أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (رُهابُ الزَّهرةِ: تَراسيمُ الكادابول)














المزيد.....

(رُهابُ الزَّهرةِ: تَراسيمُ الكادابول)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


تمهيد
النص وظف مفهوم "الفوبيا" لا بوصفه اضطرابًا نفسيًّا، بل باعتباره علامة شعرية / ثقافية تكشف عن قلق الوجود. تتحوّل الرهابات إلى تَراسيم، أي خرائط دلالية كثيفة، تعيد تشكيل العلاقة بين الجسد والروح، بين الذات وظلّها، بين الحاضر وطبقات الأسطورة.

في النّص تتقاطع الميثولوجيا الرافدينية (باب إيل، نمرود، أوروك)1، مع التجربة الوجودية (دازاين عند هايدغر)2، وتتشابك الإشارات الصوفية (الغيث، النافلة، الطواسين)11 مع رموز فلسفية /ثقافية عابرة للتخصصات. بهذا الانفتاح، يغدو النص ميتافيزيقا للرهاب، لا تعرض الخوف في صورته السريرية، بل تحوِّله إلى استعارة كونية تكشف القلق وتحوّله إلى أفق شعري.

إن "زهرة الكادابول" ليست مجرد زهرة أسطورية نادرة، بل هي علامة مركزية تُمثّل التوتر بين الموت والحياة، بين الخراب والرغبة في الخلق. ومن ثم، يمكن النظر إلى النص بوصفه مشروعًا سيميائيًا – تأويليًا، حيث تتراكب العلامات النفسية مع الرموز الحضارية في شبكة دلالية مفتوحة على تعددية القراءات.

(النص)


غَرِقَ القاربُ، فما نفعَ المجاذيفِ؟

كْلُوستروفوبيا*١،
اِحْمَرَّتْ عَيْني، والعَوْسجُ قريبٌ وأنا في فَالِقِ بابِ إيل1،
خانِقُ أَرْخَبيلِ حُبٍّ وتاريخٍ،
النَّفْسُ حانوتُ يَنابيعَ مارقةٍ،
والقَلْبُ صندوقُ فيروزٍ ماجِن.

أَكْلوفوبيا*٢،
صُودِرتِ الرؤيةُ وتَصَدَّعَتْ غَفوةُ نَمْرود1،
وعَضَّ اليباسُ مَفارِقَ النبضِ وفَخِذَ الرَّعشةِ،
فَتَفَتَّتْ صَفصافةُ المكانِ،
وتَحَلَّلَ صِلصالُ الماهيةِ،
وتَسامى عودُ الزمانِ.

أوتوماتونوفوبيا*٣،
اِخْتَصَرَ جسدي جَوهرَ سافاستيكا3بغُصَّةٍ، وبنَفْحةِ الدَّبورِ رَسَمَ الهويةَ شغفًا،
وأنا ألبسُ فِضَّةَ الصبحِ لَبِسَني أُرْجُوانُ الغروبِ،
دَرَجْتُ في السَّرابِ أَمْخَرُ سِرْبَ هاروت4المخبوءِ في سَفْطِ الوجودِ،
… فَاِنْتَعَلْتُ ظِلِّي حتّى غَرِقْتُ في دازاين2.

أتي فوبيا*٤،
اُشْرُدْ إلى مضاربِ المانوليا6 الباخوسيِّ الأخيرِ،
وكما عَجَنَ عَفَنُ السُّباتِ عُتْمَةَ أَرْزِ صَوْمعتِكَ،
سَتَتَخَمَّرُ حتّى تَتَأقْرَصَ، ولَتَخْبِزَنَّ في الحَيْرةِ،
… يُوَشِّحُكَ زَعْفَرانُ الشَّفَقِ ونُعاسُ الغُباشِ.

فيلوفوبيا*٥،
اِنْتَظَرْتُكِ الغَسَقَ في أوروك1 عند نافذةِ البحرِ الغامقِ،
… وَوَجَعي صارَ شِتاءً قُطْبيًا للتاريخِ الراسِبِ في أحشائي.
… تُرى هل تُنْقِذُ الفأْسُ السِّنْدانةَ8؟
هَمَدَتْ عُروقُ المَرْلينة9؟
اِنْتَصَرَ سانتياغو10؟

أَنْثْروفوبيا*٦،
… تُرى، هل تُنْقِذُ الفأْسُ السِّنْدانةَ؟
… تَذَكَّرتُ الصِّبا واشْتَقْتُ.
فأيا السُّمّار، قُولوا للسَّامرةِ:
أَلا هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاَصْبِحيهِ،
وقِفي قَبْلَ التَّفرُّقِ،
يُخْبِرْكِ وتُخْبِريه.

خاتمة
يتبدّى النص كمرآة لقلق الوجود وحيرة الروح أمام فراغ المعنى، حيث تتحول الفوبيا إلى استعارات كبرى، وتغدو "زهرة الكادابول" صورةً للكينونة وهي تُزهر وسط العدم. إنه نص يقدّم الخوف لا كهشاشة، بل كطاقة خلاقة تسعى إلى كتابة المعنى في مواجهة العدم.

ويمكن القول إن النص يقدّم نموذجًا فريدًا لتحويل الرهاب من مفهوم نفسي محدود إلى علامة ثقافية شاملة. فهو يُفكك الثنائيات (الخوف/الأمان، الغياب/الحضور، الرغبة/المنع)، ويعيد تركيبها في بنية شعرية - فلسفية متداخلة، قائمة على التداخل النصي والانفتاح التأويلي. وبهذا يصبح النص مشروعًا جماليًا - أنطولوجيًا، يبرهن أن الشعر قادر على تحويل القلق إلى أثر فني يظل حيًا وقابلاً للتأويل المستمر.

هوامش
1. باب إيل / أوروك / نمرود: رموز أسطورية ورافدينية : باب إيل (إله سومري)، أوروك (مدينة سومرية كبرى)، نمرود (ملك مذكور في الأساطير والكتب المقدسة).
2. دازاين: مصطلح فلسفي وجودي عند هايدغر، يعني "الكينونة هناك".
3. سافاستيكا: الرمز القديم (الصليب المعقوف) قبل دلالته النازية، يُستحضر رمزًا للالتباس الهوياتي.
4. هاروت: اسم أسطوري/قرآني يرمز إلى السقوط والمعرفة المحرمة.
5. أكشوبيا الذهبية: رمز تبتي يرتبط بالتحولات الروحية.
6. المانوليا: زهرة/شجرة تحمل دلالة رمزية على العناد والبقاء وسط العواصف.
7. الخرتيت: رمز سريالي/ عبثي للغربة والعبث، استُخدم في الأدب والفن الحديث.
نشير لرواية الخرتيت" للكاتب أوجين يونسكو، وهي عمل مسرحي يرمز إلى استشراء الأيديولوجية الشاملة والتحول الجماعي إلى اللاإنسانية.
8. السنديانة: شجرة متجذّرة ترمز إلى القوة والصمود.
9. المَرْلينة: نبات بحري يُستحضر رمزيًا للدلالة على الهشاشة.
10. سانتياغو: بطل همنغواي في رواية "الشيخ والبحر" ، رمز الكفاح ضد المصير.
11. الطواسين: كتاب الحلاج، يرمز إلى التجربة الروحية/ الصوفية القصوى.

١*كلوستروفوبيا،رهاب الأماكن المغلقة والاحتجاز.
٢*أكلوفوبيا،رهاب الظلمة.
٣*اوتوماتونوفوبيا ،الخوف من الصور والتمثيل التي تشبه البشر.
٤*أتي فوبيا الخوف من الأماكن الأثرية والبنايات القديمة.
٥*فيلوفوبيا، رهاب الحب.
٦*أنثروفوبيا، رهاب البشر.



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (بَناتُ الأَفْكارِ – رَقيم)
- (شِباكٌ في العَتْمَة:الشَّيْخُ وَالبَحْرُ)
- (تاجُ بَلقيسَ وَفَسْقيَّةُ المَرْجان)
- (على تخوم الشَّمال ومَراتِع الخُزامى:نَزْوة)
- (مَرْثِيةُ آيْلان – كُورانُ الرَّمادِ)
- الأنوثة المبدعة بين الزمن والرمز: قراءة سيميائية في قصيدتي - ...
- (قِيَام نَوافِل) (تَهَيُّؤات)
- ( فقط اِبْتَعدِي ...!)
- (وَجهٌ يَنحَني عَلى غَيمٍ يَشربُ الضَّوء:رَصيفُ رَحيقِ شَفتي ...
- (ظلالُ الطوفان: رِهانٌ)
- (حين يُفتي القاضي مرتين: زوال الحياد القضائي ومخالفة النظام ...
- (على قِمَّةِ العُزلة: رَواتِبُ صَلاةِ اعتِكاف)
- (غَرِيقُ الهَوَى)
- (حين يُجرَح القانون: كيف تُستخدم -الشكليات- لتمرير الظلم في ...
- (حين يُجتهد في مورد النص: أزمة القضاء العراقي بين غياب المسا ...
- (بِرَوْثِ المَعْجَمِ أَرْهَصُ) (هَذَيانُ عِشْقٍ يَقْتاتُ مِن ...
- ( الشَّاعِرُ: صَيْرُورةُ فَرَاشةِ كَاليمَا)
- (إضاءة نقدية على قصيدة -انتظار- للشاعر شلال عنوز)
- (أطيافُ الخراب في مرآةِ الكابوس:شَفَقٌ أَخْضَرُ)
- (الأنوثة المبدعة بين الزمن والرمز: قراءة سيميائية في قصيدتي ...


المزيد.....




- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- -فوات الأوان- لمحمد أبو زيد: في مواجهة الوقت الذي أفلت
- صوت هند رجب: فيلم عن غزة يفوز بالأسد الفضي لمهرجان البندقية ...
- فيلم -هند رجب- يفوز بالأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائ ...
- جائزة الأسد الفضي لـ -صوت هند رجب- في مهرجان البندقية السينم ...
- -صوت هند رجب-... أبرز الأفلام المرشحة لنيل -الأسد الذهبي- بم ...
- أبكى الجمهور... فيلم التونسية كوثر بن هنية حول غزة مرشح لنيل ...
- فيلم -هجرة- للسعودية شهد أمين يفوز بجائزة -NETPAC- في مهرجان ...
- مهرجان البندقية السينمائي: اختتام دورة تميزت بحضور قوي للسيا ...
- -التربية-: إعادة جلسة امتحان اللغة العربية لطلبة قطاع غزة في ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (رُهابُ الزَّهرةِ: تَراسيمُ الكادابول)