أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - رواية الفساد والفاسدين














المزيد.....

رواية الفساد والفاسدين


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8480 - 2025 / 9 / 29 - 12:41
المحور: قضايا ثقافية
    


بقلم: المحامي علي أبو حبلة
في بلدةٍ تتكئ على التلال وتتنفس من بين أشجار الزيتون، وُلد مشروع حمل اسم “جذور الثبات”. كان الحلم بسيطًا: جدران حجرية تُقاوم الانجراف، أشجار مثمرة تُقاوم الزوال، وآبار ماء تحفظ الحياة من العطش. كان كل شيء يعد بأن الأرض ستبقى للأرض، وأن الصمود سيصير حقيقةً راسخة.
لكن، كما في كل حكاية، كان ثمة ظلٌ ثقيل يتربص.
ظهر رجالٌ يبتسمون بكلمات كبيرة عن الوطن والأرض، لكن جيوبهم كانت أوسع من قلوبهم. كانوا يعرفون كيف يلوّنون الكلام، وكيف يبدّلون الخرائط، حتى تحوّل المشروع إلى لوحة على الورق، وصار اسمه يتردّد في الخطابات أكثر مما يظهر في الحقول.
صاحب الفكرة، رجل عُرف بين الناس بـ الزارع، كان يرى الأرض كأمّ، يغرس فيها الأمل كما يُغرس النبت في التراب. لكن حين أصرّ على أن يسير المشروع وفق ما وُضع له، اجتمعوا عليه في الخفاء. في ليلةٍ لم يكتمل فيها القمر، صدر قرارٌ بفصله. خرج الزارع من البوابة مرفوع الرأس، فيما دخلت الأموال إلى طرقٍ لا يعرفها سوى التجار الجدد الذين حوّلوا الصمود إلى صفقات، والجدران إلى فواتير، والآبار إلى أوراق مختومة.
المشهد لم يتوقف عند هذا الحد.
في موسمٍ آخر، أُعلن مشروع جديد تحت لافتة باذخة: “إصلاح الأرض”. لكنّ الأرض لم تُصلح، بل امتلأت الأوراق بأسماء وهمية لأشخاص لم يرهم أحد في الحقول. كانت الأموال تُوزّع كما يُوزّع السراب على العطشى، وكلما حاول أحدٌ أن يكشف المستور، وجد أمامه جدار النفوذ، جدار لا تهزه المحاكم ولا اللجان.
ظهر رجالٌ آخرون، أصحاب ضمائر حيّة، حاولوا أن يدقّوا أبواب العدالة. حملوا الملفات إلى دار الحكم، حيث يفترض أن تُسمع الشكاوى وتُفتح الدفاتر. لكن الملفات نامت في الأدراج، كما ينام حجر في قاع نهر. كانت هناك أيادٍ عليا تُغلق الأبواب وتُجمّد القضايا، لأن الحاضنة كانت أقوى من الحقيقة، تحمي أبناءها الفاسدين كما تحمي الأم وليدها.
أما الناس، فقد ظلوا ينظرون إلى الأرض التي لم تُزرع، وإلى الآبار التي لم تُحفر، وإلى المال الذي تبخر. صاروا يتهامسون:
– "أين الجدران التي وُعدنا بها؟"
– "أين الأشجار التي ستمنع المستوطن من التمدد؟"
لكن الأصوات بقيت همسًا، إذ إن الخوف من الحاضنة كان يُخرس الكثيرين.
هكذا تكررت الحكاية وتكررت وتكرر حتى صار الفساد غابة معتمة، كلما قُطع غصن منها نبت غصن آخر أكثر اعوجاجًا. وصار للفاسدين وجوهٌ مبتسمة في النهار، وملفات مطموسة في الليل، وطرقٌ معبّدة بالنفوذ والصفقات.
وفي كل ذلك، بقيت الأرض تنتظر.
انتظرت من يحمل معول الحق بدلًا من فواتير الصيانة الوهمية، ومن يغرس شجرة حقيقية بدلًا من شجرة على ورق، ومن يحفر بئرًا يروي العطشى بدلًا من بئرٍ من وعود.
لكن الأمل، وإن ضاق، لم يمت. فقد ظلّت أصوات الزارع وأصحابه تهمس في الحقول:
"لن يبقى الفساد إلى الأبد. الأرض تعرف أبناءها، وتعرف من يبيعها ومن يحميها. ولأن جذور الزيتون أعمق من كل فساد، سيأتي يومٌ تُكسر فيه حواضن الظلام، ويعود الصمود إلى مكانه الصحيح."



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المبادرة الأمريكية بين الطموح السياسي وواقع الرفض الإسرائيلي
- حين أُكِل الثور الأبيض
- ترامب يرفض ضم الضفة في مواجهة خطاب إسرائيلي ينكر الوجود الفل ...
- رواية قصيرة تربوية وتحفيزية تحت عنوان المسؤولية أمانة — حافظ ...
- الإصلاح في السلطة الفلسطينية: من استحقاقات الداخل إلى متطلبا ...
- رواية: بركة الرضا
- قراءة في طرح الفريق جبريل الرجوب: الاعتراف الدولي خطوة نحو ا ...
- رواية: صمود على التلال
- المعازل التي لا تُهزم
- حكومة وحدة وطنية فلسطينية: استحقاق الاعتراف الأوروبي وترتيب ...
- محور عربي–إسلامي يربك الحسابات الإسرائيلية: الاعتراف بفلسطين ...
- الفيتو الأميركي… دعم مطلق لإسرائيل وتناقض صارخ في المواقف
- السعودية وباكستان... ميثاق دفاع مشترك يعيد رسم خرائط القوة
- إسرائيل بين إسبرطة القوة وأثينا الحضارة: مأزق العزلة ونبوءة ...
- نتنياهو بين العزلة الدولية وتداعيات الحرب على غزة: مأزق استر ...
- مشروع بيان قمة الدوحة: بين الخطاب المرتفع والقيود الأمريكية… ...
- قسوة الفطرة والخذلان العربي: قراءة في فكر بكر أبو بكر
- ترامب ونتنياهو: تحالف المصالح بين الاستثمار والسيطرة… ومسرحي ...
- قمة الدوحة بين اختبار الردع وتحدي -إسرائيل الكبرى-: هل تكفي ...
- رسالة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الحقو ...


المزيد.....




- الإليزيه يعلن عن صفقة أسلحة فرنسية لأوكرانيا تشمل 100 مقاتلة ...
- حادث مأساوي.. مصرع طفل عمره عامين بعد سقوطه من الطابق الـ20 ...
- نقيب الصحفيين الفلسطينيين يطالب الجنائية الدولية بكشف إجراءا ...
- اليونانيون يحيون ذكرى انتفاضة البوليتكنيك 1973
- زوجة خاشقجي تنوي إحراج بن سلمان في واشنطن.. قضية الصحفي المق ...
- الفقر -هدد- أكثر من مليوني طفل في ألمانيا عام 2024
- نقص التمويل الدولي يهدد تعليم أطفال الروهينغا في مخيمات بنغل ...
- جورجيا تطلق سراح إسرائيلي احتال بـ10 ملايين.. ما القصة؟
- حضور صيني بارز بقمة المناخ في غياب الولايات المتحدة
- فيضانات في مناطق بإيران بعد عملية تلقيح سحب


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - علي ابوحبله - رواية الفساد والفاسدين