أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكاني














المزيد.....

تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكاني


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 21:53
المحور: حقوق الانسان
    


قضية عادلة تحتاج إلى عقل بارد وصوت جريء
في قلب ضاحية دمشق، بين المزة والمعضمية، تتفجّر قضية السومرية كجرح مفتوح في ملف الملكيات العقارية السورية. الأهالي الأصليون يتمسّكون بسندات ملكية (طابو) تثبت أحقيتهم بأراضيهم التي استُملكت منذ عقود تحت ذرائع فضفاضة مثل "النفع العام"، بينما يعيش اليوم فوق هذه الأراضي آلاف السكان - وبعضهم الآخر من المدنيين اشتروا منازلهم بعقود نظامية ومسجلة رسميًا، دون اطلاع مسبق على الخلفية القانونية أو النزاع القائم حول ملكية الأرض.
هذه القضية ليست نزاعًا عقاريًا بسيطًا؛ إنها صراع بين الحق التاريخي والحق الإنساني بالحياة. فإعادة الأرض إلى أصحابها أمر لا جدال فيه من حيث المبدأ والعدالة، لكن تهديد السكان الحاليين بالإخلاء الفوري سيحوّل المظلمة القديمة إلى مأساة جديدة ويضع مؤسسات الدولة أمام إدانة محلية ودولية.

أولًا: مفهوم "النفع العام" وسياقه التاريخي

منذ السبعينيات، استخدمت السلطات السورية ذرائع "النفع العام" أو "الخدمة العسكرية" لاستملاء الأراضي الزراعية والعقارية. يفترض القانون أن النفع العام يعني إنشاء مرافق تخدم المجتمع ككل (طرق، مدارس، مستشفيات)، لكن في كثير من الحالات جرى استخدام هذا المفهوم بشكل فضفاض لتبرير استيلاء الدولة على الأراضي دون تقديم تعويض عادل أو بدائل سكنية لأصحابها.
في حالة السومرية، صدرت قرارات استملاك ومحاكمات غامضة لا يعرف الأهالي تفاصيلها، بينما بقيت سندات الملكية الأصلية بحوزة الملاك. هذه الأراضي وُزعت أو بِيعت لاحقًا كمساكن لعائلات الجيش والأمن، ما أضاف بعدًا سياسيًا وطائفيًا إلى النزاع العقاري.

ثانيًا: كيف بدأت المشكلة؟

منذ عقود، شُيّدت أبنية سكنية في منطقة السومرية، بعضها مُنح رسميًا لعائلات ضباط في الجيش والأجهزة الأمنية، والبعض الآخر بيع لاحقًا لمواطنين مدنيين خارج المنظومة السلطوية، بعقود نظامية ومسجلة. ومع تغير المشهد السياسي في البلاد بعد سقوط النظام الأسدي وتولي قيادة جديدة، بدأت المطالبات بالحقوق العقارية تظهر إلى السطح، وبرزت دعوات من الملاك الأصليين لاستعادة أراضيهم المستملكة.
في الأيام الأخيرة، أبلغت السلطات السكان بضرورة إخلاء منازلهم خلال مهلة لا تتجاوز ثلاثة أيام، ما أثار موجة من الاعتراضات والاحتجاجات. وشهدت المنطقة توترات أمنية متصاعدة شملت إخطارات بالإخلاء الفوري، مداهمات، واعتقالات، الأمر الذي دفع كثيرين إلى اعتبار ما يجري محاولة تهجير قسري مغلّفة بغطاء قانوني.
تدخّل رسمي من مستويات عليا أوقف موجة الإخلاء مؤقتًا وفتح باب المفاوضات خلف الكواليس، لكن القضية بقيت معلّقة بين ملفات القضاء ومكاتب الأمن، دون حل جذري يضمن الحقوق ويمنع التصعيد.

ثالثًا: العقدة القانونية والإنسانية

قانونيًا: معظم الاستملاكات حصلت بقرارات يصعب الطعن فيها بسبب الغموض أو ضياع الوثائق الرسمية، رغم أنّ الطابو الفردي ما زال بيد بعض المالكين.
إنسانيًا: ليس كل المقيمين حاليًا منتفعين من النظام، وهناك من اشترى منزله بعقد بيع عادي ودفع مدخرات حياته.
سياسيًا: استمرار التهديدات دون حل واضح يضع الحكومة أمام اتهامات بانتهاك الملكية الخاصة والتغيير الديموغرافي القسري.

رابعًا: ما هو الحل العادل؟

1- رد الحقوق لأصحابها الشرعيين: أي مالك يحمل سند ملكية يجب أن تُرد له أرضه أو يُعوّض عنها تعويضًا كاملاً.
2- توفير بدائل سكنية للمقيمين الحاليين: قبل أي إخلاء، يجب أن تُعرض مساكن بديلة أو تعويضات عادلة حتى لا تُرمى العائلات في الشارع.
3- تشكيل لجنة قضائية مستقلة: تضم خبراء عقاريين، قضاة مستقلين، وممثلين عن السكان الأصليين والحاليين، لضبط الملفات بعيدًا عن نفوذ الأمن والوساطات.
4- وقف أي تهديد أو استخدام للعنف: الحل بالقانون والمؤسسات، لا بالقوة. أي مداهمة أو هجوم سيحوّل القضية إلى فضيحة علنية.
5- تعويض مزدوج عند اللزوم: في حال تعارضت ملكية المالك الأصلي مع إقامة أسر بريئة، يجب تعويض الطرفين عبر صندوق حكومي خاص.

خامسًا: لماذا يجب أن تتدخل الدولة بمسؤولية؟

إذا تُركت القضية بيد الأجهزة الأمنية أو الوسطاء النافذين، فستتكرّر دورة الظلم:

* أصحاب الأرض لن ينالوا حقهم.
*السكان الحاليون سيتعرضون للتهجير القسري.
* ستنهار الثقة بالمؤسسات وتظهر صورة الدولة كسلطة تُعاقب المدنيين بدل أن تحل مشكلاتهم.

أما إذا عالجت الدولة القضية عبر المؤسسات القضائية والبلدية الشفافة، فإنها ستثبت أن القانون فوق الجميع، وستغلق باب النزاعات الطائفية أو الأمنية التي قد تتفجر في أي لحظة.

خاتمة: صوت العدالة والكرامة

قضية السومرية اختبار جديد لعدالة الدولة في سوريا. على الحكومة أن تُثبت أن حق المواطن بالأرض والسكن مصون. على الأهالي أن يتمسّكوا بسنداتهم ووثائقهم وأن يطالبوا بحقوقهم علنًا. على الرأي العام أن يقف ضد أي حل يقوم على العنف أو التهديد.
العدالة لا تعني طرد عائلة من بيتها بالقوة، ولا تعني أيضًا ترك أصحاب الطابو يصرخون بلا مجيب. العدالة تعني: رد الحقوق، حماية الكرامة، وإيجاد حل شفاف يحترم الجميع.

* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العدالة العمياء: كان يجب أن يترافق تعليق قيصر مع مذكرة اعتقا ...
- اعتقال الرئيس الافتراضي لسوريا /صابر شرتح
- وصل إلى السلطة بفضل الثورة… فهل يُبرّر الإنكار؟
- بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جد ...
- سوريا بين توازن النفوذ وتعثر السيادة: إدارة أزمة أم غياب حل؟
- بصدد تعريف اللامركزية الإدارية: مؤسسات محلية تحت إشراف الدول ...
- سوريا : ضرورة إبرام -اتفاقية أخلاقية- في فضاء النشر المفتوح ...
- الانفصال لا يُقرّره فرد أو تكتل، بل يُحسم بالدستور الوطني - ...
- من يحاكم القتلة؟… خطر ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في ذاكرة ...
- الإعلان الدستوري: بين ضرورته السياسية وتهديده لمدنية الدولة
- مشيخة رقابة الدولة - ظاهرة خفية خلف إدارة الدولة السورية
- العدالة الثالثة ومخاطر الاحتراب في المشهد الانتقالي السوري
- أحداث الساحل – قراءة في نتائج لجنة تقصي الحقائق وتوصيات لضما ...
- سردية المظلومية بين الابتزاز والواقع
- سوريا بين وحدة الدولة وتعدد الرؤى: لا وطن يُبنى على السلاح و ...
- واشنطن وسوريا: انفتاح مشروط وحذر استراتيجي
- في أول رد فعل حقوقي : أحمد سليمان يقترح جمال قارصلي لرئاسة ا ...
- تابعية الدين والطائفة
- دراسة في ” أرواح هائمة ” للكاتب التونسي كمال العيادي
- سوريا : جوازات سفر مُغَمّسة بالدم ، في خطوة من اجل انتخاب رئ ...


المزيد.....




- حماس: ننتظر الموافقة على أسماء الأسرى الذين سيفرج عنهم
- الأمم المتحدة: أكثر من 54 ألف طفل في غزة يعانون من سوء تغذية ...
- الأمم المتحدة تستعد لخفض قوات حفظ السلام بنسبة 25 بالمئة بسب ...
- -حماس-: ننتظر الموافقة على أسماء الأسرى الذين سيفرج عنهم
- قطر: اتفاق غزة يؤدي لوقف الحرب والإفراج عن المحتجزين والأسرى ...
- الأمم المتحدة ترحب باتفاق غزة وتدعو لاستغلاله في مسار سياسي ...
- عُمان تطلق مبادرة دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي أخلاقيًا وفق ...
- أمريكا: اعتقال محتجين مؤيدين للفلسطينيين في بوسطن بعد اشتباك ...
- حماس تعلن التوصل إلى اتفاق لإنهاء حرب غزة وانسحاب إسرائيل ود ...
- حماس اتصلت بخلايا الأسرى.. ووعدت: سيتم إعادتهم خلال 72 ساعة ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكاني