أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين سلمان عاتي - الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأخير















المزيد.....

الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأخير


عبد الحسين سلمان عاتي
باحث

(Abdul Hussein Salman Ati)


الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 22:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أبلغ عليا أني أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل،. ولقد بلغ من أمرهم في طاعتهم له أنه صلى بهم عند مسيرهم إلى صفين الجمعة في يوم الأربعاء.....معاوية بن أبي سفيان

9
رسالة علي التاسعة
أمّا بعد .. فإنّ مساويك مع علم الله تعالى فيك حالت بينك وبين أن يصلح لك أمرك ، وأن يرعوي قلبك.
يا ابن الصّخر اللّعين ، زعمت أن يزن الجبال حلمك ، ويفصل بين أهل الشّكّ علمك ، وأنت الجلف المنافق ، الأغلف القلب ، القليل العقل ، الجبان الرّذل.
فإن كنت صادقا فيما تسطر ، ويعينك عليه ابن أخي بني سهم ، فدع النّاس جانبا وتيسّر لما دعوتني إليه من الحرب ، والصّبر على الضّرب ، واعف الفريقين من القتال ، ليعلم أيّنا المرين على قلبه ، المغطّى على بصره ، فأنا أبو الحسن ، قاتل جدّك وأخيك وخالك ، وما أنت منهم ببعيد

ابن الصّخر اللّعين : شير بذلك إلى الحديث النبوي ، وقد رواه الإمام الحسن إلى معاوية فقد قال له :
« أنشدك الله يا معاوية ، أتذكر يوم جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة يقوده فرآكم رسول الله فقال : اللهمّ العن الراكب والقائد والسائق

بني سهم : هو عمرو بن العاص وزير معاوية ، كانت امّه مشهورة بالبغاء.

جواب معاوية
من معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب .. سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد .. فإنّ الله اصطفى محمّدا بعلمه ، وجعله الأمين على وحيه ، والرسول إلى خلقه ، واجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده بهم ، وكانوا في منازلهم على قدر فضائلهم في الإسلام ، فكان أفضلهم في الإسلام ، وأنصحهم لله ولرسوله الخليفة من بعده ثمّ خليفة الخليفة ، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم عثمان ، فكلّهم حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، عرفنا ذلك في نظرك الشزر ، وقولك الهجر ، وتنفّسك الصعداء ، وإبطائك عن الخلفاء ، وأنت في كلّ ذلك تقاد كما يقاد البعير المخشوش حتى تبايع ، وأنت كاره ، ولم تكن لأحد منهم أشدّ حسدا منك لابن عمّك ، وكان أحقّهم أن لا تفعل ذلك به في قرابته وصهره فقطعت رحمه ، وقبّحت محاسنه ، وألّبت عليه الناس ، وبطنت وظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل ، وشهر عليه السلاح في حرم الرسول ، فقتل معك في المحلّة ، وأنت تسمع في داره الهائعة لا تؤدّي عن نفسك في أمره بقول ولا فعل ، واقسم قسما صادقا لو قمت في أمره مقاما واحدا تنهنه الناس عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا ، ولمحا ذلك عنك ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان ، والبغي عليه ، واخرى أنت بها عند أولياء ابن عفّان ضنين ، ايواؤك قتلة عثمان فهم بطانتك وعضدك وأنصارك ، وقد بلغني أنّك تنتفي من دمه ، فإن كنت صادقا فادفع إلينا قتلته نقتلهم به ، ثمّ نحن أسرع الناس إليك ، وإلاّ فليس لك ولا لأصحابك عندنا إلاّ السيف فو الذي نفس معاوية بيده! لأطلبن قتلة عثمان في الجبال والرمال والبرّ والبحر حتى نقتلهم أو تلحق أرواحنا بالله

البعير المخشوش : البعير الذي يجعل في أنفه الخشبة لينقاد.
داره الهائعة: الصوت المفزع.
تنهنه الناس : أي تكفّ عنه.

10
رسالة علي
من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان.

أمّا بعد فإنّ أخا خولان قدم عليّ بكتاب منك تذكر فيه محمّدا ، وما أنعم الله عليه به من الهدى والوحي.

والحمد لله الّذي صدقه الوعد ، وتمّم له النّصر ، ومكّن له في البلاد ، وأظهره على أهل العداء والشّنئان من قومه الّذين وثبوا به ، وشنفوا له ، وأظهروا التّكذيب ، وبارزوه بالعداوة ، وظاهروا على إخراجه وإخراج أصحابه وأهله ، وألّبوا عليه العرب ، وجامعوهم على حربه ، وجهدوا في أمره كلّ الجهد ، وقلّبوا له الأمور حتّى ظهر أمر الله وهم كارهون ، وكان أشدّ النّاس عليه ألبة اسرته ، والأدنى فالأدنى من قومه إلاّ من عصمه الله.

يا بن هند ، فلقد خبّأ لنا الدّهر منك عجبا ، ولقد قدمت فأفحشت إذ طفقت تخبرنا عن بلاء الله تعالى في نبيّه محمّد صلّى الله عليه وسلّم وفينا ، فكنت في ذلك كجالب التّمر إلى هجر ، أو كداعي مسدّده إلى النّضال.

وذكرت أنّ الله اجتبى له من المسلمين أعوانا أيّده بهم ، فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام ، فكان أفضلهم ـ زعمت ـ في الإسلام ، وأنصحهم لله ورسوله الخليفة ، وخليفة الخليفة ، ولعمري إنّ مكانهما من الإسلام لعظيم ، وإنّ المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد رحمهما الله وجزاهما بأحسن الجزاء.

وذكرت أنّ عثمان كان في الفضل ثالثا ، فإن يكن عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه ، وإن يك مسيئا فسيلقى ربّا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره.

ولعمر الله إنّي لأرجو إذا أعطى الله النّاس على قدر فضائلهم في الإسلام ، ونصيحتهم لله ورسوله ، أن يكون نصيبنا في ذلك ـ أهل البيت ـ الأوفر.

إنّ محمّدا صلّى الله عليه وسلّم لمّا دعا إلى الإيمان بالله والتّوحيد كنّا أهل البيت أوّل من آمن به وصدّق بما جاء به ، فلبثنا أحوالا مجرّمة ، وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا ، فأراد قومنا قتل نبيّنا ، واجتياح أصلنا ، وهمّوا بنا الهموم ، وفعلوا بنا الأفاعيل ، فمنعونا الميرة ، وأمسكوا عنّا العذب ، وأحلسونا الخوف ، وجعلوا علينا الأرصاد والعيون ، واضطرّونا إلى جبل وعر ، وأوقدوا لنا نار الحرب ، وكتبوا بينهم كتابا لا يواكلوننا ، ولا يشاربوننا ، ولا يناكحوننا ، ولا يبايعوننا ، ولا نأمن فيهم حتّى ندفع النّبيّ فيقتلوه ويمثّلوا به ، فلم نكن نأمن فيهم إلاّ من موسم إلى موسم ، فعزم الله لنا على منعه ، والذّبّ عن حوزته ، والرّمي من وراء حرمته ، والقيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف باللّيل والنّهار ، فمؤمننا يرجو بذلك الثّواب ، وكافرنا يحامي عن الأصل.

فأمّا من أسلم من قريش بعد ، فإنّهم ممّا نحن فيه أخلياء ، فمنهم حليف ممنوع ، أو ذو عشيرة تدافع عنه فلا يبغيه أحد بمثل ما بغانا به قومنا من التّلف ، فهم من القتل بمكان نجوة وأمن ، فكان ما شاء الله أن يكون.

ثمّ أمر الله رسوله بالهجرة ، وأذن له بعد ذلك في قتال المشركين ، فكان إذا احمرّ البأس ، ودعي للنّزال أقام أهل بيته فاستقدموا ، فوقى بهم أصحابه حرّ الأسنّة والسّيوف ، فقتل عبيدة يوم بدر ، وحمزة يوم احد ، وجعفر وزيد يوم مؤتة ، وأراد والله! من لو شئت ذكرت اسمه مثل الّذي أرادوا من الشّهادة مع النّبيّ غير مرّة إلاّ أنّ آجالهم عجّلت ، ومنيّته اخّرت ، والله مولى الإحسان إليهم ، والمنّان عليهم بما قد أسلفوا من الصّالحات ، فما سمعت بأحد ، ولا رأيت فيهم من هو أنصح لله في طاعة رسوله ، ولا أطوع لرسوله في طاعة ربّه ، ولا أصبر على اللأواء والضّرّاء وحين البأس ومواطن المكروه مع النّبيّ من هؤلاء النّفر الّذين سمّيت لك وفي المهاجرين خير كثير نعرفه جزاهم الله بأحسن أعمالهم.

وذكرت حسدي الخلفاء ، وإبطائي عنهم ، وبغيي عليهم ، فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون.

وأمّا الإبطاء عنهم ، والكراهة لأمرهم فلست أعتذر منه إلى النّاس ، لأنّ الله جلّ ذكره لمّا قبض نبيّه صلّى الله عليه وسلّم قالت قريش : منّا أمير ، وقالت الأنصار : منّا أمير ، فقالت قريش : منّا محمّد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ، فنحن أحقّ بالأمر ، فعرفت ذلك الأنصار فسلّمت لهم الولاية والسّلطان ، فإذا استحقّوها بمحمّد دون الأنصار ، فإنّ أولى النّاس بمحمّد أحقّ بها منهم ، وإلاّ فإنّ الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا.

فلا أدري أصحابي سلّموا من أن يكونوا حقّي أخذوا ، أو الأنصار ظلموا ، بل عرفت أنّ حقّي هو المأخوذ ، وقد تركته لهم ، تجاوز الله عنهم.

وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان ، وقطيعتي رحمه ، وتأليبي عليه ، فإنّ عثمان عمل ما بلغك ، فصنع النّاس ما قد رأيت ، وقد علمت لتعلم أنّي كنت في عزلة عنه ، إلاّ أن تتجنّى ، فتجنّ ما بدا لك. وأمّا ما ذكرت من أمر قتلة عثمان ، فإنّي نظرت في هذا الأمر ، وضربت أنفه وعينيه فلم أر دفعهم إليك ولا إلى غيرك.

ولعمري لئن لم تنزع عن غيّك وشقاقك لتعرفنّهم عن قليل يطلبونك ولا يكلّفونك أن تطلبهم في برّ ولا بحر ، ولا جبل ولا سهل.

وقد كان أبوك أتاني حين ولّى النّاس أبا بكر ، فقال : أنت أحقّ بعد محمّد بهذا الأمر وأنا زعيم لك بذلك على من خالف عليك ، ابسط يدك ابايعك. فلم أفعل.

وأنت تعلم أنّ أباك قد كان قال ذلك وأراده حتّى كنت أنا الّذي أبيت ، لقرب عهد النّاس بالكفر ، مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقّي منك ، فإن تعرف من حقّي ما كان يعرف أبوك ، تصب رشدك ، وإن لم تفعل فسيغني الله عنك ، والسّلام

الشنآن : البغض والكراهية.
شنفوا : أي تنكّروا وأبغضوا.
الربع : المنزل.
الاجتياح : الاستئصال.
العذب : الماء.
أحلسونا : ألزمونا.
الجبل الوعر : هو شعب أبي طالب ، وهو الذي سجن فيه النبيّ مع اسرته.
النجوة : المكان المرتفع.
حمر البأس : شدّة القتال.
هو عبيدة بن الحارث الهاشمي.
اللأواء : الشدّة.

جواب معاوية
من عبد الله معاوية بن أبي سفيان إلى عليّ بن أبي طالب.
أمّا بعد .. فإنّ الله تعالى جدّه اصطفى محمّدا عليه الصلاة والسلام لرسالته ، واختصّه بوحيه ، وتأدية شريعته ، فأنقذ به من العماية وهدى به من الغواية ، ثمّ قبضه إليه رشيدا حميدا ، قد بلغ الشرع ، ومحق الشرك ، وأخمد نار الإفك ، فأحسن الله جزاءه ، وضاعف عليه نعمه وآلاءه ، ثمّ إنّ الله سبحانه اختصّ محمّدا عليه الصلاة والسلام بأصحاب أيّدوه ونصروه ، وكانوا كما قال الله سبحانه لهم : ( أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ) فكان أفضلهم مرتبة ، وأعلاهم عند الله والمسلمين منزلة الخليفة الأوّل الذي جمع الكلمة ، ولمّ الدعوة ، وقاتل أهل الردّة ، ثمّ الخليفة الثاني الذي فتح الفتوح ، ومصر الأمصار ، ثمّ الخليفة الثالث المظلوم الذي نشر الملّة ، وطبق الآفاق بالكلمة الحنيفيّة.

فلمّا استوثق الإسلام وضرب بجرانه ، عدوت عليه ، فبغيت له الغوائل ، ونصبت له المكايد ، وضربت له بطن الأمر وظهره ، ودسست عليه ، وأغريت به ، وقعدت ، حيث استنصرك ، عن نصره ، وسألك أن تدركه قبل أن يمزق ، فما أدركته ، وما يوم المسلمين منك بواحد ، لقد حسدت أبا بكر والتويت عليه ، ورمت إفساد أمره ، وقعدت في بيتك ، واستغويت عصابة من الناس حتّى تأخّروا عن بيعته ، ثمّ كرهت خلافة عمر وحسدته ، واستطلت مدّته ، وسررت بقتله ، وأظهرت الشماتة بمصابه ، حتّى أنّك حاولت قتل ولده لأنّه قتل قاتل أبيه ، ثمّ لم تكن أشدّ منك حسدا لابن عمّك عثمان ، نشرت مقابحه ، وطويت محاسنه ، وطعنت في فقهه ، ثمّ في دينه ، ثمّ في سيرته ، ثمّ في عقله ، وأغريت به السفهاء من أصحابك وشيعتك ، حتّى قتلوه بمحضر منك ، لا تدفع عنه بلسان ولا يد ، وما من هؤلاء ـ يعني الخلفاء ـ إلاّ بغيت عليه ، وتلكّأت في بيعته حتى حملت إليه قهرا تساق بحزائم الاقتسار كما يساق الفحل المغشوش ، ثمّ نهضت الآن تطلب الخلافة وقتلة عثمان خلصاؤك ، وسجراؤك والمحدقون بك ، وتلك من أماني النفوس ، وضلالات الأهواء.

فدع اللجاج والعبث جانبا ، وادفع إلينا قتلة عثمان ، وأعد الأمر شورى بين المسلمين ، ليتّفقوا على من هو لله رضا ، فلا بيعة لك في أعناقنا ، ولا طاعة لك علينا ، ولا عتبى لك عندنا ، وليس لك ولأصحابك عندي إلاّ السيف.

والذي لا إله إلاّ هو! لأطلبن قتلة عثمان أينما كانوا وحيث كانوا حتى أقتلهم أو تلحق روحي بالله ، فأمّا ما تزال تمنّ به من سابقتك وجهادك فإنّى وجدت الله سبحانه يقول : ( يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) ولو نظرت في حال نفسك لوجدتها أشدّ الأنفس امتنانا على الله بعملها ، وإذا كان الامتنان على السائل يبطل أجر الصدقة ، فالامتنان على الله يبطل أجر الجهاد ، ويجعله كصفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين

العماية : الغواية والإفك
الآلاء : النعم.
جران البعير : مقدّم عنقه ، والمراد أنّ الإسلام استقام وتمّت له الامور.
أشار معاوية إلى عبيد الله بن عمر الذي قتل الهرمزان وابنته لأنّه من أصحاب أبي لؤلؤة الذي اغتال عمر ، وقد عفا عنه عثمان وأقطعه أرضا في الكوفة ، ورام الإمام أن يقتصّ منه فمنعه عثمان ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في البحوث السابقة.
الاقتسار : القهر
السجراء : الأصفياء والأخلاّء.

رد علي
أمّا بعد .. فقد أتاني كتابك تذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمّدا لدينه ، وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبّأ لنا الدّهر منك عجبا ، إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ، ونعمته علينا في نبيّنا ، فكنت في ذلك كناقل التّمر إلى هجر ، أو داعي مسدّده إلى النّضال.و زعمت أنّ أفضل النّاس في الإسلام فلان وفلان ، فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه ، وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ، والسّائس والمسوس ، وما للطّلقاء وأبناء الطّلقاء والتّمييز بين المهاجرين الأوّلين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم؟!

هيهات لقد حنّ قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها! ألا تربع أيّها الإنسان على ظلعك ، وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخّر حيث أخّرك القدر! فما عليك غلبة المغلوب ، ولا لك ظفر الظّافر ، وإنّك لذهّاب في التّيه ، روّاغ عن القصد ، ألا ترى ـ غير مخبر لك ، ولكن بنعمة الله احدّث ـ أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله تعالى من المهاجرين والأنصار ، ولكلّ فضل حتّى إذا استشهد شهيدنا قيل سيّد الشّهداء ، وخصّه رسول الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه !

أولا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل الله ولكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم ، قيل الطّيّار في الجنّة وذو الجناحين! ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه ، لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ، ولا تمجّها آذان السّامعين.

فدع عنك من مالت به الرّميّة ، فإنّا صنائع ربّنا ، والنّاس بعد صنائع لنا لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عاديّ طولنا على قومك أن اخلطناكم بأنفسنا ؛ فنكحنا وأنكحنا ، فعل الأكفاء ، ولستم هناك! وأنّى يكون ذلك كذلك ومنّا النّبيّ ومنكم المكذّب ؟

ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ؟

ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النّار ، ومنّا خير نساء العالمين ، ومنكم حمّالة الحطب ، في كثير ممّا لنا وعليكم! فإسلامنا قد سمع ، وجاهليّتكم لا تدفع ، وكتاب الله يجمع لنا ما شذّ عنّا ، وهو قوله سبحانه وتعالى :
( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) وقوله تعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ) ، فنحن مرّة أولى بالقرابة ، وتارة أولى بالطّاعة. ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السّقيفة برسول الله ـ ـ فلجوا عليهم ، فإن يكن الفلج به فالحقّ لنا دونكم ، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم.

وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت ، وعلى كلّهم بغيت ، فإن يكن ذلك كذلك فليست الجناية عليك ، فيكون العذر إليك.

وتلك شكاة ظاهر عنك عارها

وقلت : إنّي كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ؛ ولعمر الله! لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت! وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دينه ، ولا مرتابا بيقينه! وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها ، ولكنّي أطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها.

ثمّ ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان ، فلك أن تجاب عن هذه لرحمك منه ، فأيّنا كان أعدى له ، وأهدى إلى مقاتله! أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفّه ، أم من استنصره فتراخى عنه وبثّ المنون إليه ، حتّى أتى قدره عليه.

كلاّ والله ( قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ) .

وما كنت لأعتذر من أنّي كنت أنقم عليه أحداثا ؛ فإن كان الذّنب إليه إرشادي وهدايتي له ؛ فربّ ملوم لا ذنب له.

وقد يستفيد الظّنّة المتنصّح

وما أردت إلاّ الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلاّ بالله عليه توكّلت وإليه أنيب.

وذكرت أنّه ليس لي ولأصحابي عندك إلاّ السّيف ، فلقد أضحكت بعد استعبار! متى ألفيت بني عبد المطّلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسّيف مخوّفين؟!

«لبّث قليلا يلحق الهيجا حمل »

فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد ، وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار ، والتّابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم ، متسربلين سرابيل الموت ؛ أحبّ اللّقاء إليهم لقاء ربّهم ، وقد صحبتهم ذرّيّة بدريّة ، وسيوف هاشميّة ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدّك وأهلك وما هي من الظّالمين ببعيد

البلاء : النعمة.
يعني بفلان وفلان أبا بكر وعمر
حنّ : هو الصوت. القدح : أحد أقداح الميسر ، فإذا كان من غير جنسها ثمّ أجاله المفيض
التيه : الضلال والكبر.
عادي طولنا : أي قديم فضلنا.
الغضاضة : النقص.
المعوقون : هم الذين لم ينصروه.
مرقل : أي مسرع.
القتام : الغبار.



#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)       Abdul_Hussein_Salman_Ati#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأول
- مذبحة بني قريظة...الجزء الأخير
- سلسة الشتائم بين الصحابة في الأسلام ...1
- مذبحة بني قريضة ...3
- الأعراب بين القران و عمر بن الخطاب
- مذبحة بني قريظة ....2
- مذبحة بني قريظة ..1
- سورة التوبة , الآية 29 : محاولة تفسير
- الغزو العربي لبلاد فارس
- الزيادة و النقصان في القران...الجزء الثالث
- الزيادة و النقصان في القران...الجزء الثاني
- الزيادة و النقصان في القران...الجزء الأول
- حكايات اسلاموية ...الجزء الرابع
- حكايات اسلاموية ...الجزء الثالث
- حكايات اسلاموية ...الجزء الثاني
- عقيل بن ابي طالب البراغماتي
- حكايات اسلاموية ...الجزء الأول
- أصل الدروز
- سورة العنكبوت...الآية 29
- المسيحيون في القرآن


المزيد.....




- عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع) ...
- خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم ...
- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال ...
- الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
- دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي
- مصر ضمن الـ10 الكبار اقتصاديا: رؤية إسلامية لنهضة اقتصادية ش ...
- الهباش يدين اقتحام رئيس مجلس النواب الأميركي المسجد الإبراهي ...
- إسرائيل تبعد مفتي القدس والديار الفلسطينية عن المسجد الأقصى ...
- الاحتلال يصدر قرارا بإبعاد مفتي القدس 6 أشهر عن المسجد الأقص ...
- سلطات الاحتلال تبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى 6 أشهر


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الحسين سلمان عاتي - الرسائل المتبادلة بين علي و معاوية ....الجزء الأخير