أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - إسرائيل بين إسبرطة القوة وأثينا الحضارة: مأزق العزلة ونبوءة التاريخ














المزيد.....

إسرائيل بين إسبرطة القوة وأثينا الحضارة: مأزق العزلة ونبوءة التاريخ


علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 20:13
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


المحامي علي ابوحبله
لم يكن تشبيه بنيامين نتنياهو لإسرائيل بإسبرطة في خطابه الأخير مجرّد استعارة بلاغية، بل كشف عن المأزق العميق الذي يعيشه المشروع الصهيوني. فقد أراد نتنياهو أن يُظهر إسرائيل دولة صلبة، قادرة على الصمود في وجه الحصار الدولي والتهديدات الإقليمية، لكنه في الواقع قدّم اعترافًا صريحًا بأن إسرائيل تتحول إلى دولة منغلقة، تعتمد على القوة وحدها، تمامًا كما فعلت إسبرطة القديمة التي انهارت رغم جبروتها العسكري.
إسبرطة القوة: إسرائيل في مرآة ذاتها
إسبرطة التاريخية كانت نموذجًا للعسكرة والانغلاق، حيث فُرض على الأطفال منذ نعومة أظافرهم التدرّب على الحرب، وغاب عنها الفكر والفن والسياسة. ورغم هيبتها العسكرية، هُزمت في النهاية على يد قوى أكثر مرونة وحضارة.
خطاب نتنياهو وضع إسرائيل في هذا القالب نفسه: دعوة إلى التعايش مع اقتصاد محاصر "عصامي" بلا صادرات، واستعداد لقطيعة متزايدة مع العالم. الأمر الذي دفع معارضيه إلى القول إن هذا التصريح بمثابة اعتراف بالهزيمة الأخلاقية والسياسية.
زعيم المعارضة يائير لبيد ردّ على نتنياهو بقوله: "إسبرطة انتهت بالدمار، ولن نسمح لإسرائيل بمصير مشابه"، فيما رأت صحيفة هآرتس أن الطريق الذي يسير فيه نتنياهو يقود إلى كارثة، داعية إلى الانفتاح على العالم بدل رفع جدران "الغيتو". حتى المعلق السياسي يوسي فرطر ذهب إلى أبعد من ذلك حين قال: "للمرة الأولى يصدق نتنياهو ويقدّم توصيفًا دقيقًا لحالتنا، لكنه في الوقت ذاته صاغ لائحة الاتهام ضد نفسه".
أثينا الحضارة: البديل الغائب عن إسرائيل
في المقابل، كانت أثينا رمزًا للانفتاح والفكر والفنون، ومركزًا للتجارة والتحالفات الدولية. إرثها الخالد لم يكن بسبب قوتها العسكرية فقط، بل لأنها أسست نموذجًا حضاريًا ألهم البشرية.
هنا يبرز التناقض البنيوي: إسرائيل لم تكن يومًا أثينا، رغم محاولاتها الترويج لنفسها كـ"أمة الهايتك". المثقفون الإسرائيليون أنفسهم، مثل روغل ألبير، أقرّوا بأن إسرائيل لم تُنجب أثينا داخلها، بل كانت وما زالت إسبرطة في جوهرها. أما الفلسطينيون، ورغم كل ما عانوه من حصار واحتلال، فقد راكموا عناصر أقرب إلى إرث أثينا:
ثقافة وهوية صمدت عبر التعليم والأدب والفن، حتى في المنافي والمخيمات.
شرعية سياسية وقانونية تستند إلى قرارات الأمم المتحدة والدعم الدولي المتزايد.
تفاعل حضاري وإنساني مع محيطهم والعالم، من خلال جاليات واسعة وحضور ثقافي وفكري.
ردّات الفعل الإسرائيلية: انقسام بين الاعتراف والإنكار
خطاب نتنياهو فجّر جدلًا واسعًا داخل إسرائيل. فالمعارضة رأت فيه نذير انهيار و"غباءً سياسيًا"، بينما وسائل الإعلام حذّرت من أن إسرائيل تتحول إلى "قلعة صليبية" جديدة محاصرة من الخارج ومتآكلة من الداخل. حتى بعض الأصوات التي أرادت الدفاع عن نتنياهو لم تستطع إنكار أن إسرائيل اليوم أشبه بإسبرطة أكثر من أي وقت مضى.
لكن في المقابل، برزت أصوات أخرى أكثر تطرفًا، كعاميحاي أتالي من يديعوت أحرونوت، الذي اعتبر الحرب "حربًا دينية" لا مجال فيها إلا للحسم العسكري. هذه الأصوات تعكس تيارًا متجذرًا في المجتمع الإسرائيلي يرى في "الإسبرطية" قدرًا لا مفر منه، بل هوية سياسية وأمنية لا يمكن التنازل عنها.
إسقاطات على المجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني
المجتمع الإسرائيلي يعيش عسكرة كاملة: التعليم، الإعلام، وحتى الاقتصاد مسيّس وموجه نحو الحرب. هذا يعمّق العزلة ويفقده القدرة على إنتاج نموذج حضاري مستدام، مثلما حدث لإسبرطة القديمة.
المجتمع الفلسطيني، رغم الحصار والدمار، يواصل إنتاج المعرفة والفن، ويستند إلى شرعية أخلاقية وقانونية عالمية. هنا يقترب الفلسطينيون من أثينا في تمسكهم بالثقافة والانفتاح والحق، مقابل إسبرطة الإسرائيلية الغارقة في القوة والعنف.
خاتمة: نبوءة التاريخ
أراد نتنياهو أن يستحضر إسبرطة كرمز للصمود، لكنه أغفل أن إسبرطة سقطت لأنها لم تعرف سوى الحرب. أما أثينا، ورغم هزائمها، فقد خلدت بإرثها الثقافي والحضاري. اليوم، إسرائيل تقف أقرب إلى إسبرطة، محاصرة ومعزولة، فيما يراكم الفلسطينيون عناصر البقاء عبر ثقافة وصمود وانفتاح يمنحهم شرعية تتجاوز الحرب.
بهذا، يمكن القول إن خطاب "إسبرطة" لم يكن إعلان قوة كما أراده نتنياهو، بل اعترافًا غير مباشر بأن إسرائيل تسير في طريق مسدود، وأن نبوءة التاريخ قد تلحقها بمصير إسبرطة القديمة، فيما يظل إرث أثينا الحضاري أقرب إلى الفلسطينيين الذين يتمسكون بالإنسانية والحق رغم كل أشكال القهر.



#علي_ابوحبله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نتنياهو بين العزلة الدولية وتداعيات الحرب على غزة: مأزق استر ...
- مشروع بيان قمة الدوحة: بين الخطاب المرتفع والقيود الأمريكية… ...
- قسوة الفطرة والخذلان العربي: قراءة في فكر بكر أبو بكر
- ترامب ونتنياهو: تحالف المصالح بين الاستثمار والسيطرة… ومسرحي ...
- قمة الدوحة بين اختبار الردع وتحدي -إسرائيل الكبرى-: هل تكفي ...
- رسالة مفتوحة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمنظمات الحقو ...
- الجرائم الإلكترونية والتداعيات على المجتمع الفلسطيني: مقاربة ...
- من بيرل هاربر إلى الدوحة: التفاوض تحت النار وإعادة إنتاج مأز ...
- العدوان الإسرائيلي على الدوحة: تهديد للأمن القومي العربي واخ ...
- قرار الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية؟؟ تحول استراتيج ...
- عملية القدس بين الحسابات الضيقة وخيار السلام الفلسطيني
- غزة بين النزوح القسري وصمت العالم
- الضم الإسرائيلي بين تهديد اتفاقيات أبراهام والإطار القانوني ...
- سياسة الأرض المحروقة: غزة بين التدمير والإبادة الجماعية
- التعليم وحقوق المعلمين: رسالة صمود ومسؤولية وطنية مشتركة
- جولة حسين الشيخ العربية: تعزيز الموقف الفلسطيني وسط تحديات د ...
- هبة عشائر الخليل تفشل مخطط التقسيم وخلفياته الاستعمارية
- التحول الكبير: ترامب يعترف بتراجع النفوذ الإسرائيلي في واشنط ...
- لماذا يجب على العالم تشكيل لجنة تحقيق دولية عاجلة
- مقابلة الرئيس محمود عباس : بين الخطاب الدبلوماسي والمتغيرات ...


المزيد.....




- نهاية -صادمة- لـ-أسورة المتحف المصري- التي شغلت الرأي العام ...
- تحليل لـCNN: السعودية تلجأ إلى باكستان -الحليف النووي- مع تر ...
- غزة في مواجهة -الروبوتات المفخخة-: سلاح إسرائيلي يثير الرعب ...
- -هجوم المعبر-.. القتيلان جنديان وإسرائيل تنتقد الأردن
- بعد هجوم الدوحة.. هل دخلت -معادلة الردع العربي- حيز التنفيذ؟ ...
- ترامب لرؤساء شركات الـ AI: أنتم تتحكمون في العالم
- ترامب: كان من الممكن أن يكون شارلي كيرك رئيسا لأميركا
- فيتو أميركي يفشل مشروع قرار بمجلس الأمن لوقف حرب غزة
- صورة جديدة للزعيم -عادل إمام- تشعل مواقع التواصل
- سوريا.. إسرائيل تتوغل بريف القنيطرة وتتجه لإخلاء السكان


المزيد.....

- النظام الإقليمي العربي المعاصر أمام تحديات الانكشاف والسقوط / محمد مراد
- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي ابوحبله - إسرائيل بين إسبرطة القوة وأثينا الحضارة: مأزق العزلة ونبوءة التاريخ