أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان 9 تموز














المزيد.....

عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان 9 تموز


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تؤكد الحكومة السورية في بيانها الأخير على مبدأ "سوريا واحدة، جيش واحد، حكومة واحدة"، فإنها تستعيد خطاباً ظل يرافق الدولة السورية منذ نشأتها، خطاباً يعكس حرصاً مفهوماً على استقرار البلاد ووحدة أراضيها، لكنه في الوقت ذاته يطرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة هذه الوحدة وحدودها، والصيغة التي يمكن من خلالها بناء دولة لكل أبنائها، بحيث تُنصف تنوعهم، وتضمن مشاركتهم الفعلية في الحياة السياسية والإدارية والثقافية. فالتمسك بوحدة البلاد هو هدف مشترك، غير أن تحقيقه يتطلب معالجة عميقة للأسئلة التي تتعلق بطبيعة العقد الوطني، وشكل النظام الإداري، ومدى تمثيل جميع المكونات في الدولة ومؤسساتها.
لقد أظهرت التجربة السورية أن بناء وحدة حقيقية لا يمكن أن يتحقق من خلال مركزية القرار أو احتكار التمثيل، بل من خلال شراكة سياسية عادلة تعترف بجميع المكونات، وتضمن مساهمتها الكاملة في صياغة السياسات العامة. فالدولة الوطنية، لكي تكون جامعة بحق، ينبغي أن تستند إلى أسس المساواة الدستورية والثقافية، لا إلى تصور أحادي للهوية، يُعيد إنتاج التهميش بصور جديدة. وفي هذا السياق، لا يمكن الحديث عن هوية وطنية جامعة دون مراجعة نقدية للإرث الذي وسم البنية الرمزية للدولة لعقود، حيث تَماهت الهوية الوطنية مع تصور ضيق للانتماء القومي، انعكس حتى على اسم الدولة نفسه، وما حمله من دلالات أيديولوجية مختزِلة لمفهوم الانتماء السوري الجامع.
فالهوية الوطنية الجامعة ، لا تعني تعميق الهوية البصرية للدولة على أساس العروبة فقط، ولا اختزال الوطنية في انتماء ثقافي أو لغوي واحد، بل تعني الاعتراف بتعدد الهويات المكوِّنة للمجتمع السوري، ومنحها حضوراً متساوياً في رموز الدولة، في خطابها الرسمي، وفي سياساتها التعليمية والثقافية ،والمواطنة المتساوية، التي تُعد حجر الأساس في الدولة الحديثة، لا تكتمل إن بقيت محصورة في النصوص دون أن تنعكس في هوية الدولة الرمزية ومؤسساتها وخطابها العام.
ويأتي التأكيد على "جيش واحد" و"حكومة واحدة"، كتعبير عن رغبة في استعادة وحدة القرار السيادي، وهو أمر مفهوم في سياق ما شهدته البلاد من تفكك خلال سنوات الحرب، لكنه لا يمكن أن يُترجم إلى مركزية مطلقة تُقصي الأطراف وتُعيد إنتاج النماذج التي همّشت المشاركة السياسية وقيدت التعبير عن الخصوصيات. في حين أن الحديث عن جيش وطني يجب أن يقترن بمراجعة شاملة لبنية المؤسسة العسكرية، بما يجعلها تمثل جميع المواطنين، وتحترم تعدد خلفياتهم، وتُدار على أسس مهنية وقانونية واضحة. بينما لا تعني "حكومة واحدة" بالضرورة احتكار القرار في المركز، بل يمكن أن تعني حكومة وطنية مسؤولة تُشرف على نظام إداري لا مركزي، يضمن التوزيع العادل للسلطة والموارد، ويعزز الشعور بالانتماء والانخراط في الشأن العام.
من جهة أخرى، فإن الحديث عن الهوية الوطنية بوصفها ركيزة للاستقرار والوحدة تقتضي تطوير هذا المفهوم ليشمل تعددية حقيقية، تعكس التنوع القومي واللغوي والثقافي لسوريا. فالدولة الحديثة ليست مجرد سلطة سياسية، بل هي إطار رمزي وقانوني وثقافي، يجب أن يكون معبّراً عن عموم السوريين لا عن فئة واحدة، وهذا لا يتحقق إلا بإعادة صياغة العلاقة بين الهوية الوطنية والرمزية الرسمية للدولة، من العلم والنشيد إلى الخطاب السياسي والتربوي.
في الحقيقة فإن وحدة سوريا المستقبل لا تقوم فقط على بسط السلطة على الجغرافيا، بل على التفاهم العميق حول طبيعة الدولة المنشودة، وشكل التمثيل السياسي، ومكانة كل مكون في الحياة العامة ، ولا يمكن بلوغ هذا الهدف دون حوار وطني شامل، صريح ومسؤول، يعالج القضايا الكبرى التي لطالما جرى تأجيلها، وعلى رأسها مسألة الهوية، والمواطنة، وتقاسم السلطة، والعدالة الاجتماعية، والدستور الجديد.
أخيراً ، يشكل البيان الحكومي فرصة لمراجعة شاملة، لا لتأكيد المسلمات السابقة، بل لفتح صفحة جديدة من التفكير في المستقبل، تكون فيها الوحدة مبنية على الشراكة، والسيادة مستندة إلى رضا المواطنين، والدولة انعكاساً حقيقياً لتعددها، وفي هذا المسار، فإن إعادة تعريف الهوية الوطنية هو شرط ضروري لبناء وطن لا يُقصي أحداً، يتسع للعرب ، والكرد ، والأرمن والتركمان ، والسريان -الآشوريين ، ولكل من يرى في هذه الأرض وطناً مشتركاً، لا مجالاً لصراع الهويات.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن هشاشة القوى الوطنية السورية ..؟
- من -صاحب البيت والضيوف- إلى دولة المواطنة:والمشاركة تأملات ف ...
- سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري
- 14حزيران :حين يتحول التاريخ إلى مرآة للذات الحزبية ؟
- - الفكر- الكردي السوري وسوسيولوجيا -الفشل- ...!
- الكرد في سوريا :من خطاب المظلومية الى الشراكة الوطنية
- عن نهاية الأحزاب الكلاسيكية في سوريا ؟
- عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟
- ليست اكاذيب بل حقوق...!
- تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد . ...
- المجلس الوطني الكردي في قلب الرؤية الكردية المشتركة ...!
- سوريا بعد الأسد: بين تحذيرات روبيو وفرص بناء الدولة الديمقرا ...
- سوريا: الدولة المأمولة وخيارات التعايش
- سوريا الجديدة والحاجة إلى عقد دستوري جامع
- اتفاق 26 نيسان: من توحيد الصف الكردي ، إلى اختبار الوطنية ال ...
- البارزانية تيار جامع ...فلماذا هذا التشتت؟
- وطن واحد ، هوية متعددة ..!
- التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!
- الأنظمة التي تضطهدوالكرد...تتحمل مسؤولية خياراتهم ؟
- من قامشلو: وحدة الموقف الكردي طريقُنا إلى سوريا جديدة بلا ته ...


المزيد.....




- قانون الإيجارات المعدل في مصر: تهديد صامت للسلم الاجتماعي وم ...
- محاولة جديدة لكسر الحصار.. سفينة مساعدات تبحر من صقيلية نحو ...
- العيد الوطني الفرنسي: استعراض عسكري تحت عنوان -المصداقية الع ...
- الهند: جمعيتان للطيارين ترفضان نتائج التحقيق في تحطم طائرة - ...
- كيف يبدو مخيم نور شمس بعد 6 أشهر من التوغل الإسرائيلي؟
- 6 أسئلة بشأن اشتباكات السويداء في سوريا
- أميركا قد ترحل مهاجرين إلى -بلدان ثالثة- بعد 6 ساعات من إخطا ...
- صفقة دفاعية ضخمة.. فيديو يعرض خوذة ميتا التي أثارت البنتاغون ...
- أصوات من غزة.. حرمان الأطفال من عامين دراسيين بسبب الحرب
- اشتباكات السويداء.. وزير الداخلية السوري يكشف -السبب والحل- ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان 9 تموز