أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - بالحبر الأحمر














المزيد.....

بالحبر الأحمر


فوز حمزة

الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 12:15
المحور: الادب والفن
    


بعد طلاقي، عدتُ إلى ممارسة العادة التي أحبها ألا وهي الكتابة فوق السرير.
لستُ متأكدة إن كان السرير أكثر رحابة من المكتب أم أنني فقط أبحثُ عن حضنٍ لم يعد موجودًا.
تمددتُ كما كنتُ أفعلُ قبل عامين، قلتُ في نفسي: لا بأس، ليكن أول ما أكتبه ردّا على رسالة طليقي الأخيرة.
نعم، لقد كتبَ لي رسالة ورقية بخطِ يده، لا شاشة، لا إشعارات، لا صوت.
اضطرَ المسكينُ لحيلةِ الورقِ القديمةِ بعدَ غلقي لوسائل الاتصال بيننا.
الرسالة كانت مطوية بعناية، موشاة برائحة الكاردينيا، خطتها يد تعرف كيف تفاجئني وإن تأخرت.
والمفاجأة الأغرب أنهُ كتبَ بالحبرِ الأحمر.
كم هو لئيم!
يعرف أنه لوني المفضل، ويعرف أن عطر الكاردينيا يُربكني، ويظن أن بذلك قد يقترب خطوة.
والحقيقة؟
لقد اقتربَ خطوتين.
وضعتُ الرسالة جانبًا وذهبت أفتّش في الأدراجِ عن ورقةٍ أردّ بها.
الأدراج كانت شبه فارغة، سوى من بعض علب الزينة وأكسسوارات نسيتها منذ زمن.
لم أجدْ ما أكتبُ عليهِ، فنظرتُ إلى الرسالة، ثم ابتسمتُ...
سأكتبُ على ظهر ورقته.
وماذا في ذلك؟
راقتْ لي الفكرة لا سيما أنني سأكتب بالحبرالأزرق ... اللون الذي يكرهه.
قلبتُ الورقةَ بعنايةٍ ..
مسكتُ القلم الأزرق، شعرتُ كأنني أمسكُ بخنجرٍ مغطى بماء بارد.
في السطر الأول كتبتُ:
"الفرص الثانية، يا هذا، غالبًا ما تكون مضيعة للوقت."
توقّفتُ لحظة.
شعرتُ بنشوة صغيرة، خليط من التحدّي والانتصار.
ثم بدأتُ أكتبُ كلمات أخرى، لا أتذكّر ترتيبها بدقةٍ، كنتُ أكتبُ بسرعة، كما لو أنني أخشى هروب مشاعري قبل أن تمسكها الكلمات.
أردتُ أن أثيرَ غضبه، أن أتركَ بصمتي على ورقته كما ترك هو بصمته عليّ حتى وصلتُ إلى منتصف الورقة تقريبًا. هناك حدثَ ما لم أكن أتوقّعه.
الحروف التي كتبها بالحبرِ الأحمر بدأتْ تتداخل مع كلماتي الزرقاء.
اللونان تزاوجا كأنهما لم ينفصلا يومًا.
بعض الحروف طُمستْ، وبعضها انحرفتْ عن معناها الأصلي، لتخلق كلمات جديدة، هجينة، لا تشبهني ولا تشبهه.
وقفتُ أتأملُ المشهد: الورقة الآن تبدو كساحة معركة.
أحرف مشوّهة، كلمات نصفها لي ونصفها له، ولون ثالث غريب وُلد من بين الأحمر والأزرق، يحمل طيفًا بنفسجيًا باهتًا... بعطر الكاردينيا.
سطرٌ واحدٌ نجا من الفوضى، بقي واضحًا رغم تلوث الحبر حوله.
سطرٌ بدأ به رسالته:
"لقد سئمتُ ظلي الوحيد..."
أيّها الماكر...!
هذه العبارة سرقها من إحدى منشوراتي القديمة.
لكنني لا أنكر...
لو سألتموني عن حقيقة مشاعري لحظتها، لقلت:
أنا... سعيدة.
قرّبتُ الورقة من وجهي...
رائحة الكاردينيا ما زالتْ عالقة بها، رغم تزاوج الحبرين.
اللون الثالث الذي تشكّل أمامي صار مألوفًا ... مزيج من العتاب والحنين، من الأحمر الذي أحب، والأزرق الذي يعكر مزاجه.
ضحكتُ بصوتٍ خافت.
يا لسخافة هذا كله.
مددتُ يدي نحو الهاتف.
فتحتُ الإعدادات.
قلّبت اسمه بين أصابعي لحظة، ثم مرّرت إصبعي نحو " إزالة الحظر".
لم أضغط بعد، فقط تركت الشاشة مفتوحة أمامي.
أردتُ أن يكون القرار بطيئًا.
وضعتُ رأسي على الوسادة، أستمعُ لأغنية:
"زعلي طول أنا وياك..."
صوت فيروز يعرف كيف يُربك المسافات بين الحنين والعناد.
فتحتُ عينيّ ببطءٍ، نظرتُ إلى السقف، ثم إلى الهاتف بجانبي كما لو أنه ينتظر إيماءة صغيرة مني لينفجر بالاحتمالات.
لم أضغط.
فقط، سحبتُ الشاشة نحو اليسار.
ثم توقفت.
أعدتُ الهاتف إلى مكانه بهدوء...
نهضت من السرير، مشيتُ باتجاه النافذة، وفتحتها قليلًا... دخل هواء رطب يشبه مساءات كنا فيها معًا دون كلمات.
وضعتُ الرسالة تحت وسادتي.
لا أعلم لماذا فعلتُ ذلك.
ربما لأتذكّر، أو لأنني أخبّئ فيها شيئًا لا أعرفه بعد.
كل ما أعلمه الآن…
أنني، للمرة الأولى منذ وقت طويل،
لم أكنْ غاضبة.
ولم أكنْ "بخير" أيضًا.
كنتُ فقط…
مستعدة للانتظار.



#فوز_حمزة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرينتي السيدة ( لماذا )
- الطريق الثالث
- نفسي الأمارة
- بين نسق الخيانة وهبوب الذات الأنثوية .. قراءة في رواية ( ريا ...
- واقعية المكان في رواية ( رياح خائنة ) للكاتبة فوز حمزة .. مص ...
- غباء اصطناعي
- غمزة سعاد
- من قلة الخيل
- مُلهم من ورق
- جيران آخر زمن
- ( في العمق ) محاورة بين الكاتبة فوز حمزة والناقد أحمد مبارك ...
- رسالة إلى رجل لا أعرفه
- زوجي الخامس
- على ساحل فارنا
- سياحة ذهنية في عرض النص .. دراسة نقدية لرواية ( رياح خائنة ) ...
- انطولوجيا الجسد في مجموعة أمي وذلك العشيق أشواق النعيمي
- هل تصدقين ؟
- قراءة في المجموعة القصصية ( أمّي .. وذلك العشيق ) للقاصّة فو ...
- ثغرها والحياة
- أربعة في الظلام


المزيد.....




- سيد جودة.. رائد تجسير الثقافات بين الأدب العربي والصيني عبر ...
- رحلة الحب
- مخاطر مميتة يواجهها صحفيو غزة ضمن معركة إسرائيل للسيطرة على ...
- مخاطر مميتة يواجهها صحفيو غزة ضمن معركة إسرائيل للسيطرة على ...
- خير الدين بربروس، حكاية قرصان الجزائر الذي أصبح -ملك البحار- ...
- تمصير الضحك.. كيف عكست الكوميديا واقعها السياسي والاجتماعي؟ ...
- الشيف الأردنية ناصر تسخّر دراستها لفنون الطهي لمواجهة التجوي ...
- الشيف الأردنية ناصر تسخّر دراستها لفنون الطهي لمواجهة التجوي ...
- حماس تنفي الرواية الإسرائيلية بشأن هجوم مستشفى ناصر
- أفضل فيلم رعب لعام 2025.. -أسلحة- يكشف وجها جديدا للخوف


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فوز حمزة - بالحبر الأحمر