أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رياض الشرايطي - اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام الدولي ، إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية .














المزيد.....

اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام الدولي ، إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية .


رياض الشرايطي

الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 00:13
المحور: حقوق الانسان
    


حين انتهت الحرب العالمية الثّانية، خرج العالم بجراح عميقة وذاكرة مليئة بالمجازر والنزوح الجماعي. ملايين البشر هُجّروا من أوطانهم، ووجدوا أنفسهم محاصرين بين حدود مغلقة ودول ترفض استقبالهم. كانت التجربة المريرة للاجئين اليهود وغيرهم من ضحايا النازية دافعاً أساسياً لتوقيع اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والتي نصّت على حق كل إنسان في طلب اللجوء عند فراره من الاضطهاد. لاحقاً، وسّع بروتوكول 1967 هذا الحق ليشمل أوضاعاً جديدة خارج أوروبا.
هذان النصّان القانونيان أسّسا لما يمكن وصفه بأحد أكثر الإنجازات الإنسانية تقدّماً في القرن العشرين: الاعتراف بأنّ حق الحياة والكرامة يتجاوز الحدود والسيادة الوطنية.
لكن ما كان ثمرة لمعاناة البشرية جمعاء، أصبح اليوم موضع استهداف من قِبل قوى صاعدة تتبنّى الشعبوية القومية والتمييز العرقي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب.

01/ المشروع الأمريكي: تضييق وإقصاء.

ما اقترحته إدارة ترامب لم يكن مجرّد "إصلاحات" إجرائية، بل إعادة صياغة كاملة للنظام الدولي للاجئين. أهم ملامحه:
قاعدة "البلد الأول": إلزام اللاجئ بطلب الحماية في أول بلد يعبره، ما يحوّل دول الجوار الفقيرة إلى مخيمات مفتوحة دائمة.
-اللجوء المؤقت: تحويل الحماية الإنسانية إلى إقامة محدودة المدة، تُسقط متى اعتبرت الدولة أنّ "الوضع في بلد اللاجئ الأصلي قد تحسّن"، حتى لو كان ذلك مجرد ذريعة سياسية.
-الانتقائية العرقية: بينما يُضيَّق الخناق على ملايين الفارين من سوريا واليمن وأفغانستان والسودان، تحدّث مسؤولون أمريكيون عن تسهيل إعادة توطين البيض من جنوب أفريقيا (الأفارقة من أصل هولندي). وهذا يفضح البعد العنصري الكامن وراء الخطاب.
هذا التوجه لا يختلف كثيرا عن منطق "أمريكا أولا"، لكنه في جوهره "الإنسان الأبيض أولا".

2/ الأرقام تتحدث: العالم في حالة نزوح.

بحسب تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) لعام 2022:
بلغ عدد النازحين قسرا حول العالم 103 ملايين إنسان.
من بينهم 32.5 مليون لاجئ عبروا حدود بلدانهم.
هناك أكثر من 53 مليون نازح داخليا يعيشون داخل حدود بلدانهم لكن بلا أمان.
يشكّل الأطفال نحو 40% من مجمل اللاجئين، أي حوالي 13 مليون طفل لاجئ.
الأهم أنّ:
76% من اللاجئين يعيشون في دول ذات دخل منخفض أو متوسط.
تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم: أكثر من 3.6 مليون سوري.
كولومبيا تستضيف حوالي 2.5 مليون فنزويلي.
أوغندا تستضيف أكثر من 1.5 مليون لاجئ، رغم أنّ دخل الفرد فيها أقل من 900 دولار سنوياً.
أما الولايات المتحدة، صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، فقد استقبلت عبر برنامج إعادة التوطين الرسمي 25 ألف لاجئ فقط عام 2022. هذا الرقم يفضح حجم الهوة بين الشعارات والواقع.

3/ المأساة المستمرة: البحر المتوسط والحدود الأمريكية .

الهروب لا يتوقف عند الحدود ولا عند القوانين. وحين تُغلق الأبواب، يختار الناس طرق الموت على البقاء في الجحيم.
-البحر المتوسط: مقبرة مفتوحة :
منذ عام 2014 وحتى 2022، لقي أكثر من 25 ألف مهاجر ولاجئ حتفهم غرقاً في مياه المتوسط، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM).
في عام 2021 وحده، قُدّر عدد الوفيات بحوالي 3,200 شخص أثناء محاولتهم العبور من شمال أفريقيا إلى أوروبا.
هذه الأرقام لا تعكس فقط حوادث عرضية، بل تكشف سياسات أوروبية ممنهجة تقوم على إغلاق الممرات الآمنة ودفع الناس إلى أحضان شبكات التهريب.
-الحدود الأمريكية-المكسيكية: موت في الصحراء :
وفق إحصاءات منظمة الهجرة الدولية، سجّل عام 2022 رقماً قياسياً بوفاة أكثر من 850 مهاجرا أثناء عبورهم الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، معظمهم بسبب الجفاف والحرارة المميتة في صحراء أريزونا وتكساس.
هذا الرقم يجعل من الحدود الأمريكية-المكسيكية واحدة من أخطر مناطق الهجرة في العالم.
إذن، السياسات التي يُسوّق لها كـ"ردع للهجرة غير الشرعية" تتحول عمليا إلى سياسات قتل بطيء وممنهج.

4/اللجوء: قضية طبقية بامتياز.

لا يمكن فصل قضية اللجوء عن بنية النظام العالمي الرأسمالي. فالحروب التي تندلع في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ليست مجرد صدف تاريخية، بل نتيجة مباشرة:
-للتدخلات العسكرية الغربية
-لنهب الموارد وفرض سياسات السوق الحر على دول ضعيفة.
-لتفاقم الفقر وعدم المساواة الناتج عن النيوليبرالية.
الهجرة، إذا، ليست "مشكلة" بل نتيجة. واللاجئ ليس "متطفلا"، بل ضحية سياسات هيمنة تفرضها نفس القوى التي ترفض اليوم استقباله.

5 / نحو بديل إنساني أممي.

إذا كان النظام الحالي للاجئين يعاني من أزمات، فإن الحل ليس في هدمه بل في تعزيزه. المطلوب:
-توزيع عادل للمسؤولية: إلزام الدول الغنية باستقبال حصص عادلة من اللاجئين.
-إنشاء ممرات آمنة: لضمان وصول اللاجئين إلى بر الأمان من دون أن يكون البحر المتوسط أو الصحراء مقابرهم.
-معالجة الجذور: وقف الحروب الإمبريالية، إلغاء الديون الكارثية على دول الجنوب، وتغيير سياسات التجارة العالمية التي تُعمّق الفقر.
-إطار أممي جديد تقدمي: يقوم على التضامن والعدالة لا على الامتياز العرقي أو الحسابات الأمنية.

إنّ محاولات إدارة ترامب لإعادة صياغة النظام الدولي للاجئين ليست سوى استمرار لمنطق الهيمنة والتمييز، وهي تهديد مباشر لإرث إنساني بُني على أنقاض الحرب العالمية الثانية. الأرقام وحدها تكفي لإثبات أنّ العالم أمام كارثة إنسانية، وأن التضييق على حق اللجوء لن يؤدي إلا إلى المزيد من القبور الجماعية على الشواطئ والحدود.

اللجوء ليس "منة" من دولة ما، بل حق غير قابل للتصرف. والإنسان، أيّا كان لونه أو دينه أو طبقته، يستحق أن يعيش بكرامة. وما يُطرح اليوم من سياسات تضييق ليس إلا محاولة جديدة لإعادة تقسيم البشر بين من "يستحق الحياة" ومن "يُترك للموت".



#رياض_الشرايطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية تفكيكية لرواية -أنا أخطئ كثيرا- للاديبة اللبناني ...
- 11 سبتمبر 2001 ، انطلاق اللّعبة الامبريالية الكبرى.
- الحرب كحقل تجارب للذكاء الاصطناعي: كيف أصبحت غزة مختبرا للمر ...
- رؤوس أقلام حول أمريكا: الإمبريالية الحربية والاقتصادية من ال ...
- أحفاد مانديلا . تحرير العمل: الدرس الجنوب إفريقي.
- البيروقراطية
- السودان يحترق... والطبقات الحاكمة تتقاسم الخراب
- قراءة نقدية لديوان -في أن يستكين البحر لفرح موج- لإدريس علوش ...
- البناء القاعدي: من فكرة التحرر إلى أداة الهيمنة؟
- الحداثة والظلامية: وجهان لعملة واحدة في مأزق التاريخ العربي.
- ما بعد الجمهورية: زمن الوحوش أم زمن الاحتمال؟
- الخديعة الأمريكية الكبرى: الإمبريالية وخراب فلسطين.
- اليسار التونسي: بين الأمس الإيديولوجي واليوم السياسي.
- الأخلاق في الميزان السياسي في القرن 21.
- الشعبية: من التحرير الرمزي إلى بناء السيادة الفعلية
- قراءة في رواية -1984- لجورج أورويل.
- الكتابة فعل نضال
- جنوب يخرج من ظلّ الأمم المتّحدة: مقترحات للفكاك من نظام الغل ...
- الحرف ساحة صراع طبقيّ: تفكيك الخطاب وتحرير اللغة من الهيمنة.
- بيان نواة مجموعة يسارية متمرّدة


المزيد.....




- ترحيب فلسطيني بتأييد الأمم المتحدة لإعلان نيويورك حول حل الد ...
- يونيسف: زيادة غير مسبوقة في معدلات سوء التغذية في غزة
- الأمم المتحدة تقر بأغلبية ساحقة إعلانا حول حل الدولتين
- أبو الغيط يرحب باعتماد الأمم المتحدة لإعلان نيويورك بشأن حل ...
- مندوب فلسطين بالأمم المتحدة: التصويت لصالح إعلان نيويورك يدع ...
- السودان..بين التصعيد وتحذيرات الأمم المتحدة
- حماس تعلن نجاة الحية من محاولة الاغتيال في قطر، ووزير الخارج ...
- بمعارضة 10 دول.. الأمم المتحدة تصوت على مشروع قرار يؤيد إعلا ...
- إسرائيل ترفض قرار الأمم المتحدة بشأن حل الدولتين وإقامة دولة ...
- الجامعة العربية ترحب باعتماد الأمم المتحدة إعلان نيويورك حول ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - رياض الشرايطي - اللّجوء بين إنسانية العالم وابتزاز السياسة: في أزمة النظام الدولي ، إرث ما بعد الحرب العالمية الثانية .