أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية















المزيد.....

إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية


محمود عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8487 - 2025 / 10 / 6 - 09:52
المحور: القضية الكردية
    


العلاقة الجدلية بين ما يُسمّى بالانتخابات التشريعية لمجلس "المكوّن السني التكفيري" الجارية اليوم في بعض المحافظات السورية، بمعزلٍ تام عن محافظتين ونصف في غربي كوردستان ومحافظة السويداء، وبين قرار إلغاء عيد نوروز كحق قومي مشروع من بين حقوق الشعب الكوردي، ليست مجرد صدفة سياسية؛ بل فضيحة فكرية وأخلاقية تكشف زيف الخطاب الذي تتلطّى خلفه حكومة الجولاني المؤقتة، وتفضح هشاشة مشروعها المزعوم لبناء “سوريا الجديدة”.
فما يجري ليس مجرد عملية انتخابية شكلية، بل خطوة جديدة نحو تثبيت سلطة عقائدية مغلقة، مطعونة فيها قانونيا، من البعدين الوطني والدولي، غابت عنها أدنى المستويات الديمقراطية في حالتي الترشيح والانتخابات غلبت عليها المحاصصة والتعيين، والكوتا، بشكل مباشر وغير المباشر، ليس لصالح المكونات القومية أو المرأة، بل كوتا للمجموعات التكفيرية، تُعيد إنتاج المنهج العنصري ذاته الذي اتّبعه النظام البعثي، لكن بثوب ديني جديد. يروج على أنه مسنود إلى دستور انتقالي، والدستور بحد ذاته مطعون فيه، تم رفضه من قبل جميع مكونات سوريا، ومن بينهم الشعب الكوردي وحراكه، باستثناء المكون السني التكفيري والمنظمات الإرهابية المكونة منها حكومة الجولاني.
في عهد النظام البائد، كان مجلس الشعب مجرد انعكاس لصوت البعث، واليوم يظهر المجلس الجديد كنسخة مكرّرة، ولكن بلغة التكفير، حيث تُحتكر السلطة التشريعية بالكامل بيد الجولاني، تحت ذريعة "المرحلة الانتقالية" و"ضرورة تصحيح الأخطاء" الذريعة ذاتها التي استخدمها البعث لعقود لتبرير القمع، تُعاد اليوم بوجه آخر وبمفردات جديدة تجمع بين التعصب القومي والتشدد الديني.
ومن أكثر ما يفضح هذا النهج، ليس فقط في البعد القانوني، بل الثقافي والسياسي والأخلاقي، فقد تم تعيين محمد طه الأحمد، أحد أساتذة الفقه الإسلامي رئيسًا للجنة التشريعية، في تجاهلٍ كاملٍ لمبدأ القانون المدني والدستور، وكأننا أمام تشكيل (مجلس الشورى) ولا يستبعد أن تشكل في القريب القادم (هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) تترأسها شخصيات غارقة في الكراهية والعنصرية كحسن الدغيم، المعروف بعدائه الصريح لمكونات سوريا، وبشكل خاص للكورد.
تسعى حكومة الجولاني عبر لجانها وأذرعها الإعلامية إلى تجميل وجهها أمام الرأي العام السوري والدولي، من خلال الحديث عن "الشراكة الوطنية" و"العدالة الاجتماعية"، لكنها في الواقع تعمل بخفاء على إعادة إنتاج فكر الإقصاء ذاته. وأوضح مثال على ذلك هو إلغاء (عيد نوروز) من جدول الأعياد الرسمية في سوريا، وهو ما يشكّل استنساخًا حرفيًا لسياسات البعث، التي كانت تنظر إلى الهوية الكوردية كتهديد ينبغي محوه لا كمكوّن وطني يجب الاعتراف به.
إن رفض الاعتراف بعيد نوروز لا يمكن تفسيره إلا من زاويتين أساسيتين:
الأولى إيديولوجية دينية، تنطلق من تصوّر الإسلام السياسي بأنّ "الأمة الإسلامية" هي وحدة الخلاص الوحيدة، وبالتالي لا مكان فيها لاعتراف قومي أو خصوصية ثقافية خارج هذا الإطار. أما الثانية سياسية تركية، إذ تنفّذ حكومة الجولاني تعليمات أنقرة حرفيًا، بما يضمن استمرار عدائها للشعب الكوردي وتقييد أي تطلّع فيدرالي أو وطني ضمن غربي كوردستان.
وحسب فقهاء هذه الحكومة التكفيرية، يُعتبر عيد نوروز "وثنيًا" لأنهم يربطونها بتاريخ الأديان الكوردية القديمة، ويعزلونها عن النضال الكوردي التاريخي ضد الاستبداد، ومن هذا المنطلق، اعترفوا بأعياد المسيحيين، وأغفلوا عن عمد أعياد اليهود، وصنّفوا نوروز كعيد "الكفار" استنادًا إلى فتاوى ابن تيمية التي ما زالوا يعبدون نصّها.
ولكي يُخفوا قرارهم العنصري، لجؤوا إلى الخدعة القديمة نفسها التي استخدمها البعث، فحوّلوا عيد نوروز إلى عيد الأم! وكأن بإمكانهم اختزال آلاف السنين من التاريخ والنضال القومي الكوردي في رمزٍ تجميليٍّ يليق بصفحات الدعاية لا بكرامة الشعوب.
الفرق بين البعث والجولاني لا يكمن في المضمون، بل في القناع، فالأول كان يمارس الاستبداد باسم "الوحدة العربية"، والثاني يمارسه باسم "الخلافة الإسلامية". كلاهما يرفض الاعتراف بالآخر، وكلاهما يرى في الكوردي مشروعًا ناقص الولاء، يجب تذويبه أو نفيه، كلاهما حاولا طمس عيد نوروز.
إننا أمام جماعات تكفيرية فهمت الإسلام لا في جوهره القرآني، بل في انحرافاته التاريخية؛ جعلت من الدين أداة إقصاء لا رسالة سلام، ومن السياسة سلطة مقدسة لا مسؤولية إنسانية.
رفضهم لعيد نوروز ليس مسألة رمزية فحسب، بل هو إعلان صريح بأن الحوارات مع هذه الحكومة محكومة بالفشل منذ بدايتها، فقد بدأوا بإقصاء الحراك الكوردي من المؤتمر الوطني الأول، ثم تجاهلوه في تشكيل الحكومة، ثم كتبوا مسودة دستور لم تذكر الكورد مطلقًا، وها هم اليوم يتوجون مسارهم بالاعتداء على الرموز الثقافية للشعب الكوردي.
ولهؤلاء نقول:
الفرق بين ثقافة الشعب الكوردي ومفاهيم الجولاني وأتباعه، هو الفرق بين النور الأول وظلال التاريخ. فالكورد يحملون رسالة التعارف بين الشعوب لا محوها، والإيمان بالحرية لا الخضوع، وبالكرامة لا الاستعباد. أما الجولاني ومنظماته، فيسعون لتحويل سوريا من سجنٍ قوميٍّ كان يحكمه حزب عنصري وسلطة مجرمة، إلى سجنٍ عقائديٍّ يقيّد الضمائر قبل الأوطان، ويستبدل القهر الأمني بالوصاية الدينية، والعبودية الفكرية باسم الله.
إنّ حكومة الجولاني، حين تُنكر عيد نوروز، فهي لا تُلغي مجرّد مناسبة قومية، بل تمارس عملية محوٍ ممنهجة لهويةٍ عريقةٍ تمتد في عمق التاريخ، وتتنكّر لجوهر التعدد الذي قامت عليه سوريا منذ فجر حضاراتها. في إنكارها هذا، تُعيد إنتاج خطابٍ استبداديٍّ جديد باسم “التوحيد” و” الشرع”، محاولةً اغتيال رمزية شعبٍ هو من أقدم شعوب المنطقة، وثقافته التي قاومت الطمس قرونًا طويلة. إنها ليست إلا محاولة أخرى لتكريس دولة اللون الواحد والفكر الواحد، في وطنٍ وُجد ليكون فسيفساء من الأعراق والأديان والثقافات.
لكن سوريا الجديدة لن تكون دولة تكفيرية، ولن يُكتب مستقبلها في غرف المخابرات التركية، ولا على موائد تجار الدين الذين يستبدلون الاستبداد العسكري بالوصاية العقائدية. فالأمة التي قدّمت أبناءها من الكورد والعرب والسريان والآشوريين وغيرهم على مذبح الحرية، لا يمكن أن تُساق مجددًا إلى عبوديةٍ أيديولوجيةٍ باسم “المقاومة” أو “الشريعة”.
سوريا الحرة لن تُبنى على الإنكار، بل على الاعتراف المتبادل، وعلى المواطنة الحقة، وعلى فيدراليةٍ عادلةٍ تضمن لكل مكوّن حقه وكرامته. فكما فشل البعث في طمس نوروز وإلغاء الوجود الكوردي، سيفشل الجولاني وكل من سار على دربه، لأن الشعوب التي تعرف ذاتها لا تُلغى، وإن أُخرِس صوتها حينًا، فإنّ حريتها آتية لا محالة.

د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
5/10/2025م



#محمود_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- الشرق الأوسط الجديد بين أوهام سايكس–بيكو وحقائق الكورد المؤج ...
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من غربي كوردستان إلى البيت الأبيض تجارة ترامب وأوهام أردوغان ...
- فضيحة الألف عام والألفي عام، ترامب يقرأ من كتاب أردوغان
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- من العشيرة إلى الأمة وليس العكس
- الكورد أصل الأرض وأكذوبة الهجرة سلاح البعث والجولاني
- ثلاثة محاور أساسية
- مسرحية القمة العربية والإسلامية وخطاب الجولاني الفارغ
- الجولاني وسط الحوار المرئي، الحقائق تُكشف
- الكتلة الوطنية لماذا تتنكرون للفيدرالية وتعيدون إنتاج خوف ال ...
- قمة قادة العرب في قطر لحظة إعلان نهاية حماس
- لو أصاب القناص ترامب هل كانت أمريكا ستغزو العالم بالذكاء وال ...
- يُمنح الإرهابيون المنابر ويُحرم الكورد من مقعدهم في هيئة الأ ...
- تراجع شعبية إسرائيل وصعود المأزق الفلسطيني
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- منطق القوة لا يرحم الكورد بين عجز المجلس الوطني وهيمنة الإدا ...
- هل تعطّلت مخرجات مؤتمر قامشلو؟ 2/2


المزيد.....




- فيديو.. لبنانيون يتظاهرون ضد استمرار القصف الإسرائيلي والتهج ...
- مصر: محادثات غير مباشرة بين إسرائيل وحماس لبحث آليات وقف إطل ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن إحباط محاولة تهريب أسلحة من سوريا واعت ...
- -كوشيب- أول قائد بميليشيا -الجنجويد- يُدان بارتكاب جرائم حرب ...
- ارتفاع أعداد الشهداء بغزة والصليب الأحمر مستعد لتبادل الأسرى ...
- ارتفاع مستمر لأعداد الشهداء والمفقودين بغزة والصليب الأحمر م ...
- المنظمات المدنية تقاطع مبادرة رئيس مدغشقر للحوار
- -اليونيسف-: لا مكان آمناً في غزة والأوضاع من سيئ لأسوأ
- مصر.. بدء مفاوضات غزة لبحث التوصل لآلية إفراج عن الأسرى
- المحكمة الجنائية الدولية تدين زعيما سابقا لجماعة مسلحة سودان ...


المزيد.....

- “رحلة الكورد: من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر”. / أزاد فتحي خليل
- رحلة الكورد : من جذور التاريخ إلى نضال الحاضر / أزاد خليل
- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - محمود عباس - إلغاء عيد نوروز تكفير مقنّع وإنكار صريح للقومية الكوردية