنظمة إلى تثقيف المجتمعات
- موسم العودة إلى الحجاز
- العهد البوعزيزي الجديد و الخطر المسيحي القادم
- العلمانية المؤمنة
- فضائية المستقبل تتجاوز اليسار و اليمين
- المسلمون طيبون
- الحوار المتمدن و التغيير
- مستقبل الثقافة في مصر
- الشعب المصري قبل كل شيء
- الحرب و الغاز الطبيعي: الغزو الإسرائيلي و حقول غزة البحرية
- كتابة الجيتول و النوميديين القديمة
- أمريكا و العلمانية (دونيس لاكورن)
- أصول الإنسيّة اللائكيّة (شارل كونت)
- العنف ضد المرأة: من التباس المعنى الى تمييع النضال
- هل قتل الدين الابداع؟
- هل ينتهي الارهاب
- سياق الانسداد بالثقافة الجزائرية: البعد السياسي.
- ثقافتنا بين قيدي التاريخ و الجغرافيا
- سياق الانسداد بالثقافة الجزائرية


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - أحمد التاوتي - طبيعة الرهان الديمقراطي في المجتمع الجزائري