حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 12:58
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ديالكتيك تشكُّل الطبقات الاجتماعية الحاكمة
ثم، يطالعنا هذا النص في مقالة الأستاذ حميد كوره جي المحترم:
"إن الصين تفتقر إلى العناصر الأساسية التي تحدد الثورة البروليتارية أو الحُكم القائم على الطبقة العاملة، بل تدير نظامًا لرأسمالية دولتية تحت قيادة حزب واحد. هذا النموذج يبتعد جوهريًا عن التصور الماركسي للمجتمع الشيوعي. "
رأي ماركس وإنجلز العلمي
أبدأ بالجملة المركبة الأولى: " إن الصين تفتقر إلى العناصر الأساسية التي تحدد الثورة البروليتارية أو الحُكم القائم على الطبقة العاملة "..
لا يوجد في الثورة الشيوعية العلمية بتاتاً مفهوم : "الحُكم القائم على الطبقة العاملة" الذي يطرحه النص أعلاه، وذلك لحقيقة علمية بسيطة زكّاها التاريخ مراراً وتكراراً، وشرحها ماركس وإنجلز في أعمالهما بوضوح ساطع، وجوهرها هو مبدأ: "أن البروليتاريا لا تستطيع أن تتحول إلى طبقة بنفسها ولنفسها إلا – حصراً حصراً – بقيادة حزبها السياسي". هذا هو معنى قانون الأممية الأولى الذي كررت نصه عدة مرات: "لا تستطيع الطبقة العاملة أن تتصرف كطبقة إلا من خلال تشكيل حزب سياسي كأمر لا غنى عنه لضمان انتصار الثورة الاجتماعية". نص هذا القانون العلمي يقطع بأن عكسه اللاعلمي الذي ينص عليه المستل أعلاه: "الحكم القائم على الطبقة العاملة بمعزل عن حزبها السياسي" ينفي نفسه بنفسه، لأن البروليتاريا يستحيل عليها أن تتحول من مجاميع اجتماعية مجبرة لضمان عيشها على بيع قوة عملها لرأس المال، إلى طبقة سياسية تنشد الثورة الاجتماعية، مسلحةً بالوعي وبالنظرية الثورية العلمية إلا "من خلال تشكيل حزب سياسي كأمر لا غنى عنه لضمان انتصار ثورتها الإجتماعية". البروليتاريا بدون حزبها السياسي ليست طبقة سياسية ثورية تنشد قلب النظام القائم وتدشين نمط انتاج جديد، بل مجموعات متفرقة، متنافسة، تنحصر أهدافها على تحقيق المكاسب الاقتصادية لنفسها مثل رفع الأجور، تقليص ساعات العمل، تحسين ظروف العمل .. إلخ، وتكون دوماً خاضعة لسيطرة ارستقراطيتها النقابية، علاوة على دكتاتورية رأس المال. الذي يتولى المهام التي لا غنى عنها لتوحيد صفوفها، وانضباطها، وتوعيتها برسالتها التاريخية لتحرير المجتمع ككل وتوجيه نضالها ككتلة سياسية واحدة متراصة وفق برنامج علمي ملموس وقابل للتنفيذ، مستندٍ على النظرية الشيوعية العلمية هو فقط وحصراً: حزبها السياسي.
أرى أن من المناسب الاستزادة في وصف هذا القانون الماركسي العبقري.
في "بيان الحزب الشيوعي" لماركس وإنجلز (1847) لدينا هذا النص عن الشيوعيين:
"إن الشيوعيين، من ناحية، هم الجزء الأكثر تقدمًا وتصميمًا من أحزاب الطبقة العاملة في كل بلد، وهو الجزء الذي يدفع كل الآخرين إلى الأمام؛ ومن ناحية أخرى، يتمتعون نظريًا بميزة على الأغلبية العظمى من البروليتاريا في فهم واضح لخط المسيرة، والظروف، والنتائج العامة النهائية للحركة البروليتارية.
إن الهدف المباشر للشيوعيين هو نفس هدف كل الأحزاب البروليتارية الأخرى: تشكيل البروليتاريا في طبقة، والإطاحة بالسيادة البرجوازية، واستيلاء البروليتاريا على السلطة السياسية."
في نص ماركس وإنجلز أعلاه، هناك التشخيص لقانون: "تشكيل البروليتاريا في طبقة" قبل "الإطاحة بالسيادة البرجوازية" كهدف مباشر للشيوعيين.
ولكن ما هو قانون: "تشكيل البروليتاريا في طبقة" ؟
لقد كان ماركس هو أول مكتشف في التاريخ لديالكتيك تطور السيرورة الاجتماسية للطبقات الاجتماعية الحاكمة كافة في علم الاجتماع، وذلك منذ عام 1847. وتشتمل هذه السيرورة على ثلاث مراحل أو أطوار متتالية يمر فيها تطور كل كتل المجاميع الاجتماعية التي تسلمت السيادة السياسية (بضمنها البروليتاريا والبرجوازية والإقطاع). الطور الأول هو طور مجاميع العمال بنفسها (العمال إزاء رأس المال بصفتهم قوى إنتاج). الطور الثاني هو طور تطور مجاميع العمال لنفسها (العمال بصفتهم مجاميع ذات مصالح طبقية مشتركة يسعون لتحقيقها). أما الطور الأعلى، فهو طور ارتقاء الطبقة البروليتارية بنفسها ولنفسها (البروليتاريا تتحول من نضال تحقيق المصالح الاقتصادية لنفسها إلى طبقة سياسية ثورية تسعى لقلب النظام السياسي برمته). يُلاحظ أنني لم أستخدم تسمية "الطبقة البروليتارية" إلا عند بلوغها طورها "بنفسها ولنفسها" وتشكلها كطبقة ثورية، وهو الطور السامي الذي يتولى فيه حزب البروليتاريا السياسي تشكيل البروليتاريا في طبقة سياسية لا تناضل من أجل تحقيق مطالبها الاقتصادية الضيقة؛ بل تناضل لقلب النظام السياسي القائم لتحرر طبقات المجتمع كله من جائحة أستغلال الإنسان للإنسان المستمرة منذ زمن والعبودية والقنانة، إلى عبودية العمل الأجير.
في كتاب ماركس "بؤس الفلسفة" (1847) يشرح لنا ماركس سيرورة اشتغال ديالكتيك هذا القانون كما يلي (سأبين كل طور يحدده نص ماركس بأرقام متسلسلة):
"لقد حوّلت الظروف الاقتصادية جماهير الشعب في البداية إلى عمال (1). وقد خلقت تركيبة رأس المال لهذه الجماهير وضعًا مشتركًا ومصالح مشتركة. وهكذا، أصبحت هذه الجماهير بالفعل طبقة في مواجهة رأس المال (2)، ولكنها لم تصبح بعدُ طبقةً لنفسها. في هذا الصراع، الذي لم نذكر سوى بضع مراحل منه، تتوحد هذه الجماهير، وتُشكّل نفسها طبقةً لنفسها (3). وتصبح المصالح التي تدافع عنها مصالح طبقية. لكن صراع الطبقة ضد الطبقة هو صراع سياسي."
ويختتم ماركس بوصف طبيعة طور هذا "الصراع السياسي والثورة البروليتارية" بالعبارات العلمية-الشعرية التالية (ماركس هو أعظم عالم مكين على تكحيل أسلوبه العلمي بالبلاغة الشعرية التي باتت ذائعة السيط):
" ... يُمثّل العداء بين البروليتاريا والبرجوازية صراعًا بين الطبقات، صراعًا بلغ أسمى معانيه في ثورةً شاملة. فهل يُدهش المرء حقًا أن يُفضي مجتمعٌ قائمٌ على تضاد الطبقات إلى تناقضٍ عنيف، أشبه بصدمة الجسد بالجسد، كخاتمٍ نهائي؟
لا تقُل إن الحركة الاجتماعية تُقصي الحركة السياسية. إذ لا توجد حركة سياسية إلا وهي اجتماعية في الوقت نفسه.
لن تتوقف التطورات الاجتماعية عن كونها ثورات سياسية إلا في نظامٍ ينعدم فيه الطبقات والتناحر الطبقي . وحتى ذلك الحين، عشية كل إعادة ترتيب عامة للمجتمع، ستظل الكلمة الأخيرة للعلوم الاجتماعية دائمًا:
"القتال أو الموت: الصراع الدموي أو الفناء. هكذا تُطرح المسألة حتمًا.""
السؤال المهم جداً جداً الآن هو:
لماذا يكون تشكُّل البروليتاريا كطبقة بفعل قيادة حزبها الطليعي هو المؤهل لها لأداء الرسالة التاريخية لتحرير كل البشرية من الاستغلال؟
الجواب: لكونها الطبقة الاجتماعية الأولى التي أفرزها التطور الاجتماعي التاريخي للبشرية في إنتاج خيراتها المادية الضروريه للعيش منذ سقوط نمط المشاعية البدائية التي ليست فقط تعادي مصالحها إستغلال الإنسان للإنسان، بل والقادرة سياسياً على إحلال نمط إنتاج اجتماعي جديد (النمط الشيوعي) محل نمط الإنتاج القائم (النمط الرأسمالي) برمته.
البراهين التاريخية القاطعة:
لقد أثبتت الحركة الشيوعية العالمية للتاريخ وللبشرية صحة وضرورة كلام ماركس أعلاه من خلال تفجيرها لعديد ثوراتها الاشتراكية السابقة منذ عام 1848 وإلى اليوم، والثورات اللاحقة منها ستكون أشرس وأوسع، لتغول دكتاتورية رأس المال العالمي في عصر انحطاطها على نحو إرهابي فاحش. أما عندما تقوم البروليتاريا باستلام الحكم دون أن ترتقي لتتشكل كطبقة ثورية لنفسها وبنفسها بفعل غياب القيادة الحاسمة لحزبها السياسي الطليعي حسبما حدده ماركس وإنجلز، فإنها ستبقى مجاميع إصلاحية لنفسها، وليست طبقة ثورية البتة، مثلما أوضح ماركس. لذا، فستقوم بالاستبقاء على النظام الرأسمالي كي تؤمن لنفسها تحقيق مطالبها الاقتصادية البحتة فحسب تحت ظله، مثلما حصل في حكم حزب العمال ببريطانيا، وحكم الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في أوربا الغربية والبلدان الأسكندنافية. هكذا زكّى التاريخ مراراً وتكراراً علمية النظرية الماركسية في الكشف عن ديالكتيك سيرورة مراحل تطور البروليتاريا والتي تنطبق أيضاً على الطبقة البرجوازية والطبقة الاقطاعية.
إذاً، ماركس وإنجلز يقولان للطبقة البروليتارية ولكل الشيوعيين في كل مكان بأن: "العناصر الأساسية التي تحدد الثورة البروليتارية" (على حد تعبير المنقود) هي بالضبط: تحول البروليتاريا في البلد المعني إلى طبقة بنفسها ولنفسها بفعل قيادة حزبها السياسي لتحقيق الثورة الشاملة. وهذه العناصر تواجدت كلها بالفعل في الصين الشعبية التي حقق حزبها الشيوعي بنضاله الجبار ثورتها الشاملة من الأول من آب 1927 ولغاية الأول من أيلول عام 1949 التي أسقطت نظام تشين كاي شيك على مرآي ومسمع شعوب العالم أجمع.
أما عبارة "تصور ماركس عن المجتمع الشيوعي"، فهي تخص المرحلة الشيوعية التي تنعدم فيها الطبقات الاجتماعية وتضمحل الدولة وتنتهي قبلها بوقت طويل هيمنة البروليتاريا؛ وليس الطور الأول لمرحلة الانتقال إلى الاشتراكية الذي تمر به الصين الشعبية حالياً (وهي المرحلة التي حدد حشص لها مؤخراً على الأقل "مائة عام" لتحقيقها).
أما فرية: "الرأسمالية الدولتية تحت قيادة حزب واحد"- التي لطالما سمعها الثوار الشيوعيون تتردد على لسان أساطين الدعاية المعادية للشيوعية منذ عام 1848 - فسأناقشها بالمزيد من الوصف في الحلقة القادمة.
يتبع، لطفاً.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟