محمد الزهراوي أبو نوفلة
الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 08:38
المحور:
الادب والفن
قتَلتْني عيْناها
وَهِيَ الجرْح
الّذي صارَ..
لَدَيّ مَكاناً.
سَعيدٌ منْ تُحِبُّهُ
ولا تضُنُّ بِالْحُزْنِ
على الشُّعراءِ.
تُدْفِئُني بِاسْتِمرارٍ
مُذْ بَدأتْ
تضَعُ الكُحْلَ
مُذْ فاضَ
بِيَ النّهرُ..
معَ أوّلِ شُعاعٍ.
أي!..
مُنْذُ اجْتاحتْني
الرُّؤى الكَوْنِيّةُ
وجرَفَنِي التّحوُّلُ.
وكَوْنِي..
غَريب الهَمِّ كنَبْعٍ
شَهِدَتْ
فِي الهَوى
كُلّ سُكْري.
لا اسْمَ لَها
ولا رسْم.
إنّها..
تشْكيلٌ وَرِثْتهُ
وسَليلَةُ اناشيدي.
لا الْخيْلُ ولا
اللّيْلُ يبْكي علَيَّ
أوْ دونَها يلْحقُنِي..
دَمي مُلَوّثٌ
بِها مِن النّهْرِ
إلَى النّهرِ..
يقولُ الأطِبّاءُ.
مَخْطوطَةٌ فِي
روحِي..
كبُرْجِ مرْفإ
وخطْوُها
فِيّ أجْملُ مِنْ
إيقاعٍ..
وسطَ القَصيدَةِ.
أرْمقُها قَلِقاً
تُفّاحُها أمامي
يَحْمرُّ خجَلاً.
إذْ تبْدو..
كأنْ لَم
يَمْسُسْها بشَرٌ.
وفِي حظْنِها
كُلُّ هَزائِمي.
كمْ حاوَلتْ
نفْسي السّلُوَّ.
جِئْتُ أشكوها
إغْتِرابِيَ الكافِرَ
حِمَمِيَ الزّرْقاءَ
على شمَعَةٍ..
فِي ظلامِ وحْدَتِي
وطيَرانِها البَعيدِ.
كوْنُها..
أكثَرُ إنْسانِيّةً
ولَم يَمْسُسْها
بشَرٌ غيْر
مُلوكِ الطّوائِفِ.
فَإذا بِها
كابْنَةِ الدّهْرِ
وعَدا..
ما عِنْدها
مِن الْخِبْرَةِ
أعدّتْ إلَيّ
الْكثيرَ مِنْ
جَحافِلِ
الْمُلِمّاتِ.
كأنّما..
كُلُّ الآلِهَةِ
زوّدَتْها
بِهذِهِ الفُنونِ
واخْتارتْها
عاشِقَةً
لِتعْذيبي.
أنا لا أتَطاوَلُ
على..
سَيِّدَةِ البَيْتِ.
فضْلاً عنْ هذا
وعنْ موسيقاها
الصّاخِبَةِ..
عَجيزَتُها بحْرُ
شَرِسٌ وفحْشُها
النّهارِيُّ..
يُهَدِّدُ كُلَّ
الْمدُنِ بالزِّلْزالِ.
كيْف لا أقْتَرِف
معَها الشّعْر..
هِي أيْظاً مُغْرَمَةٌ
بِيّ كَحُمّى
المُتنبّي وعَيْناها
نَهْرُ كُحْلٍ يتْبَعُني
بِما أوتِيَتْ مِن
العِدى والسّكاكينِ.
كلّ حَجَلِها أمامي
ولا خوْفَ مِنّي
أوْ عَليّ..فأنا
نسْرُها الْهَرِمُ
أُهَدِّدُ أعْشاشَها
العَفِنَةَ بِالطّوفانِ
ولكِنّها كثيراً
ما تُشْعِرُنِي
بالْحُزْنِ..
كَسيْجارَةٍ أوْ
مَحْكومٍ بِالإعْدامِ
محمد الزهراوي
أبو نوفل
أميريكا / ماي 2009
———————————————-
مقال نقدي: قراءة في قصيدة
"سَيّدَةُ البَيْت" للشاعر محمد الزهراوي ✦
بقلم : أشرف ماهر ضلع
تأتي قصيدة "سَيّدة البيت" للشاعر محمد الزهراوي (أبو نوفل) كصرخة شعرية تتأرجح بين الاعتراف والافتتان، بين الانكسار والتمرّد، لتصوغ تجربة إنسانية جريئة تتلبّس بالمجاز وتفلت من قيد التحديد. النص يندرج في إطار قصيدة النثر، حيث يتأسس على انسياب الصور وتوالي التداعيات أكثر مما يتأسس على الوزن العروضي أو القافية.
1. ثنائية الجرح والعشق
منذ المطلع: «قتلتني عيناها وهي الجرح الذي صار لديّ مكانًا»، يضعنا الشاعر أمام تماهٍ غريب بين الألم والافتتان، حيث تتحوّل العيون إلى جرحٍ ساكن في الكيان، لكنه جرحٌ مرغوب فيه، قائم بوصفه علامة عشق لا تنطفئ. هذه الثنائية (الجرح/العين – العشق/الموت) تتكرر في جسد القصيدة لتصبح محور بنيتها الدلالية.
2. بين الرمز والأنثى المجرّدة
اللافت أن "سيدة البيت" لا تُعطى اسمًا أو شكلًا محددًا: «لا اسم لها ولا رسم… إنها تشكيل ورثته وسليلة أناشيدي». هذا التجرّد يجعلها أكثر من امرأة، فهي رمز للأبدية، للإلهام الشعري، وربما للمرأة-الكون التي تهب الشاعر جراحه وخصوبته في آن. يتداخل الخاص والعام، الحسي والميتافيزيقي، في رسم هذه الأنثى المتعالية.
3. العاطفة الساخنة والمجاز الفجّ
القصيدة لا تخلو من جرأة بلاغية تصل أحيانًا إلى حدود الصدام مع القارئ:
«عجيزتها بحر شرس، وفحشها النهاري يهدد المدن بالزلزال».
هذا الانزياح اللغوي من الميتافيزيقي إلى الإيروسي الفج يكشف رغبة الشاعر في كسر المحرّمات الشعرية والتعبيرية، وإعلان القصيدة كفضاء حرّ لا يتقيّد بالمألوف. غير أنّ هذا الخيار قد يثير التباسًا بين قيمة الصورة الفنية وبين جرأتها التعبيرية، مما يجعله نصًا صادمًا وموضع نقاش نقدي حول الحدود بين الشعر والفحش.
4. الموسيقى الداخلية
رغم غياب الوزن الخليلي، تعتمد القصيدة على موسيقى التكرار (من النهر إلى النهر، لا اسم لها ولا رسم)، وعلى إيقاعات التوازي والتقطيع البصري للجمل، مما يمنح النص إيقاعًا متوترًا يناسب معنا
5. الشاعر وذاته الممزقة
النص في عمقه هو مواجهة الشاعر لذاته: فهو «نسرها الهرم» الذي يهدد أعشاشها، وفي الوقت نفسه الأسير لعينيها ونهر كحلها. إنّه صراع بين الكبرياء والانهزام، بين الرغبة في السيطرة والاستسلام الكامل لفتنة الأنثى/الرمز.
قصيدة "سَيّدة البيت" نص إشكالي بامتياز: يزاوج بين الحبّ والجرح، بين الحسيّ والميتافيزيقي، بين الرمز الشعري والجرأة الصادمة. إنها قصيدة مشتعلة بالصور، لكنها لا تخلو من التناقضات التي تزيدها غموضًا وثراء. وإذا كان بعض القُرّاء قد يجدون في جرأتها تجاوزًا، فإن هذا التمرّد ذاته هو ما يجعلها نصًا يستحق التأمل والجدل، وينبّهنا إلى أن الشعر ليس تزيينًا للعادي، بل اقتحامًا للمجهول، مهما كانت كلفته.
أشرف ماهر ضلع / مصر
——————————————————
القراءة النقدية الأكاديمية لنص :
"سَيّدَةُ البَيْت"
شعر محمد الزهراوي أبو نوفل
بقلم : الرهيب التاج
1. الإطار العام للنص:
النص الشعري يعكس تجربة وجدانية عميقة، حيث يمتزج الحب والاشتياق بالتحليل الذاتي والتأمل في الذات والوجود. الكاتب يختار شخصية محورية – سيدة البيت – لتكون محورًا رمزيًا، فهي ليست مجرد امرأة بل تمثل حالة وجدانية، شعورًا، وكيانًا متداخلًا مع الذات والشاعرية نفسها.
2. البنية الأسلوبية:
التكرار: يظهر التكرار في النص، مثل عبارات "منذ" و**"كل"**، لإضفاء إيقاع درامي يعكس استمرار الحالة الشعورية.
الصور الشعرية المكثفة: النص مليء بالصور الحسية والرمزية، مثل:
"قتَلتْني عيْناها": تعبير عن القوة العاطفية للنظرة، يستخدم لغة المبالغة (hyperbole) للتعبير عن التأثير النفسي العميق.
"دمي مُلَوّثٌ بها مِن النهر إلى النهر": استعارة للتغلغل العاطفي الشامل، تكشف عن ارتباط الدم بالحياة والهوية الروحية.
اللغة المركبة: استخدام تراكيب معقدة، وأحيانًا كأنها نثر موسيقي، يوضح الرغبة في الانصهار بين الصوت الداخلي للشاعر والرمز الخارجي (سيدة البيت).
3. الرمزية والدلالات:
سيدة البيت: ترمز إلى الحب المطلق، أو القوة المبدعة، وربما تمثل أيضًا الوطن أو الأمن الداخلي، مما يجعل النص متعدد المستويات: شخصي، وجداني، وفلسفي.
النهر والدم والخطى: تعكس مسارات الحياة والارتباطات الوجدانية، والانعكاسات الداخلية للذات الشاعرة.
الحياة والموت: النص يمزج بين الحيوية والاستمرار (مثل: "تدفئني باستمرار") وبين التهديد والموت الرمزي (مثل: "فضلاً عن هذا وعن موسيقاها الصاخبة… يُهدّد كل المدن بالزلزال").
4. العلاقة بين الذات والمحبوب:
النص يعكس حوارًا داخليًا مكثفًا بين الشاعر وكيان الآخر (سيدة البيت). هناك شعور بالعشق، التهديد، الإعجاب، والخوف، كلها تتصارع لتخلق حالة وجدانية متقلبة، كما يظهر في العبارات:
"أنا لا أتطاول على سيدة البيت": احترام وقوة في الوقت نفسه.
"كل حجالها أمامي ولا خوف مني": اندماج السلطة العاطفية مع التحرر الشخصي.
5. الإيقاع والموسيقى الداخلية:
على الرغم من كون النص نثريًا في بعض الجمل، إلا أن استخدام التكرار، والمسافات البيضاء، والفواصل، والخطوط الطويلة يعكس إيقاعًا شعوريًا قريبًا من الموسيقى الداخلية للشاعر، ويمنح القارئ إحساسًا بالتنفس الشعوري والنبرة العاطفية المتغيرة.
6. النقاط النقدية:
الإيجابيات:
قوة الصور الشعرية واللغة الغنية بالرموز.
التوازن بين الذات والمحبوب/الرمز.
القدرة على نقل تجربة وجدانية عميقة إلى القارئ.
التحفظات:
كثرة التعقيد اللغوي قد تصعّب القراءة على القارئ العادي.
بعض الجمل طويلة جدًا مما يبطئ الإيقاع في القراءة السطحية.
7. الاستنتاج النهائي:
النص يمثل نموذجًا للشعر الحديث الذي يجمع بين الرمزية المكثفة والتأمل الوجداني العميق. محمد الزهراوي نجح في خلق عالم شعوري متداخل بين الذات والرمز، مستخدمًا لغة موسيقية وغنية بالتشابيه والاستعارات، ليقدم تجربة شعرية متكاملة للقارئ المثقف. النص لا يكتفي بوصف المشاعر، بل يجعل القارئ شريكًا في التجربة الداخلية، وكأن كل كلمة تمثل نبضة وجدانية في قلب الشعر.
الرهيب التاج / ليبيا
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟