أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خوشناف خليل - الموت يهمس.. والحب لا ينطق














المزيد.....

الموت يهمس.. والحب لا ينطق


خوشناف خليل
كاتب وشاعر

(Khosnav Khalil)


الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 01:00
المحور: الادب والفن
    


أتصفح كثيرًا ولكن قلّة هي النصوص التي تستوقفني، واليوم استوقفني هذا النص الرائع للشاعر سليمان أحمد، سأحاول أن أقدم قراءة معمقة لهذا النص، مُظهِرًا تصاعد البنية الجمالية بدءًا من مقدمة تبدو مباشرة وسطحية إلى نهاية غير متوقعة في قمة الروعة والجمال:

طلبتُ من الذكاء الاصطناعي
أن يرسم لي صورة وأنا في سن السبعين.
أنتظرتُ طويلاً،
ثم قال لي ببرود:
"لن تعيش إلى ذلك السن أبدًا."

سألتُ آخر برتقالة
سقطت قبل العصر النتروني
عن التراكتور المعطوب،
عن وعل الغابة الجريح،
عن رياض صالح الحسين.
قالت:
"مات قبل كل هذه الترهّات
بتوصيةٍ من الله شخصيًّا."

حين تأتي سيرة الموت،
أجدني – بلا وعي –
أعود إلى ما قبل شروق الشمس،
أبحث على الرف
عن القهوة التي أعدّها رياض
وشربها الموت
دون أية لباقة.

لو سألني أحدهم:
ما أكره شيء لديك؟
سأقول دون تردّد:
أصدقائي،
لا أريدهم أن يتحدثوا معي،
أحب العلاقات العابرة،
الابتسامات البعيدة،
وأزهار الشجر البيضاء
التي تسقط في الشوارع بخفّة
دون أن ينتبه لها أحدٌ.

حين كنت مراهقًا،
أحببتُ فتاة خرساء
كانت تخرج إلى سطح (بنايتهم)
المقابل لبيتنا،
وتؤشر لي بحركات
كنت أفهمها جيدًا.
تلك الفتاة،
التي لم تتكلم يومًا،
قالت لي أعظم كلمة حبّ في حياتي.

يبتدئ النص بمقدمة تبدو بسيطة ومباشرة، تنتمي إلى لغة الحياة اليومية، حين يطلب الشاعر من الذكاء الاصطناعي أن يرسم له صورةً في سن السبعين. هذه الفكرة المعاصرة تخلق جسرًا بين القارئ والموضوع بأسلوب عفوي وسلس، إذ تتسم العبارة بالوضوح واليسر، ويُحسُّ في انتظار الشاعر الطويل دلالة على الصبر والتوق. ثم يأتي الرد البارد "لن تعش إلى ذلك السن أبدًا" ليقطع هدوء اللحظة، ويُدخل موضوع الموت كحقيقة قاسية ومفاجئة، فتنتقل الأجواء من بساطة إلى عمق وتأمل.

ينتقل النص بعدها إلى مشهد أكثر شاعرية وغموضًا، حين يسأل الشاعر "آخر برتقالة" عن أمور عدة، منها التراكتور المعطوب ووعل الغابة الجريح، فتعطي البرتقالة إجابة تحمل دلالة رمزية عميقة: الموت قد سبَق كل هذه الأحداث، وهو مقدَّرٌ بتوصية من الله شخصيًا. استخدام مصطلح "العصر النتروني" العلمي يضفي على النص طابعًا فلسفيًا، حيث يربط بين الموت والزمن والوجود، فيضفي على النص أبعادًا وجودية ودينية تتجاوز المحسوس.

في المقطع التالي، تتبدل الصور من تجريدية إلى حميمية، حيث يعود الشاعر إلى لحظات قبل شروق الشمس، يبحث عن القهوة التي أعدها "رياض"، وهي صورة يومية بسيطة، ولكن حضور الموت يشرب تلك القهوة بلا لباقة يخلق تناقضًا مؤلمًا بين الحياة والموت، بين العادي والمأساوي، مما يعمّق التجربة الشعورية ويزيد من توتر النص الجمالي.

ثم يتجه النص إلى مشاعر أكثر خصوصية، إذ يعبر الشاعر عن كراهية علاقاته الاجتماعية المتقاربة، مفضّلًا العلاقات العابرة والابتسامات البعيدة، وأزهار الشجر البيضاء التي تسقط بخفة دون أن يلتفت إليها أحد. هذه الفقرة تكشف عن عزلة داخلية واختيار واعٍ للبعد عن الضجيج الاجتماعي، مما يضفي على النص بعدًا نفسيًا إنسانيًا رقيقًا.

ويبلغ النص ذروته في النهاية، من خلال صورة الحب الصامت، حين يتذكر الشاعر فتاةً خرساء كانت تخرج إلى سطح بنايتهم وتخاطبه بالإشارات التي يفهمها جيدًا، تلك الفتاة التي لم تتكلم يومًا، لكنها قالت له أعظم كلمة حبّ في حياته. هذه النهاية تحمل مفاجأة شعورية، إذ بعد الحديث عن الموت والغموض والعزلة، تأتي لحظة حميمية رقيقة ملؤها الصدق والبراءة، تضفي على النص دفءً إنسانيًا وتترك أثرًا عاطفيًا عميقًا.

بصورة عامة، تتجلى جماليات النص في تصاعد بنائه الفني، حيث ينتقل من بساطة الأسلوب المباشر إلى رمزية غامضة، ثم إلى حميمية الذاكرة، يعقبها تأملات في الوحدة والعزلة، ليختتم بلمسة عاطفية ناعمة. هذا التصاعد يجعل النص متعدد الطبقات، قادرًا على استثارة القارئ على مستويات عدة، وينفتح أمام تأويلات متعددة مع كل قراءة.

كما أن التداخل بين الصور الحسية اليومية (القهوة، البرتقالة، الفتاة الخرساء) والمواضيع المجردة (الموت، الزمن، الوحدة) يعكس توازنًا فنيًا متقنًا، يظهر قدرة الشاعر على المزج بين التأملات الفكرية والمشاعر الإنسانية، ليصوغ في النهاية نصًا يحفل بالعمق والجمال، ويترك للقارئ مساحة للتأمل والاستبطان.



#خوشناف_خليل (هاشتاغ)       Khosnav_Khalil#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دماء السويداء تنزف: مجازر وحشية بحق الدروز وصمت دولي يثير ال ...
- هناك ..
- حين آخر المدن
- سيَحدثُ الكثيرُ
- الغابة .. مليئة بأوراق الزيزفون
- ويبقى المكانُ
- حقوق الأكراد والأقليات في سوريا: قراءة في مسودة الإعلان الدس ...
- دراسة بنيوية وجمالية وتكوينية لقصيدة الشاعر عمران علي
- دراسة بنيوية لقصيدة -أمي تحت الأنقاض- للشاعر إبراهيم يوسف
- -حسّ فكاهة- أرنب في سطح المأساة
- محمود زكي في ثلاثة نصوص
- قراءة في خمسة نصوص للشاعر علي مراد
- قراءة سردية في ثلاثة نصوص للشاعر ياسر اسكيف
- قراءة سردية في بعض من نصوص الشاعر محمد نور الحسيني
- حين ندون تعثرنا
- هذا النزف
- ذاكرتنا المثقوبة
- قبلةً عرجاء
- ذاكرة الوجع .. بافي فلك
- حتى لا يكون حوارنا كحوار الطرشان


المزيد.....




- يمكنك التحدّث لا الغناء.. المشي السريع مفتاح لطول العمر
- هل يسهل الذكاء الاصطناعي دبلجة الأفلام والمسلسلات التلفزيوني ...
- فيلم جديد يرصد رحلة شنيد أوكونور واحتجاجاتها الجريئة
- وثائقي -لن نصمت-.. مقاومة تجارة السلاح البريطانية مع إسرائيل ...
- رحلة الأدب الفلسطيني: تحولات الخطاب والهوية بين الذاكرة والم ...
- ملتقى عالمي للغة العربية في معرض إسطنبول للكتاب على ضفاف الب ...
- لأول مرة في الشرق الأوسط: مهرجان -موسكو سيزونز- يصل إلى الكو ...
- شاهين تتسلم أوراق اعتماد رئيسة الممثلية الألمانية الجديدة لد ...
- الموسيقى.. ذراع المقاومة الإريترية وحنجرة الثورة
- فنانون يتضامنون مع حياة الفهد في أزمتها الصحية برسائل مؤثرة ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خوشناف خليل - الموت يهمس.. والحب لا ينطق