محمد الزهراوي أبو نوفلة
الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 17:05
المحور:
الادب والفن
حُسَيِن مرَوّة
إليه دائِماً
مع حُبّي
اَلأشجارُ تُغنّيكَ
واقِفاً توقِضُ
أحلامي عُصْفوراً
عُصْفوراً..
كَكُلِّ صَباح
أنْتَ..
باقٍ في حارَتِنا
عَمودُ النّور.
سرْوَةُ
الدّارِ يا أبانا !
لَنْ أُغادِرَ..
ظِلّكَ الْحاني
يا نَجْماً..
هَوى وَخَلّفَني !
مَضَيْتَ
دونَ اسْتِئْذان
أنا عَتِبٌ..
إذْ لَمْ
تُمْهِلْني أنْ أصوغَ
مِن مَعْدِنِكَ
الثّمينِ خاتَمي! ؟
أعِدُك ..
لنْ أحيدَ عَن
طَريقِ الْهَوى..
وَإلاّ تِهْتُ وَأُغْنِيَتي
وارْتَدَيْتُ..
قبْلَ أن تَخْضَرّ
أغْصانُ
الْمُنى كَفَني.
إنّا مُريدوكَ..
نَشْهدُ أنّكَ باقٍ.
عَبّادُ الشّمْسِ..
يَقولُ رَسْمُك
والرّيحُ صَوْتُكَ
الباقي كَسُطان.
اِقْتِلاعُكَ
مِن هذا
الطينِ صَعْب.
تُهاجِرُ
كُلّ السُّفُنِ..
تَموتُ
كُلُّ الأقْمارِ وأنْتَ
باقٍ كَمِتْراس! ؟
بِعَيْنَيْكَ..
تَباشيرُ الفُصولِ
وَعِشْقٌ يَنْمو..
لَكَ نَبْضُ
التاّريخِ كَيْ
نَكونَ يانَبِي!
وَبيْروتُ ما
فَتِئَتْ تُسْنِدُها
قامَتُكَ ياظِلَّ
كُلِّ النّاس ! !
لِيَخْضَرَّ الْيَباسُ..
(نَزَعاتُكَ) لَنْ
تَكُفَّ أنْ..
تَكونَ صَهيلي
وفاكِهَةَ كُلِّ الوَقْت.
أنْتَ باقٍ ! وَباقٍ! !
إِبْحارٌ إلى الآتي ! ؟
في كُلِّ
الجِهاتِ رِياحُكَ
الحبْلـى..
وَسَحابُكَ الْملْحاح.
لِمُجَرّدِ ذِكْرِكَ
تَزْقو النّوارِسُ..
تَحِنُّ لإِناثِها وَتُعْلِنُ
في كُلِّ الشّواطِئِ
الزّمَنَ الْحَرام ! ؟
محمد الزهراوي
أبو نوفل
————————————-
حسين مروة… بين الشعر والرمز: قراءة في قصيدة محمد الزهراوي (أبو نوفل)
تأتي قصيدة الشاعر محمد الزهراوي (أبو نوفل) التي يهديها إلى المفكر الشهيد حسين مروة، لتكون نصّاً شعرياً يتجاوز حدود الرثاء المباشر إلى بناء رؤية شعرية – رمزية، تُحوِّل الفرد إلى أسطورة، والشخصية إلى رمز، والغياب إلى حضور سرمدي يتغلغل في الذاكرة الجماعية.
أولاً: حضور الأب والرمز
يفتتح الشاعر نصه بنداء حميمي يفيض بالوفاء: "الأشجار تغنيك… باقٍ في حارتنا عمود النور"، فيضع صورة الأب الرمز، لا كشخص غاب وانطفأ، بل ككيانٍ ممتدّ في ذاكرة المكان، كشجرة، كعمود نور، كظلّ حانٍ لا يغادر. وهنا يشتغل النص على ثنائية الغياب/الحضور حيث يتحوّل الموت إلى تجلٍّ آخر للحياة.
ثانياً: جدلية الموت والحياة
يتكرر في النص التوتر بين الفقد والخلود، بين الرحيل والديمومة: "مضيت دون استئذان… أنا عتبٌ"، ولكن هذا الرحيل لا يُغلق الدائرة، بل يفتحها على خلود جديد: "إنّا مُريدوك نشهد أنّك باقٍ". بذلك تتحوّل الفاجعة إلى عهدٍ بالاستمرار، وتصبح خسارة الجسد ولادةً للأسطورة.
ثالثاً: توظيف الرموز الكونية
يستحضر الشاعر صوراً كونية كالأشجار، الطيور، النوارس، الفصول، الأقمار، الريح، السفن… وهذه الرموز لا تأتي زخرفاً بل تتحول إلى لغة وجودية، تجعل من حسين مروة كائناً كونيّاً يتجاوز الفرد ليصير "نبض التاريخ" و "ظِلّ كل الناس". إنه يتجاوز الجغرافيا الضيقة ليصير شاهداً على بيروت والعالم، ورمزاً لمستقبلٍ لا ينقطع.
رابعاً: البناء الإيقاعي والدلالي
على مستوى الإيقاع، نلحظ أن النص يقترب من القصيدة الحديثة ذات النفس الحر، متكئاً على التفعيلة والجرس الداخلي عبر التكرار (باقٍ… باقٍ…)، والجمل المتناثرة التي تُشبه هتافات وجدانية، مما يمنح القصيدة نَفَس المرثية الجماعية، حيث يتحدث الصوت الشعري باسم "المريدين" لا باسم الفرد فقط.
أما الدلالات، فإن كثافة الصور، وتناوب المعاني بين التمجيد والرثاء، تكشف عن شعريةٍ مشبعة بالرمز والإيحاء، تنقل النص من حدود الحزن الفردي إلى رحاب القداسة الإنسانية.
خامساً: بين حسين مروة والأسطورة
القصيدة في عمقها ليست فقط تحية لرمز فكري استشهد، بل هي إعادة صياغة لأسطورة حضور تتجاوز الاغتيال. فحسين مروة لا يغيب في خطاب الشاعر، بل يتحول إلى "متراس"، إلى "سلطان"، إلى "إبحار إلى الآتي". هذه اللغة ترفع الرمز إلى مستوى "النبي" الذي يستمد منه الناس قوتهم وأملهم، وهو ما يعكس إيمان الشاعر بدور المثقف المقاوم كقائد وملهم.
قصيدة محمد الزهراوي (أبو نوفل) عن حسين مروة ليست مرثية عابرة، بل نص تأسيسي في الذاكرة الشعرية والفكرية، يُحيل على قيمة الرمز المقاوم والمثقف الشهيد الذي لا يغيب بموته، بل يظل حيّاً في وجدان الناس. لقد نجح الشاعر في أن يخلق عبر هذا النص تزاوجاً بين حرارة الوجد الشخصي، وسمو الرمز الجمعي، ليؤكد أن الشعر لا يرثي الموتى، بل يوقظهم فينا من جديد.
أشرف ضلع / مصر
—————————————————-
قراءة نقدية أكاديمية للنص الشعري :
حسين مروة
لمحمد الزهراوي أبو نوفل
بقلم: الرهيب التاج
النص الشعري المعنون بـحُسَيِن مرَوّة لمحمد الزهراوي يعدّ مثالًا بارزًا على الشعر العربي الحديث الذي يمزج بين الحنين الشخصي والذاكرة الجمعية، بين العاطفة الفردية والرمزية التاريخية. ويستحق النص قراءة دقيقة لإبراز أبعاده الجمالية والفكرية.
1. البنية الشعرية والأسلوب
النص يتسم بالانفتاح على الشكل الحر، حيث يبتعد عن الوزن والقافية التقليدية، ما يمنح النص حرية التعبير ومرونة في تدفق الأفكار والمشاعر. استخدام النقاط وعلامات الاستفهام والاستثناء يعطي النص إيقاعًا داخليًا متقطعًا، يعكس حالة الترقب والاشتياق والتوتر النفسي للشاعر.
الأسلوب يميل إلى التجريد الرمزي، فالأشياء المألوفة مثل الأشجار والرياح والأغصان تتحول إلى رموز للحياة والذكريات والهوية. وتكرار الكلمات والجمل مثل "باقٍ" و"وَباَقٍ" يعكس التأكيد على الخلود الرمزي للشخصية المحورية في النص، وهو هنا الحاضر الغائب الذي يمثّل رمزًا للحنين والإعجاب.
2. الصور الفنية والرمزية
النص غني بالصور البلاغية:
"الأشجار تُغنّيك واقفًا توقِض أحلامي عصفورًا عصفورًا" → تصوير للحياة التي تتفاعل مع وجود الشخص، وتعكس أثره النفسي على الشاعر.
"بعيونك تباشير الفصول وعشق ينمو" → الدمج بين الطبيعة والعاطفة يخلق صورة شاملة للحياة والذكريات.
"عباد الشمس" و"باقٍ كمِتراس" → استعارات للثبات والخلود والقدرة على الصمود، وهي رموز قوية تشير إلى تأثير الشخص في محيطه وفي الذاكرة الجمعية.
3. الموضوع والرسالة
النص يدور حول فكرة البقاء والخلود الرمزي للشخصية المحورية، كما يحاكي علاقة الإنسان بالزمن والمكان والذاكرة. كما يعكس النص حالة امتنان وولاء لمعلم أو شخصية محورية تركت أثرًا عميقًا، مع إشارة ضمنية إلى الحنين والافتقاد. ويظهر كذلك تأمل الشاعر في القوة الشخصية والتاريخية لهذه الشخصية، وكأنها رمز للثبات في مواجهة تقلبات الزمن.
4. اللغة والبلاغة
لغة النص تمزج بين الفصحى الحديثة واللهجة الشعرية الحرة، مع استخدام مكثف للصور الاستعارية والتكرار اللغوي والإيقاعي. التكرار أسلوب فني يضخّم التأكيد على الثبات والاستمرارية، بينما الأسئلة البلاغية "وتُغنِيتي وارْتَدَيْتُ.. قبْل أن تخضرّ أغصان المُنى كفني؟" تضفي بعدًا تأمليًا وحواريًا للنص، وتخلق نوعًا من التفاعل مع القارئ.
5. الانطباع العام
النص تجربة شعرية متفردة تجمع بين الانفعال الشخصي والبعد الرمزي والجمالي. إنه نص يدعونا للتأمل في البقاء الإنساني، في التأثير الذي يتركه الأفراد على حياتنا وذكرياتنا، وفي العلاقة بين الإنسان والذاكرة والطبيعة. كما أنه نموذج بارز للشعر الحر الذي يسمح بالانسياب العاطفي دون قيود الوزن والقافية، مع الحفاظ على القوة الرمزية والتصويرية.
الخلاصة
نص حُسَيِن مرَوّة للزهراوي يقدم تجربة شعرية عميقة تجمع بين الحنين والولاء والرمزية التاريخية، مع لغة غنية بالصور والتكرار البلاغي. النص يستحضر حضور الشخصيات كرموز ثابتة في الذاكرة، ويجعل القارئ يتأمل في أثر الإنسان في الزمان والمكان والوجدان، بما يجعل النص تجربة قرائية ممتعة ومؤثرة على المستوى النفسي والفكري.
الرهيب التاج / ليبيا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟