علي ابوحبله
الحوار المتمدن-العدد: 8466 - 2025 / 9 / 15 - 13:06
المحور:
القضية الفلسطينية
بقلم: المحامي علي أبو حبلة
ينقلنا المفكر بكر أبو بكر في بعض قراءاته الفكرية إلى مشاهد مؤلمة من تاريخ الإنسانية البدائية كما وردت في كتابات أندريه موروا في «فن الحياة»، حيث تبدو الكائنات الحية أقسى ما تكون على كبارها وضعفائها كلما اقتربت من الفطرة العارية. فالذئب لا يُبقي لشيخه مكانة إذا ما وهن وعجز عن مطاردة الفريسة، وصغار القطيع يتأهبون للانقضاض عليه عند أول خطأ أو عجز. هذه القاعدة الفطرية القاسية وجدت صداها عند بعض الشعوب البدائية، التي لم ترَ في الشيخ الكبير إلا عبئاً على البقاء، فكان مصيره الإقصاء أو الموت.
هذه الصور التي يستحضرها بكر أبو بكر ليست مجرد مشاهد من التاريخ أو الطبيعة، بل هي إسقاط صارخ على واقعنا العربي اليوم. فالأمة التي كانت يوماً منارة حضارة وراية وحدة، تبدو اليوم وكأنها ذلك الذئب الهرم، وقد خارت قواها وتراجعت هيبتها، حتى انقضّت عليها قوى الهيمنة العالمية والإقليمية، بينما يقف أبناؤها عاجزين عن نصرة قضاياها المصيرية.
القضية الفلسطينية، بما تمثله من بوصلة القومية العربية، تكشف بجلاء هذا العجز. فمنذ عقود والأمة العربية ترفع الشعارات، لكن ساعة الاختبار تُظهر واقعاً أشبه بما وصفه موروا: أمة تخلّت عن شيوخها وضعفائها، وأدارت ظهرها لواجباتها التاريخية. غزة اليوم تنزف تحت نيران الحرب، أطفالها جوعى ونساؤها مشرّدات، بينما عجز النظام العربي عن وقف المجازر، أو حتى ضمان إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية إليها.
ولم يقف العجز عند حدود الصمت، بل تجاوزه إلى تقبّل الانتهاكات الإسرائيلية لسيادة الدول العربية. فقد استباحت الطائرات الإسرائيلية الأجواء السورية واللبنانية أكثر من مرة، وقصفت الأراضي السودانية والمصرية في سوابق خطيرة، دون أن يقابلها النظام العربي بموقف يليق بكرامة الأمة.
لكن المفارقة تظهر حين نتذكر كيف تداعى الملوك والرؤساء العرب وقادة الدول الإسلامية، وأقاموا المؤتمرات واللقاءات الطارئة نصرةً لقطر حين تعرضت لاعتداء على سيادتها، فهبّ الجميع في موقف تضامني لافت عبّر عن رفض الانتهاك وصون الكرامة الوطنية لدولة شقيقة. هذا الموقف يثبت أن الأمة ليست عاجزة بالفطرة، وليست قدراً عليها أن تبقى في حالة الضعف والهوان، بل إنها قادرة – متى أرادت – أن تنهض وتستعيد مكانتها وقوتها.
فهل يخرج العرب اليوم من حالة «الذئب الضعيف» الذي يتربص به الآخرون، ليعيدوا للأمة عنفوانها وقوتها؟ وهل يكون موقفهم مع قطر نموذجاً يُحتذى لتعميم التضامن، فينصرفوا إلى نصرة فلسطين وغزة ووقف المجازر، لا أن يظلوا أسرى التفرقة والتجزئة؟
إن الخيار ما زال بأيديهم: إما أن يبقوا أسرى الفطرة القاسية التي تطيح بالضعفاء، وإما أن يرتقوا إلى مستوى القيم الإنسانية والحضارية التي تجعل من التضامن قوة، ومن نصرة القضايا القومية واجباً، ومن الدفاع عن فلسطين بوابة العزة والكرامة.
#علي_ابوحبله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟