أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - الكرد في سوريا :بين الولاء الوطني والانتماء القومي؟















المزيد.....

الكرد في سوريا :بين الولاء الوطني والانتماء القومي؟


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8420 - 2025 / 7 / 31 - 04:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هُناك ، سؤال جوهري يُطرح باستمرار في الأوساط السياسية والفكرية السورية، خاصة بعد التغيرات الجذرية التي شهدتها البلاد في أعقاب الثورة وسقوط نظام الأسد في ديسمبر 2024: هل الكرد السوريون هم سوريون بهويتهم وانتمائهم السياسي أم كردستانيون بتوقهم القومي؟ وهو سؤال لا يكتسب بعداً نظرياً فقط ، بل يُعد بوابة لفهم الموقف من الكُرد السوريين، ومن حقوقهم، بل ومن حدود انتمائهم للدولة السورية أو تصورهم لكيان سياسي آخر تتجاوز حدوده الجغرافيا السورية.
هذا التساؤل، في جوهره، لا يعبّر عن قلق الأغلبية أو تشكيكها فحسب ، بل يعكس أزمةً أعمق تتعلق بطبيعة الهوية الوطنية السورية نفسها، وهوية الدولة، ومفهوم المواطنة الذي تم تقويضه لعقود طويلة من قبل النظام البعثي الأسدي. لقد فشل هذا النظام في بناء وطن جامع، ولم ينتج عقداً اجتماعياً يضم الجميع، بل سعى إلى هندسة المجتمع السوري على أساس الطاعة والولاء الأمني، وهو ما أدى إلى غياب الدولة بوصفها كياناً سياسياً مدنياً، وحضورها بوصفها جهازاً أمنياً – قمعياً ، قابضاً على العقول والمجتمع والموارد.
في هذا السياق القمعي، لم يكن مستغرباً أن ينكفئ الكرد على ذاتهم، ويتمسكوا بهويتهم القومية كملاذ وجودي أمام سياسات الإنكار والتجريد والتهميش. فمنذ الستينات، تم تطبيق عشرات المشاريع الاستثنائية بحقهم، بدءاً من الإحصاء الاستثنائي لعام 1962 الذي جرد عشرات الآلاف منهم من جنسيتهم السورية، مروراً بالحزام العربي، وصولاً إلى سياسات التغيير الديمغرافي والإقصاء الثقافي. لقد جرى التعامل معهم كغرباء، أو كجماعة مشبوهة، تنتمي إلى "خارج" لا مكان له داخل "الدولة القومية العربية" التي أسس لها حزب البعث منذ استيلائه على السلطة.
ولم يكن انهيار الدولة الأمنية كافياً لتصحيح هذا الخلل البنيوي. فالمعارضة السورية الرسمية، لا سيما الممثلة في "الائتلاف الوطني"، لم تستطع -أو لم ترغب- في إعادة تعريف الدولة السورية بوصفها دولة متعددة القوميات والهويات، تقوم على مبدأ المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية. بل كرّرت -بوعي أو دون وعي- نفس النموذج القومي الإقصائي، حين تشبثت بالعروبة كهوية وحيدة للدولة، وتجاهلت مطالب الكرد، وتجنبت الاعتراف بهم كقومية رئيسية في البلاد.
وقد زاد الطين بلّةً أن الائتلاف، في مرحلة لاحقة، ارتبط عضوياً بالموقف التركي الرافض لأي شكل من أشكال الاعتراف بالكرد، أو تمكينهم من إدارة شؤونهم في المناطق ذات الغالبية الكردية ، وبلغ هذا الموقف ذروته في لحظة صادمة حين غضّت المعارضة النظر عن احتلال تركيا لعفرين وسري كانيه (رأس العين) وكري سبي (تل أبيض)، وما رافقه من انتهاكات وتغيير ديمغرافي واسع. في تلك اللحظة، انكسرت الثقة بين جزء كبير من المجتمع الكردي والمعارضة السورية، وبدأت تتشكل قناعة لدى الكرد بأنهم مستهدفون من قبل الطرفين: النظام والمعارضة، على حد سواء.
من هنا، فإن عدم اندماج الكرد في "الإطار السوري العام" لم يكن خياراً واعياً أو رغبة انفصالية، كما يحلو للبعض أن يصوّره ، بل نتيجة منطقية لسياق من النبذ والإقصاء والتخوين ، ومع ذلك، ظل الكرد السوريون، في غالبيتهم، جزءاً من النسيج السوري، يؤمنون بضرورة التغيير السياسي، ويطمحون إلى بناء دولة ديمقراطية تحترم التعددية، وتضمن الحقوق القومية، وتكفل المواطنة المتساوية.
والآن، وقد سقط النظام الاستبدادي في دمشق في الثامن من ديسمبر 2024، وبدأت مرحلة انتقالية يُفترض أن تفتح الباب لإعادة بناء الدولة من جديد، فإن الفرصة تبدو مواتية أكثر من أي وقت مضى لفتح حوار جاد وعميق حول القضية الكردية بوصفها قضية وطنية سورية بامتياز، ويجب ألا يُنظر إلى هذه القضية بوصفها "عبئاً" على الدولة أو تهديداً لوحدتها، بل باعتبارها جزءاً أصيلاً من معادلة بناء الدولة الحديثة، وإنصافها أحد مفاتيح استقرارها.
القضية الكردية في سوريا ليست طارئة، ولا وافدة كما يدعي البعض ، بل هي متجذرة في الأرض، والتاريخ، والثقافة منذ قيام الدولة السورية . وإن التعامل معها بوصفها "مشكلة أمنية" أو "هواجس انفصالية" لا يُعبّر إلا عن استمرار العقلية القديمة التي أدت إلى تفكك المجتمع السوري وفشل الدولة الوطنية. أما التعامل معها كقضية قومية عادلة، وفق المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الشعوب، والعهود الخاصة بالحقوق السياسية والثقافية للأقليات، فهو بداية الحل ، وهذا لا يمكن أن يتم عبر الإنكار أو الاستيعاب القسري، بل عبر الاعتراف، والتمكين، والشراكة.
بطبيعة الحال، لا يمكن إنكار أن لدى الكرد في سوريا شعوراً عميقاً بالانتماء إلى "كردستان الكبرى"، التي هي فكرة تاريخية وثقافية وجغرافية تتجاوز الحدود السياسية الحالية لأربع دول (تركيا، إيران، العراق، وسوريا). وهذا الانتماء ليس خطراً في حد ذاته، ما لم يُترجم إلى مشاريع انفصالية مسلحة تهدد استقرار الدول القائمة ، وفي الحالة السورية، فإن الكرد السوريين لم يحملوا السلاح يوماً من أجل الانفصال، بل ظل خطابهم السياسي -حتى في ذروة الاضطهاد- يدعو إلى الاعتراف الدستوري بهم ضمن إطار الدولة السورية الواحدة.
ولعل النموذج العراقي يشير إلى إمكانية التعايش بين الولاء الوطني والانتماء القومي. فالكرد في العراق، رغم إدارتهم لكيان فيدرالي شبه مستقل، ظلوا جزءاً من الدولة العراقية، وشاركوا في مؤسساتها، وساهموا في رسم سياساتها، وإن كانت هناك محطات توتر وانفصال جزئي، إلا أن مسار الشراكة ظل قائماً. ويمكن للكرد السوريين أن يشكلوا نموذجاً مشابهاً، إذا ما تم الاعتراف بهم بوصفهم مكوّناً أساسياً من مكوّنات الوطن السوري، لا مجرد "أقلية إثنية".
حتى ذلك الوقت، تبقى الدولة السورية هي الإطار الواقعي والسياسي الوحيد الذي يمكن للكرد أن يعيشوا ضمنه، ويشاركوا في بنائه، عبر مؤسسات تمثيلية حقيقية، ونظام سياسي ديمقراطي، يضمن العدالة، ويكرّس التعددية بوصفها غنىً لا تهديداً ، وهذا لا يتناقض مع تطلع الكرد إلى تعزيز التنسيق والتكامل مع إخوانهم في الأجزاء الأخرى من كردستان، في المجالات الثقافية والاقتصادية، وربما السياسية، ضمن أشكال جديدة من العلاقات العابرة للحدود، كالفيدرالية العابرة للدول أو الكونفيدرالية الثقافية أو السوق المشتركة، دون أن يُشكل ذلك تهديداً للدول التي يعيش فيها الكرد، بل بالعكس، يمكن أن يُساهم في استقرارها.
تستوجب اللحظة الراهنة من الإدارة الانتقالية في دمشق أن تتعامل مع الكرد السوريين، كشركاء في الوطن، وفي صناعة مستقبله ،وهذا يقتضي إعادة صياغة العقد الاجتماعي السوري، وإرساء دعائم دولة المواطنة المتساوية، التي تُبنى على الاعتراف، والتعدد، و الشراكة.
أخيراً،السؤال عن هوية الكرد السوريين، لا يُجاب عليه بنعم أو لا، بل بفهم أعمق لمعنى الوطن، ولمفهوم الأمة. فإذا كنا نقبل بأن "الأمة" هي جماعة من الناس يعيشون ضمن جغرافيا سياسية واحدة، ويتشاركون في صناعة مصيرهم، فإن الكرد السوريين هم جزء من الأمة السورية، كما أنهم جزء من الأمة الكردية. والجمع بين هذين الانتماءين ليس تناقضاً، بل مصدر غنى، ورافعة لإنتاج هوية سورية جديدة، متعددة، مدنية، جامعة، لا تستبعد أحداً، ولا تنكر حقوق أحد.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأزمة الكردية في سوريا: بين التعقيدات البنيوية ، والحلول ال ...
- سوريا: خارطة عبور نحو الاستقرار والدولة .
- في اعادة التفكير بالدولة السورية ؟
- عن وحدة الدولة ومسؤولية البناء المشترك: قراءة هادئة في بيان ...
- عن هشاشة القوى الوطنية السورية ..؟
- من -صاحب البيت والضيوف- إلى دولة المواطنة:والمشاركة تأملات ف ...
- سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري
- 14حزيران :حين يتحول التاريخ إلى مرآة للذات الحزبية ؟
- - الفكر- الكردي السوري وسوسيولوجيا -الفشل- ...!
- الكرد في سوريا :من خطاب المظلومية الى الشراكة الوطنية
- عن نهاية الأحزاب الكلاسيكية في سوريا ؟
- عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟
- ليست اكاذيب بل حقوق...!
- تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد . ...
- المجلس الوطني الكردي في قلب الرؤية الكردية المشتركة ...!
- سوريا بعد الأسد: بين تحذيرات روبيو وفرص بناء الدولة الديمقرا ...
- سوريا: الدولة المأمولة وخيارات التعايش
- سوريا الجديدة والحاجة إلى عقد دستوري جامع
- اتفاق 26 نيسان: من توحيد الصف الكردي ، إلى اختبار الوطنية ال ...
- البارزانية تيار جامع ...فلماذا هذا التشتت؟


المزيد.....




- شاهد.. لحظة انقسام لعبة -البندول- في مدينة ملاهي بالسعودية إ ...
- في ظل زيارة ويتكوف إلى إسرائيل.. مصدران مطلعان لـCNN: -حماس- ...
- قرية الناشط عودة الهذالين تنتظر جثمانه لدفنه وإدانة قاتله
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف وسائل قتالية -استراتيجية- لحزب ...
- -صور غزة غيّرت موقفه-.. هل يتّجه ترامب لإعادة رسم العلاقة مع ...
- في الذكرى المئوية.. خيول تشينكوتيغ البرية تعبر قناة أساتيغ ف ...
- برلين وواشنطن و11 دولة غربية تتهم إيران بتنفيذ -سياسة اغتيال ...
- ماذا تقدم السعودية لعشاق سياحة المغامرات؟
- هل أعاقت أوبرا وينفري هروب سكان جزيرة ماوي من تسونامي؟
- ذي أتلانتيك: ترامب أصبح يعتقد أن نتنياهو يطيل أمد الحرب بغزة ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - الكرد في سوريا :بين الولاء الوطني والانتماء القومي؟