أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - اعادة تعريف الدور الكردي في سوريا ما بعد الاسد














المزيد.....

اعادة تعريف الدور الكردي في سوريا ما بعد الاسد


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 05:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يشكّل الوضع الكردي في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد لحظة تاريخية فارقة تضع هذا المكون أمام أسئلة معقدة تتجاوز حدود الاندماج الشكلي في الدولة الجديدة لتطرح بدقة مسألة الانتقال من موقع المظلومية التاريخية إلى موقع الشراكة الفاعلة في صياغة النظام السياسي والاجتماعي المقبل. هذه التحولات لا يمكن فهمها دون العودة إلى الجذور العميقة للمسألة الكردية في سوريا، حيث مثّلت عقود الحكم البعثي، ولا سيما في عهد حافظ الأسد، مرحلة تكريس ممنهج لسياسات التهميش والإقصاء القومي. فقد اعتمدت السلطة سلسلة من الإجراءات التي هدفت إلى إضعاف الهوية الكردية وتذويبها، بدءاً من إحصاء عام 1962 الذي جُرّد بموجبه أكثر من مئة وعشرين ألف كردي من الجنسية السورية، مروراً بمشروع الحزام العربي الذي أحدث تغييراً ديموغرافياً قسرياً في الشمال الشرقي للبلاد عبر توطين عشائر عربية في القرى الكردية ومصادرة الأراضي، وصولاً إلى منع اللغة الكردية وتجريم ممارستها الثقافية وتعريض الأجيال لسياسة تجهيل ممنهجة. هذه السياسات لم تتغير بانتقال السلطة إلى بشار الأسد عام 2000، بل استمرت بأشكال جديدة في ظل غياب أي اعتراف سياسي أو قانوني بالكرد كمكوّن وطني. من هنا تبلورت المظلومية الكردية ليس فقط في حرمان جماعي من الحقوق الأساسية وإنما في إحساس عميق بالإنكار الوجودي.
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 دخل الكرد منعطفاً حاسماً، إذ انسحب النظام تدريجياً من مناطق واسعة ذات غالبية كردية لينشغل بقمع الانتفاضة في المدن الأخرى، الأمر الذي فتح المجال أمام صعود تنظيمات متطرفة كجبهة النصرة وداعش التي شكّلت تهديداً وجودياً مباشراً للكرد. هذا الواقع الاستثنائي دفع البعض منهم إلى الاعتماد على النفس ، وتشكيل هياكل إدارية وعسكرية محلية، تمثلت في البداية بوحدات حماية الشعب التي تطورت لاحقاً إلى قوات سوريا الديمقراطية ، وقد برزت هذه القوات كفاعل رئيسي في الحرب ضد الإرهاب، ونجحت في السيطرة على نحو ثلث مساحة البلاد، ما أكسبها اعترافاً دولياً، وخصوصاً من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. غير أن هذا التحول من جماعة مهمشة إلى قوة فاعلة لم ينهِ التحديات، بل فتح الباب أمام إشكاليات جديدة تتعلق بالانتقال من موقع صاحب القضية الخاصة إلى موقع الشريك الوطني في الحل.
في هذا السياق تبرز جملة من المهام الملحة أمام الكرد السوريين. أولها إعادة تعريف الهوية السياسية والاجتماعية بعيداً عن الاقتصار على سردية المظلومية. إذ بات من الضروري تقديم تصور ديناميكي للهوية الكردية في إطار وطني جامع، بحيث تُدمج الخصوصية الثقافية ضمن النسيج السوري العام بدلاً من عزلها ، وهذا يقتضي صياغة رؤية واضحة لشكل الحكم المحلي وعلاقة المركز بالإدارات، وضمان تمثيل سياسي عادل في مؤسسات الدولة المقبلة. ثانيها ضرورة بناء الثقة مع الأطراف السورية الأخرى، إذ إن عقود التهميش والفساد التي راكمها النظام السابق أنتجت فجوة ثقة عميقة لا تخص الكرد وحدهم، وإنما تشمل معظم المكونات السورية التي تعرضت للقمع والإقصاء ، ومن هنا فإن أي عملية سياسية انتقالية تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يقوم على مبادئ المواطنة المتساوية وآليات المحاسبة والاعتراف بحقوق المكونات وخاصة الكرد ، لمنع تكرار ممارسات الماضي ، ويتطلب هذا الأمر انفتاحاً كردياً على مختلف القوى السياسية والمدنية السورية، بما يطمئن الجميع أن القضية الكردية ليست مشروعاً معزولاً بل جزءاً عضوياً من معركة السوريين جميعاً لبناء دولة ديمقراطية. ثالثها مسألة الدستور الجديد، إذ إن أي ضمانات سياسية أو ثقافية تظل بلا قيمة إذا لم تتجسد في نصوص دستورية صريحة وواضحة . لذلك فإن الاعتراف بالهوية الكردية وحقوقها في الدستور يشكّل الركيزة الأساسية لبناء الثقة والانخراط في الدولة الجديدة. ويعني ذلك من الناحية الثقافية الاعتراف باللغة الكردية كلغة وطنية وحق التعليم بها وإحياء التراث الثقافي، ومن الناحية السياسية إقرار نظام حكم لامركزي يمنح الإدارات المحلية سلطات واسعة في إدارة شؤونها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويضمن مشاركة الكرد في عملية اتخاذ القرار على المستوى الوطني.
إلى جانب هذه الاستحقاقات الداخلية يواجه الكرد تحدياً إقليمياً بالغ الأهمية يتعلق بموقف تركيا، التي تنظر بقلق بالغ إلى أي صيغة حكم ذاتي كردي في سوريا خشية أن يشكل سابقة تلهم أكرادها. هذا الواقع يفرض على القيادات الكردية السورية قدراً عالياً من الحكمة السياسية والمرونة الدبلوماسية لتوضيح أن مشروعهم لا يهدف إلى الانفصال وإنما يسعى إلى تثبيت شكل من أشكال الحكم الذاتي ضمن حدود سوريا الموحدة. فطمأنة تركيا والجوار الإقليمي من جهة، والمكونات العربية السورية من جهة أخرى، شرط أساسي لحماية أي مكسب سياسي تحقق خلال السنوات الماضية.
انطلاقاً من ذلك يمكن القول إن الكرد السوريين يقفون اليوم أمام فرصة تاريخية غير مسبوقة للمشاركة في إعادة تأسيس الدولة السورية على أسس جديدة. إلا أن هذه الفرصة ليست مفتوحة إلى ما لا نهاية، بل تعتمد على مدى استعدادهم لتجاوز أسر المظلومية والانخراط في مشروع وطني جامع، وعلى مدى استعداد الأطراف السورية الأخرى للاعتراف بحقوقهم وإدماجهم في العقد الاجتماعي المقبل. فإذا نجحت العملية الانتقالية في إنتاج نظام سياسي قائم على المواطنة المتساوية والاعتراف بالتعددية الثقافية والسياسية، فإن الكرد سيغدون شركاء حقيقيين في إعادة البناء. أما إذا أعيد إنتاج الدولة المركزية الإقصائية فإن خطر العودة إلى التهميش سيظل قائماً، بما يحمله من احتمالات الانفجار والصراع.
بناءً على ما سبق يمكن تحديد جوهر التحدي الراهن بأنه يتمثل في الانتقال من خطاب الضحية إلى خطاب الشريك، ومن أسر الماضي إلى المشاركة في صياغة المستقبل ، وهي لحظة مفصلية في التاريخ السوري تتطلب وعياً عميقاً من الكرد ومن باقي المكونات بأن بناء سوريا الجديدة لن يتم إلا عبر شراكة متوازنة تضمن حقوق الجميع، وأن أي محاولة لإقصاء طرف سيعيد إنتاج دوامة الاستبداد والصراع.؟



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هندسة التموضع الكردي في سوريا الجديدة
- المقامة الكردية -في عبودية القطيع ..!
- الكرد ما بعد الأسد :من التهميش الى الشراكة في صناعة المستقبل
- ورقة سياسية : من أجل إحداث تغيير بنيوي في منهجية العمل السيا ...
- الكرد في سوريا :بين الولاء الوطني والانتماء القومي؟
- الأزمة الكردية في سوريا: بين التعقيدات البنيوية ، والحلول ال ...
- سوريا: خارطة عبور نحو الاستقرار والدولة .
- في اعادة التفكير بالدولة السورية ؟
- عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان ...
- عن هشاشة القوى الوطنية السورية ..؟
- من -صاحب البيت والضيوف- إلى دولة المواطنة:والمشاركة تأملات ف ...
- سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري
- 14حزيران :حين يتحول التاريخ إلى مرآة للذات الحزبية ؟
- - الفكر- الكردي السوري وسوسيولوجيا -الفشل- ...!
- الكرد في سوريا :من خطاب المظلومية الى الشراكة الوطنية
- عن نهاية الأحزاب الكلاسيكية في سوريا ؟
- عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟
- ليست اكاذيب بل حقوق...!
- تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد . ...
- المجلس الوطني الكردي في قلب الرؤية الكردية المشتركة ...!


المزيد.....




- ابنة كيم تشعل تكهنات بأول رحلة علنية لها خارج كوريا الشمالية ...
- بوتين وكيم في الصين: بكين تكشف عن أسلحة جديدة في عرض عسكري ض ...
- أفغانستان: الاستعانة بقوات كوماندوز في البحث عن ناجين من الز ...
- -شمال بلا حماية-.. تقرير يكشف إهمال الحكومة الإسرائيلية لسكا ...
- -الموساد كان هناك-.. خفايا جديدة عن عملية اغتيال نصرالله في ...
- اليونيفيل تندد بهجوم إسرائيلي -خطير- على جنودها جنوبي لبنان ...
- -فوضى- باير ليفركوزن -تفاجئ- نجم بايرن ميونيخ!
- هزة أرضية جديدة تضرب أفغانستان وارتفاع حصيلة ضحايا الزلزال إ ...
- مصر: معلمة توزع -دولارات- على طلابها.. ما القصة؟
- بايرو يواصل مشاوراته مع زعماء الأحزاب السياسية الفرنسية في م ...


المزيد.....

- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - اعادة تعريف الدور الكردي في سوريا ما بعد الاسد