أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خوشناف خليل - عقلنة الخطاب.. دراسة في عمق التفكير وحقيقة التأثير














المزيد.....

عقلنة الخطاب.. دراسة في عمق التفكير وحقيقة التأثير


خوشناف خليل
كاتب وشاعر

(Khosnav Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 21:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالم تتشابك فيه القضايا وتتداخل المصالح، يبرز سؤال جوهري حول طبيعة الخطاب الذي ينبغي أن نستلهمه لفهم الواقع والتعامل معه: هل نكتفي بالخطاب العقلاني الذي يركز على الإقناع والتسليم بما هو قائم، أم نسعى إلى عقلنة الخطاب التي تعني دراسة معمقة وشاملة لكل جوانب القضية بغية الخروج بحلول منطقية ومستدامة؟
عقلنة الخطاب ليست مجرد استعمال للعقل كأداة للتفكير، بل هي منهجية متكاملة تعتمد على الإلمام بجميع أبعاد القضية، فهم السياقات الاجتماعية والتاريخية والثقافية والسياسية، وتحليل الأسباب والنتائج. هذا النوع من الخطاب يتجاوز السطحية ويصبو إلى استنباط حلول تراعي تعقيدات الواقع، بعيدًا عن التبسيط والتسطيح. في المقابل، الخطاب العقلاني، رغم أهميته في تنظيم الحوار وإقناع الجمهور، غالبًا ما ينحصر في عرض الواقع كما هو، مع تشجيع على القبول به أو التكيف معه، مما قد يؤدي إلى نوع من الركود الفكري والرضوخ للأمر الواقع، وهو أمر يشكل خطرًا على المجتمعات التي تحتاج إلى تجديد وتحول.
الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (Paul Ricoeur) يؤكد في تحليله للخطاب أن عقلنة الخطاب هي عملية "تغيير في الوعي" وليس فقط عملية استدلالية بحتة. يرى ريكور أن العقلنة تعني إعادة تشكيل طريقة التفكير بحيث تصبح قادرة على تجاوز الانفعالات والتقاليد الجامدة، لتصل إلى فهم أعمق وأكثر توازنًا. هذا الرأي يدعم فكرة أن العقلنة ليست مجرد تفكير منطقي، بل هي تحول نوعي في طبيعة الفهم والوعي.
أما المفكر المغربي محمد عابد الجابري، فقدم رؤية نقدية للخطاب العقلاني في الفكر العربي، مبرزًا أن الخطاب العقلاني في كثير من الأحيان يصبح "أداة إقناع" لا أكثر. يشير الجابري إلى أن الخطاب العقلاني يركز على فرضيات واقعية محدودة، ويهدف إلى استقرار المواقف بدلاً من تحديها أو تطويرها، ما يجعل العقلنة ضرورة للفكر العربي الحديث كي يتحرر من الجمود ويكتسب قدرة على معالجة القضايا المعقدة بعمق وموضوعية.
في السياق نفسه، يطرح الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (Jürgen Habermas) مفهوم "الفعل التواصلي" الذي يرى فيه أساسًا لعقلنة الخطاب. هابرماس يؤكد أن العقلنة الحقيقية تظهر في الحوار المفتوح الذي يتيح للأطراف المختلفة التعبير عن مواقفها بحرية، ومن ثم التوصل إلى تفاهمات قائمة على الإقناع العقلاني وليس على القوة أو المناورات السياسية. هذه العقلنة التوافقية تتطلب بيئة اجتماعية تسمح بالنقد الذاتي والحوار البناء، وهو ما يفتقده كثير من الخطابات التي تكتفي بالجانب الإقناعي دون أن تغوص في جوهر القضايا.
من هنا، يمكن القول إن عقلنة الخطاب تحمل في طياتها أملًا حقيقيًا في تجاوز أزمة الفكر الذي يكتفي بالتعامل مع الظواهر السطحية أو المؤقتة. فهي تضع الدراسة المعمقة والتحليل الموضوعي في مقدمة الأولويات، وتدعو إلى إحداث تغيير في الوعي الفردي والجماعي. وهذا ما يجعلها ضرورة ملحة في زمن تتراكم فيه المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، حيث لا تكفي الحلول السريعة أو الخطابات التي تهدف فقط إلى تهدئة الغضب أو تمرير أجندات ضيقة.
في المقابل، الخطاب العقلاني، وإن كان أداة مهمة في إدارة الواقع، إلا أنه قد يصبح في بعض الأحيان مجرد "واجهة" لإخفاء أعمق المشكلات، أو وسيلة لإقناع الجماهير بالرضوخ لأوضاع غير مرضية. وهذا ما حذّر منه المفكرون الذين يشددون على أهمية العقلنة كخطوة ضرورية لإعادة البناء الفكري والاجتماعي.
في الختام، عقلنة الخطاب ليست رفاهية فكرية، بل هي ضرورة عملية للحفاظ على توازن المجتمعات وتقدمها. فهي تعني الانخراط في دراسة شاملة وعميقة لكل جوانب القضية، والتزامًا بالبحث عن حلول منطقية ومستدامة، بدلاً من الاكتفاء بخطاب عقلاني يقتصر على الإقناع والقبول بما هو قائم. ومن دون عقلنة حقيقية، تبقى الخطابات مجرد ظلال باهتة لا تترك أثرًا حقيقيًا في مسيرة التغيير والتطور.



#خوشناف_خليل (هاشتاغ)       Khosnav_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت يهمس.. والحب لا ينطق
- دماء السويداء تنزف: مجازر وحشية بحق الدروز وصمت دولي يثير ال ...
- هناك ..
- حين آخر المدن
- سيَحدثُ الكثيرُ
- الغابة .. مليئة بأوراق الزيزفون
- ويبقى المكانُ
- حقوق الأكراد والأقليات في سوريا: قراءة في مسودة الإعلان الدس ...
- دراسة بنيوية وجمالية وتكوينية لقصيدة الشاعر عمران علي
- دراسة بنيوية لقصيدة -أمي تحت الأنقاض- للشاعر إبراهيم يوسف
- -حسّ فكاهة- أرنب في سطح المأساة
- محمود زكي في ثلاثة نصوص
- قراءة في خمسة نصوص للشاعر علي مراد
- قراءة سردية في ثلاثة نصوص للشاعر ياسر اسكيف
- قراءة سردية في بعض من نصوص الشاعر محمد نور الحسيني
- حين ندون تعثرنا
- هذا النزف
- ذاكرتنا المثقوبة
- قبلةً عرجاء
- ذاكرة الوجع .. بافي فلك


المزيد.....




- وزير الخارجية المصري يُعلق على تطورات مناقشات رد -حماس- على ...
- الدفاع المدني في غزة.. خط الدفاع الأخير بإمكانيات شبه معدومة ...
- بوتين يحذر من استفزاز روسيا ويتوعد بردٍّ ساحق: مرحلة الإملاء ...
- زهير الركاني يحرج رئاسة جماعة تطوان بمداخلة قوية حول احتجاجا ...
- ميرتس يهدد بوتين باستعمال أصول روسية لمساعدة أوكرانيا
- صلاح يثير جدلا على المنصات بعد -رفضه التوقيع- على قميص منتخب ...
- كيث أوربان يُغيّر كلمات أغنية مستوحاة من نيكول كيدمان
- هل سد النهضة هو السبب في فيضانات السودان؟
- بريطانيا تصنف الاعتداء على كنيس مانشستر بـ -الإرهابي-
- السجن 174 عاما لـ 7 رجال في بريطانيا بعد إدانتهم في قضية -ال ...


المزيد.....

- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خوشناف خليل - عقلنة الخطاب.. دراسة في عمق التفكير وحقيقة التأثير