أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق ناجح - الكيلاني -قصة قصيرة-















المزيد.....

الكيلاني -قصة قصيرة-


طارق ناجح
(Tarek Nageh)


الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 22:51
المحور: الادب والفن
    


عندما رآه ناجي لِأَوَّل مَرَّة في نهار يومٍ من أيام شتاء ٢٠٠٣ ، عَلِمْ أن وراءهُ سِرٌ كبير . فطريقة كلامه و مَظهَرَهُ و رائحة العِطر الذي يفوح من ملابسه الأنيقة يدل على أنه من طبقة إجتماعية أقرب للثراء منها إلى الفقر . و لكن ما الذي أتى به إلى هنا لِيُشاركهُ حُجرتهُ المتواضعة و الكائنة فوق سطح إحدي العمارات القديمة بأحد الأزقة المُتفرِّعَة من أحد شوارع عرب سلاّم بِمعْصَرَة حلوان .. و هي منطقة شعبية تبتعد خطوات عن شارع الترعة .. الشارع الرئيسي بالمعصرة . إسمه هادي الكيلاني .. صاحب وجه مُستدير وشارب أسود كثُّ ، و رأسه في طريقٍ إلى صَلَعٍ .. متوسط الطول و جسده يميل إلى البدانة و يمتلك " كِرشٌ " صغير . يبدو أنه قد تجاوز عِقَده الرابع بقليل . جاء به عم عبدالله السِّمسَار بناءا على طلب صاحب البيت بعد أن غادر أسامه ، صديقه و شريكه بالغرفة لسنوات بعد أَنْ أنهى دراسته بجامعة حلوان ، و إلتحق بقوات الدفاع الجوي ليؤدي خِدمته العسكرية . لِحق ناجي بعم عبدالله و هو يَهِّم بالنزول على السُلَّم . وضع يدَهُ على كَتِفِهُ و بادرهُ قائلا :-
- إيه الدنيا يا عم عبدالله ؟
- الدنيا تمام .
- طيب و الأستاذ هادي ؟؟
- ده راجل إبن حلال .. من عيلَّه محترمة زي ما أنت شايف كده .. بس معاه مشكلة كبيرة علشان كده مُضْطَر يبْعِد عن بيته شويّٓة لِحَد ما ربنا يسَهِّل و تتحَل .
لم يُزعِج نفسه بالسؤال عن ماهية المُشكَلَة ، لأنَّهُ يعلَم أَنَّ عم عبدالله لن يُفْضي إليه بهذا السر رغم علاقته الجيدة به . و إن كان يحترم فيه هذا المبدأ .
حاول هادي أن يبدو مُتماسِكاً في الشهور الأولى من مشاركته الغرفة ، و قد توطدت علاقته بناجي . بدأ يحكي له عن جُزءٍ مِنْ ماضيه . قال له أنه كان يعمل مُحاسباً بإحدى كُبْرَى الشركات في مجال المقاولات . تزوج من فتاة أنيقة من عائلة ثرية على الرغم مِنْ أنه يعتبر عائلته مِنْ الطبقة المتوسطة التي إنقرضت مع عصر الإنفتاح في السبعينيات من القرن الماضي . فوالده خرج على المعاش على درجة وكيل وزارة " بوزارة الشئون الإجتماعية " . لديه اخ و أخت أصغر منه .. الأخ مهندس ميكانيكي بإحدى شركات البترول ، و أخته دكتورة صيدلانية . رزقه الله بإبنة جميلة تبلغ من العمر الآن سبع سنوات . لديه شقة وسيارة حديثة الطراز . مَرَّت الأيام كئيبة و ثقيله على هادي إلى أن جاءه عم عبدالله ذات يون ليُخبِرهُ أنَّه سيلتحق بإحدى المستشفيات الخاصة القريبة للعمل بالوردية الليلية بالإستقبال . كان ناجي يذهب إليه تقريبا كل ليلة ليشرب معه الشاي و يُدَخِّن السجائر و يتبادلا أطراف الحديث مع الدكتور سعد " النبطشي " الذي يبدو أنه في منتصف عِقْدَه السادس . كان يحكي لهما عن عمله بمطلع شبابه في تونس . و كيف أنه أمضى ثلاثة سنوات مرّٓت عليه كالحلم بين المستشفى و الدار الذي منحته إياه إدارة المستشفى ليقطُن بِه لوحده . فلم يكن قد تزوج بَعد . و كان البحر يبعد حوالي كيلومتر عن منزله حيث كان يلتقي مع بعض من زملائه لتمضية السهرة أو الذهاب للسينما مع أحدهم .
عاد ناجي ذات يوم ليجد هادي جالساً على سريره و جسده يهتز مِن شدة البكاء .أسرع ناجي ناحيته محاولاً تهدِئته . جلس إلى جواره ، و هو يُرَبِّتَ على كَتِفُه قائلاً :-
- إيه اللي حصل يا أستاذ هادي .
- بِنتْي يا ناجي .. بنتي ..
- مالها كفى الله الشر ..
- وحَشِتني قوي .. و أنا مِشْ قادر أشوفها أو حَتَّى أسمع صوتها في التليفون .
- معلهش يا أستاذ هادي .. إن شاءالله كل حاجة هتبقى تمام .. قوم إغسل وِشَّكْ و إدعي و قول يا رَّبْ .
- يا رَّبْ .. أنا غلطت وبَصِّيت لفوق ، وكنت فاكر إن ما حدِّش يقدر يكشفني ..
- إحنا مِشْ ملايكَه يا أستاذ هادي .. إحنا بَشَرْ بنغلَط و نخطئ .. و ربنا رؤوف رحيم .. و إن شاءالله ترجع بيتك قُريِّبْ .
- يارَّب ، يا ناجي .. يارَّبْ ..
مَرَّتْ ثلاثة أَشْهُر على هذا الحوار قبل أَنْ يغادر ناجي القاهرة للعمل بإحدى فنادق الغردقة . وبعد مرور ثلاثة سنوات و في زيارة للقاهرة مَرَّ على المقهى الذي إعتاد عم عبدالله الجلوس عليه منذ عشرين عاماً . و بالفعل وجده جالساً يشرب الشاي بحليب و يُدَخِّن النَّارجِيلَه (الشيشة) . إستقبله بإبتسامة و حضن سائلاً عن ماذا فعلت به الدنيا في الثلاث سنوات الماضية .
- الحمد لله يا عم عبدالله على كل حال .. أهي ماشية ..
- الحمد لله يا ابني إنها ماشية .. علشان دي لمَّا بتُقَف بتبقى حاجة وحشة قوي ..
- جمال .. أخباره إيه ؟؟
- الحمد لله ربنا هداه بعد الجواز .. بَطَّل إستهتاره .. و بقي من البيت للشغل .. و ساب شِلِّة الهلس
- و يوسف .. عامل إيه ؟؟
- يوسف إشتغل سوَّاق في شركة أوراسكوم للمقاولات بِتَاعِة ناصف ساويرس .. إنت أكيد عارفه .. مِشْ إنت شَغَّال في الغردقة !!
ناجي ساخراً :-
- آه طبعاً .. دا صاحبي و بَقَضِّي الويك إند معاه على اليخت بتاعه في الجونه .. ههه . أعرفه مِنْ إين يا عم عبدالله !! أنا بسمع زي كل الناس ما بتسمع . المهم .. هوَّ الأستاذ هادي أخباره إيه ؟؟
- الأستاذ هادي مشكلته إتحلَّت بعد ما أنت مشيت بِسِتْ شهور .. و أخواته و مراته و بنته جُم لحد هنا و أخدوه .. بعدها بكام شهر .. جِه هو و مراته و بنته علشان يشكرني علشان وقفتي جنبه .. و قالي إنه إحتمال كبير يهاجر كندا و يبدأ حياته من جديد هناك .. و من وقتها لا إتصل ولا شفته .. شاكله عملها و سافر ..
- ربنا يوفَّقُه يا عم عبدالله .. هو في الحقيقة إبن حلال و طيب .. يمكن يكون ضعف قدام حاجه .. أجدع واحد فينا بيضعف قُدَّامهَا .. هي و الجنس اللطيف .. إنت أكيد عارفهم يا عم عبدالله .. هه هه ..!!
- قَصدَّك كنت عارفهم .. من عشرين .. تلاتين سنة ..ههه ؟؟
- ربنا يدِّيك الصحة يا عم عبدالله ..
ودَّع ناجي عم عبدالله الذى كان بالنسبة له الأب و السند على مدار ثمانية أعوام قضاها في القاهرة منذ أن قدِمَ من الصعيد ليُكمِل تعليمه الجامعي ، متمنياً أن يسعِده الحظ بلقاءه مرَّة أخرى قبل أَنْ يُبعِد القدر أحدهما عن الآخر .. بُعد السماء عن الأرض .. و الحياة عن الموت.
******************
قصة للكاتب / طارق ناجح



#طارق_ناجح (هاشتاغ)       Tarek_Nageh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله يرحمك يا صلاح يا جاهين
- الله يرحمك يا صلاح يا جاهين
- الخواجة (جـ ٢) قصة قصيرة
- الشاعر .. بين الواقع والخيال
- الخواجة (جـ ١) -قصة قصيرة-
- كيف تعيش الذكريات؟
- أنا والموت
- تعيشي يا آمي
- بيت السعد .. وخلطة محمد سامي السرية
- زمن إنقطاع الكهرباء الجميل
- لماذا يرحل الجميع دون وداع
- إمرأةٌ لا تُنسى (قصة قصيرة)
- صور من الماضي البعيد -قصة قصيرة-
- طارق ناجح يكتب : الفن السليم في الجسم السليم
- ممدوح .. قصة قصيرة
- هيثم زكي .. حُلْم لَمْ يَكتَمِل
- اليارد -قصة قصيرة-
- مالك يا صاحبي
- الصداقة هيَ -الشُعْلَة- التي تنير حياتنا
- يوسفً السباعي .. الفيلسوف الذي أصبح فارس الرومانسية


المزيد.....




- والدة هند رجب تأمل أن يسهم فيلم يجسد مأساة استشهاد طفلتها بو ...
- دواين جونسون يشعر بأنه -مُصنّف- كنجم سينمائي -ضخم-
- أياد عُمانية تجهد لحماية اللّبان أو -كنز- منطقة ظفار
- إبراهيم العريض.. جوهرة البحرين الفكرية ومترجم -رباعيات الخيا ...
- حصان جنين.. عرضان مسرحيان في فلسطين وبريطانيا تقطعهما رصاصة ...
- من بنغلاديش إلى فلسطين.. جائزة الآغا خان للعمارة تحتفي بمشار ...
- ملتقى الشارقة للراوي يقتفي أثر -الرحالة- في يوبيله الفضي
- بعد عامين من الحرب في السودان.. صعوبة تقفّي مصير قطع أثرية م ...
- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق ناجح - الكيلاني -قصة قصيرة-