أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية














المزيد.....

التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية


رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)


الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 13:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في عالم التجارة، تُعد مفردات مثل التزويق والتسويق والترويج أدوات طبيعية لتسويق السلع وجذب المستهلكين، وهي وسائل مشروعة ما دامت بعيدة عن التضليل والخداع. لكن المثير أن هذه الأدوات نفسها تسللت إلى عالم السياسة والدبلوماسية، لتتحول إلى إستراتيجية متكاملة تمارسها القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الغربية، في صناعة الزعماء والقادة وتقديمهم على الساحة المحلية والدولية كمنتج سياسي مُعلّب يخدم مصالحها بالدرجة الأولى.

في هذا السياق، لم يعد القائد السياسي يُقاس بقدراته الذاتية أو بشعبيته الطبيعية، بل أصبح نجاحه مرهوناً بمدى قابليته لأن يكون واجهة مطيعة لمشروع دولي أكبر. وهنا تلعب الولايات المتحدة والغرب دور "المسوّقين الكبار"، الذين ينتقون الأشخاص بعناية، ويصوغون لهم برامج، ويضخمون إنجازاتهم، ثم يقدّمونهم للرأي العام باعتبارهم رموزاً للأمل والتغيير. هذه العملية لا تختلف عن حملات الإعلان التجاري: صورة مُصمَّمة بعناية، شعارات براقة، رسائل عاطفية متكررة، وتلميع متواصل يخفي العيوب ويبرز الإيجابيات المصنوعة.

في العراق، وبعد سقوط النظام عام 2003، شاهدنا بروز شخصيات سياسية لم تكن معروفة على نطاق واسع داخل المجتمع العراقي، لكن الدعم الأمريكي والغربي، مقروناً بآلة إعلامية ضخمة، جعل منها قادة يتصدرون المشهد. كان الخطاب المعلن يدور حول الديمقراطية والحرية وبناء مؤسسات الدولة، لكن الهدف الحقيقي كان ضمان مسار سياسي لا يخرج عن نطاق السيطرة الأمريكية. وفي أفغانستان، جرى تقديم حامد كرزاي كـ"رجل المرحلة" بعد الغزو الأمريكي، وصُنع له حضور إعلامي يوحي بأنه رمز الانتقال الديمقراطي، بينما جاء اختياره في الأساس من اعتبارات الولاء للمشروع الغربي هناك. أما في أوكرانيا، فقد تحولت صورة الرئيس فولوديمير زيلينسكي إلى أيقونة عالمية، حيث صُوِّر كبطل في مواجهة روسيا، وجرى تلميع شخصيته إعلامياً بشكل مكثف حتى أصبح أشبه بمنتج تسويقي يُستثمر في حشد الرأي العام العالمي خلف الموقف الغربي.

غير أن هذه الظاهرة ليست حكراً على الشرق الأوسط أو أوروبا الشرقية. ففي أمريكا اللاتينية، مارست الولايات المتحدة سياسة "صناعة الزعماء" منذ منتصف القرن العشرين، حيث دعمت انقلابات عسكرية وقدّمت قادة مثل أوغستو بينوشيه في تشيلي على أنهم حماة الديمقراطية والاستقرار، بينما كانوا في الواقع أدوات للسيطرة على مقدرات البلاد وقمع المعارضين. وفي غواتيمالا وهندوراس، تكرر السيناريو مع قادة ارتبطوا مباشرة بالمصالح الأمريكية الاقتصادية، خاصة في قطاع الشركات الزراعية العملاقة. وفي أفريقيا أيضاً، لعبت القوى الغربية دوراً مشابهاً، إذ رُوّج لعدد من القادة على أنهم رموز تحديث وتنمية، بينما كانوا في الحقيقة مجرد وكلاء لإدامة النفوذ الغربي وضمان استمرار تدفق الموارد الطبيعية نحو الأسواق الأوروبية والأمريكية.

الخطورة في هذا النمط من التسويق السياسي لا تكمن فقط في تزيين صورة زعيم أو تلميع خطاب، بل في تشكيل وعي الشعوب ذاتها. فحين يُغرق الإعلام المحلي والعالمي المواطن برسائل دعائية متكررة، يتحول القائد المصنوع إلى حقيقة راسخة في أذهان الكثيرين، حتى وإن كان بعيداً كل البعد عن تمثيل تطلعاتهم الحقيقية. ومع مرور الوقت، تنكشف الفجوة بين الشعارات المروّجة والممارسات الواقعية، فتتفجر الأزمات وتتصاعد موجات الغضب، كما حدث في بلدان عديدة انتهت بثورات أو بانقلابات مضادة.

المفارقة الصارخة أن الغرب يرفع شعارات الديمقراطية وحق الشعوب في اختيار قادتها، لكنه في الواقع يمارس أبشع أشكال التلاعب بهذا الحق، عبر صناعة زعماء "معلّبين" وتسويقهم بطرق إعلامية مدروسة. في هذه اللعبة، تُعامل الشعوب كزبائن، والزعيم كالسلعة، والانتخابات كواجهة لتصريف منتج سياسي جاهز. إنها عملية بيع سياسي بامتياز، حيث يغلف المشروع الخارجي في صورة زعيم محلي، ليبدو وكأنه وليد إرادة الشعب، بينما هو في الحقيقة وليد غرف مغلقة ومصالح دولية.

إن تحويل السياسة إلى عملية تسويق بهذه الصورة يجعل من الزعيم أداة لا أكثر، ويجعل من إرادة الشعوب مادة قابلة للتوجيه، فيما تبقى القرارات المصيرية رهينة لمصالح القوى الكبرى. ولعل أخطر ما في الأمر أن هذه اللعبة، حين تنكشف، تزرع الشك العميق في جدوى الديمقراطية ذاتها، وتفتح الباب واسعاً أمام الفوضى والتشكيك في العملية السياسية برمتها. فالشعوب حين تدرك أنها استُخدمت كوسيلة لتسويق زعيم مفروض، قد تنقلب على النظام بأسره، وتبحث عن بدائل قد تكون أكثر قسوة أو راديكالية.

لقد نجحت أمريكا والغرب في استعارة تقنيات السوق وتحويلها إلى سلاح سياسي فاعل. فالزعماء اليوم يُصنعون كما تُصنع الإعلانات، ويُطرحون كما تُطرح البضائع، في سوق دولي تتحكم فيه المصالح الكبرى. أما الشعوب، فهي غالباً مجرد متلقين لمنتج مُعلّب بعناية، لكنه في الغالب بعيد عن حاجاتهم الحقيقية وتطلعاتهم الوطنية.

غير أن المستقبل قد يحمل متغيرات تضعف من قبضة هذا النموذج. فصعود الإعلام البديل ومنصات التواصل الاجتماعي أتاح للشعوب فضاءات جديدة لكشف الزيف ومقارنة الصور المصنوعة بالواقع المعاش. لم تعد المعلومة حكراً على القنوات الرسمية أو الشركات الإعلامية الكبرى، بل باتت تتدفق من مصادر متعددة، بعضها محلي ومستقل، وبعضها عابر للحدود. وهذا التحول يجعل من الصعب على القوى الكبرى أن تحتكر السردية أو تفرض زعيماً واحداً على أنه الأمل المنشود. ومع أن هذه المنصات نفسها ليست محصنة من التوظيف والتلاعب، إلا أنها تفتح هامشاً أوسع أمام الشعوب لممارسة النقد وكشف الخدع.

وبهذا يمكن القول إن تسويق الزعماء على الطريقة الأمريكية والغربية قد يظل فعالاً على المدى القصير، لكنه يفقد بريقه مع تراكم التجارب ومع اتساع وعي الشعوب. ومع كل تجربة تتكشف حقيقتها، يتعزز إدراك الناس بأن الزعيم الحقيقي لا يُصنع في غرف الإعلام المغلقة، بل يولد من رحم المجتمع نفسه، ويحمل همومه الحقيقية لا أجندات الآخرين.



#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)       Raheem_Hamadey_Ghadban#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التبني وأثاره على المتبنى بين الأيجابية والسلبية
- غسيل الدماغ بين الواقع العلمي والخيال
- هل ستحصل الدوحة على حق الرد على أسرائيل؟
- أدارة الوقت بين ظاهرة التسويف وضغط اللحظات الأخيرة
- أمريكا ببن الجدار الأخضر والتخبط السياسي
- الأنسان بين الانتماء الطبيعي والمكتسب
- العدو الصغير والقائد الثائر
- القصف الأسرائلي على الدوحة بين الأستهتار الأسرائلي والخنوع ا ...
- أحتمالات المواجهة الفينزوالية الأمريكية وتأثيرها على الساحة ...
- الدور العراقي كوسيط في الملف الأيراني النووي هل يجدي بنفع؟
- تحالفات الكبار بين أحلال السلام والهيمنة (مجموعة شنغهاي)
- الفجور والتقوى لدى النفس البشرية
- التخنث وسط الشباب العراقي
- حزب الله بين الأيدلوجية المذهبية وشعار المقاومة
- الأغتصاب الجنسي بين التحريم والتجريم والعار الأجتماعي
- البداوة وأثرها في بناء المجتمعات
- البداوة وأثرها في نشأت المجتمعات
- الأنتخابات البرلمانية العراقية ٢٠٢٥ ...
- القوات الأمريكية تغادر العراق...قرأة موجزة
- قمة ترامب وبوتين… خارطة نفوذ جديدة وتوازنات خفية


المزيد.....




- تبديل بطارية السيارة بدل شحنها.. هل يُحدث ثورة بمشهد التنقل ...
- شاهد.. كلبٌ يقود الضباط إلى طوقه أثناء إنقاذه من حريق قبل ال ...
- بوتين يشترط موافقة أمريكا حتى تمدد روسيا معاهدة -نيو ستارت- ...
- تبديل بطارية السيارة بدل شحنها.. هل يُحدث ثورة بمشهد التنقل ...
- -خط أحمر-.. رسالة سعودية حاسمة إلى إسرائيل حول الضفة الغربية ...
- السيسي يصدر عفوا عن الناشط السياسي علاء عبد الفتاح
- العلاقات المصرية الإيرانية: دوافع التقارب وحدوده
- مصر: عبد الفتاح السيسي يصدر عفوا عن الناشط علاء عبد الفتاح
- ما الرد الإسرائيلي المتوقع بعد موجة الاعترافات بدولة فلسطين؟ ...
- عدة دول تعترف بالدولة الفلسطينية: اعترافات رمزية.. ولكن ماذا ...


المزيد.....

- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رحيم حمادي غضبان - التسويق السياسي في السياسة الأمريكية والغربية