أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8478 - 2025 / 9 / 27 - 14:06
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
أثار سيل الاعتراف بدولة فلسطين جدلاً حول كون فلسطين لا تملك السيادة على الأرض، ولا تستطيع الدولة المعترِفة أن تقيم سفارتها على أرض فلسطين إما بإذن الاحتلال أو بزواله، والأكثر من ذلك تساءل بعضهم: أين ستكون تلك الدولة ؟. وهل يكون الاعتراف مرتبط بحكومة السلطة الفلسطينية الغير قادرة على إدارة شؤون الضفة الغربية؟. أم بحكومة حماس التي تحكم قطاع غزة؟. هل يرتبط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بتحديد الأرض المعترف بها على حدود الرابع من حزيران العام 67؟. أم يبقى الاعتراف دون تعريف الحدود؟. وهل تملك فلسطين مقومات الدولة التي تسمح بالاعتراف بها؟. كالأرض وهي «متنازع» عليها؟. وهل «لحظة الاعتراف» بالدولة الفلسطينية قد حانت؟. أم أن «لحظة قيام» الدولة الفلسطينية قد حانت؟. هل الاعتراف خطوة استعراضية؟. أم خطوة مهمة في تأكيد حق شعبنا الفلسطيني في أرضه ومقدساته، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس؟. هل الاعتراف مسألة محض دعائية إعلامية؟. ماذا وراء التأييد الواسع لفكرة الاعتراف بدولة فلسطينية؟. من دواعي الاعتراف الحراك الشعبي الهائل في شوارع العواصم والمدن في جميع أنحاء المعمورة دعماً لحرية فلسطين، وراءه شعب يكافح لأجل حريته واستقلاله.
البعض اعتبر الاعتراف خطوة معنوية والبعض قال إنها خطوة سياسية رمزية، وأضاف آخرون أنها ذات رمزية عالية، لا تقود إلى حل نهائي للصراع، بل قد تكون بداية لمسار طويل يتطلب توافقاً دولياً، وإرادة سياسية من جميع الأطراف المعنية. جدل ما بين رمزية الاعتراف إزاء دولة ليس لها «حكومة» تمثلها ولا «حدود» ولا «عاصمة»، وبين واقعيته من خلال نتائج عملية وملموسة في تحقيق دولة على أرض الواقع.
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش هدد في تصريح له: «إن إسرائيل ستقوم على أرض الواقع بتحويل الاعتراف الدولي من اعتراف ذي أثر على الأرض إلى أثر معنوي فقط.. وإن المجتمع الدولي سيصل إلى يوم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولا يكون هناك شيء قد بقي من أجل هذا الاعتراف». بينما أكد رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر أن الاعتراف البريطاني لن يكون رمزياً فقط، بل جزءاً من استراتيجية أوسع لدفع الأطراف نحو تسوية سياسية عادلة. وأوضح أن «اعتراف بريطانيا الرسمي بالدولة الفلسطينية سيكون مشروطاً، ومن بين هذه الشروط: وقف إطلاق النار في غزة، الالتزام الجاد بحل الدولتين كمسار للسلام، والتوقف عن ضم أراضي الضفة الغربية».
خطوة المملكة المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية جاءت بعد مئة وثمانية أعوام من وعد بلفور المشؤوم، وبعد 77 عاماً من إعلان قيام دولة يهودية على حساب نكبة شعب فلسطين التي صنعها الانتداب البريطاني وقدم لها ما يلزم، زعيم حزب الديمقراطيين الأحرار إد ديفي أعلن ترحيبه بالقرار، وقال إنه كان مستحقاً منذ زمن طويل. وقال القنصل البريطاني العام السابق في القدس فنسنت فين إن «السؤال ليس لماذا تعترف المملكة المتحدة بدولة فلسطين؟ بل السؤال هو لماذا لم تعترف المملكة المتحدة بدولة فلسطين طوال الوقت؟». وقال: إن «الاعتراف باستقلال فلسطين ربما يتطلب أيضاً من الدول مراجعة جوانب من علاقاتها مع إسرائيل.. في حالة بريطانيا، قد يؤدي ذلك إلى اتخاذ خطوات مثل حظر المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، من جهته ممثل السلطة الفلسطينية في المملكة المتحدة كان متفائلاً بهذه الخطوة، وقال: «إنهم سيسلكون كل السبل لوضع حد لهذا الجنون ولأخطاء الماضي.. وإن الاعتراف قد يفضي إلى عقد شراكات استراتيجية، وإن الاعتراف حق غير قابل للتصرف ويعني إنهاء إنكار وجودنا.. وعلى الشعب البريطاني أن يحتفل اليوم، في الوقت الذي يُصحح فيه التاريخ».
أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، ذلك يقال في دول الغرب التي اعترفت بدولة فلسطينية لاسيما بريطانيا وفرنسا وكندا ذات الثقل الدولي، وصاحبها ضجيج إعلامي، باعتباره حدثاً بمنتهى الأهمية، وتطوراً سياسياً سيغير مجرى التاريخ، فماذا يترتب على اعتراف بلاد الغرب بالدولة الفلسطينية من نتائج على أرض الواقع؟. في الجهات الأخرى من العالم اعترفت دول عديدة مبكراً باستقلال فلسطين منها دول وازنة كالصين والهند وروسيا، ومنها دول تتخبط بمشكلاتها الداخلية من دول عربية وبعض الدول الإسلامية، اعترافها المبكر بالدولة الفلسطينية لم يحدث أثراً هاماً. استغلت إسرائيل عامل الزمن أبشع استغلال بتكثيف الاستيطان والاستيلاء على الأرض الفلسطينية. فهل الوقت قد فات على جني ثمار الاعتراف الدولي بنيل الاستقلال؟. وقد حققت سلطات الاحتلال بالاستيطان والتهويد ما حققته من تفريغ الاعتراف من مضمونه؟.
رغم أهمية حدث الاعتراف ثار جدل داخلي حول أولويات الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة، هل الأولوية للاعتراف؟. أم لوقف حرب الإبادة وحرب التجويع؟. وإنهاء الحالة الكارثية في قطاع غزة التي دامت نحو عامين والتي يفوق احتمالها طاقة البشر؟. فبعد سيل الاعترافات بفلسطين كدولة، يستمر طوفان الدم والدمار في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، إذا اقتصرت الدول المعترفة الوازنة في المحافل الدولية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية دون اتخاذ إجراءات عملية في الضغط الفعال لإنهاء الحرب العدوانية والمجازر اليومية التي ترتكبها إسرائيل، وتستمر أيضاً التغطية على جرائمها، وتبريرها في وسائل الإعلام، وهذا دليل على عدم توفر إرادة حقيقية بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية للسلام والاستقرار الإقليمي والدولي، وسرعان ما تبرز عدم مصداقية الحكومات والمسؤولين من صانعي القرار في السلام العادل وعودة الحقوق لأصحابها.
هل الاعتراف حق وليس مكافأة كما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش؟. أم أن الاعتراف «هدية للمتطرفين في كل مكان»؟. ومكافأة لحركة حماس على هجمات تشرين الأول / أكتوبر 2023 كما قال نتنياهو والرئيس الأميركي ترامب. رد الفعل الإسرائيلي ينتظر ضوءاً أخضر أميركي بالموافقة على سياسة حكومة التطرف الإسرائيلي، في اللقاء المرتقب بين نتنياهو وترامب يوم الإثنين 29 أيلول، استبقته تهديدات تدعو إلى تفكيك السلطة الفلسطينية، وتكثيف الاستيطان وتحويلها إلى جزر متباعدة مقطعة الأوصال يستحيل معها إقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، فقد دعا وزير الأمن القومي اليميني، إيتمار بن غفير، إلى «اتخاذ خطوات فورية مضادة تتمثل بفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية وتفكيك السلطة الفلسطينية، وقال «أعتزم تقديم مقترح لفرض السيادة في جلسة الحكومة المقبلة».
الاعتراف الرسمي بدولة فلسطينية لا يعني بالضرورة قيام دولة ذات سيادة فعلية. سيبدو خطاب الاعتراف دون ضغوطات حاسمة على إسرائيل، كبيان استنكار وتنديد بالسياسة العدوانية الاسرائيلية في الحرب على غزة. وهو ما يثير جدلاً حول أهمية الاعتراف، وقد رأى الفلسطينيون أن الاعترافات بدولتهم خطوة مهمة ذات مغزى سياسي وقانوني شديد الأهمية، ينسجم مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. وتُعزز الاعترافات من شرعية المطالب الفلسطينية على الساحة العالمية، عندما تعترف دولة بدولة أخرى، فإنها تعتبرها دولة شرعية تقبل بإقامة علاقات دبلوماسية معها، مما يعزز من مكانة فلسطين في الساحة الدولية، وأشار آخرون إلى أن الاعتراف بدولة فلسطينية انتصار للحق الفلسطيني، يفتح المجال أمام تحركات دبلوماسية جديدة لدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة، وأن فلسطين ستبني على هذه الاعترافات حتى تحصل على عضوية كاملة بالأمم المتحدة بدلاً من عضو مراقب، وتعمل على رفع الجهود السياسية والدبلوماسية والقانونية والدولية لتحقيق عدة أهداف بينها: مساءلة ومحاسبة الاحتلال على جرائمه. واستكمال إنهاء جميع إجراءات الاحتلال أحادية الجانب وصولا لتطبق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
سيسمح الاعتراف بتطوير علاقات دولة فلسطين مع الدول المعترفة. وقد دار جدل حول تنظيم احتفاليات رفع العلم على سفارات دولة فلسطين، ورفع مستوى تمثيل سفارات دولة فلسطين من بعثات إلى سفارات، وإعادة تقديم أوراق اعتماد سفراء دولة فلسطين في الدول التي ستعترف بدولة فلسطين لاسيما في هذا التوقيت والشعب الفلسطيني يتعرض للإبادة. وفي وقت لا تتمتع بعثات الدول في الأراضي الفلسطينية، بمكانة السفارات، ولا تملك الدول المعترفة حرية إرسال دبلوماسيين إلى القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ولا حتى إرسالهم إلى رام الله.
الأكثر جدوى، دعم الإجراءات التي تؤدي فعلياً إلى إقامة الدولة وإنهاء الاحتلال، أن يتوقف تمويل دولة الاحتلال وتسليح جيشها، وأن تتوقف كل أشكال التعاون والتنسيق مع إسرائيل. وأن تسحب الدول الاعتراف بالدولة القائمة بالاحتلال، وتأكيد أن الاحتلال لفلسطين غير قانوني ونزع الشرعية عنه، وعن تشريعه للاستيطان والاستيلاء على الأرض وهدم البيوت الفلسطينية، والسعي وراء قرارات دولية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن مثل قبول فلسطين في الأمم المتحدة كدولة كاملة العضوية.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟