|
محاكم التفتيش ...الجزء الأول
عبد الحسين سلمان عاتي
باحث
(Abdul Hussein Salman Ati)
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 17:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظهرت فكرة محاكم التفتيش في القرن الثالث عشر الميلادي مع تزايد غطرسة الكنيسة الكاثوليكية واجتهادها في مراقبة ضمائر الناس في الدول التي كانت تحت سيطرتها، فكان بابا روما يكلف بعض الأساقفة بتعقب من كانت أفكاره مخالفة لتعاليم الكنيسة وطبق هذا النظام في البداية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا حيث كان يتجول مندوبو البابا في أنحاء البلاد لتقصي أخبار الناس واتهام كل مخالف بالكفر ثم القبض عليه ومعاقبته, وكانت تُعقَد لذلك مجالس كنسية مؤقتة كانت بمثابة محاكم التفتيش المبدئية. ثم تحل المحكمة بعد مطاردة المتهمين والقضاء عليهم. وهكذا عذبت الكنيسة الكاثوليكية أجيالًا كاملة من المفكرين والعلماء في أنحاء أوربا بكل قساوة وبطرق إجرامية لا تمتُّ للإنسانية بصلة. كان الملك فرديناند ملك أراغوان والملكة إيزابيلا ملكة قشتالة وقتذاك معنيين بالمتنصِّرين في الأندلس بصفة خاصة، آملين أن يأتي وقت يصبح فيه جميع سكان الأندلس من المسلمين مسيحيين مخلصين، وأجرت إيزابيلا مدرسة لأصول الدين لتعليمهم، ومع ذلك فقد احتفظ كثير منهم بعقيدته السالفة سرًّا ولقنوها أبناءهم. وسكنت كراهية الكاثوليك لليهود غير المعمَّدين إلى حين، بينما اشتد الحنق على "المسيحيين الجدد" ونشبت الفتن ضدهم في طليطلة (1467م) وبلد الوليد (1470م) وقرطبة (1472م) وسيجوفيا (1474م) وأصبحت المسألة الدينية عنصرية، ودبر الملك والملكة الوسائل التي تحول هذا المزيج المضطرب في الشعوب واللغات والمذاهب المتصارعة إلى وحدة منسجمة وسلام اجتماعي. ورأيَا أن خير وسيلة لبلوغ هذه الأهداف هي تأسيس محاكم التفتيش في إسبانيا. خاصة أن إيزابيلا التي عاشت في جو علماء الدين كانت تتبنى آراء دينية متشددة تجاه المخالفين للكاثوليكية من النصارى واليهود فضلًا عن المسلمين. ولعل فرديناند، الذي كان رجلًا صلبًا من رجال الدنيا قد ارتاب في بعض إجراءات هذه المحاكم، ولكن يبدو أنه اقتنع بأن توحيد العقيدة الدينية يجعل إسبانيا أيسر حكمًا، وأقدر في التغلب على أعدائها. ولقد أصدر البابا سكستوس الرابع، بناء على رغبة فردينان وإيزابيلا، قرارًا في هذه السنة 883 (أول نوفمبر 1478م) يفوض لهما أن يعينا ستة قسس، من ملة الإجازات العليا في علوم الدين والشريعة، ليؤلفوا هيئة محكمة التفتيش؛ ليحققوا تهم الهرطقة ويعاقبوا عليها. ووضعت الهيئة برُمَّتها بعد سنة 889 (1483م) تحت إمرة وكالة حكومية، ولم تمسَّ محاكم التفتيش في أول أمرها اليهود الذين لم يتنصروا، وإنما وجهت أهوالها إلى المتنصرين الذين يشكُّ أنهم ارتدوا إلى اليهودية أو إلى الإسلام، وإلى المسيحيين المتهمين بالهرطقة، وكان اليهودي غير المتنصر إلى سنة 900 (1492م) آمنًا على نفسه أكثر من المعمَّد، وطالب القس والرهبان والمتعبدون الإعفاء من التفتيش، ولكن مطالبهم رُفضت، وقاوم اليسوعيون تشريعَها نصف قرن، ولكنهم غُلبوا على أمرهم أيضًا, وكانت محاكم التفتيش تطالب بتعاون من جميع الموظفين المدنيين، وشرعت القوانين والإجراءات الخاصة بها. وكانت قبل أن تقيم قضاتها في مدينة من المدن تذيع في الشعب عن طريق منابر الكنائس منشورًا دينيًّا "يطالب كل من له علم بهرطقة أن يكشف عنها لرجال التفتيش, وشجع كل امرئ على أن يكون شاهدًا، ليبلغ عن جيرانه وأصدقائه وأقاربه، وكان البابا ستيكوس الرابع أصدر الموافقة على طلب الملكة إيزابيلا ملكة مملكة قشتالة بإنشاء محاكم تفتيش لتزيد من سلطانها باسم الدين النصراني, كما أصدر الملك أنريكي الرابع، ملك قشتالة، سنة 863 (1459م) أمرًا ملكيًّا للأساقفة بالبحث والاستقصاء في دوائرهم عن المارقين المضمرين لأفكار مخالفة للكثلكة. وهكذا ابتدأ الاضطهاد الكنسي ضد اليهود المتنصرين فأحرق منهم الجمَّ الغفير قبل سقوط غرناطة. ولم تشمل هذه المحاكم آنذاك المسلمين أو المدجنين- المداهنين- بعدُ، بل أرسل سكتوس الرابع- بابا روما- مرسولًا كلفه بالتحقيق والقبض على الخارجين على الكنيسة ومعاقبتهم. فخاف الملكان فراندو وإيزابيلا أول الأمر على سلطتِهما ووقفا ضد هذه المحاولة البابوية، فأوقفا القساوسة من متابعة النصارى من أصل يهودي. لكن مقاومة الملكين الكاثوليكيين لم تدم طويلًا؛ إذ أرسلا سفيرهما إلى البابا سنة 1478 م في هذا الأمر. فأصدر البابا مرسومًا في شهر نوفمبر من سنة 1478 م بإنشاء محكمة التفتيش في قشتالة وتعيين المفتشين لمطاردة الكفر ومحاكمة المارقين, وندب مفتشين إلى إشبيلية، عاصمة قشتالة آنذاك. وهكذا ابتدأت محاكم التفتيش عملها الجهنمي ضد المسلمين في إسبانيا. فكانت إجراءات هذه المحاكم تتم باسم الديانة الكاثوليكية وتقضي على المناوئين لها ولسياستها ومصادرة ممتلكاتهم، والأمر بتعذيبهم وإحراقهم، ثم انتقلت هذه المحاكم إلى غرناطة بعد سقوطها بيد الإسبان سنة 897 (1489م).
2 اليهود ومحاكم التفتيش في أسبانيا والبرتغال أكدت التشريعات المطبقة على اليهود بوحي من الكنيسة ما قيل من أنهم أناس رفضهم الله ولعنهم، أقيم من حولهم سياج عزل صحي يقي أرواح المسيحيين من عدواهم، وانكمشت الاتصالات على الصعيد الاجتماعي معهم، وتعددت حوادث اضطهادهم وطوردوا من مكان لمكان، فقد طرد اليهود من فرنسا وأعيدوا أربع مرات فيما بين عامي 1182، 1321 وفي عام 1322 طردوا مرة أخرى حيث لم يبق منهم يهودي واحد في فرنسا خلال الأربعين عامالتالية، وفي أسبانيا حيث ازدهر اليهود في ظل الحكم الإسلامي ثم المسيحي، بدأ اضطهادهم بوحي من الكنيسة عام 1492 طرد اليهود جميعًا من أسبانيا وتم ذلك في 2 أغسطس من نفس العام وهو يوم اتخذه اليهود يوما للحداد في حياتهم. وبذلك استبعد اليهود في نهاية القرن الخامس عشر بصورة تكاد تكون تامة من كل غرب أوروبا باستثناء أجزاء بسيطة في ألمانيا وإيطاليا ومن ثم احتشدوا في الإمبراطوريتين الشرقيتين الباقيتين وهما: حيث تجمع اليهود الأشكينازيم ود شمال أوروبا، وفي الإمبراطورية العثمانية حيث تجمع اليهود السفارديم Sephardim من الأصل اللاتيني أو الأسباني.وبتزايد النفوذ السياسي للكنيسة انتشرت ظاهرة اليهود الذين أخفوا ديانتهم عندما وجدوا أنفسهم بين اختيار الموت أو التحول إلى المسيحية. واضطرت جموع كثيرة منهم إلى هذا التحول في الظاهر، وهم مقيمون سرًا على ديانتهم اليهودية، ومصممون على نقلها لأولادهم جيلًا بعد جيلًا، وقد عرف هؤلاء في أسبانيا باسم "المارانوس" حيث انفتحت أمامهم أبواب العمل في المحاماة والحكومة والجيش والجامعات، بل وفي الكنيسة نفسها، وتمت لهم السيطرة على أوجه النشاط في أسبانيا، وكان لفظ (مارنوس Marrano) هذا اصطلاحًا أسبانيا يرجع إلى العصور الوسطى ويعنى (الجنزير) وفي ذلك ما يشير إلى مقدار ما كان يشعر له الأسباني العادي من احتقار نحو هؤلاء اليهود غير المخلصين الذين ازداد عددهم وزاد نفوهم. وعلى امتداد القرن 15 بدأ الناس يكرهون أولئك المنافقين اليهود الذين أصبحوا مسحيين مظهرًا ويهود مخبرًا، أولئك الذين احتكروا المراكز المالية الهامة، وارتبطوا بالعرش، بحيث أصبحوا يمثلون أحد مظاهر القهر الملكي، وتقرر في عام 1464 النظر في أمر هؤلاء المسيحيين الجدد، إذ فوضت الكنيسة في عام 1478 ثلاث شخصيات بالتصرف في الأمور التي تتعلق بالمرتدين، وكان ذلك أنما يعنى بداية محاكم التفتيش في أسبانيا، وصلت الأمور إلي أقصى غاية في عام 1480 حين قرر عدد من أغنياء التجار المسيحيين الجدد في مدينة (سيفيل) مقارنة محاكم التقسيم، غير أن أمرهم انكشف وحوكموا وأعدموا، وفي عام 1481 احرق ستة رجال وامرأة أحياء، وأعدم رئيس الجماعة، وطرد اليهود من أسبانيا نهائيا عام 1492، وانتقل أغلبهم للبرتغال التي طردتهم هي الأخرى عام 1497 ورحل معظمهم على أفريقيا، واعتنق الباقون المسيحية دون إخلاص، حيث احتفظوا بديانتهم. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). وبدأت محاكم التفتيش في البرتغال عام 1536 حيث عذب وأعدم عدد من المسيحيين الجدد ونتيجة لهذا القهر والاضطهاد وترك المسيحيون الجدد أسبانيا والبرتغال إلى الشرق الوسط وإيطاليا وهولندا وإنجلترا، وأصبح لبعضهم وضع قوى جدًا في البلاط التركي، وأدوا في مقرهم الجديد إلى الديانة اليهودية علنا، واعترفت بهم فرنسا رسميًا عام 1730، ومارسوا ديانتهم علنًا في هولندا في مطلع القرن 17، وازداد نشاطهم في البحرية التجارية الهولندية بحيث سيطروا على ربع أسهم شركة الهند الشرقية الهولندية. وكان عدد المارانوس في إنجلترا محدودا غير. وقد قام كرومويل بالترحيب بهم، أملًا في الحصول على عونهم على جَعْل لندن مركزا للتجارة الأوربية. وحدث في عام 166 ميثاق رسمي يحمى الطائفة اليهودية، ومُنِحوا حرية العبادة عام 1673 وعوملوا معاملة مساوية كباقي السكان. واتجه المارانوس في الوقت نفسه إلى الاهتمام باستكشاف العالم الجديد ومولوا هذه العمليات، وهناك ما يدعو للاعتقاد بأن (كريستوفر كولومبوس) كان ينتمي إلى إحدى عائلات المسيحية الجدد، وانتقلت أعداد منهم إلى البرازيل في القرن السادس عشر وإلى المكسيك. أما عدد المارانوس في العالم اليوم فمحدود للغاية. وكان الاعتقاد سائدًا بأن محاكم التفتيش قد قضت نهائيًا على آثار اليهود في أسبانيا والبرتغال. وقد قام يهوديًا بولنديًا يُدعى (شوارز)، كان يعيش في لشبونة، قام بجمع معلومات عام 1917، وتدل المعلومات هذه على تجمعات من المارنوس مازالت تلتزم بالتعاليم اليهودية. وقد بدأت أعداد المارنوس القليلة تضمحل حاليا حيث تزاوجت أجيالها الجديدة مع غير اليهود وهاجر بعضها إلى إسرائيل ولا يحتمل أن تبقى فئة المارانوس في أسبانيا والبرتغال طويلًا. 3 محاكم التفتيش في أوروبا إن أهم سمه تميزت بها جماعات المصلين في غرب أوروبا في القرن الثاني عشر. والذين كان الإكليروس يعتبرهم "مخالفين" أو "معاندين" هي سمة: الزهد والدعوة إلى البساطة الأولى كمد روحي للكنيسة الشرقية في مصر وقد انتعشت هذه الآراء في وقت كانت الكنيسة فيه قد تردت في مساوئها: من اتجار في المناصب الدينية (السيمونية) والسماح لرجال الدين بالزواج بعد أن رفلوا في أسباب النعيم باحثين عن وراثية لهم في هذا، وغير ذلك من أمراض آلمت بالكنيسة كبيع صكوك الغفران... إلخ. وافتضح أمر البابوية وكبار الأساقفة. وطرحت قضية "الإكليروس" على بساط الشك من أساسها نظرًا لما أصابته من ثراء فأحش، وكان النبلاء الإقطاعيون يتطلعون إلى الفرصة السانحة ليقضوا على أملاك الكنيسة الشاسعة علهم يصيبون شيئًا منها، ولكن البابوية كانت تفرض من الحماية والحصانة على تلك الأملاك في الوقت الذي كانت تنظر بقلق إلى نشاط هؤلاء النبلاء الطامعين في أملاكها خاصة في فرنسا.
وفي عام 1207 طلب البابا انوسنت الثالث من الملك فيليب أغسطس التدخل على رأس حمله صليبية لقمع النبلاء في الجنوب الفرنسي إلا أن فيليب كان يخشى أن ينتهز ملك إنجلترا "يوحنا" الفرصة للانقضاض على الشمال الفرنسي القريب منه إذا أقدم رجاله على شن حملة على النبلاء في الجنوب الفرنسي. وأخيرًا بعد أن نفد صبر البابا "انوسنت الثالث" أعلن في 15 يناير 1208 قيام حمله صليبيه ضد نبلاء الجنوب الفرنسي ووعد من يشارك في هذه الحملة بالغنائم التي تقع في أيديهم من أملاك هؤلاء المارقين في نظره هو. وأرسل البابا قاصدًا رسولًا لتهدئة الأوضاع في الجنوب الفرنسي إلا أن مهمته باءت بالفشل الأمر الذي حدا بالبابا بأن يرسل قرارًا بالحرمان الديني ضد "ريمون السادس" صاحب تولوز وقوبل هذا الحرمان باغتيال القاصد الرسولي من أحد أتباع ريموند. وعليه فقد دعا البابا "انوسنت الثالث" إلى حمله صليبيه ضد المنشقين، استجاب لها الآلاف من الفرسان المتطوعين من الشمال الفرنسي أملا في ثروات الجنوب وغنائمه وقد قامت هذه الحملة بمذابح رهيبة اشهرها تم في حصار وسقوط بلدة "بيزيه" حيث قتل الصليبيون 15,000 من السكان دفعة واحدة ومن ثم كانت اكبر عملية إرهابية في تلك الفترة. وبعد وفاة فيليب أغسطس أصدر الملك "لويس الثامن" قرارًا لإرضاء البابا في روما بإقامة وتشكيل محاكم التفتيش في جنوب وشمال فرنسا، وكانت هذه المرة هي الأولى التي يصدق فيها القانون الفرنسي على عقاب المهرطقين بالحديد والنار وليس بالمناقشة في محبة لأن الله يريد أن الجميع يخلصون والي معرفة الحق يقبلون. بعد هذا أمر "لويس الثامن" جيوشه بالاستيلاء على مدينة "افنيون" بسبب رفضها لجيوش البابا بالعبور على أراضيها نحو الجنوب، فدمرت أسوارها واستباح فرسان الشمال خيرات الجنوب الفرنسي تحت شعار الصليب ومحاكم التفتيش! وكان "لويس التاسع" ملك فرنسا أسوأ حاكم علماني شجع على تثبيت أقدام محاكم التفتيش في فرنسا، لكي يرضي معاصريه من الباباوات لذلك سموه "القديس لويس" وأسند مهمة التفتيش والمحاكمة إلى رهبان الدومنيكان الذين بدأوا بإرهاب صغار القساوسة وبسطاء الناس بجبروتهم، أرسلوا إلى المحرقة أعداد لا تحصي بتهمة الخروج على تعاليم الكنيسة، بالإضافة إلى مَنْ امتلأت بهم جحور السجون وغياهب السبي. ويحدد المؤرخين سنة 1233 على وجه التحديد كبداية لإرساء محاكم التفتيش في فرنسا جميعها وقد خول الملك الفرنسي رجلاَ يدعي "روبرت لي يتي" صلاحيات كبيرة كمفتش عام على هذه المحاكم، وقد رهب هذا الرجل فرنسا كلها ما بين عامي 1233، 1239 إذ شنق 183 شخصًا دفعة واحدة في مقاطعه (شامباني). وفي عهد الملك الفرنسي فيليب الرابع الذي تولي ما بين عاميّ 1285-1314 كلف وزيره وحامل أختامه بتلفيق التهم لجماعة رهبان الموعد الذين لعبوا دورًا كبيرًا في الحملات الصليبية في فلسطين ومن هذه الاتهامات: والانحلال الأخلاقي والفجور وبهذا تعرضوا لصنوف من العذابات داخل زنزانات سجونهم إلى حد أن واحدًا منهم عندما بلغ العذاب مداه به صاح قائلًا: أنني على استعداد أن أعترِف لكم بأنني قد قتلت الله شريطة أن تكفوا عن تعذبتي وترحموني من الحرق بالنار. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات والكتب الأخرى). ثم أصدر البابا قرار بمصادرة أملاكهم في كل أنحاء العالم المسيحي ثم أمر بإقامة محكمه تفتيش خاصة للتحقيق معهم لأدانتهم. وفي سنة 1310 صدر حكم محكمة التفتيش بإحراق 63 راهبًا من رهبان الداوية بتهمة عبادة الشيطان والانحلال. وفي سنة 1314 اكتملت المأساة حيث اقتيد رئيس رهبان الداوية جاك دي مولية وبعض رفاقه إلى المحاكمة وتقر إحراقهم جميعًا بتهمة ملفقة، ومنذ ذلك التاريخ صار تلفيق الاتهامات ونشر الفضائح الكاذبة والإرهاب أكبر سمه للملكية الفرنسية تحت رعاية الكنيسة الغربية حتى قيام الثورة الفرنسية في عام 1789. وحتى جماعة الفرنسيسكان لم تنج من بطش محاكم التفتيش، فقد نادي فريق منهم بضرورة الرجوع بالعقيدة إلى حياة البساطة الأولى، ولكن البابا "يوحنا الثاني والعشرين" (1316- 1334) قرر تقديمهم إلى محاكم التفتيش سنة 1318. وتابع الباباوات إرهابهم للفكر بواسطة محاكم التفتيش لكل صوت ينادي بالإصلاح وبالرغم من المذابح الرهيبة انتشرت دعوة الإصلاح الديني إلى بوهيميا وجنوب شرق ألمانيا. وفي سنة 1229 عين البابا مفتشًا كنسيًا عامًا على ألمانيا هو (كوزاد) الذي جر الآلاف من الأبرياء إلى المشانق أو المحارِق وكان يكفي عنده أن يشار إلى جار من جاره بأي وشاية ضد الدين فيجر أهل البيت جميعًا إلى المشانق وقد ضج الناس من الإرهاب الذي اتبعه كونراد هنرا، حتى أن بعض الأساقفة نصحوه بالاعتدال، ولكنه لم يكن يطيع بل يزداد في طغيان تحت سمعهم وبصرهم. وبعد أن استشري الغضب بالشعب هاجمة بعض النبلاء وقتلوه سنة 1233 فتنفس الألمان الصعداء. هذه قائمة بالأشخاص الذين أُعدموا في الولايات البابوية في عهد الباباوات أو خلال فترة الحكم الفرنسي (1810-1819). على الرغم من أن عقوبة الإعدام كانت قانونية في مدينة الفاتيكان من عام 1929 إلى عام 1969، إلا أنه لم تُنفذ أي عمليات إعدام في تلك الفترة. لا تشمل هذه القائمة الأشخاص الذين أُعدموا من قِبل سلطات أخرى تابعة للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، أو من أُعدموا من قِبل محاكم التفتيش غير محاكم التفتيش الرومانية، أو من قُتلوا في حروب شملت الولايات البابوية، أو من قُتلوا خارج نطاق القضاء.
كانت معظم عمليات الإعدام مرتبطة بمعاقبة الجرائم المدنية المرتكبة داخل الولايات البابوية، حيث أُدين المحكوم عليهم أمام المحاكم المدنية للولايات البابوية؛ على سبيل المثال، في عام 1585، أطلق البابا سيكستوس الخامس حملة "عدم التسامح مطلقًا" مع الجريمة، والتي، وفقًا للأسطورة، أسفرت عن جمع رؤوس مقطوعة على جسر قلعة سانت أنجيلو أكثر من البطيخ في الأسواق الرومانية. أفضل السجلات تعود إلى فترة حكم جيوفاني باتيستا بوغاتي، جلاد الولايات البابوية بين 22 مارس 1796 و17 أغسطس 1861، حيث سجل اسم المحكوم عليه، والجريمة، ومكان الإعدام لكل من "القضاة" الـ 516 الذين نفذّهم لصالح الحكومات البابوية أو الفرنسية. تنتهي قائمة بوغاتي: "وهكذا تنتهي قائمة بوغاتي الطويلة. عسى أن تكون قائمة خليفته أقصر".
قبل عام 1816، كانت أكثر أساليب الإعدام شيوعًا هي الفأس والمشنقة (مع استخدام الحرق على الخازوق في قضايا الشخصيات البارزة)؛ وبعد عام 1816، أصبحت المقصلة (التي وضعها الفرنسيون خلال سيطرتهم على روما) هي القاعدة. مع ذلك، بعد عام ١٨١٦، استمر استخدام طريقتين أخريين - المازاتيلو (سحق الرأس بمطرقة كبيرة، يليه قطع الحلق) والسحب والتقطيع (أحيانًا، ولكن ليس دائمًا، بعد الشنق) - في الجرائم التي اعتُبرت "بغيضة للغاية".
كانت مواقع الإعدام المفضلة هي بونتي سانت أنجيلو، والجسر أمام قلعة سانت أنجيلو، وساحة ديل بوبولو، وشارع سيركي بالقرب من ساحة ديلا بوكا ديلا فيريتا. نصّ القانون البابوي على دفع ثلاثة سنتات فقط من الليرة الرومانية لكل عملية إعدام للجلاد "لإثبات دناءة عمله"، ولكنه لم يحظر الإقامة المجانية، والامتيازات الضريبية، والمعاش التقاعدي الكبير الممنوح لبوغاتي.
قائمة الأشخاص الذين تم إعدامهم في الولايات البابوية 1. القرن الثاني عشر
أرنولد بريشيا، أُحرق على يد الحرس البابوي Arnold of Brescia أرنولد بريشيا، راهب ومشارك في كومونة روما (١١٥٥) كان أرنولد من بريشيا (حوالي ١٠٩٠ - يونيو ١١٥٥)، المعروف أيضًا باسم أرنالدوس (بالإيطالية: Arnaldo da Brescia)، قسيسًا إيطاليًا منتظمًا من لومباردي، دعا الكنيسة إلى التخلي عن الملكية العقارية، وشارك في كومونة روما الفاشلة بين عامي ١١٤٤ و١١٩٣. ويُعتبر من أوائل المصلحين ورائدًا للإصلاح الديني.
هاجم أرنولد سلطات الكنيسة الرومانية، وكان لديه حماسة جذرية لإجراء إصلاح أخلاقي في صفوف رجال الدين. رفض أرنولد الدولة الثيوقراطية، وآمن بدلًا من ذلك بضرورة الفصل التام بين الكنيسة والدولة. آمن أرنولد بـ"الفقر الرسولي" وبضرورة استعادة الكنيسة لطهارتها الرسولية. أدان مجمع لاتران الثاني أتباع أرنولد لإنكارهم معمودية الأطفال.
رفض أرنولد سلطة الكنيسة الرومانية، واعتقد أن رجال الدين الخاطئين فقدوا حقهم في إدارة الأسرار المقدسة. هاجمه بعض منتقديه لآرائه المسيئة حول المعمودية والقربان المقدس. في عام 1882، بعد انهيار السلطات البابوية الزمنية، أقامت مدينة بريشيا نصبًا تذكاريًا لابنها الأصلي.
2. القرن الثالث عشر جيرارد سيجاريلي، مؤسس الإخوة الرسوليين (١٨ يوليو ١٣٠٠) Gerard Segarelli
جيرارد أو غيراردو أو غيراردينو سيجاريلي أو سيجاريلي (حوالي ١٢٤٠ - ١٨ يوليو ١٣٠٠) هو مؤسس الإخوة الرسوليين (باللاتينية: Apostolici). أُحرق على الخازوق عام ١٣٠٠.
الإخوة الرسوليون Apostolic Brethren كان الهدف الذي سعى الإخوة الرسوليون إلى تحقيقه هو حياة قداسة تامة، في فقر مدقع، بلا مأوى ثابت، ولا همّ للغد، ولا نذور. كان ذلك احتجاجًا على غزو روح العالم للكنيسة، وعلى طريقة وفاء الرهبانيات الأخرى بنذورها، وخاصةً نذور الفقر. في حد ذاته، ربما بدا المشروع غير مؤذٍ، ولا يختلف كثيرًا عن الطريقة التي بدأ بها المؤسسون الآخرون. مع ذلك، عندما حُظر النظام، وُصم أعضاءه بالهرطقة بسبب رفضهم الخضوع للسلطة الكنسية.
أثار الاضطهاد غضب معارضيهم؛ إذ ابتعدت الكنيسة، في نظرهم، تمامًا عن القداسة الرسولية، وأصبحت بابل العظيمة، مضطهدة القديسين. وترتبط أقوالهم وتوقعاتهم الرؤيوية بأتباع يواكيم؛ بل إن تعاليمهم، القائمة في معظمها على تفسيرات حرفية لنصوص الكتاب المقدس، يمكن العثور عليها في العديد من الهيئات غير الكنسية. فقد نهوا عن أداء اليمين، وأجازوا على ما يبدو شهادة الزور عند الحاجة، ورفضوا عقوبة الإعدام؛ وأدى تواصلهم الوثيق مع "أخواتهم الرسوليات" إلى اتهامات خطيرة ضد أخلاقهم، مع أنهم هم أنفسهم كانوا يتباهون بطهارتهم، ويعتبرون التغلب على الإغراء القريب أمرًا جديرًا بالثناء.
3. القرن الرابع عشر فرا دولتشينو، واعظ إيطالي لحركة دولسينيان (1304) Fra Dolcino
كان فرا دولتشينو (حوالي 1250-1307) ثاني زعيم لحركة دولسينيان الإصلاحية، وقد أُحرق على الخازوق في شمال إيطاليا عام 1307. وقد تولى قيادة الحركة بعد إعدام مؤسسها، جيرارد سيجاريلي، عام 1300 بأمر من الكنيسة الكاثوليكية. ورغم أن معتقدات وروحانية طائفة دولسينيان استُلهمت من تعاليم القديس فرنسيس الأسيزي، مؤسس الرهبنة الفرنسيسكانية عام 1210، إلا أن الكنيسة الكاثوليكية أدانتهم واعتبرتهم بدعة. كما أدانت البابوية ممارساتهم في الفقر والحرية ومعارضة النظام الإقطاعي. كان الدولسينيان Dulcinians طائفة دينية من أواخر العصور الوسطى، نشأت داخل جماعة الإخوة الرسوليين. استلهم الدولسينيون، أو الدولسينيون، والإخوة الرسوليون من مُثُل الفرنسيسكان وتأثروا باليواكيميين، لكن الكنيسة الكاثوليكية اعتبرتهم هرطوقًا. يُشتق اسمهم من قائد الحركة، فرا دولتشينو من نوفارا (حوالي ١٢٥٠١٣٠٧)، الذي أُحرق بتهمة الهرطقة بأمر من البابا كليمنت الخامس.
المصادر التاريخ الوجيز لمحاكم التفتيش بإسبانيا - جوزيف بريز محاكم التفتيش الإسبانية..د. بشرى محمود الزوبعي من أوراق الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش - رمسيس عوض أبرز ضحايا محاكم التفتيش...رمسيس عوض محاكم التفتيش..د. سلطان بن محمد القاسمي
#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)
Abdul_Hussein_Salman_Ati#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفكيك القرآن ...الجزء الثاني
-
الجواري والغلمان في صدر الاسلام... معاهدة البقط
-
تفكيك القرآن ...الجزء الأول
-
الحرب الاهلية في الدولة الاموية
-
تَشَيطَنَ الشيطان و تفليس إبليس
-
سلسة الشتائم بين الصحابة في الأسلام ...الجزء الأخير
-
الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأخير
-
الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأول
-
مذبحة بني قريظة...الجزء الأخير
-
سلسة الشتائم بين الصحابة في الأسلام ...1
-
مذبحة بني قريضة ...3
-
الأعراب بين القران و عمر بن الخطاب
-
مذبحة بني قريظة ....2
-
مذبحة بني قريظة ..1
-
سورة التوبة , الآية 29 : محاولة تفسير
-
الغزو العربي لبلاد فارس
-
الزيادة و النقصان في القران...الجزء الثالث
-
الزيادة و النقصان في القران...الجزء الثاني
-
الزيادة و النقصان في القران...الجزء الأول
-
حكايات اسلاموية ...الجزء الرابع
المزيد.....
-
دعوى ضد مسؤولة أممية بعد اتهامها منظمات مسيحية بتمويل -الإبا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يمنح عفوًا ويصادق على تخفيف عقوبات للم
...
-
خطوات تنزيل تردد قناة طيور الجنة toyour el-janh kides tv ..
...
-
جائزة المصطفى (ص) لعام 2025 تُمنح لثلاثة علماء من نخبة العال
...
-
مصطفى العقاد.. مخرج حمل رسالة الإسلام إلى هوليود
-
قائد الثورة الاسلامية يجيز بصف جزء من اموال الخمس لأهلي غزة
...
-
-الإسلامية المسيحية- تدين قيام بلدية الاحتلال بتغيير التسمية
...
-
عراقجي: الوحدة الإسلامية اليوم واجب ديني وضرورة حتمية
-
الإسلاميون والمرأة.. لماذا كل هذا الهوس؟
-
أهالي الأسرى: نتنياهو خائن وهو أسوأ عدو لليهود
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|