فوز حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 23:21
المحور:
الادب والفن
ظلت عملية سرد الوقائع لا تبدأ إلا بعد تصوير الإطار الذي تتم فيه هذه الوقائع شائعة,ولزمن طويل في القصص التقليدي,أي وصف المكان,وتحديد موقعه,ووصف الزمان,وتحديده,والتجديد الذي عرفته الكتابة الروائية,وقد جعل منها كما يقول ريكاردو مغامرة الكتابة أكثر مما هي كتابة مغامرة- جعل أيضا من مغامرات الأشياء الموصوفة مغامرات وصف لذا فان وصف الأمكنة,والأشخاص,والأشياء,لا يقل أهمية عن سرد الأحداث والأفعال,وتختلف حاجة الكاتبة,وهي تصف الخلفيات الخاصة لشخصياتها,وأحداثها إذ قد تحتاج في بعض الأحيان إلى وصف خلفية موسعة,أو تركز في أحيان أخرى على جزئيات صغيرة,وهذا كله يستلزم معرفة الكاتبة لبيئتها التي تصفها حتى تحقق أهدافها من هذا الوصف في عملها فالإحساس بالمكان لدى الكاتبة,وفي تعبيرها عنه يفترض أن يجعل القارئ يحس بالانطباع,والنكهة,والأصوات ,والجو المألوف الخاص به,وان يستطيع مراقبة الشخصية في عملها,وفي حياتها وان يرى ما تراه الشخصية في عملها,وفي حياتها,وان يرى ما تراه الشخصية من وجهة نظرها ,وان يحس ما تحس به تجاه هذا المكان,والروائية المبدعة (فوز حمزة) استطاعت أن تصف المكان بدقة متناهية ,وأدخلت تقنية (الميتافكشن ) هي طريقة حداثوية جديدة إذ أن الروائية ابتدعت فكرة قراءة الرواية من قبل بطل الرواية (ادم ) وهو رجل , والروائية امرأة , ويكون النص في سياقه الصحيح , فنراها تقول : هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مراسيم دفن، في المرة الأولى، كان المتوفى مديرًا لإحدى شركات والدي وصديقه منذ سنين الجامعة يدعى السيد جورج ويلسون. أبي كان يُلقب السيد ويلسون بصاحب الرأس المربع، وعندما سألته عن سبب هذه التسمية المضحكة وكان ذلك حينما رافقتهما في رحلة إبحار قصيرة في بحيرة سكاكاوي بعد الاحتفال بعيد مولدي الرابع عشر، أجاب وهو ينظر للبحر: سأخبرك شيئًا مهمًا يا آدم، كلنا ننظر للأمور من زاوية واحدة إلّا جورج، يملك أربع زوايا للنظر كما هو المربع وأحيانًا أكثر لأن هناك خطوطاً تتقاطع مع بعضها فتنتج عنها زوايا جديدة، وزوايا جورج ليست جميعها قائمة، ثم أضاف عندما شعر بعدم فهمي لما يقول: حينما تكبر ستفهم قولي ثم ضحك بعدما نجح في إثارة استغرابي , والروايةُ الجديدة كما وصفها عدد من الروائيين، هي الفنُّ الذي يُوفِّقُ ما بين شغف الإنسان بالحقائق وحنينه الدائم إلى الخيال، ولعل هذا الوصف ينطبق على الفن بصفة عامة وعلى الرواية , بصفة خاصة، حتى لو ادعى الكُتَّابُ أنْفُسُهُمْ غيرَ ذلك إلاَّ أنَّ الروايةَ الجديدة تبقى إلى جانب ذلك عملاً أدبياً، أي لا بد للخيال من أن يكون له دور فيها، فالنص الأدبي لا يكتسب صفته الأدبية إلا بالانتقال من الواقع إلى التخْييل وبقدر نجاحه في ذلك يكون نجاح العمل بصفة عامة, وإذا أقررنا بنجاح عملٍ أدبيٍّ ما، فإن البحث عن أسباب النجاح هو بحث في قدرة الكاتبة (فوز حمزة) على رسم الواقع بصورة جمالية تلامس صورتها الأصلية مع مسحة فنية للخيال, والمكان يعني بدء تدوين التاريخ الإنساني,والمكان يعني الارتباط الجذري بفعل الكينونة لأداء الطقوس اليومية للعيش,للوجود,لفهم الحقائق الصغيرة,لبناء الروح للتراكيب المعقدة,والخفية لصياغة المشروع الإنساني,ويعيش المكان واحدة من لحظات وجوده المؤثرة,لحظة امتدت عقودا من التراجع والاندحار,وهاهي تصعد إلى الذروة غير المأمولة للحدث,مدونة على مشهد الخراب الواسع كلمتها القاهرة,ساعية لتفكيك ما ينطوي عليه هذا المكان من علاقات إنسانية تشكلت عبره ,ووجدت ملاذها فيه,مثلما تشكل,بدوره,عبرها,ووجد مأواه فيها,ليغتني مع كل علاقة إنسانية جديدة تنشأ في ظلاله,ويتشرب بما لا ينتهي من المعاني,والدلالات مسقطا عنه شبهة الحيادية,والجمود,فنراها تقول :- كنت مستغربًا من هذه الصدفة التي حصلت معي، ففي ليلة سفري لم ينظر لي المحامي ولم يودعني واليوم التقي فيه في ذات المكان لكن دون أن يتعرف علي وأيضا دون أن نتبادل الحديث.وقفتُ أنظر إليه وهو يغيب داخل الحمامات. بدت الأشياء في المطار أصغر من حجمها حينما تركتها، لكن الهدوء لم يغادر هذه المدينة الوادعة التي أحبها. خرجت من باب المطار باحثًا عن سيارة أجرة لأنني رفضت أن تأتي علياء لاستقبالي طالبًا منها أن تزودني بالعنوان وأنا سأتكفل بالباقي، وحينما سألت نفسي مستغربًا: لِمَ فعلت ذلك؟. ربما ليعاودني ذلك الإحساس قبل مغادرتي لها، فيسهل عليّ لقاء عائدة وعلياء وقد نجحت في ذلك.ولقد أدرك الإنسان منذ القدم الأهمية المتميزة للمكان,وعلاقته بوجوده,وكان لفكرة المكان أثر أساسي في الفكر الإنساني قديما,وحديثا,وتطورت هذه الفكرة مع تطور الفكر البشري في تعامله مع العالم الخارجي المحيط به, ويبدو أن المكان يأخذ حظه الأوفر في رواية (رياح خائنة ) , إذ نجد الروائية (فوز حمزة) تتفقد أماكن عرفتها في السابق , وهي تسرد لنا تفاصيل الأحداث, وهي كثيرة , وغريبة , ورهيبة , ومن هنا تقترب فوز من تلك النصوص التي تقرأ بتغيراتها , وليس بوصفها , بتحولاتها لا بثباتها , بل بانهدامها لا برسوخها , ومن هنا أيضا لا نجدها تتحرك في هذه الرواية بطريق مستقيم , حركتها داخل النص حركة انزياح , وتمدد دائري يشابه إلى حد بعيد جغرافيا العاصمة المدورة, وتصارع الزمن المتداخل , والمتدفق مثل نهرين يقتربان , ولا يلتقيان عند خاصرة المدينة, تتحرك في ثبات واختفاء, وعودتها بأخرى مقلدة , فنراها تقول :- استيقظتْ رادوسلافا على صرير باب شقتها وهو يُفتح ثم صوت خطوات تقترب من غرفة نومها، لقد عرفته، ومَنْ غيره يزورها في مثل هذا الوقت المبكر؟. نظرت إلى الساعة المنضدية قرب رأسها المشيرة إلى الثامنة تقريبًا، وقبل أن تنهض من فراشها كان وائل قد فتح الباب ببطء، وقفَ لحظات ممسكا بالمقبض وعيناه تجولان في أنحاء الغرفة كأنه يبحث عن شيء ما، وبصوت فيه الكثير من التعب,أن الروائية ( فوز حمزة) أعطتنا صور متعددة عن المكان , بل هي نقلت ألينا بأمانة علمية الأحداث التي وقعت ,وحاولت إلى حد معقول تقديم شهادة ثقافية متوازنة عن حال الشخصيات الرمزية في اغلب الأحيان إلا أنها وقعت أحيانا تحت طائلة بعض عبارات , تضمين القناعات السياسية الصادمة ليساق الخراب , هذا من وجهت نظري وارى أيضا أن الرواية كانت في حدود المشاهدات , واحتفظت بلغتها الأدبية أما اقتران الكتابة بالفكر والفلسفة أمر أعده طبيعيا لان ذلك يعني أننا لا نستطيع مشاهدة الأشياء ونقلها مجردة من ظلالها , وانعكاساتها في الخيال الإنساني, كان بيكت يقول لا يمكن أن نقول صباح الخير من دون سياسة ,وهو المعروف بمسرحه العبثي, وهل هي مجرد مشاهدات صامتة لكاميرا بشرية استطاعت فوز نقلها إلينا إنني أرى الرواية بعدسة الروائية المثقفة ولهذا فان علاقة الرؤية بالرؤيا في نصوص الرواية متداخلة 0
ما يميز الروائية (فوز حمزة) أسلوبها الشيق , والجميل , وثقافتها العالية , ودقتها في الوصف, وسرد الأحداث بلغة شعرية وشاعرية ,ولعل أهم ميزة ميزت الروائية المبدعة(فوز حمزة) جعل المتلقي يشاركها أحداث الرواية ,وكأنه شخصية من شخصياتها الرئيسة ,تسرد لنا عن طريق عين الكاميرا صورا فوتوغرافية , ومشاهد سينمائية , وسيناريو الأحداث المترابطة 0
#فوز_حمزة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟