أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟














المزيد.....

عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 13:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تكن المواطنة ، في سوريا ، يوماً معطىً مكفولاً ، بقدر ما كانت امتيازاً ممنوحاً وفق معايير الولاء لا الاستحقاق. طوال نصف قرن من حكم الأسدين، جرى تقويض فكرة المواطنة المتساوية لصالح نظام يقوم على التمييز السياسي والطائفي والمناطقي، حيث تحوّلت الدولة إلى أداة لضبط المجتمع لا خدمته، وتماهت السلطة مع الوطن حتى صار الاعتراض خيانة، والانتماء المختلف شبهة ، ومع انهيار المعادلة السلطوية التي استندت طويلاً إلى الخوف والعنف، بات من الضروري مساءلة المفهوم المهمل: هل يمكن أن تكون المواطنة المتساوية اليوم مدخلاً حقيقياً للمصالحة والتوافق، لا مجرد شعار يُستهلك في النصوص الدستورية؟
واقع المواطنة في سوريا لا يحتاج إلى كثير من التحليل لإثبات هشاشته. فمنذ انقلاب 1970، أُعيد تشكيل الدولة لتخدم أمن النظام لا أمن المجتمع، وتم تكريس التراتبية بين المواطنين، عبر التفضيل الوظيفي والأمني لأبناء الطائفة أو الجهة أو الحزب، وتهميش القوميات غير العربية، وفي مقدمتها الكرد، الذين حرموا حتى من حق الاعتراف بهويتهم. أما في عهد بشار الأسد، فقد تضاعفت مظاهر التمييز، وارتبطت الحقوق بالخوف أو بالواسطة، في وقت تفاقم فيه الفساد، وانعدمت العدالة، وتفكّك الشعور الوطني أمام تَرسّخ الهويات الفرعية كملاذ أو رد فعل على تهميش مُمَنهج.
اليوم، وبعد أكثر من عقد على الانفجار السوري الكبير، تبدو الحاجة إلى إعادة بناء العقد الاجتماعي على أسس جديدة أكثر من ملحّة. فالمجتمع السوري يعيش تفككاً غير مسبوق، وسلطات الأمر الواقع تقاسمت الجغرافيا، والخطاب الطائفي ترسّخ في اللاوعي الجمعي، والدولة، حتى بحدّها الأدنى، لم تعد موجودة في معظم المناطق. وفي ظل اقتصاد منهار، وبنية تحتية مدمرة، وطبقة حاكمة مترهّلة، يصبح سؤال المواطنة المتساوية جوهرياً لا تجميلياً: هل يستطيع النظام، أو أي سلطة مستقبلية، تبني هذا المبدأ كخيار إنقاذي حقيقي؟
الجواب ليس في النصوص. فتضمين المواطنة في أي إعلان دستوري أو دستور دائم، من دون إرادة سياسية فعلية، لن يبدّل من الواقع شيئاً. بل الأسوأ أن تُستخدم المصطلحات الكبرى لتغطية استمرار البنية نفسها التي صنعت المأساة. فالمواطنة لا تُعلن، بل تُمارَس؛ ولا تُنتزع من الكتب، بل تُؤسس في سلوك الدولة ومؤسساتها وإدارتها وعدالتها، وفي قدرتها على التعامل مع مواطنيها بوصفهم متساوين في الكرامة والحماية والفرص، لا رعايا تُقاس حقوقهم بمدى ولائهم.
لكن المواطنة لا تُبنى على ركام الصراع من دون عدالة انتقالية ومصالحة وطنية. ولا معنى للحديث عن مساواة بين الضحية والجلاد، ما لم تُعالج الجرائم الكبرى بكشف الحقيقة، وضمان المحاسبة، وتعويض المتضررين، وتفكيك أدوات القمع، وتحرير القضاء، وبناء جهاز أمني يعمل لحماية المواطن لا مراقبته. العدالة الانتقالية هنا ليست ترفاً قانونياً بل شرطاً نفسياً وسياسياً لبناء الثقة، وهي الثقة نفسها التي لا يمكن ترميمها بمراسيم عفو أو لجان مصالحات، بل بإجراءات واضحة تعيد تعريف الدولة كضامن للحق العام، لا كمحتكر له.
على أي حكومة أو سلطة تسعى حقاً لإرساء المواطنة المتساوية، أن تبدأ بإصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية، وتحرير الإدارة من الولاءات الضيقة، ووضع قوانين انتخابية تمثيلية، وسن تشريعات تجرّم التمييز بكافة أشكاله. كما أن إعادة النظر في المناهج التربوية والخطاب الإعلامي، بما يعزز قيم التنوع والانتماء الوطني الجامع، ضرورة لا تقل أهمية. فالمواطنة تبدأ من المدرسة ومن شاشة التلفاز، حين يُفهم الطفل السوري أن له الحق في لغته ودينه وثقافته، وأنه لا يُقيَّم بهويته، بل بمساهمته في الصالح العام.
هل تكفي هذه الخطوات لتكون المواطنة المتساوية واقعاً عنيداً لا مجرد وعود؟ ربما لا، ما لم تُرافقها بيئة سياسية جديدة تنهي عقلية الاستئثار، وتفسح المجال أمام مشاركة حقيقية لكافة المكونات، من دون إقصاء أو احتواء. دولة المواطنة لا يمكن أن تُبنى على ذات الأدوات القديمة، ولا بعقلية المنتصر والمهزوم، بل برؤية وطنية شجاعة تتعامل مع التنوع كرافعة قوة، لا كعبء يجب تطويعه.
المواطنة المتساوية ليست مفهوماً قانونياً فحسب، بل هي قاعدة تأسيسية لأي مشروع وطني سوري جديد. ومن دونها، ستبقى سوريا مقسمة اجتماعياً وإن استعادت وحدتها الجغرافية. إنها الجسر الوحيد الممكن لعبور الماضي نحو مستقبل يستحقه السوريون، مستقبل يتساوون فيه أمام القانون، ويختلفون في السياسة، ويتفقون على الوطن.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليست اكاذيب بل حقوق...!
- تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد . ...
- المجلس الوطني الكردي في قلب الرؤية الكردية المشتركة ...!
- سوريا بعد الأسد: بين تحذيرات روبيو وفرص بناء الدولة الديمقرا ...
- سوريا: الدولة المأمولة وخيارات التعايش
- سوريا الجديدة والحاجة إلى عقد دستوري جامع
- اتفاق 26 نيسان: من توحيد الصف الكردي ، إلى اختبار الوطنية ال ...
- البارزانية تيار جامع ...فلماذا هذا التشتت؟
- وطن واحد ، هوية متعددة ..!
- التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!
- الأنظمة التي تضطهدوالكرد...تتحمل مسؤولية خياراتهم ؟
- من قامشلو: وحدة الموقف الكردي طريقُنا إلى سوريا جديدة بلا ته ...
- المازوت... ومعادلة السلطة والمجتمع في مناطق -الإدارة الذاتية
- الفدرالية بين الحقيقة والتشويه
- في مواجهة التشظي والفوضى:من يستعيد الدولة السورية؟
- لا مجتمع حي بلا احزاب حية :دفاع عن العمل السياسي الكردي في س ...
- حتى تتعافى سوريا وتنهض من جديد؟
- نعم، ما زلنا بحاجة إلى الأحزاب... ولكن!
- مراجعة الخطاب السياسي الكردي في سوريا ، ضرورة استراتيجية في ...
- الإقصاء المتعمد للكرد : تهديد لوحدة البلاد وانتهاك لمبادئ ال ...


المزيد.....




- أبو عبيدة يحذر: الجيش الإسرائيلي يحاصر مكانا يوجد به الأسير ...
- -على بُعد أميال قليلة فقط-، متى تصل السفينة -مادلين- لسواحل ...
- دمار في ولاية أركنساس الأمريكية بعد إعصار عنيف
- ضربة روسية موجهة بالليزر تفجر مخبأ للذخيرة الأوكراني
- الدويري: نتنياهو أمام خيارين لا ثالث لهما بشأن الأسير تسنغاو ...
- عائلات 13 مليون طالب صيني تعيش حالة طوارئ بالتزامن مع امتحان ...
- عيد فوق الركام.. فعاليات لإعادة الفرح لأطفال الجنوب اللبناني ...
- عضو في البرلمان الأوكراني تناقش هجوم روسيا الأخير على كييف و ...
- غزة: مقتل العشرات بنيران إسرائيلية بينهم ستة قرب مركز لتوزيع ...
- -إعلاء للمذهب-.. مقتدى الصدر يوجه دعوة لخطباء المنبر قبل حلو ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟