حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8477 - 2025 / 9 / 26 - 02:54
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
رأسمالية الدولة واشتراكيتها
في "بيان الحزب الشيوعي" لماركس وإنجلز (1847)، لدينا هذا النص المهم جداً حول الخطوات اللازمة للانتقال من الرأسمالية إلى المرحلة الابتدائية للنظام الاشتراكي:
"لقد رأينا أعلاه أن الخطوة الأولى في الثورة التي تقوم بها الطبقة العاملة هي رفع البروليتاريا إلى موقع الطبقة الحاكمة للفوز بمعركة الديمقراطية.
"إن البروليتاريا سوف تستخدم تفوقها السياسي لانتزاع كل رأس المال من البرجوازية بالتدريج، ومركزة كل أدوات الإنتاج في أيدي الدولة، أي في أيدي البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة؛ وزيادة إجمالي القوى الإنتاجية بأسرع ما يمكن."
"من المؤكد أنه في البداية لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال التوغلات الاستبدادية في حقوق الملكية، وفي شروط الإنتاج البرجوازي؛ ومن خلال تدابير تبدو غير كافية وغير قابلة للاستمرار من الناحية الاقتصادية، ولكنها تتفوق على نفسها في سياق الحركة، وتتطلب المزيد من التوغلات في النظام الاجتماعي القديم، وهي أمر لا مفر منه كوسيلة لإحداث ثورة كاملة في أسلوب الإنتاج.
ومن المؤكد أن هذه التدابير ستكون مختلفة في البلدان المختلفة."
في النص أعلاه، يصف لنا ماركس وإنجلز سيرورة بدء المرحلة الأولى للانتقال من النظام الرأسمالي إلى النظام الإشتراكي. لدينا أولاً التوكيد على أن عملية: "انتزاع كل رأس المال من البرجوزية" بعد تسلم البروليتاريا السلطة بقيادة حزبها السياسي هي عملية "تدريجية" وليست أبداً ضربة واحدة شاملة تختصر بالإصدار لمرسوم واحد؛ وعلى أن "مَرْكزة كل أدوات الإنتاج في أيدي الدولة" إنما تعني بالضبط بأنها قد أصبحت "في أيدي البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة"، وليست - قَطعاً - في أيدي "رأسمالية الدولة". كما أن ماركس وإنجلز يوضحان بأن تدرّج التدابير أعلاه وإن كانت: "تبدو غير كافية وغير قابلة للاستمرار من الناحية الاقتصادية، ولكنها تتفوق على نفسها في سياق الحركة، وتتطلب المزيد من التوغلات في النظام الاجتماعي القديم، وهي أمر لا مفر منه كوسيلة لإحداث ثورة كاملة في أسلوب الإنتاج". وأخيراً، يؤكد ماركس وإنجلز أن " هذه التدابير ستكون مختلفة في البلدان المختلفة" وليست نسخاً متطابقة.
وعليه، عندما يرى الشيوعي الماركسي والباحث العلمي أن الدولة الفلانية ينص دستورها على تطبيق الاشتراكية من طرف سلطة دكتاتوريته البروليتارية بقيادة حزبها الشيوعي الماركسي اللينيني وفق خصائص بلدها؛ وأن تلك الدولة قد بنت أكبر إنتاج اقتصادي في عالم اليوم، مبرمجاً لتحقيق الرفاه الاجتماعي عبر تنمية قوى الإنتاج المجتمعي للخيرات المادية كافة؛ وهي تتحكم بتطويرة وتوجيهه عبر امتلاكها على الأقل لثلثي استثماراته؛ وتسيطر كلياً على تجارته الخارجية، ومصارفه التجارية والمتخصصة، وعلى الاستثمار في ثرواته الطبيعية، وعلى منظومات إنتاج وتوزيع الطاقة فيه، وعلى بناه التحتية في قطاعات النقل والمواصلات والاتصالات؛ وتوفر لمواطنيها كافة مجاناً خدمات التوظيف والصحة والسكن ورواتب التقاعد والتعليم والتأهيل المهني بكافة مراحله ورعاية الطفولة والأمومة والشيخوخة ومحو الفقر والتعويض عن إصابات العمل؛ وهي تسمح - مؤقتاً - لرأس المال الخاص بالمساهمة بنسبة مخططة وثانوية في اقتصادها بغية ضمان تنمية القطاعات الانتاجية المتقدمة كإجراء لا غنى عنه لاكتساب المزيد من أخر التطورات العالمية في التكنولوجيا الصناعية والعلمية وتعظبم القدرة التنافسية لمنتجاتها في الأسواق العالمية... ثم يسأل نفسه: هل أن هذا الشكل القائم لتنظيم اقتصاد هذه الدولة "مبرمج لتكريس بناء النظام الاشتراكي فيها" حسبما يحدده ماركس وإنجلز في نصهما أعلاه؟ أم أنها "دولة رأسمالية" ؟ عندها سيجيب الشيوعي الماركسي والباحث العلمي - بالاستناد لهذه المعطيات الواضحة - بأنها بالتأكيد دولة اشتراكية وليست رأسمالية؛ ببساطة، لكون خصائصها الاقتصاجتماسية المميزة لها أعلاه تتضارب مع المصالح الحيوية التي لا غنى عنها لقيام النظام الرأسمالي؛ ولأن تتطبيقانها الميدانية تتطابق حرفياً وبالضبط مع اشتراطات ماركس وإنجلز لبناء الاشتراكية المبينة أعلاه.
حالما يصل الشيوعي والباحث العلمي لهذ الاستنتاج القاطع، فإن أي كلام يسمعه عن "رأسمالية" هذه الدولة يغدو مجرد لغو فارغ، ينم إما عن الجهل أو التحامل.
إن شكل سلطة النظام الاقتصاجتماسي لأي دولة هو الذي يحدد – لوحده وحصراً – كونها دولة اشتراكية أم رأسمالية. فإذا ما لجأت الدولة الرأسمالية - خلال الأزمات مثلاُ - بانتزاع الملكية البرجوازية عن مرافق إنتاجية معينة مهددة بالافلاس والانهيار أو لحيويتها الاقتصادية البالغة، فإن تأميم الدولة الرأسمالية لتلك المرافق الانتاجية يحقق "رأسمالية الدولة"، وليس أبداً اشتراكيتها، لأن هذا التأميم لا يجرِّد تلك الشركات من صفتها كرأسمال يشتغل بالضبط في خدمة رأسماليتها وليس اشتراكيتها. أما إذا قامت الدولة الاشتراكية بانتزاع الملكية البرجوازية على المرافق الإنتاجية في بلدها لها تدريجياً، فهذه دولة اشتراكية، وليست رأسمالية، لأن ملكية الدولة الاشتراكية لوسائل الانتاج فيها ضرورة لا غنى عنها لوضعها "في أيدي البروليتاريا المنظمة كطبقة حاكمة" كما يؤكد ماركس وإنجلز. فإذا ما لجأت الدولة الاشتراكية الى السماح لرأس المال الخاص بالمساهمة بنسب ضرورية محددة في بناء اشتراكية بلدها دون أن يؤثر ذلك على مَركزة اقتصادها بل يخدمه - كتدبير لا غنى عنه لضمان اكتساب التكنولوجيا المتقدمة، وتفعيل التكامل لإقامة الصناعة الكبيرة وربح المنافسة في التجارة العالمية - فهذا تدبير اشتراكي واع ومطلوب طالما كان يصب أساساً في طاحونة تطوير بناء اشتراكيتها؛ وهو ليس أبداً "رأسمالية دولة"، لأن رأس المال الخاص هنا – الخاضع للاشراف التام ولمراقبة ومحاسبة الدولة الاشتراكية - مقنَّن للاشتغال في خدمة بناء الاشتراكية وليس الرأسمالية. وعليه، فإن مثل هذه التدابير تكون اشتراكية: "حتى وإن بدت غير كافية وغير قابلة للاستمرار من الناحية الاقتصادية، ولكنها تتفوق على نفسها في سياق الحركة، وتتطلب المزيد من التوغلات" مستقبلاً، مثلما حدد ماركس وإنجلز، بالحرف الواحد.
في إجابته على السؤال المهم: هل سيكون من الممكن إلغاء الملكية الخاصة بضربة واحدة؟ يجيب إنجلز في عمله "مباديء الشيوعية" (1847) بالقول:
"لا، كما لا يمكن مضاعفة قوى الإنتاج الموجودة دفعة واحدة إلى الحد الضروري لإنشاء مجتمع مشترك. من المرجح أن الثورة البروليتارية سوف تعمل على تحويل المجتمع القائم تدريجياً ولن تكون قادرة على إلغاء الملكية الخاصة إلا عندما تصبح وسائل الإنتاج متاحة بكميات كافية".
وفي المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي السوفيتي - المنعقد في تشرين الثاني، عام 1921 - اعترف لينين بالخطأ في "المبالغة بتأميم الصناعة والتجارة" في الاتحاد السوفيتي قائلاً:
"نتحمل مسؤولية كبيرة لتجاوزنا الحدود؛ فقد بالغنا في تأميم الصناعة والتجارة، وفرضنا قيودًا على التبادل المحلي للسلع. هل كان ذلك خطأً؟ لقد كان كذلك بالتأكيد".
لقد أثبتت التجارب الاشتراكية السابقة، القائمة اليوم أو تلك التي انهارت، أن المرحلة الاشتراكية - بفعل ضرورة التدرج الماركسي أعلاه في اتخاذ التدابير الاقتصادية الضرورية لها واستكمالها فيها - إنما تشتمل على عديد الأطوار الانتقالية التطورية البينية التي لا يُعرف أمد كل طور منها، وذلك قبل إتمام المرحلة الاشتراكية والانتقال اللاحق للمرحلة الشيوعية. ولكن أهم تلك الأطوار وأخطرها بما لا يقاس إنما هو بناء وتجاوز "الطور الابتدائي للانتقال للاشتراكية" بنجاح والذي تمر به الصين وفيتنام ولاوس اليوم، وسط التغول الامبريالي في محاربة الشيوعية، الذي لا يعرف استهتارة الحدود. هذا الطور – بحكم إسمه – مثلما أوضح لينين، هو طور "الإنتقال" لبناء الاشتراكية، ولا يعني أبداً أن هذا "الانتقال" قد تم استكماله بعد في الدولة الاشتراكية المعنية. يجب التمييز العلمي بين دلالة مفهوم "الدولة الاشتراكية"، وبين "الطور الذي تمر به من أطوار بناء الاشتراكية فيها".
إنتهت.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟