رحيم فرحان صدام
الحوار المتمدن-العدد: 8442 - 2025 / 8 / 22 - 00:23
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
المقدمة
ظهر شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز(ت 748 ه/1357م) في عصر نشط فيه التأليف في كل علم من العلوم الاسلامية ، ومن الطَّبَيعي أن يكون التأليف في ميدان السيرة النبوية مواكباً لهذا النشاط الذي استقى موارده ونصوصه من التراث الضخم من الكتب والروايات التي دونها علماء التفسير والحديث والتاريخ قبل ذلك العصر.
لقد شهد القرن الثامن الهجري في مصر والشام خلال حكم المماليك (648-923ه/1250-1517م) ، ظهور عدة مؤلفين في التاريخ الاسلامي، أخرجوا مؤلفاتهم في هذا العلم على نحوٍ مفرد أو ضمن كتاب تاريخي كبير.
لقد شهدت بلاد الشام ظهور مدرسة تأسست على علوم الحديث والمأثور ، مثَّلها ابن تيمية تقي الدين أبو العَباس أحمد بن عبد الحليم الحراني الحنبلي الدمشقي (661 - 728ه / 1263 - 1328م) وتلاميذه وأبرزهم الذهبي، وابن كثير:عماد الدين إسماعيل بن عمر الدمشقي (ت774هـ/1373م). فضلا عن المزي جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، القضاعي الكلبي (ت742ه/1341م) وغيرهم.
تميزت هذه المدرسة بالتنوع والجدة في العرض ومقدرة أولئك المؤلفين على تنقية الروايات وتمحيصها وتجاوز طريقة الجمع والاقتباس إلى النقد على أسس طائفية. وقد جمع اعلام هذه المدرسة بين التمسك بالنصوص والعقلية غير العلمية.
ويلفت نظر الباحث في هذا الواقع الجهود التي بذلها الذهبي في كتابه ( تاريخ الاسلام) عامة و(السيرة النبوية) خاصة ، اذ نجد عناية بجمع الروايات من مصادرها وعناية بذكر الأسانيد ونقدها على اسس طائفية غير علمية ، واستيعاباً لجهود العلماء السابقين .
المبحث الاول: كتاب ( تاريخ الاسلام)
اتجه النشاط الثقافي منذ ( القرن السادس الهجري ) نحو الحفاظ على التراث الفكري اكثر منه نحو المشاركة في أثراء هذا التراث ، ولم تبدأ في هذا العصر بادرة حقيقية تدل على الابداع والتجديد اللذين ميزا الحضارة العربية الاسلامية قبل هذا القرن، وبدأ العلماء يتجهون نحو التجميع والتركيب بدلا من الابتكار والابداع والتجديد ، وظهرت في هذا العصر كتب ضخمة ذات طبيعة موسوعية ، اذ تصاعد الاتجاه نحو التجميع ، والتأليف الاجتراري ، والشروح والتفسير والمبسطات وشروح الشروح ، وفي الاعم الاغلب يكون هذا الاتجاه علامة على الجمود الفكري الذي يعتري حضارة من الحضارات ، وعلى الرغم من ان الموسوعات والمؤلفات الشاملة مثل كتاب مسالك الابصار في ممالك الامصار للعمري : أحمد بن يحيى بن فضل الله العدوي ، المتوفى سنة (749ه / 1349م) ، ونهاية الارب في فنون الادب للنويري أحمد بن عبد الوهاب بن محمد التيمي البكري ، المتوفى في سنة (733ه/ 1333م) ، وكتاب (البداية والنهاية) لابن كثير. قد حفظت لنا تراثا كبيرا في كافة نواحي الحياة الا ان هذا النمط من التأليف التجميعي ، الذي لا يقوم على الابتكار، كان انعكاسا لظروف الحضارة العربية الاسلامية التي كانت تعيش عصره الاخير، وتحاول ان تدافع عن نفسها ضد الهجوم الذي واجهته في القرون الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الميلادية من قبل الصليبيين ، وضد الهجوم المغولي في القرن الثالث عشر الميلادي ، وضد الهجوم الاوربي المستمر في الاندلس .
لقد كانت هذه الموسوعات تعبيرا عن رغبة في الحفاظ على الذات الحضارية التي يتهددها الهجوم في كل مكان ، فقد كان هدف هذه الموسوعات جمع شتات الانجازات الفكرية للحضارة العربية بقصد حفظها من الضياع . لقد كانت الحضارة العربية الاسلامية في حال الدفاع عن الذات ، واراد ابناؤها لم تراثها وحفظه .
وعلى الرغم من التدهور الثقافي العام الا ان حركة التدوين التاريخي كانت مزدهرة بصورة ملفتة للنظر . ففي ذلك العصر وصلت الكتابة التاريخية الى ارقى مستوى وصلت اليه في تاريخ الفكر العربي . وكان ذلك العصر بمثابة المعرض الحي لمدى التنوع والاثراء الذي وصل اليه التدوين التاريخي .(1)
يعد الذهبي عالم موسوعي جمع بين العديد من العلوم والفنون وذاعت بعض كتبه لا سيما كتابه( تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام) وكتاب (سير أعلام النبلاء) بين المسلمين قديماً وحديثاً.
أن الغالب على الدراسات الاسلامية في بلاد الشام طابع التقليد والعكوف على الشروح والمختصرات وهي مدرسة حديثية جمعت بين الاتباع السلفي والعلم الاسلامي والمنهج اللاعقلي غير النقدي الا على اسس طائفية، مثلها ابن تيمية والمزي ثم الذهبي وابن كثير.
كان التعصب المذهبي في بلاد الشام ادى الى تمزق المجتمع فإنه ولد في الوقت نفسه نشاطا علميا واضحا في هذا المضمار تمثل في الكتب الكثيرة التي وضعت فيه . كما ظهر تحيز واضح في كثير من كتابات العصر . (2)
في هذه البيئة الفكرية والعقائدية المضطربة ولد المؤرخ شمس الدين الذهبي في شهر ربيع الآخر سنة (٦٧٣ه/127٤م). وهو من أسرة تركمانية الأصل ، تنتمي بالولاء إلى قبيلة تمیم(3) ، سكنت مدينة ميافارقين من أشهر مدن ديار بكر(4) .
اشتهر الذهبي بكتابه « تاريخ الإسلام » ونال من أجله صيتا ذائعاً ، لما تميز به هذا الكتاب من ميزات ؛ إذ هو أضخم مؤلفات الذهبي الكثيرة وأوسع التواريخ العامة حتى عصره ، تناول فيه تاريخ المسلمين من بدء الهجرة النبوية حتى سنة (700هـ / 1300م) ، فجمع مادة ضخمة في نطاقه الزماني الممتد عبر سبعة قرون كاملة ، وفي نطاقه المكاني الشامل الجميع الرقعة الواسعة التي امتد إليها الإسلام من الأندلس غربا إلى أقصى المشرق، وقد شمل الحوادث الرئيسة التي مرت بها الجماعة الإسلامية الرسول وتعاقب الأحداث والدول في شتى أنحاء العالم الإسلامي حتى نهاية القرن السابع الهجري ، كما تضمن تراجم الاعلام في كل ناحية من نواحي السياسية والاجتماعية والعلمية .
يعتقد الدكتور بشار عواد معروف ان الذهبي يتميز بعقلية عظيمة في الانتقاء ويعنى بانتقاء الموارد المعاصرة. (5)
يبدو ان الدكتور بشار لا يعي ما يقول والا ما العقلية العظمية التي تميز بها الذهبي في الانتقاء وهو عقلية جامدة حاله حال المحدثين وهو لا يتعدى نقل اقوالهم واحكامهم التي تعتمد الاهواء المذهبية غير العلمية .
ولنترك الموضوع للشيخ الغماري الذي تحدث عن عقلية الذهبي ( العظيمة ) كما يزعم بشار اذ يقول ما نصه:" وأما الذهبي فلا ينبغي أن يُقبل قولُه في الأحاديث الواردة بفضل علي عليه السلام فإنه سامحه الله كان إذا وقع نظره عليها اعترته حدّةٌ أتلفت شعوره ، وغضبٌ أذهب وجدانه ، حتى لا يدري ما يقول ، وربما سب ولعن من روى فضائل علي عليه السلام كما وقع منه في غير موضع من الميزان وطبقات الحفاظ تحت ستارة أن الحديث موضوع ، ولكنه لا يفعل ذلك في من يروي الأحاديث الموضوعة في مناقب أعدائه ولو بسطت المقام في هذا لذكرت لك ما تقضي منه بالعجب من الذهبي..." (6) .
فهل هي هذه العقلية العظمية ام ان الطائفية تعمي القلوب كما تعمى الابصار ؟!!!
الهوامش
(1) ينظر : قاسم عبدة قاسم (ت 2021 م): ماهية الحروب الصليبية ، سلسلة عالم المعرفة ، الكويت -1990 م . ص 183- 185 .
(2) الذهبي : شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز(ت 748 ه/1357م) ، تاريخ الإسلام وَوَفيات المشاهير وَالأعلام ،المحقق: الدكتور بشار عوّاد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م. (11/ 842) ، (12/ 536).
(3) ينظر: الصفدي، صلاح الدين بن أيبك، (ت 764هـ/1381م)، الوافي بالوفيات، اعتناء: س. ديدنيغ وآخرون، ط2، (بيروت ـ 1991). ج ۲ ص ١٦٤ ، نكث الهميان في نكت العميان ، علق عليه ووضع حواشيه: مصطفى عبد القادر عطا ، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت ،الطبعة: الأولى، 1428هـ / 2007م. ص ٢٤٢ .
(4) الحموي، شهاب الدين ياقوت بن عبد الله الرومي (ت 626هـ/1233م)، معجم البلدان، دار صادر، ط3، (بيروت ـ 2005). ج ٤ ص ٧٠٣ فما بعد .
(5) بشار عواد معروف : الذهبي ومنهجه في كتابة تاريخ الاسلام، رسالة دكتوراه من جامعة بغداد بإشراف الأستاذ الدكتور جعفر خصباك ساعدت جامعة بغداد على نشره ، مطبعة عيسى الباني الحلبي وشركاه، القاهرة، 1976. ص 77.
(6) الغماري: أحمد بن محمد الحسني المغربي(ت 1961م) ، فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ، تحقيق وتعليق وتصحيح الأسانيد : محمد هادي الأميني، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي ( ع ) العامة – اصفهان ، ، سنة الطبع١٤٠٣ه ، الطبعة الثالثة. ص160.
#رحيم_فرحان_صدام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟